الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعددية السياسية في الدولة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
محمد صلاح الصاوي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الإعلام الدولي - مصر ̈الثانية
سنة الطبع:
1414هـ
تصنيف رئيس:
سياسة شرعية
تصنيف فرعي:
تعددية سياسية وأحزاب
خاتمة
والذي نخلص إليه من هذه الدراسة التي طوفنا فيها بمجالات متعددة، واستعرضنا فيها قضية الأحزاب السياسية بين المانعين والمؤيدين، وبيّنا فيها كيف يمكن للمنظومة السياسية الإسلامية أن تستوعب هذه التعددية في نموذج يجمع بين الثبات والتغير ويتيح قدراً من تداول السلطة كما تقتضيه التعددية، وقدراً من ثباتها كما هو المعروف في فقه الإمامة، ثم عرجنا على ما قد تقتضيه الظروف الراهنة للعمل الإسلامي من تحالف مرحلي بين الاتجاه الإسلامي وبين الاتجاهات العلمانية، والضوابط الشرعية الحاكمة لهذا التحالف نستطيع أن نوجز نتائج هذه الدراسة في النقاط الآتية:
أولاً: إن التعددية السياسية التي تقوم على تداول السلطة بين مختلف الأطراف فكرة غربية نشأت في أوربا في أعقاب تحررها من الطغيان الكنسي والطغيان الملكي، وإطلاق الحريات الفردية، ونقل السيادة من كل من رجال الدين والملوك إلى الأمة، فانتهى بهم المطاف إلى هذه الصياغة التي تقر للأغلبية بالحق في الحكم وللأقلية بالحق في المعارضة إلى حين، ثم يعود الأمر بعد ذلك إلى الأمة لترى رأيها في الفريقين من جديد.
ثانياً: إن هذه الفكرة على هذا النحو لم يعرفها التاريخ الإسلامي ولم يتضمنها التراث الإسلامي، وإن كان قد عرف بل أرسى حق الأمة في السلطة العامة تولية ورقابة وعزلاً، كما أرسى حقها في الحسبة على السلطان وعلى من دونه، وإن كانت أصوله لا تمنع من الأخذ بها في ظل الالتزام بالإطار الإسلامي المتمثل في سيادة الشريعة والإقرار المجمل بالأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
ثالثاً: إن التعددية السياسية في منظور المفكرين الوضعيين تجربة سياسية لها تعللالتها وسلبياتها:
• فمن تعللالتها: إنها مدارس للشعوب تعمل على توجيه الرأي العام وتعميق الوعي السياسي لدى الأمة، كما أنها تعتبر همزة الوصل بين الحكام والمحكومين خاصة في الديموقراطية النيابية التي ينتهي دور الأمة فيها عند اختيار نوابها في البرلمان ليقوموا نيابة عنها بمباشرة كافة حقوق السيادة، وليس للأمة عليهم من سلطان إلا عند إعادة انتخابهم مرة أخرى، كما أنها تعد عنصراً من عناصر استقرار الحياة السياسية بما تتيحه من الوجود العلني للمعارضة وإتاحة الفرصة أمامها للمشاركة في الحكم إذا حظيت بتأييد الأغلبية بدلاً من لجوء المعارضة إلى أسلوب الجماعات السرية.
• ومن سلبياتها: تشرذم الأمة، وتبديد جهود الدولة وتشتت قواها، وآلية الحياة السياسية وتحويل الأنظمة الديموقراطية إلى أنظمة جوفاء حيث يتحول الأعضاء في البرلمان بمقتضى الالتزام الحزبي إلى مجرد أبواق تفسر قناعات أحزابهم أو تبررها للآخرين.
رابعاً: إن الإطار الإسلامي لمنظومة الحكم في الدولة الإسلامية يتمثل في الالتزام بسيادة الشرع، وسلطة الأمة، وصيانة القضاء، وصيانة الحقوق والحريات العامة، والحسبة، والشورى.
خامساً: اختلاف الباحثين في قضية التعددية إلى ثلاثة آراء: الحرمة، والجواز إذا كانت داخل الإطار الإسلامي، والجواز المطلق.
• أما مأخذ القائلين بالحرمة فيتمثل فيما تفضي إليه التعددية من تشرذم الأمة وتفرق كلمتها، وما تتضمنه من عقد الولاء والبراء على ما دون الكتاب والسنة، وما تتضمنه كذلك من الحرص على الولاية والتنافس في طلبها، وما تقتضيه المعركة الانتخابية من تزكية النفس والطعن في الآخرين، وما تعنيه من الخروج على الجماعة ومنازعة الأئمة، بالإضافة إلى انعدام السوابق التاريخية، وفشل التجارب المعاصرة، وخطأ القياس على تعدد الأحزاب العلمانية.
• أما مأخذ القائلين بالجواز داخل الإطار الإسلامي فيتمثل في أن هذا الأمر من مسائل السياسة الشرعية التي تعتمد الموازنة بين المصالح والمفاسد ولا يشترط لمشروعيتها أن تكون على مثال سابق، وأن الأصل في العادات والمعاملات الحل حتى يأتي ما يد ل على التحريم، وقاعدة الذرائع وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالتعددية أمثل طريق إلى تحقيق الشورى والرقابة على السلطة وصيانة الحقوق والحريات العامة، كما أنها الطريق إلى الاستقرار السياسي ومنع حركات التمرد والخروج المسلح، بالإضافة إلى بشاعة البديل وهو الاستبداد بالسلطة وما ترتب على ذلك عبر التاريخ من الإغراء بالقهر والتسلط، وأهم من ذلك كله أن كافة الأدلة التي ساقها المعارضون موضع نظر، وأن ما ذكروه من المفاسد منها ما يمكن تجنبه بالكلية، ومنها ما يمكن تقليله بحيث يبدوا مرجوحاً إذا ما قورن بما في التعددية من المصالح الراجحة، كما أن التعددية لا تعني بالضرورة التنافس على موقع الإمامة بل قد يكتفي فيها بالتنافس على موقع الوزارة (وزارة التفويض)
• أما مأخذ القائلين بإطلاق الإباحة فهو الاستشهاد بالفرق الإسلامية القديمة، وباستيعاب الإطار الإسلامي للمجوس والوثنيين واليهود والنصارى، وهو استدلال مردود لأن الفرق ظاهرة مرضية إن سُلِّم بوجودها فلا يُسلّم بإتاحة السبل أمامها طواعية لتكون في موضع القيادة، أما المجوس والوثنيون وأضرابهم ففرق بين أن تعقد لهم الذمة ليعيشوا كمتوطنين في المجتمع الإسلامي وبين أن يتاح لهم من خلال التعددية أن يكونوا أولي الأمر في الأمة، وأن يطبقوا مناهجهم الكفرية فيها.
سادساً: يمكن استيعاب التعددية داخل منظومة النموذج السياسي الإسلامي وذلك ببقاء منصب الإمامة على ثباته المعهود ليكون رمزاً لوحدة الأمة، ويكون التنافس على المنصب وزارة التفويض فيفوضها الإمام لأرشد تجمع سياسي يحوز ثقة الخبراء في المجلس الاستشاري العام الذي يضم صفوة العلماء والخبراء في مختلف المجالات ويحظى بتأييد الأغلبية أثناء المعركة الانتخابية، ويكون ذلك لميقات معلوم يعود الأمر بعده إلى الأمة لتجدد اختيارها في ضوء ما أسفرت عنه الإنجازات السابقة.
سابعاً: يمكن التغلب على آفات التعددية التي ساقها القائلون بالمنع بتثبيت منصب الإمامة ليكون رمزاً لوحدة الأمة وترشيح الأعضاء من قبل الأحزاب والتعريف بهم بواسطتها خروجاً من شبهة طلب الولاية وتزكية النفس، والتزام النقد بضوابط الحسبة منعاً للتهارج وتناكر القلوب، وبيان أن الاختلاف بين الأحزاب يدور في فلك المسائل الاجتهادية ومجالات الشورى التي لا تقدح المخالفة فيها في دين المخالف، ولا يثرب عليه فيها بهجر شرعي ونحوه ما دام قد صدر في مخالفته عن اجتهاد أو تقليد سائغ.
ثامناً: قدّم البحث نموذجاً لإطار سياسي إسلامي تستوعب في داخله التعددية يتمثل في الإمام، ومجلس الشورى (أهل الحل والعقد) ووزارة التفويض، والمجلس الاستشاري العام، وقدمت الدراسة بياناً بالاختصاصات التي تخول لكل منهم، وكيفية حسم الأمور عند التنازع.
تاسعاً: نصت الدراسة على مشروعية المعارضة وحقها في النقد وشرح برامجها للأمة على أن تلتزم بدعم السلطة القائمة في كل ما يتعلق بالإطار المشترك المجمع على قبوله من الكافة، وأن لا تنازعها مدة بقائها في السلطة إلا بأحد التعليلات الشرعية التي تجيز لها الخروج، وأن تستبدل الالتزام بالحق وما تقتضيه المصلحة بالالتزام الحزبي المعهود في الأحزاب العلمانية.
عاشراً: تعرضت الدراسة لمدى شرعية التعددية السياسية قبل إقامة الدولة الإسلامية: فأجازت التعددية القابلة للتنسيق والتكامل والعمل المشترك والتعاون مع الآخرين لإقامة الإسلام، ومنعت من التعددية الرافضة للتعاون المنغلقة على ما تمحورت عليه من قناعات ومفاهيم لأنها تعد عقبة في طريق التمكين.
حادي عشر: تعرضت الدراسة لمدى شرعية التحالف مع الاتجاهات العلمانية في مرحلة السعي لإقامة الدولة الإسلامية فأجازت ذلك شريطة أن يكون موضوع التحالف مشروعاً، وألا يتضمن التزاماً يضر بالرسالة، أو يغل يد الدعاة عن الصدع بالحق والسعي لإقامة دولة الإسلام.
كما تعرضت الدراسة للتحالف مع الاتجاهات العلمانية لإزالة الباطل القائم وتفويض الأمر بعد ذلك إلى إرادة الأغلبية ففصلت بين ما يغلب على الظن فيه التمكن من إقامة الإسلام أو على الأقل تخفيف المظالم القائمة وتهيئة مناخ ملائم للدعوة، ومنعت التحالف الذي لا يغلب على الظن معه تحقيق شيء من ذلك.
ثاني عشر: وأخيراً توجهت الرسالة بنصيحة إلى القادة بضرورة التحري والتثبت في المواقف التي تبنى على الموازنة بين المصالح والمفاسد حتى لا يعطلوا مصالح شرعية ضرورية، أو يُدخلوا في دين الله ما ليس منه، وضرورة الصبر على ما يرد من تساؤلات أو إنكار من قبل قاعدة العمل الإسلامي حول مدى شرعية هذه المواقف، كما أوصت قاعدة العمل الإسلامي أن تستصحب حُسن الظن في هذه المواقف مع كل من كان معروفاً بالخير والصلاح، وأن تدرك أن كثيراً منها يعتمد على ملابسات تعسر إشاعتها على الملأ، وأن عليها أن تنمي رصيد الثقة في علاقتها بالقيادة إلى أن يأتي من ذلك أمر لا يحتمل التأويل، فهنا يتعين الاحتساب والإنكار بما لا يؤدي إلى مفسدة أعظم.
والله وراء القصد وهو الهادي إلى السبيل
وبالله التوفيق