الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الحل والعقد صفاتهم ووظائفهم
المؤلف/ المشرف:
عبدالله بن إبراهيم الطريقي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الفضيلة - الرياض ̈الثانية
سنة الطبع:
1425هـ
تصنيف رئيس:
سياسة شرعية
تصنيف فرعي:
أهل الحل والعقد
الخاتمة: الحق – والحق أقول – بعد هذه السياحة العلمية المضنية في موضوع "أهل الحل والعقد" أنه بقدر ما كان شائقاً ماتعاً، ومؤنساً، مستطاباً، فقد كان كذلك شاقا وشائكاً.
ولكنني لم ولن أندم على هذه السياحة لما وجدت فيها من الفوائد الكثيرة والجليلة والتي من أهمها:
اكتشاف ما لهذه الهيئة من المكانة الاجتماعية السامقة، ثم ما يترتب عليها من وظائف كبيرة عامة، ومتى "صلحت هذه الفئة من الأمة صلح حالها وحال حكامها، وإذا فسدت فسدا، ولذلك كان مقتضى الإصلاح الإسلامي أن يكون أهل الحل والعقد في الإسلام من أهل العلم الاستقلالي بشريعة الأمة، ومصالحها السياسية والاجتماعية والقضائية والإدارية والمالية، ومن أهل العدالة والرأي والحكمة".
ذلك ما أردت الإشارة إليه بين يدي هذه الخاتمة. أما ما أختم به هذا الموضوع وبإيجاز شديد؛ فهو أمران:
أحدهما: أهم نتائج البحث.
والثاني التوصيات.
أولاً: أهم نتائج البحث: لقد ظهر من خلال البحث أن من القضايا المطروحة ما هو يقيني قطعي، ومنها ما هو مظنون. فأما اليقيني فقد برز في أمور كثيرة منها:
1 -
مشروعية التشاور في أمر المسلمين.
2 -
النصيحة للمسلمين عامة ولأولي الأمر خاصة، والاهتمام بأمورهم.
3 -
أنه لا بد أن يتصدى لأمور المسلمين العامة فئة من الناس تتميز بسمات وصفات معينة من أجل عقد تلك الأمور وحلها. وذلك من فروض الكفايات، وإذا لم تقم فعلى الأمة جميعاً تقع المسؤولية والتبعة.
4 -
وفي مقدمة هؤلاء أهل العلم العاملون، فإن لهم مكان الصدارة وبهم تقتدي الأمة، وعليهم تستند.
5 -
ومن صفات هؤلاء الذين يتولون عقد الأمور وحلها: الإسلام، والتكليف، والعدالة، والعلم الضروري، والشوكة، والذكورة.
6 -
وعليهم وظائف كبيرة من أبرزها: اختيار من يصلح للإمامة ومبايعته، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للأمة كافة.
وفي حال خلو الزمان من الإمام فإن عليهم مسؤوليات مضاعفة وضخمة، حتى يقوموا ببيعة إمام.
7 -
وفي حال إجماعهم على شيء فتجب طاعتهم، ولا يحل الخروج عنهم أو عليهم. تلك من أبرز القطعيات في هذا الموضوع.
أما المظنون فهو كثير هنا، ولكنه – قد بدأ خلال البحث – ذا صور ووجوه مختلفة. فمنه ما هو ظاهر الرجحان، ومنه ما هو محتمل، ومنه ما هو ضعيف أو شاذ.
ومن أمثلة الأول "ظاهر الرجحان":
1 -
مفهوم أهل الحل والعقد وأنه يشمل ثلاث فئات، العلماء، والأمراء، والوجهاء. وأما الاقتصار على واحدة منها أو اثنتين فهو مرجوح.
2 -
اعتبار صفة الاجتهاد – ولو أدناه – في بعض أهل الحل والعقد للحاجة الشديدة إليه.
3 -
اشتراط صفات الرأي والحكمة والخبرة فيهم.
4 -
أن مسؤوليتهم مستمرة في حال وجود الإمام وعدمه.
5 -
وهذه المسؤولية ذات شمولية في كل ما هو من شؤون المسلمين العامة "الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والأمنية، ونحو ذلك".
6 -
وفي حال اختيار الإمام ومبايعته فلا بد من اتفاق جمهورهم من ذوي الشوكة، ولا يكتفي بأفراد محدودين، ولاسيما إذا كانوا ذوي كثرة.
7 -
وفي حال اختلافهم مع الإمام القائم، فإذا كانوا مجمعين على الرأي وجب اتباعهم مطلقاً. وإن اختلفوا فينظر في الإمام أهو مجتهد أم لا؟ فإن كان مجتهداً فيطاع هو، وإن كان غير ذلك فيطاع جمهور أهل الحل والعقد المؤيدون بالعلماء.
ومن أمثلة الثاني "وهو المحتمل":
1 -
اشتراط المواطنة في عضو أهل الحل والعقد أو عدم اشتراطها.
2 -
هل للإمام أن يعين أهل الحل والعقد؟ أيعينون بطريق الانتخاب؟ أو أنهم يتعينون من خلال واقعهم؟
3 -
وهل تكون شوراهم ملزمة للإمام أو غير ملزمة، وهل يجب الأخذ برأي الأغلبية أو برأي الإمام؟
4 -
وهل يشارك رجال العلم والدعوة في المجالس البرلمانية في الدولة العلمانية أو لا؟ على أنه قد بدا خلال البحث تفصيلات مفيدة في مثل تلك المسائل.
ومن أمثلة الثالث "وهو الضعيف أو الشاذ":
1 -
جواز مشاركة الذمي لأهل الحل والعقد.
2 -
جواز مشاركة المرأة لهم أيضاً.
3 -
اشتراط صفة الاجتهاد في كل واحد منهم.
4 -
اعتبار شروط أهل الحل والعقد اجتهادية صرفة قابلة للتغير والتبديل.
5 -
عدم اشتراط العلم مطلقاً، والاكتفاء بشرط الإسلام والخبرة والرأي.
6 -
تحديد العدد من أهل الحل والعقد الذين تنعقد بهم البيعة: بالواحد والاثنين والثلاثة ونحوها.
7 -
القول بأن نظام "أهل الحل والعقد" برمته غير واضح المعالم، وأنه مجرد اصطلاح شكلي لا يحقق الغرض المطلوب.
8 -
والقول بأن وظائف أهل الحل والعقد تنحصر في اختيار الإمام ومبايعته
ثانيا: التوصيات: إذا كان أهل الحل والعقد يمثلون النخبة الطيبة من علماء الأمة وعقلائها فإني ملي أن يتقدم بالتوصيات إليهم وهم أصحاب الخبرة والدراية بواقع أمتي، بل هم أصحاب العلم بالشريعة. ولكنني – وقد بحثت هذا الموضوع – أستأذن مثل هؤلاء الأفاضل كما استأذن القارئ الكريم بإبداء هذه المرئيات التي أراها نافعة ومفيدة:
1 -
يعلم الدعاة والعلماء وذوو الغيرة في أنحاء العالم الإسلامي أن صلاح الأمة منوط بهم بعد الله. ولذلك فإن عليهم أن يدركوا حقيقة المسؤولية وجسامتها، وأن يكونوا عند حسن ظن الأمة بهم، وأن يتقوا الله تعالى في الناس، فلا يتركوهم تتخطفهم الأهواء ودعاة الضلالة.
2 -
والدعاة – وهم يقومون بوظيفة الرسل وهي الدعوة – مطالبون بأن تكون دعوتهم قائمة على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه من الصحابة والتابعين ومن سار على دربهم. وبهذا المنهج تلتقي الدعوات كلها، وتتقارب أهدافها، كما تلتقي القلوب على الحق. ولعل من أهم الوسائل المساعدة هنا الاهتمام بالعلم الشرعي، والالتفاف حول رجالات العلم العاملين. إنه رجاء موجه إلى كل الحركات والجماعات والجمعيات الدعوية – نأمل أن يتحقق.
3 -
وبجانب ذلك الرجاء فهنا تحذير لا بد منه وهو أن يحذر الدعاة الأفاضل في كل مكان من الاغترار بأنفسهم والاستغناء عن أهل العلم، أو اعتبار أنفسهم هم أهل الحل والعقد في بلادهم مع عدم تأييدهم للعلماء وتأييد العلماء لهم.
4 -
كما ينبغي الحذر من الاغترار بالغوغائية أو ما يسمى بالتأييد الجماهيري غير المنضبط، الذي يتأثر بالدعايات والمظاهر، دون اقتناع علمي وعقلي، الأمر الذي قد يزج بالدعاة والمصلحين في المضايق، بل في الطرق المسدودة. 5 - ومن الحكمة أن تراعى الظروف المحيطة "المحلية والخارجية" سواء أكانت ظروفاً سياسية أم فكرية أو اجتماعية أم غيرها، والتي بناء عليها يستطيع أهل الحقل والعقد في كل بلد أن يقوموا بوظائفهم على الوجه المقبول. ولابد أن الظروف والملابسات تختلف من مكان إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى. إذ بعض البلاد المسلمة مازالت محافظة على أصل الإسلام وجوهرة ورعايته في الجملة، وبعضها يأخذ بأنظمة وقوانين مزدوجة منها الإسلامية، ومنها القانونية البحتة. وبعضها قد فسح المجال للدعوة والتربية وربما أيدت، وفي المقابل يوجد دول تنتمي إلى الإسلام وهي تحارب الدعاة ورجال الإصلاح، بل تعلن حربها على شريعة الله بشكل سافر.
6 -
ولعل من أهم الوسائل التي بها يتمكن أهل العلم والرأي في الأقطار الإسلامية كافة، عقد المؤتمرات واللقاءات لبحث أمور المسلمين العامة فيما يحقق الخير للمسلمين. وهنا ينبغي الاستفادة من بعض المؤسسات القائمة التي تعني بأمور المسلمين العامة مثل: رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، والمجامع الفقهية الموجودة في بعض البلدان المسلمة.
ونظراً لأن هذه المؤسسات كثيرة جداً وهي موجودة في أقطار مسلمة وغير مسلمة، لذلك فإنني أتمنى لو أن إحدى هذه المؤسسات الكبرى كالرابطة مثلاً، أو منظمة المؤتمر الإسلامي، أو أحد المجالس الإسلامية الموجودة في الغرب تنظم لقاء عاما يجمع هذه المؤسسات كلها للمشاورة في أمر الدعوة الخاصة وفي مصالح المسلمين عامة. على أنه ينبغي أخذ الحذر من المؤسسات المشبوهة التي تنتمي إلى طوائف ضالة منحرفة، أو تمول من قبلها أو من قبل الدول والقوى المعادية للإسلام.
7 -
وبالنسبة للمشاركة الفعلية في المجالس الشورية والبرلمانية في البلدان المسلمة من قبل أهل العلم والدعوة فإن ذلك يخضع – في نظري – لظروف كل دولة، وعلى أولئك أن يوازنوا بين المصالح والمفاسد بمعايير شرعية دقيقة. ونظراً لأن هذه المسألة "الدخول في المجالس البرلمانية في الدول العلمانية" لا زالت محل النظر. فإنني أتمنى على المجامع الفقهية الموقرة أن تدرسها بعناية وتصدر فيها ما تراه متفقاً مع السياسة الشرعية، ولو بوضع أصول عامة. كما أتمنى أن تدرس ما أشبهها من النوازل في هذا المجال مثل: الانتخاب، والترشيح، والأخذ بمبدأ الأغلبية، ووجود الأحزاب السياسية ونحو ذلك.
8 -
وأخيراً فلا تفوتنا هذه الوصية إلى العامة، وذلك بأن يعرفوا حق هذه الهيئة ومنزلتها، ويرجعوا إليها في كل شؤونهم العامة، ويسمعوا ويطيعوا لها كما ينبغي أن يكونوا أعضاء قوية وسواعد متينة لها تشد أزرها وتنهض بعزيمتها وتدافع عنها.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.