الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرائع السابقة ومدى حجتها في الشريعة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
عبدالرحمن بن عبدالله الدرويش
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
بدون ̈الأولى
سنة الطبع:
1410هـ
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
شرع من قبلنا
الخاتمة
تلخيص أهم نتائج البحث وما انتهى إليه
1ـ إنه لمن نعم الله تعالى عليّ أن وصلت إلى نهاية البحث وخاتمته وقد ازددت إيماناً بالله وملائكته، وكتبه ورسله، وإيماناً وثقة بشريعته الإسلامية الخالدة التي ختم الله بها جميع شرائع دينة، وجمع فيها محاسنها، وجعل أهلها خير أمة أخرجت للناس. ولا أدعي أنني وفيت البحث حقه، أو استقصيته وأتممته من جميع جوانبه، ولا أنني لم أخطئ في شيء منه، فهو جهد مقل، ويد الكاتب قصيرة وعين الناقد بصيرة.
2ـ وإن مما واجهته أثناء البحث عدا كثرة المشاغل وعدم التفرغ، أن المكتوب في الموضوع لم يكن إلا مجملاً في كتب أصول الفقه سواء المطبوع منها أو المخطوط فيما أعلم، وما اشتملت عليه، يكاد أن يكون صورة مكررة. وإلا نتفاً مفرقة في كتب التفسير، والحديث والتاريخ، والتوحيد. هذا بالإضافة إلى قلة المراجع التي تعني بالتطبيق وتخريج الفروع على الأصول فيما أعلم، ولذا أعتقد أن رسالتي هذه أول محاولة لجمع الموضوع مع التطبيق عليه بأكثر أمثلته، وإفراده في كتاب مستقل.
3ـ ولقد حرصت أن يكون البحث وافياً شاملاً لكل ما له علاقة بالموضوع وأن يكون الترتيب بين أبوابه وفصوله منسقاً مرتبطاً بعضها ببعض وبعناوين بارزة، ليكون أقرب إلى الفهم والانتفاع.
4ـ وقد بدأت البحث بمقدمة اتضح بها معنى الشرع والشريعة والشرعة والمنهاج، والقانون. وتبين أن لفظ الشرع أو الشريعة لا يطلق على القوانين الوضعية والمبادئ الهدامة والعقائد الفاسدة، وأن الشارع على وجه الحقيقة هو الله وحده، وأحكامه هي التشريع الحق، وشريعته المحكمة هي المورد العذب الصافي الذي لا ينضب معينه وهي الغذاء للأرواح والنفوس ?أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نواً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها? ?يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين? وأنها تنتظم كل ما شرعه الله لعباده وسنه لهم من الأمر والنهي والحلال والحرام، والفرائض، والحدود، والعقائد، والمعاملات، والأخلاق وغير ذلك من جوانب الحياة المتعددة، وأن ما وافقها فهو حق مقبول، وما خالفها فهو مردود. وأن سموها وفضلها على القوانين الوضعية كفضل الخالق جل وعلا على المخلوق. وأن حاجة الإنسان إلى الشريعة الإسلامية المحكمة ضرورية، فهو أحوج إليها من حاجته إلى الطعام والشراب والهواء، ومن حاجته إلى السمع والبصر، كما شهد لذلك النقل والعقل.
5ـ وبعد المقدمة أربعة أبواب، الباب الأول في الشرائع السابقة المذكورة في القرآن وأصحاب تلك الشرائع والكتب النازلة عليهم وفق ما جاء في القرآن العظيم. والباب الثاني في مقارنة إجمالية بين تلك الشرائع والشريعة الإسلامية. والباب الثالث في حكم الاحتجاج بالشرائع السابقة في الشريعة الإسلامية. والباب الرابع في التطبيق بذكر جملة مما قيل فيه إنه مأخوذ من شرع من قبلنا الوارد به شرعنا من الأحكام والقواعد التشريعية.
6ـ وقد بينت في الباب الأول: أن الشرائع السابقة للإسلام قد باد أكثرها وما هو موجود منها محرف ومبدل كشريعتي التوراة والإنجيل وهما أشهر الشرائع السابقة، وقد وقع فيهما التحريف والتبديل، فهما غير التوراة التي جاء بها موسى والإنجيل الذي جاء به عيسى ابن مريم عليهما السلام المشتملتين على الهدى والنور كما وصفهما القرآن، فليستا من شرع من قبلنا الوارد به شرعنا إذاً وذكرت منهما كثيراً من الأمثلة التي تؤكد وقوع التحريف والتبديل فيهما، ومن ذلك ما هو مختلق ومكذوب على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في قصصهم الموجودة فيهما. مما يخالف ما قصه القرآن ونهجه في قصصهم وسيرتهم الطاهرة كما ذكرناه في الفصل الأول من هذا الباب وذكرنا فيه أصل دعوتهم ونماذج من شرائعهم.
وبينت الطوائف ذات الأديان والكتب الإلهية المذكورة في القرآن، فذكرت طائفة اليهود وبعض مواقفهم السيئة مما فضحهم به القرآن وسجله عليهم من قبائح الأعمال، من زمن موسى عليه السلام حتى مجيء الإسلام ورسوله ?.
وذكرت طائفة النصارى وضلالهم في عيسى عليه السلام وما نسبوه إلى الله عز وجل مما ينزه عنه وبينت أن مذهب المسلمين في عيسى عليه السلام وسط بين اليهود الذين نصبوا العداء له وحاولوا قتله وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه، وبين مذهب النصارى الذين غلوا فيه وزعموه إلهاً وبينت تناقضهم في الاتحاد والتثليث مع الرد عليهم، وبينت كذلك أن الشياطين هي أول من أضل النصارى وزين لهم القول بألوهية عيسى وأنه ابن الله وأوردت أمثلة تدل على ذلك من أناجيلهم التي بأيديهم ويزعمون أنها الإنجيل الحق الذي جاء به عيسى عليه السلام، وأمثلة أخرى تدل على أن عيسى ابن مريم عليه السلام عبد الله ورسوله وأنه إنسان ابن إنسان لا مزية له على غيره من البشر. ولكن النصارى غلب عليهم الجهل والشرك أكثر من اليهود فهم ضالون على جهل واليهود غلب عليهم الكبر والحسد والحقد فهم أشد عداوة للمؤمنين من النصارى ومغضوب عليهم وضالون على علم كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
وفيه بينت نسخ الشرائع السابقة في الجملة بشريعة الإسلام بعد أن ذكرت معنى النسخ في اصطلاح المتقدمين والمتأخرين وعلى أي الاصطلاحين نسخ الشرائع بعضها لبعض وأن مذهب المسلمين في النسخ وسط بين المنكرين له والمغالين فيه من أصحاب الشرائع والرد على المنكرين للنسخ من اليهود.
7ـ وبينت في الباب الثاني أن المتفق عليه بين الشرائع أكثر من المختلف فيه وأن أصل دين الأنبياء عليهم السلام واحد هو أصل دين الإسلام وذكرت الحكمة في اختلاف الشرائع في الفروع دون الأصول كما بينت اشتمال الشريعة الإسلامية على محاسن الشرائع السابقة، لأنها قد جمعت في تشريعها بين العدل والفضل، وجاءت بأضعاف محاسن الوصايا العشر التي جاءت بها التوراة. ومحافظتها على الضروريات الخمس فوق كل الشرائع. وذكرت أبرز خصائص الشرائع السابقة: أن كل شريعة خاصة بأهلها، وأنها محدودة الجوانب لا تفي بكل حاجات أهلها الدينية والدنيوية، وأنها وقتية سرعان ما تزول إما بنسخ أو تحريف وتبديل، واشتمالها على الحرج والشدة في تكاليفها. وذكرت جملة من خصائص الشريعة الإسلامية: منها العموم، حيث أثبت بالأدلة الكثيرة من القرآن والسنة وإجماع الأمة وشهادة الواقع وما يقتضيه العقل، أن شريعة الإسلام التي بعث بها محمد ? عامة للجميع الإنس والجن. والخلق كلهم مطالبون بها من غير تفريق بين كتابي وأمي ولا بين عربي وأعجمي، فمن آمن بها واتبعها فهو من المسلمين الناجين يوم القيامة من النار الفائزين برضى الله عز وجل، ومن لم يؤمن بها وبرسولها ويتبعه فهو من الكافرين المعاندين المخلدين في النار يوم القيامة لا خيرة لأحد في ذلك. ومنها كمالها وشمولها لجميع متطلبات الحياة في كل زمان ومكان لا يحتاج المتمسكون بها إلى شيء معها أبداً من الأنظمة والقوانين الوضعية المخالفة لها ولا من الشرائع المحرفة المنسوخة بها. وبينت بعض الجوانب مما أولته الشريعة عنايتها .. ومنها حفظ الله لها فلا يقع فيها تحريف ولا تبديل كما وقع في الشرائع السابقة وأدلة ذلك من وجوه متعددة.
ومنها التيسير في تكاليفها ورفع الحرج عنها. وقد ذكرت الأدلة على ذلك مع بعض الأمثلة على بعض الواجبات وبينت أن ما يلحق المكلف من المشقة والتعب أحياناً، غير مقصود.
وبينت منزلة الرسل وفضلهم على غيرهم من الخلق وأن أفضلهم أولو العزم منهم وأفضل أولى العزم هو محمد ? وذكرت بعض ما خصه الله به من الفضائل. وبينت وجه الجمع بين ما يمنع من التفاضل بين الرسل من النصوص وبين قوله تعالى ?تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات? وبينت بعض ما خص الله به أمة النبي ? وفضلهم به على غيرهم من الأمم وأن ذلك الفضل كان بسبب نبيهم ? واتباعهم له فإذا ابتعدوا عن طاعته فليسوا بأهل لذلك التكريم والفضل وبينت كيف كانت حالة أهل الأرض قبيل بعثة النبي ? من التدهور الديني والخلقي وكيف تبدد هذا الظلام بنور الإسلام.
8ـ وفي الباب الثالث ذكرت خلاف العلماء وأقوالهم في تعبد النبي ? قبل بعثته بشرع من قبله من الأنبياء، وبينت أدلة الأقوال وما يرد عليها من نقاش ثم رجحت القول الذي رأيته صواباً، وبينت الفائدة من بحث هذه المسألة وثمرة الخلاف فيها. وخلصت منها الآتي إلى مسألة أهم منها وهي: حكم تعبد النبي ? وأمته بعد البعثة بالشرائع السابقة، فأوضحت أولاً تحرير محل النزاع في المسألة بتقسيمها إلى ما هو متفق عليه بين الشرائع وإلى ما هو مختلف فيه ومثلت للمتفق عليه بأمثلة توضحه. وقسمت المختلف فيه إلى خمسة أقسام وبينت كل قسم منها ببعض الأمثلة ومن ذلك اتضح ما يفهم من كلام بعض العلماء أنه محل النزاع وليس كذلك، وبينت أن محل النزاع هو ما ثبت في شرعنا أنه شرع لمن قبلنا ولم يرد في شرعنا ما يوافقه أو يخالفه وهو القسم الخامس كما نص عليه كثير من الأصوليين، وذكرت خلاف العلماء وأقوالهم فيه مفصلة وبينت ماله حظ من الأدلة والنقاش من الأقوال، وجمعت أدلة كل قول على انفراد وناقشتها وبينت ما يستقيم الاستدلال به منها على محل النزاع وما لا يستقيم الاستدلال به منها عليه. وخلصت منها واحداً واحِداً إلى النظر في إمكان الجمع بينها وهل بينها منافاة أو لا؟ وهل الخلاف حقيقي أو صوري، وقد تبين لي بعد النظر والتدقيق في جميع الأدلة للأقوال المختلفة أن لا منافاة بينها وأن الخلاف أشبه ما يكون بالخلاف اللفظي وذكرت أنه على تقدير أن الخلاف حقيقي فأنا أختار القول بحجية شرع من قبلنا الوارد به شرعنا من غير نسخ. وسقت الأدلة على ذلك.
وحققت في مذاهب الأئمة الأربعة عند أهل السنة في العمل بشرع من قبلنا الوارد به شرعنا من غير نسخ، وبينت من أقوال أصحابهم أنه لا يخلو مذهب منها في الجملة من العمل بشرع من قبلنا الوارد به شرعنا من غير نسخ قل ذلك أو كثر في بعضها دون بعض. وفي نهاية هذا الباب أوضحت حكم العمل بالقسم الرابع الذي سبق في تحرير محل النزاع وهو ما يسمى بالإسرائيليات. فبينت المراد منها وحكم التحدث بها وسؤال أهل الكتاب عن شيء من أخبارهم وحكم العمل بها، وبينت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحذرون من الإسرائيليات ومن سؤال أهل الكتاب عن شيء من أخبارهم وينهون عن التحدث بها، وأنه إن وجد من بعضهم شيء فهو قليل جداً، لأنهم أقل الناس تحديثاً بها. وبينت أن ما قيل عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه كان يحدث بالإسرائيليات ليس كما قيل عنه، وأن أبا هريرة رضي الله عنه وهو أكثر الصحابة حديثاً عن رسول الله ?لم يكن يروي الإسرائيليات ولا يأخذ عن أهل الكتاب شيئاً.
9ـ أما الباب الرابع فقد خصصته للتطبيق، حيث ذكرت فيه ما أمكنني ذكره من القواعد والأحكام التشريعية التي قيل إنها مأخوذة من شرع من قبلنا الوارد به شرعنا. وحرصت أن تكون شاملة لأكثر أبواب الفقه، فذكرت مجموعة من المسائل المتعلقة في العبادات. منها ما هو في التوحيد مما قد ينافي كماله ومنها ما هو في الطهارة، ومنها ما هو في الصلاة، ومنها ما هو في الزكاة، ومنها ما هو في الصيام، ومنها ما هو في الحج، ومنها ما هو في الجهاد. ومجموعة أخرى من المسائل في المعاملات، ومنها ما هو في البيع والشراء. ومنها ما هو في القرض، ومنها ما هو في الجعالة ومنها ما هو في الإجارة، ومنها ما هو في الهبة وغير ذلك. ومجموعة أخرى في النكاح. في أبواب منه متفرقة. ومجموعة في الحدود والقصاص والدية. ومجموعة أخرى في الأيمان والنذور ومجموعة أخرى في الحكم والقضاء ومجموعة في مواضيع مختلفة من أبواب متفرقة.
هذا وقد بينت بعد كل مسألة ما يشهد لها في شرعنا بالموافقة أو المخالفة وذكرت حكمها في شرعنا مكتفياً بذكر الخلاف مع القول الذي يظهر لي رجحانه ووجه الترجيح في المسائل الخلافية من غير استقصاء المذاهب وأدلتها على التفصيل.
وانتهيت من تلك المسائل كلها إلى أنه لم يوجد منها شيء إلا وله شاهد في شرعنا بالموافقة أو المخالفة جملة أو تفصيلاً من قريب أو بعيد مما يؤكد أن الخلاف في شرع من قبلنا الوارد به شرعنا من غير نسخ، خلاف لفظي يكاد أن لا يوجد له محل. ولا أدعي أنني استقصيت جميع ما ورد به شرعنا من شرائع السابقين فهي كثيرة، لكنها محاولة بذلت فيها ما أمكنني بذلة. والله أسأل أن يجعله عملاً خالصاً لوجهه الكريم والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.
حرر في 10/ 11/1398هـ الموافق 12/ 10/ 78م