الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها
المؤلف/ المشرف:
موسى آدم عيسى
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مجموعة دلة البركة ̈الأولى
سنة الطبع:
1414هـ
تصنيف رئيس:
اقتصاد
تصنيف فرعي:
اقتصاد - أعمال منوعة
الخاتمة وأهم نتائج البحث
بعد أن ناقشنا أسباب وآثار ووسائل معالجة التغيرات في قيمة النقود، ففيما يلي ملخصاً لأهم النقاط التي تناولها البحث والنتائج التي توصل إليها:
أولاً:
ناقشنا في الباب التمهيدي لهذه الدراسة، حقيقة النقود الورقية الإلزامية وماهية التغيرات في قيمتها، ولقد ظهرت لنا من خلال المناقشة النتائج التالية:
1 -
ظل المسلمون في صدر الإسلام وحتى سنة 76 هجرية يتعاملون بالدينار والدرهم، غير أن مفهوم لفظ الدينار والدرهم كان ينصرف إلى وزنهما وليس إلى عملة محددة كما يتبادر للذهن، إذ أن مفهوم الدينار كان ينصرف في العصر النبوي وما بعده إلى كل وزن يساوي مثقالاً ولا يدل على عملة محددة العيار أو النقش.
2 -
رغم وجود تشابه كبير بين حقيقة النقود الورقية المعاصرة وبين النقود المغشوشة من حيث إن كليهما نقد ائتمان ذو قيمة تبادلية أكبر من قيمته الذاتية، إلا أننا لا نستطيع أن نقيس عليها أحكام النقود الورقية الإلزامية، وذلك لأن الأحكام الشرعية في النقود المغشوشة تنصرف عند غالبية المذاهب إلى ما فيها من ذهب أو فضة. كما أن الوجود النسبي للذهب والفضة في النقود المغشوشة ينفي العلاقة بينها وبين النقد الورقي الإلزامي المعاصر.
3 -
تبين للباحث أن الفلوس رغم أن نشأتها كانت كنقد مساعد يستخدم لبيع وشراء توافه السلع، إلا أنها احتلت في بعض الفترات التاريخية مكانة رفعتها إلى مرتبة النقدين، بحيث أصبحت النقد الأساسي الذي تنسب إليه أثمان سائر السلع والخدمات.
4 -
تبين للباحث أن فقهاء المسلمين انقسموا بشأن أحكام الفلوس إلى فريقين: فريق ربط أحكامها الشرعية بأصلها ومعدنها، واعتبر الثمنية فيها شيئا عارضاً يجب إلا برفعها إلى مكانة النقدين، ومن ثم لم ير جريان الربا فيها، أو استحقاق الزكاة فيها. وفريق ثان نظر إلى وظيفتها فاعتبرها نقداً، طالما أنها تقوم بوظائف النقود الشرعية. وقد تبين للباحث بعد المناقشة رجحان ما قال به الفريق الثاني الذي يرى أن الفلوس تجري عليها أحكام النقود الشرعية وذلك:
أ- لأن الإسلام لم يلزم الناس بنقد معين، وتفضيل المسلمين للذهب والفضة كان لما فيهما من خصائص ومميزات جعلتهما يفيان بالشروط المطلوبة في النقود، غير أن ذلك لا يعني أن غيرها لا تنطبق عليه الأحكام الشرعية.
ب- تعتبر الفلوس في حقيقتها القاعدة العامة للنقود الاصطلاحية في المجتمعات الإسلامية، إذ تمثل نقطة التحول والتحرر من الذهب والفضة. وإذا كان الذهب والفضة قد قاما بوظائف النقود في فترة من الفترات التاريخية خير قيام وتأسست الأحكام الشرعية بهما، فلا يعني ذلك بالضرورة لزوم الاقتصار عليهما.
5 -
توصل الباحث بعد ترجيحه لعلة الثمنية التي قال بها بعض فقهائنا المسلمين، إلى أن النقود الورقية في العصر الحاضر هي نقود اصطلاحية يجري فيها الربا كجريانه في الفلوس، كما تجب فيها الزكاة وكل أحكام النقود الشرعية، غير أنها تختلف عن النقدين في بعض الجزئيات، منها:
أ- لا تعتبر النقود الورقية مالاً بذاتها، ولكنها مال بالقياس إلى غيرها، والدليل على ذلك أن الدولة لو أحرقت منها الملايين لا تكون قد فقدت من ثروتها إلا بقدر تكاليف طبعها وقيمة الأوراق المصنوعة منها.
ب- إذا لم تكن مالاً بذاتها فإنها تضمن بماليتها والتي تتمثل في قوتها الشرائية.
ثانياً:
ناقشنا في الباب الأول من هذا البحث أسباب التغيرات في قيمة النقود واستعرضنا أهم النظريات النقدية، وتوصلنا إلى أنه لا يوجد اختلاف جوهري بين مختلف النظريات التي ناقشت أسباب التغيرات في قيمة النقود، خاصة فيما يتعلق بوضعية البلدان النامية. إذ تتفق هذه النظريات في أن كمية وسائل الدفع تعتبر محدداً أساسياً لأسباب التغيرات في قيمة النقود، وقد يؤثر حجم الإنفاق أو حجم الطلب في إحداث التغيرات في قيمة النقود، غير أنه لن تتوفر أسباب زيادة الإنفاق بدرجة محسوسة ما لم تكن هناك زيادة في عرض النقود أو سرعة تداولها، بالنسبة إلى العرض الكلي للسلع والخدمات عند مستوى الأسعار السائد. وأثبت الباحث أن الخلل الناشئ، سواء بين كمية وسائل الدفع، أو بين حجم الإنفاق وبين العرض الكلي للسلع والخدمات، يعود في ظل الأنظمة الربوية إلى ثلاثة أسباب جوهرية:
أولها: البنيان الاقتصادي القائم على الربا كوسيلة للتمويل.
ثانيها: سيادة نظام الإنتاج الاحتكاري.
ثالثها: انحراف هيكل الطلب بسبب انتشار أنماط الإنتاج والاستهلاك الترفي.
وخلصنا بعد مناقشة هذه الأسباب إلى أن جزءاً كبيراً من أسباب التغيرات في قيمة النقود في هذا العصر، يعود في الواقع إلى وجود خلل سلوكي جاء نتيجة لعدم وجود قيم وقواعد يرتكن إليها في التعامل الاقتصادي.
ثالثاً:
ناقشنا في الفصل الثاني من الباب الأول دور البناء الاقتصادي الإسلامي في استقرار قيمة النقود، وتبين لنا من المناقشة ما يلي:
أ- أن تحريم الربا كوسيلة للتمويل وإحلال نظامي المشاركة والمضاربة، يدعم استقرار مستوى الأسعار عن طريق تأثيره في القضاء على الروح السلبية التي يحدثها نظام سعر الفائدة في قرارات المدخرين والمستثمرين. إذ يعمل نظام المشاركة على تضييق الفجوة بين قرار الادخار وقرار الاستثمار، كما أن عدالة توزيع الناتج في ظل نظام المشاركة تضمن عدم تركز الثروة عند فئة قليلة من المجتمع، مما قد يعرض الاستثمار للتقلب من فترة لأخرى، ومعلوم أن تقلب الاستثمار تترتب عليه تقلبات مستوى الأسعار وتغيرات قيمة النقود.
هـ- إن سلطة إصدار النقود في الاقتصاد الإسلامي إنما هي سلطة سيادية تختص بها الدولة. ولا يجوز تبعاً لذلك للأفراد أو القطاعات أن تمارس هذه السلطة، لأن ذلك يعتبر نوعاً من الافتئات على الإمام الذي هو أدرى الناس بمصلحة الرعية، ولأن تصرفاته منوط بها تحقيق المصلحة. وقررنا، تبعاً لذلك، جواز قيام مصارف تجارية خاصة، وأنه يجوز لها أن تمنح الائتمان تحت سيطرة ورقابة المصرف المركزي.
ومن عرض جميع المكونات البنائية السابقة توصلنا إلى نتيجة هي الأساس الذي عقدنا من أجله هذا الفصل، وهي أن الاقتصاد الإسلامي الملتزم بكل الضوابط التي أشرنا إليها آنفاً، يتميز باستقرار نسبي في مستوى الأسعار ومن ثم في قيمة النقود يفوق بذلك النظام الربوي بدرجات كبيرة، وأن فرص الكساد والانكماش فيه تبدو ضئيلة للغاية.
كما استنتجنا مما تقدم، أن أسباب التغيرات في قيمة النقود في ظل الاقتصاد الإسلامي تنحصر في الآتي:
1 -
تعتبر كمية وسائل الدفع العامل المتغير الأساسي الذي قد تنتج عنه تقلبات مستوى الأسعار وتغيرات قيمة النقود. وهذا قد يفسر لنا الاهتمام الواسع الذي أولاه فقهاء المسلمين لقضية إصدار النقود، إذ إنهم قصروها على الإمام أو من ينيبه، كما أنهم ذهبوا إلى تعزيز كل من يتدخل في سلطات ولي الأمر، لأن ذلك يخل بمصلحة كلية تمس حياة المجتمع واستقراره، ومن ثم فهو نوع من أنواع الفساد في الأرض.
2 -
من الممكن أن تؤثر الأجور في إحداث تقلبات الأسعار حتى في ظل النموذج التنافسي الذي يعمل فيه الاقتصاد الإسلامي، وذلك فيما إذا كانت الأجور تزيد أو تنقص بنسبة تختلف عن نسبة زيادة الإنتاجية.
وقد ناقشنا بعض النماذج من التاريخ الإسلامي، وتوصلنا إلى أن الإطار النظري الذي قدمناه يتوافق إلى حد كبير مع بعض التجارب التاريخية.
رابعاً:
ناقشنا في الباب الثاني من هذا البحث الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتغيرات في قيمة النقود، وكما تشير الدراسات الاقتصادية المعاصرة، فإن التغيرات في قيمة النقود تؤدي إلى:
- إعادة توزيع الدخل الحقيقي والثروة القومية بطريقة عشوائية لا تستند إلى أي أساس شرعي أو منطقي.
- كما أنها تؤثر تأثيراً سلبياً في الدخل القومي ومعدل النمو الاقتصادي.
- كما أنها تشوه نمط الاستثمار في المجتمع، إذ تعمل على نزوح الاستثمار من القطاعات الأساسية إلى القطاعات الثانوية وغير المفيدة لتقدم الاقتصاد ونموه.
- إضافة إلى ذلك، فإن التغيرات في قيمة النقود تؤدي إلى اختلال ميزان المدفوعات، ويشكل ذلك في الواقع استنزافاً لموارد الدولة لصالح الدول الأخرى.
وبعد مناقشة وافية لهذه النقاط، توصلنا إلى أن الآثار المترتبة على التغيرات في قيمة النقود تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك من خمس نواح:
الناحية الأولى: تؤدي التغيرات في قيمة النقود إلى الإضرار بمصلحة المجتمع الكلية، إذ أنها تؤثر في قدرة الأمة في النهوض والتطور والأخذ بأسباب القوة، وذلك بتأثيرها السيئ على الوسائل المادية التي تساعد على النمو والتطور، وعلى ذلك فهي تدخل في نظاق الضرر العام الذي يجب أن يمنع بناء على قوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار).
الناحية الثانية: تؤدي التغيرات في قيمة النقود إلى الإخلال بقضية الملكية الخاصة المصونة في الشريعة الإسلامية، إذ يترتب عليها انتقال الثروة والدخل الحقيقي من فئات اجتماعية إلى أخرى، فهي في واقعها سرقة خلقية وأكل لأموال الناس بالباطل.
الناحية الثالثة: تؤدي ظاهرة التضخم في العصر الحاضر إلى تحقيق المبدأ الرأسمالي التقليدي الذي يدعو إلى تركيز الثروة عند فئة الرأسماليين. فالتمويل التضخمي في العصر الحاضر، ما هو إلا وسيلة لتركيز الثروة عند الدولة أو عند الرأسماليين، بحجة أن ذلك وسيلة للنمو الاقتصادي. وقد أثبتنا بالتحليل والتجربة فساد هذا الرأي، خاصة في الدول النامية. وأثبتنا أنه لا يجوز شرعاً للدولة الإسلامية أن تنتهج هذا النهج في التنمية، لأنه لا تنطبق عليه شروط المصلحة. إذ أنه يعارض مصالح ورد بها النص الشرعي، كما أن وجه المصلحة فيه موهوم إن لم نقل معدوم، كما أنه لا يعتبر وسيلة لرفع حرج عن المسلمين، فقد دلت التجارب على أن الاستقرار في مستوى الأسعار – مع بعض الشروط – يعتبر أفضل مناخ للنمو الاقتصادي المقرون بالعدالة.
الناحية الرابعة: تؤثر التغيرات في قيمة النقود تأثيراً سيئاً في أصحاب الدخول الثابتة والمتغيرة. ومن وظائف الدولة في الإسلام ترشيد سياستها الاقتصادية بحيث تهيئ لهذه الفئات حياة كريمة، كما دلت التجارب على أن انتشار الظلم الاجتماعي في فترة تقلبات الأسعار يؤدي إلى تخفيض إنتاجية العمال.
الناحية الخامسة: تؤثر التغيرات في قيمة النقود في سلوك الأفراد الملتزم بالشريعة الإسلامية، ومن وظائف الدولة في الإسلام العمل على أحكام صلة الناس بخالقهم بكل الوسائل والأساليب.
واستنتجنا من هذه النقاط الخمس أنه لا يجوز لولي الأمر اللجوء إلى أي سياسة من شأنها أن تؤدي إلى التغيرات في قيمة النقود، كما يجب عليه الحيلولة دون كل الأسباب المفضية إليها، حفاظاً على مصلحة المجتمع في الحياة الدنيا والآخرة.
خامساً:
ناقشنا في الفصل الأول من الباب الثالث كيف يمكن للدولة الإسلامية أن تحول دون حدوث تقلبات في مستوى الأسعار تؤدي إلى تغيرات في قيمة النقود، وكيف يمكن أن تسيطر عليها بفرض حدوثها، وأثبتنا في هذا الصدد ما يلي:
1 -
تعتبر سياسة تثبيت قيمة النقود أفضل سياسة تفي بالمقاصد الشرعية التي يجب توفرها في التعامل النقدي، غير أن صعوبة تطبيق هذه السياسة من الناحية العملية، دفع بنا إلى اقتراح تطبيق سياسة استقرار قيمة النقود، والتي في ظلها تسعى الدولة بكل وسائلها منع ظهور اتجاه واضح لارتفاع الأسعار في الأجل الطويل أو تقلبات حادة في الأجل القصير.
وقد اقترحنا منهجاً لتحقيق استقرار قيمة النقود – على النحو المتقدم – يستند على ما يلي:
أ- السياسة النقدية: ترتكز السياسة النقدية على مبدأ أساسي وهو أن تكون نسبة الزيادة في كمية النقود مرتبطة بنسبة الزيادة في حجم الناتج القومي الصافي.
ب- السياسة المالية: تقوم السياسة المالية على الإنفاق العام كمحور ارتكازي، وللدولة أن تلجأ إلى الضرائب والدين العام كأدوات مساعدة، كما لها أن تلجأ إلى تأخير وتقديم الزكاة بهدف تحقيق الاستقرار في قيمة النقود، غير أننا اشترطنا إلا تلجأ الدولة إلى تعجيل وتأجير الزكاة إلا عند الضرورة، إذ أن للزكاة أهدافاً اجتماعية شرعت من أجلها، فيجب ألا تنصرف عنها إلا لضرورة شرعية أو حاجة مقتضية.
جـ- سياسة الأجور: أثبت الباحث أن أفضل سياسة للأجور تتلاءم مع قواعد الشريعة الإسلامية هي ربط الأجور بالإنتاجية، وأوضحنا أن ربط الأجور بالإنتاجية بالإضافة إلى أنه يحقق العدالة لجميع الأطراف، فإنه يساهم في استقرار الأسعار ومن ثم استقرار قيمة النقود، كما أثبتنا أن ربط الأجور بالإنتاجية هو مبدأ إسلامي أصيل تشير إليه قواعد الإجارة التي فصلها الفقهاء.
واقترحنا لتطبيق هذه السياسة لجنة أطلقنا عليها لجنة "الأجور العادلة" على غرار لجنة الأسعار التي قال بها الفقيه المسلم ابن حبيب المالكي. وتتكون اللجنة من ولي الأمر أو من ينيبه، وممثلين لأرباب الأعمال وممثلين للعمال لتحديد نسبة الزيادة في الإنتاجية التي تستحق زيادة في الأجر، بتحكيم ولي الأمر ولجانه المختصة وتحكيم الأخلاق الإسلامية، مع مراعاة تقديم مصلحة المجتمع الكلية على المصالح الجزئية عند التعارض. وتكون هذه اللجان بديلاً عن النقابات غير الملتزمة بمنهج معين، والتي بسبب تعنتها وتحكم أرباب الأعمال، ضاعت مصالح المجتمعات.
سادساً:
أثبت الباحث أن الاستقرار في قيمة النقود الذي اقترحناه يحقق أهدافاً اقتصادية واجتماعية واسعة، بالإضافة إلى أنه يعتبر شرطاً ضرورياً لصحة عقد المضاربة التي تستند عليه معظم المعاملات الشرعية في هذا العصر، كما أنه شرط لصحة عقد الإجارة إذ تتوقف صحة الإجارة على العلم بالأجرة، وذلك يكون بقدرها وجنسها وصفتها، ولا يتحقق ذلك إلا حينما تكون قيمة وحدة النقد ثابتة أو مستقرة خلال الزمن.
سابعاً:
ناقشنا في الفصل الأخير من هذه الدراسة الآراء الفقهية في كيفية معالجة آثار التغيرات في قيمة النقود بفرض حدوثها في المجتمع الإسلامي، وتوصلنا إلى النتائج التالية:
1 -
يقرر الباحث كما قال الفقهاء وكما أثبتت دراسات سابقة في هذا المجال، أن التغيرات في قيمة النقود الذهبية والفضية لا يجب فيها إلا المثل وذلك لتمتع هذه النقود بقيمة ذاتية تجعلها لا تفقد من جراء التغيرات الحادثة في قيمتها شيئاً يذكر.
وهذا الحكم ينطبق على الظواهر النقدية التي تعتريها كالكساد والانقطاع والإبطال، فحيث وجدت فإنه لا يلزم المدين إلا مثلها، فإن لم توجد تجب قيمتها.
2 -
يثبت الباحث أن الظواهر النقدية، كالكساد والانقطاع، التي كانت تعتري النقود الاصطلاحية في العصور الماضية تفقد أهميتها النسبية في العصر الحاضر، وذلك لأن تلك الظواهر ترتبط بقاعدة النقود المعدنية والتي خرج عنها العالم بتطبيقه لقاعدة النقود الائتمانية. وحتى بفرض حدوث بعضها، فإن العرف السائد يجعل أمر معالجتها ميسوراً.
ثامناً:
تناولنا في المبحث الأخير من هذه الدراسة الرأي الفقهي في معالجة آثار التغيرات في قيمة النقود بالنسبة لأصحاب الالتزامات المالية المؤجلة، توصلنا إلى أن للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: على المدين الوفاء بمثل النقود التي ترتبت في ذمته بغض النظر عن تغيرها.
القول الثاني: أن على المدين الالتزام بدفع قيمة النقود التي تغيرت يوم ثبوتها في ذمته.
القول الثالث: يلتزم المدين بدفع المثل إذا كانت التغيرات في النقود يسيرة، بينما عليه الالتزام بالقيمة إذا كانت التغيرات فاحشة.
وبعد أن استنبطنا – وبحمد الله – أدلة كل قول من هذه الأقوال ومناقشتها مناقشة وافية، نثبت ما يلي:
1 -
أن أساس الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة يعود إلى ضمان المدين لما أخذ. فأصحاب القول الأول يرون أن التغيرات في قيمة النقود لا تعتبر عيباً من العيوب الموجبة للضمان، وذلك لأن تغيرات قيمة النقود تقاس عندهم بتغيرات أسعار السلع المثلية.
أما أصحاب القول الثاني فهم يرون أن تغيرات قيمة النقود تعتبر أحد العيوب الموجبة للضمان، ذلك لأن الأعيان لا يتصور عيبها إلا بنقصان قيمتها، وحيث إن يد المدين يد ضمان، فعليه يقع ضمان الصورة والمعنى.
2 -
يرجع الباحث القول الثاني الذي يرى جواز تعويض المدينين أو الدائنين عن تغيرات قيمة النقود، وذلك تحقيقاً للعدالة بين الأموال المترتبة في الذمة والأعواض البديلة عنها. غير أنه يقرر أن ترجيح هذا القول في العصر الحاضر، لا يعني إطلاقاً جواز فرض أسعار فائدة تحدد مسبقاً نظير الانخفاض المتوقع في قيمة النقود، وذلك لأن التحديد المسبق لأسعار الفائدة حتى بفرض تساويها مع نسبة التغير، فإنه يفضي إلى الجهل بالتماثل. وهو يؤدي إلى الربا اتفاقاً. كما أن التحديد المسبق لأسعار الفائدة يفترض أن التعويض يجب في حالة الانخفاض فحسب، وهذا خطأ، إذ إن القواعد الإسلامية ثابتة تهدف إلى تحقيق العدالة في كل الأحوال.
3 -
اقتراح الباحث منهجاً لتطبيق مبدأ التعويض، يقوم على ترجيح ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي أبو يوسف، وعلى أن التعويض جزء من ضمان المدين لما أخذ.
وفي المنهج المقترح يتم التعويض عن طريق اختيار وحدة للتحاسب الآجل أطلقنا عليها "الدينار الإسلامي"، ولا يشترط لهذه الوحدة وجود مادي، ولكن يتم التحاسب على أساس النسبة الموجودة بين سعر الذهب وسعر العملة الورقية وقت الوفاء بالدين.
وبعد:
فإن هذا البحث لا يزيد عن كونه قطرة في خضم هذا الموضوع، بذلنا فيه أقصى ما نملكه من جهد. فإن وفقنا فالحمد لله، وإن كانت الأخرى فنسأل الله أن يعطينا أجر إثارته، فالإثارة تعني المناقشة التي تستدعي التفكير، والتفكير بداية للبحث عن الحق.
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .
والحمد لله في البدء والانتهاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (تم بحمد الله)