الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعوة التقريب بين الأديان
المؤلف/ المشرف:
أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان القاضي
المحقق/ المترجم:
بدون دار ابن الجوزي - الدمام ̈الأولى
سنة الطبع:
1422هـ
تصنيف رئيس:
دعوة ودعاة
تصنيف فرعي:
تقارب بين الأديان
أولاً: النتائج.
1 -
دين الله واحدٌ من لدن آدم إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو الإسلام بمعناه العام، الذي هو الاستسلام لله بالطاعة، وإفراده بالعبادة، والخلوص من الشرك.
وهذا هو المعنى الوحيد الصحيح لـ (وحدة الأديان). أما الشرائع الإلهية فمتعددة.
2 -
أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد رغبوا عن ملة إبراهيم، وفرقوا الدين الحق الذي جاءت به أنبياؤهم، وحرفوا كتب الله المنزلة عليهم؛ بالزيادة والنقصان، والتحريف اللفظي والمعنوي. فاليهودية تقوم على (توراة عزرا)، و (تلمود الحاخامات). والنصرانية تقوم على (الأناجيل المحرفة)، و (رسائل بولس) الذي أدخل عليها التثليث، وتأليه المسيح، وبنوته، وسائر البدع العقدية والعملية، وأبطل الشريعة، وقد آلوا جميعاً إلى جملة من الأوضاع الشركية، والرسوم البدعية، والأخلاق الذميمة.
3 -
أن الإسلام بمعناه الخاص، هو ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الهدي ودين الحق، وأنزل به كتابه وكلامه؛ (القرآن)، مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه. فنسخ الله بالإسلام جميع الأديان السابقة، وختم بنبيه النبوات، وأرسله للناس كافة، فلا يقبل الله ديناً سواه، ولا يتعبد لله بعبادةٍ سوى ما شرع على لسان نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم.
4 -
أن من آمن من أهل الكتاب بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم واتبعه، أتاه الله أجره مرتين، ومن أصر على دينه فهو كافر مشرك ضال فاسق، محكوم عليه باللعن والغضب، والخلود بالنار. ولا يحل لأهل الإسلام موادة أهل الكتاب واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، ولا التشبه بهم في شيء مما يختصون به، من العقائد والعبادات والعادات. ويتعين على أهل الإسلام، - عند القدرة- جعل الدين كله لله بدعوتهم إلى الإسلام، أو بذلهم الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، أو قتالهم، إظهاراً لدين الله، وتمييزاً لأوليائه من أعدائه. ومع ذلك فلا يجوز إكراههم على اعتناق الإسلام، وتحرم أذية ذميهم ومعاهدهم ومستأمنهم. ولا يجوز ظلمهم وخفر ذمتهم، ويجب الوفاء بعهدهم وعقدهم، واستعمال العدل معهم. ويشرع الإحسان إليهم بالقول والعمل؛ من هدية وعطية وزيادة وعيادة ونحوها، لا سيما إذا قارنها نية تأليف قلوبهم على الإسلام. ويحل طعامهم المذكى، ونساؤهم المحصنات. وسر ذلك: التفريق بين قاعدة حفظ الدين وتميز المسلمين، المقتضية تحريم موالاتهم وموادتهم والتشبه بهم، وقاعدة العدل والإحسان، المقتضية جواز برهم، وحفظ حقوقهم، ومنع ظلمهم. ومن لم يدرك الفرق وقع في الغلط من إحدى الجهتين.
5 -
كان النصارى أقرب مودة للذين آمنوا، فاعتنق كثير منهم الإسلام. وكان اليهود أشد عداوة للذين آمنوا، فاستكبروا عن قبول الإسلام، وجحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكادوا له المكائد. واستنكفت الزعامات الدينية والسياسية لأهل الكتاب عن توقيع البشارات الواضحة المذكورة في كتبهم بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم عليه، ضناً بملكهم ورياستهم. وأكل كثير من الأحبار أموال الناس بالباطل، وصدوا عن سبيل الله.
6 -
اتسم تاريخ العلاقات الإسلامية- الكتابية، وخاصة مع النصارى، لكون الملك في أيديهم، بالعداء، والجهاد المستمر، الذي كان فتحاً مبيناً في القرون الفاضلة الأولى، وسجالاً في العصور الوسيطة، وانحساراً في العصور الحديثة، مع بعض الشذوذات التي لا تلغي القاعدة. وكان النصر والتمكين متناسباً تناسباً طردياً مع التزام المسلمين بدينهم، وأخذهم بأسباب القوة المعنوية والمادية، عبر مراحل تاريخية متمايزة، دون أن تشهد على الإطلاق أي لونٍ من (الوفاق الديني)، أو (التقارب العقدي). إن هي إلا المفاوضات، والعهود، والصلح المؤقت. وستظل هذه السمة باقية، والجهاد باقٍ إلى قيام الساعة، كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة.
7 -
خلا التاريخ اليهودي من وجود بذور لفكرة التقريب بين الأديان، لما طبع عليه اليهود من الكبر وازدراء الآخرين، واعتقادهم أنهم شعب الله المختار. ولكنهم دعوا إلى هذه الفكرة من خلال الحركة الماسونية، المتفرعة من الشجرة اليهودية الخبيثة، بهدف حلحلة الروابط الدينية الأخرى، وهدم الأديان سوى اليهودية.
وقد ظل التراث النصراني ينضح بالحقد والتشويه والتضليل، لا الموضوعية، فضلاً عن المقاربة، تجاه الإسلام حتى قيام الحملات الصليبية المتتابعة منذ 490هـ- 1096م، حيث قارنه أسلوب المجادلة العقلية وإثارة الشبهات، ثم التنصير. وإثر سقوط القسطنطينية عام 857هـ، 1453م، نشأت محاولات لفهم الإسلام بعيداً عن الموروث الكنسي المضلّل. وتخلل ذلك ظهور كتابات متفرقة تصوِّب التدين بجميع صوره، وتدعوا إلى التقارب مع الإسلام، بلغت ذروتها على يد فلاديمير سولوفيوف (1853هـ-1900م)، ولويس ماسينيون (1883 - 1962م)، الذي حاول أن يقيم جسراً بين الإسلام والنصرانية، من خلال التصوف الحلولي، عبر على متنه دعاة التقريب فيما بعد.
وفي حواشي التاريخ الإسلامي نبتت نوابت شاذة، خارجة عن الإسلام سوغت وحدة الأديان، تمثلت في غلاة الصوفية أرباب القول بوحدة الوجود، والفرق الباطنية السرية كإخوان الصفا، ثم تسللت إلى الفرق الباطنية اللاحقة، كالبهائية، حتى تحمل فكرة التقريب بين الأديان آخر القرن الثالث عشر الهجري، مؤسس العصرانية الحديثة جمال الدين الأفغاني (1254 - 1315هـ)، وتلميذه محمد عبده التركماني (1266 - 1323هـ)، بمعاونة نفر من النصارى الإنجليز، الرافضة.
8 -
خرجت دعوة التقريب بين الأديان من حيز الكمون إلى الاستعلان، ومن نطاق الفكرة إلى التنفيذ، في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري، من خلال مؤتمرات إسلامية- نصرانية متفرقة. ثم أطلق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965م) الفكرة من مقالها، وفتح الباب للنصارى على مصراعيه للتقارب مع المسلمين وغيرهم، بالتخلي عن عقيدتهم العتيدة (لا خلاص خارج الكنيسة)، وإعلان أن (الخلاص) يمكن أن يشمل سواهم، وخاصة المسلمين. ودعا إلى التقارب مع المسلمين واليهود، ونسيان الماضي، والتفاهم، والتعاون.
9 -
تتدرج حقيقة التقريب بين الأديان في العصر الحديث عبر ثلاثة مستويات:
أ- التقريب دون التوفيق أو التفليق، بأن يبقى لكل دين خصائصه العقدية والتعبدية المميزة، لكن مع اعتقاد إيمان الآخرين، واحترام عقائدهم وشعائرهم، والدعوة للتعرف عليهم، وإبراز أوجه التشابه والاتفاق، وإقصاء أوجه الاختلاف والافتراق، وتحاشي البحث في مسائل الاعتقاد، والاعتذار عن أخطاء الماضي، والتعاون على تحقيق القيم المشتركة، وإشاعة المحبة والمودة والمجاملات الدينية. وهذا الاتجاه هو السائد، وتمثله قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني.
ب- وحدة الأديان: باعتقاد صواب جميع صور التدين، وانتمائها إلى حقيقة واحدة، وإن تنوعت مظاهر العبادة. فهذه المرتبة تستلزم المرتبة السابقة، وتزيد عليها الدعوة إلى التخفيف من الخصائص العقدية والتشريعية، في سبيل الانضواء تحت وحدة صغرى كالإبراهيمية، أو كبرى كالإنسانية. ويمثل هذا الاتجاه محاولات المفكر الفرنسي روجيه جارودي.
ج- توحيد الأديان: بجعل الدين واحداً، إما بالالتقاطية التي تستمد عناصر الدين الجديد من مصادر شتى، كما هو الحال في (المونية)، أو بالسعي لاجتذاب الآخرين نحو عقيدة معينة لأحد الأديان، كمحاولات جماعة (كريسلام)، الرامية إلى التوحد حول (تأليه المسيح).
ولا ريب أن الصورة الوحيدة الصحيحة لتوحيد الأديان، أن يتحد جميع أتباع الديان والملل والنحل على الدين الحق الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، دين الإسلام، الذي لا يقبل الله ديناً سواه.
10 -
مصطلح (الحوار)، قد يراد به (حوار التقريب) بين الأديان، وقد يراد به (حوار التعايش) بين أتباع الأديان، لتحقيق مصالح مشتركة من أمور المعايش. فهو بالمعنى الأول مذموم مطلقاً، وبالمعنى الثاني يخضع للسياسة الشرعية للأمة.
11 -
نشأت دعوة التقريب بين الأديان في العصر الحديث، وترعرعت في حجر النصارى الغربيين، على اختلاف طوائفهم. وانطلقت المبادرات الأولى من المرجعيتين الكبيرتين لنصارى العالم: الكنيسة الكاثوليكية، ومجلس الكنائس العالمي، وذلك لبواعث شتى: تنصيرية، وعالمية، وسياسية، ولصد المد الإسلامي أمام العالم المفتوح في أعقاب الحربين العالميتين. وأسس كل منهما دائرة مستقلة للحوار مع غير النصارى.
وقد دار في أروقة الفاتيكان، واجتماعات الجمعية العمومية لمجلس الكنائس العالمي جدلٌ عميق، حول معضلة الجمع بين الحوار والبشارة، انعكس على فاعلية واتجاه حركة التقريب. ويمكن تمييز مراحل ثلاث في موقف النصارى من حوار التقريب:
أ- مرحلة تجربة الحوار: وقد سادت منذ نهاية المجمع الفاتيكاني الثاني حتى أواخر السبعينات الميلادية، وكانت متأثرة بقرارات المجمع التقاربية، وشخصية البابا بولس السادس، وسيادة الاتجاه الاشتمالي الاحتوائي في مجلس الكنائس العالمي. وامتازت بعقد العديد من المؤتمرات العالمية والإقليمية، وإعداد الدراسات.
ب- مرحلة تقويم الحوار: وقد امتدت من أواخر السبعينات إلى أواسط الثمانينات الميلادية، وانحسرت فيها مؤتمرات الحوار بشكل ملحوظ.
ج- مرحلة البشارة من خلال الحوار: وقد أعقبت المرحلة السابقة، بعد أن تغلب التيار المحافظ في الكنيسة الكاثوليكية، والتيار الحصري الضيق في مجلس الكنائس العالمي، الداعيان إلى تدعيم التنصير، واستغلال الحوار للأغراض التنصيرية. وقد واكب ذلك تسنم البابا يوحنا بولس الثاني سدة البابوية، وقيامه بنشاط دؤوب في تعزيز مكانة الكنيسة في شتى أرجاء العالم، مع الحفاظ على شعار الحوار إعلامياً.
12 -
تأخرت دعوة التقريب بين الأديان لدى النصارى العرب، من أتباع الكنائس الشرقية، والاتحادية الغربية، إلى ما بعد انتهاء الحرب اللبنانية، باستثناء شواهد قليلة، وظلت مفتقدة بالنسبة لأكبر طائفة نصرانية في البلاد العربية، القبط. وركزت محاولات النصارى العرب، لبواعث أمنية واجتماعية، على قضيتين: هما:
• محاولة إثبات أن النصارى المذمومين في القرآن، فرقة منقرضة، وأن أحكام الكفر لا تطالهم، ومحاولة فلسفة عقيدة التثليث والبنوة بما يرفع عنها وصمتها.
• حوار التعايش، وتحقيق مكاسب اجتماعية، وحريات دينية، والقيام بدور الوسيط في الحوار الإسلامي- النصراني مع الغرب، تعويضاً عن الفراغ الناجم عن تراجع القومية العربية.
13 -
تتناقض فكرة التقريب بين الأديان مع اليهودية الأرثذوكسية بشقيها: التقليدي العنصري، والأصولي السياسي في إسرائيل. وتتقبلها اليهودية الإصلاحية في دول الشتات، لبواعث مصلحية بحتة: اجتماعية، وسياسية، كما في الولايات المتحدة الأمريكية.
14 -
نشأت محاولات محلية واسعة، في العديد من مناطق العالم التي تقطنها جماعات دينية متنوعة، للتقريب بينها، وإشاعة المبادئ الفكرية التي نادت بها دعوة التقريب بين الأديان، إما لتخفيف حدة التوتر والعنف الطائفي، كما في لبنان، والسودان، والفلبين، أو لتحقيق مكاسب تنصيرية كما في شبه القارة الهندية (الهند، باكستان، بنجلاديش، بالإضافة إلى سيريلانكا)، وأرخبيل الملايو (ماليزيا وأندونيسيا)، أو لاستيعاب المهاجرين الجدد من المسلمين، ودمجهم في المجتمعات النصرانية المضيفة، كما في أوربا وأمريكا. وتشرف على هذه المحاولات المحلية جهات حكومية وأهلية ودينية.
15 -
استجاب لدعوة التقريب بين الأديان نفر من المسلمين ذوي الثقافة العصرانية، المتحررين من ضوابط العقيدة الإسلامية، فضاهئوا النصارى، ومالئوهم وداهنوهم، وأقروا لهم- غالباً- بوصف الإيمان، ورددوا أصداء قرارت المجمع الفاتيكاني الثاني. وقد أعوزهم ذلك إلى اعتساف الأدلة، وتأويل الثوابت العقدية، وليّ أعناق النصوص، إما لبواعث انهزامية أمام الاتجاهات الفكرية الحديثة، أو لبواعث قومية وطنية مراعاة للنصارى العرب، أو بدعوى مواجهة الإلحاد، أو حتى لمجابهة إسرائيل.
16 -
برزت محاولات فردية متميزة في العصر الحديث، لتعزيز فكرة التقريب بين الأديان والدعوة إليها، جمعت بين الجانب النظري، والنشاط العملي، منها:
أ- محاولات المفكر الفرنسي روجيه جارودي، الذي زعم الانتساب إلى الإسلام، ثم نادى بتاريخية الشريعة الإسلامية وما تقوم عليه من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وهاجم علماء الإسلام، ودعا المسلمين إلى الانخراط أولاً في (الإبراهيمية) مع اليهود والنصارى، ثم إلى (الإنسانية) ثانياً، مع سائر ملل الملاحدة والوثنيين، وابتدع قراءة شاذة للتاريخ الإسلامي وتقويم أعلامه، ومشروعاً مستقبلياً للتحلل من الإسلام عقيدة وشريعة. وبذل في سبيل ذلك جهوداً فكرية وعملية.
ب- محاولات الأب الأسباني، المنصر في جماعة الآباء البيض، آميليو غاليندو، مؤسس مجموعة كريسلام، الذي يسعى لجعل الإيمان بألوهية المسيح محوراً لالتقاء الأديان.
ج- محاولات المتنبئ الكذاب المليونير الكوري صن مون، الداعي إلى انخراط الأديان تحت دعوته، والذي ينفق نفقاتٍ باهظة إلى عقد المؤتمرات العالمية لتوحيد الأديان.
د- محاولات الشيخ أحمد كفتارو العلنية للتقارب مع النصرانية خاصة، والملل الأخرى عامة، تحت مسمى (الروحانية)، والقيام بالرحلات، والكتابات في هذا السبيل.
17 -
دلت النصوص الشرعية القاطعة على بطلان (دعوة التقريب بين الأديان)، لأن دين الله واحد هو الإسلام الذي ابتعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وما سواه إما باطل أو منسوخ. فمن رام التقريب بينه وبين غيره، فقد رغب عن ملة إبراهيم، وابتغى ديناً غير دين الإسلام، وطعن في صدق محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته، وأنكر هيمنة القرآن على الكتب السابقة، ونسخه لأحكامها، وخالف إجماع المسلمين، واتبع غير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين، ووالى أعداء الدين، واتبع أهواءهم، وسقط في الفتنة عن بعض ما أنزل الله، وداهن في دين الله، ولبّس الحق بالباطل، ووقع في الصد عن سبيل الله. وكلها لوازم لا محيد لدعاة التقريب عنها. وفسادها معلومٌ من الدين بضرورة. وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم، وبطلان الفرع يعود على الأصل بالإبطال.
18 -
دل الواقع العملي المشاهد، خلال فورة دعوة التقريب بين الأديان في العقود الأربعة المنصرمة على ظهور بعض النتائج والآثار الملموسة، الناجمة عن تجربة التقريب، كالتسوية بين كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن، والكتب المحرفة المنسوبة إلى أنبياء الله، التي بأيدي اليهود والنصارى اليوم، ووصفها جميعاً بـ (مقدسة) و (سماوية) و (كلام الله). وكذلك التسوية بين بيوت الذكر والرحمة؛ المساجد، وبيوت العذاب والشرك، من معابد اليهود والنصارى والمشركين، ومشاركتهم في صلواتهم، واحتفالاتهم الدينية والفكرية، وإقامة المؤسسات البحثية المشتركة بين الأديان، بغرض تنقية المناهج الدراسية، والوسائل الإعلامية من النقد المتبادل، ورفع الأحكام العقدية والشرعية في شأن أهل الكتاب، واستلال اعترافات صريحة وضمينة من نظرائهم المسلمين على صحة دينهم وكتبهم، وإعادة عرض الإسلام بصورة مشوهة خداج، كالتصوف الباطني. ومع ذلك كله، لم يحد النصارى قيد أنملة عن معتقداتهم، فلم ينتهوا عن قولهم (ثلاثة)، ولا عن غلوهم في الدين، وأصروا على إنكار نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى المضي في تضليل الخلق بما يسمونه (التبشير)، مستغلين الفاقة المعيشية، والصحية، والأمنية، لكثير من شعوب العالم الثالث -وغالبيتهم مسلمون- ولتحقيق مكاسب جديدة، ومواطئ أقدام لمنصريهم، وإقامة كنائسهم، تحت شعار التقارب والحوار والتسامح.
وفي الوقت ذاته لا يكفون عن موالاة بعضهم بعضاً وموالاة اليهود والمشركين على الظلم والعدوان ضد المسلمين، وإحياء مطامعهم القديمة في القدس. وكل هذه الآثار والنتائج الواقعية، ثمار فجة لدعوة التقريب، شواهدها ماثلة لا يمكن إنكارها.
19 -
إن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب. وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان. وبناءًا على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمةٌ قطعاً، بجميع أدلة التشريع في الإسلام، من قرآنٍ وسنةٍ وإجماع ..
وتأسيساً على ما تقدم: فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها) (1).
20 -
إن المنهج الشرعي في مخاطبة أهل الكتاب هو دعوتهم إلى سبيل الله المتضمن:
أ- تحقيق توحيد العبادة، ونبذ الشرك بجميع صوره. وهذا هو المراد بـ:(كلمة سواء).
ب- ترك الغلو في الدين، والقول على الله بغير الحق، من التثليث، وتأليه المسيح، ودعوى بنوة المسيح وعزير لله تعالى، وتعظيم الصور والتماثيل
…
إلخ.
ج- الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
د- الإيمان بالقرآن، ونسخه لما سبقه من الكتب.
أما أسلوب هذه الدعوة فيقوم على ثلاثة أوصاف: الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما جاءت مبينة في القرآن، وفي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما وسائل ذلك فمتعددة، وأشرفها الوسائل النبوية التي دلت عليها سيرته العطرة، كغشيانهم في محافلهم ومناسباتهم، لدعوتهم دعوةً صريحةً مباشرة إلى الإسلام، واستدعائهم إلى دار الإسلام لهذا الغرض، ومكاتبة زعمائهم الدينيين وغيرهم، واستقبال وفودهم استقبالاً حسناً لدعوتهم ومحاجتهم، وجهادهم بالسيف حتى يقبلوا الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
وفي عمل الأمة الإسلامية عبر القرون، وطريقة السلف الصالح، ترجمة لهذه المقاصد الإيمانية، والوسائل الشرعية، وبيان لسبيل المؤمنين، والصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين.
(1) فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية رقم (19402) في 25/ 1/1418هـ انظر: النص الكامل في قسم الملاحق رقم (1).