الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرية أو الطوفان دراسة موضوعية للخطاب السياسي الشرعي ومراحله التاريخية
المؤلف/ المشرف:
حاكم المطيري
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت ̈الأولى
سنة الطبع:
2004م
تصنيف رئيس:
سياسة شرعية
تصنيف فرعي:
حرية
الخلاصة:
1 -
أن ما تعيشه الأمة اليوم من انحطاط وتخلف هو نتيجة طبيعية للانحراف الذي طرأ على الخطاب السياسي الشرعي، الذي جرد الأمة باسم الدين والسنة من حقها في اختيار السلطة ومحاسبتها ومقاومة طغيانها وانحرافها، وإصلاحها عند فسادها، حتى شاع الظلم والاستبداد، وظهر الفساد، فكانت النتيجة الهلاك كما أخبر بذلك القرآن في قوله تعالى:{وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} أي ما كان الله ليهلك الأمم بسبب الشرك وحده حتى يتجاوزوا ذلك إلى التظالم فيما بينهم، كما قال المفسرون، وكما يشهد له الواقع، وهو ما عبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:(وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم: أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في الإثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام).
وقال: (إن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، وإن لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة).
لقد ظن العلماء أن الصبر على الظلم خير من مواجهته، دون إدراك لخطورة الظلم نفسه على المجتمع، وأنه سبب انهيار الأمم وسقوطها. كما يشهد بذلك الواقع المعاصر للأمم.
2 -
أن الخطاب السياسي الشرعي المنزل هو الخطاب الذي يمثل تعاليم الإسلام الحق، وأن ما عداه إما مؤول أو مبدل يجب رده ورفضه والتمسك بما كان عليه الخلفاء الراشدون في باب الإمامة وسياسة شؤون الأمة، كما جاء في الحديث:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور). وأن التمسك بهذا الخطاب هو السنة والسلفية، وما سواه هو من البدع التي أحدثها الملوك والأمراء، وتابعهم على أهوائهم العلماء والفقهاء، اتباعاً منهم لسنن القياصرة والأكاسرة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعا بذراع
…
فارس والروم).
3 -
وأن هذا الخطاب يقوم على:
أ- حق الأمة في اختيار السلطة، ومشاركتها الرأي، ومحاسبتها، وخلعها، والاشتراط عليها، ومراقبتها، ونقدها.
ب- وحقها في حرية التفكير والتعبير دون مصادرة أو حجر.
ج- وحقها في مقاومة طغيان السلطة والتصدي له.
د- وحقها في الانتماء والتجمع السياسي والفكري.
هـ- وضرورة احترام حقوق الإنسان وحريته التي جاءت بها الشريعة.
وووجوب تحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع أمام القضاء وفي تولي الوظائف العامة وفق مبدأ تكافؤ الفرص.
ز- وحق الأمة في التحاكم إلى الشريعة وخلع السلطة عند خروجها على أصولها القطعية.
ح- وحق الأمة في الذود عن أوطانها وإخراج الاستعمار من أرضها وحماية مصالحها.
4 -
وأن هذا الخطاب لن يتحقق إلا بمواجهة الخطاب المؤول والمبدل فكرياً، ثم بالعمل على نشره ودعوة الأمة وحكوماتها إلى تبنِّيه بالطرق السلمية؛ لتبادر الحكومات نفسها إلى إصلاح الأوضاع وتدارك ما فاتها، وإلا فالواجب العمل على تغييرها بكل وسيلة ممكنة، سواء بالعمل السياسي السلمي أو بالعمل الثوري؛ إذ بقاؤها بقاء للاستعمار ولا سبيل إلى زواله إلا بزوالها.
5 -
وأنه جائز شرعاً الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في تنظيم هذه الحقوق، كما استفاد عمر من النظم الإدارية لدى الفرس والروم، وأجمع الصحابة على مشروعية ما فعل؛ لأن ذلك يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أنتم أعلم بأمور دنياكم) وكل ما فيه خير ومصلحة وعدل فهو من السياسة المشروعة، وكل ما فيه شر ومفسدة وظلم فهو من السياسة الممنوعة.
وقد عرف الفقه الإسلامي النظام الرئاسي، حيث الرئيس يتم اختياره من الأمة مباشرة كما في عصر الخلفاء الراشدين، ويكون مسؤولا أمامها، والنظام الوزاري كما كان الحال في العصر العباسي الثاني، حيث كان الخليفة رمزاً للأمة والذي يمارس السلطة وصلاحياتها هو الوزير أو السلطان.
فكل هذه الأنظمة جائزة شرعاً إذا رضيت بها الأمة وأقرتها ورأت فيها مصلحتها إذ الأمر لها.
كما لا يوجد ما يمنع من مشروعية التداول السلمي للسلطة بين أحزاب سياسية تطرح برامج انتخابية في إطار دستور الدولة ونظامها العام وهو الشريعة الإسلامية، كما اقترح ذلك الأنصار في المدينة بقولهم:(منا أمير ومنكم أمير) وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحها وجدواها في أكثر دول العالم المعاصر، ولا يمكن تحريمها على تلك الشعوب لو أرادت الدخول في الإسلام، كما لا يمكن تحريمها على الشعوب الإسلامية التي تمارسها في العصر الحديث إذا كانت الشريعة هي مصدر التشريع.
6 -
وأن كل عمل جماعي منظم لتحقيق هذه المبادئ التي جاء بها الإسلام، وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، والجمعيات الخيرية، ولجان حقوق الإنسان التي تعمل من أجل تحقيق المصالح العام للمجتمع في شئون السياسة والاقتصاد والاجتماع وتحقيق العدل والمساواة وحماية الحقوق والحريات، كل ذلك مشروع؛ إذ مثل هذا الاجتماع على جلب المصالح ودفع المفاسد داخل في قوله تعالى:{وتعاونوا على البر والتقوى} . وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وإنما يحرم الاجتماع أو التحالف على إبطال حق أو إظهار منكر أو إثارة شر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يقال هو زعيم؛ فإن كان قد تكفل بخير كان محموداً على ذلك، وإن كان شراً كان مذموماً على ذلك.
وأما (رأس الحزب) فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزباً، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان).
وإن أول خطوة على طريق الإصلاح هي بالشك كما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (نحن أحق بالشك من إبراهيم).
الشك بمفاهيم المجتمع وتصوراته عن الدين ومجالاته، والشك بالثقافة الإسلامية المعاصرة التي هي نتاج ثقافة المجتمع، الذي تقوم الحكومات بتشكيلها وتوجيهها بوسائل الإعلام والتعليم، بما في ذلك المساجد والمدارس الدينية والكليات الشرعية، التي تم توظيفها في خدمة الحكومات على تفاوت توجهاتها من أقصى اليسار الاشتراكي إلى أقصى اليمين الرأسمالي التي سيطرت على العالم العربي منذ سقوط الخلافة العثمانية، وهيمنة الاستعمار الغربي على شؤونه. وإنه من دون الشك لن تصل الأمة إلى برد اليقين، ونعيم الحرية، بل ستظل ترسف في أغلال الوهم وجحيم العبودية، وليس أمامها للخروج من هذا التيه سوى الثورة أو الطوفان!