الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حمى سنة 2000
المؤلف/ المشرف:
عبدالعزيز بن مصطفى كامل
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار السليم ̈الثانية
سنة الطبع:
1420هـ
تصنيف رئيس:
حاسب وإنترنت وتقنية معلومات
تصنيف فرعي:
مشاكل وحلول
الخاتمة
هذه وقفات رأيت ضرورة تسجيلها ..
أولاً: إن ما ينتظره أهل الكتاب من توقعات مرتبطة بالألفية الجديدة، قد يقع أكثره أو أقله، ووقوع شيء مما يتوقعونه ويبشرون به، ليس دليلاً على أن الحق معهم، وما لن يقع، ليس دليلاً على أننا نتقوَّل عليهم.
إن قُصارى ما نقول في أمرهم ـ إذا وقع شيء مما يقولون به ـ أن يكون ذاك من بقايا ما أخبرت به الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، أو أن يكون استدراجاً لأهل الكتاب وزيادة في فتنتهم إذ اختاروا الفتنة لأنفسهم، أو أن يكون ذلك تصديقاً لسُنة ترتب النتائج على مقدماتها والأسباب على مسبباتها، فالأخذ بالأسباب له نتائجه ولو كان الآخذون بها من أهل الباطل، وتعطيل الأسباب له نتائجه ولو كان المعطلون لها من أهل الحق.
ثانياً: قد تتأجل عند أهل الكتاب بعض أحلامهم لعام آخر بعد نهاية العام 1999م، إذ أن القرن الحادي والعشرين لن يبدأ في الحقيقة إلا بنهاية العام 2000، وليس ببدايته، فهكذا تحسب القرون، فالقرن الميلادي الحالي سيتم بتمام السنة 2000 وليس بنهاية السنة 1999م، كما هو شائع خطأ. بل إن التأريخ لميلاد المسيح، لم يبدأ ـ عند المحققين من المؤرخين ـ إلا بعد أربع سنوات من ميلاده عليه السلام.
إن هذا يعني أن مسلسل حمى سنة 2000، لن ينتهي بنهاية العام 1999م، بل سيمتد لعام آخر، بل ربما أعوام.
ثالثاً: ما تم إيراده في هذا الكتاب من معلومات عن الأحلام والأوهام الألفية المستقبلية لأهل الكتابين، ليس إلا مجرد رصد لظواهر لافتة تجمع بينها روابط عقدية يؤمنون بها، ورصد الظواهر لا يعني بالضرورة تصديقها أو الموافقة على التحليلات المرتبطة بها، إنما المقصود من رصد تلك المظاهر، وصف خطورتها وتفاعلاتها العملية المحتملة.
رابعاً: قد يقال بأن مثل هذه الكتابات، يمكن أن تشيع روح اليأس والإحباط في النفوس! والجواب: إن نفوس أهل الإيمان مطمئنة إلى أنه لا حول ولا قوة لأحد إلا بالله، فمهما علا الباطل وقدر وتجبر، فهو تحت قهر العلي القدير، والذي أمدَّ لأهل الباطل وأملى لهم قادر على أن يديل الدولة عليهم. ومهما بلغ شأنهم فلن يخرج أمرهم عما حكى الله لنا أمرهم في كتابة:) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ? [إبراهيم: 46] ثم قال:) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ? [إبراهيم: 47] فأي حسبان يتحسب له اليائسون والمُحبطون؟! إنه لا ينبغي لمن يستقوي بالقوي العزيز أن يهن أو يضعف، فضلاً عن أن يستدرج إلى يأس أو إحباط:) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ? [آل عمران: 139].
خامساً: إن ضخامة وجسامة التحدي الذي يفرضه اليهود والنصارى على الأمة الإسلامية اليوم، سرعان ما يتكشف أنه ثمرة تحالف غير مقدس لتخويف المؤمنين، ونحن مأمورون بألا نستجيب لهذا التخويف) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ?. [آل عمران: 175]. فخوفنا من الله ورجاؤنا فيه، ومحبتنا له ولأوليائه، هي المخرج من كل خوف، والرجاء عند كل خطر، والعافية من كل فتنة.
سادساًًًًًًً: عندما يشتد الظلام، يؤذن الليل بالرحيل، ويتأذن الفجر بالبزوغ، وعندما يستغرق الظلم جنبات الأرض، فاعلم أن العدالة ستحل من السماء. وما عندنا من أخبار الوحي الصادق، تبشر هذه الأمة بأعلى درجات السناء والرفعة والتمكين قبل أن تطوي الدنيا أيامها، فما لم يحدث في الزمان الأول من غلبة سلطان الإسلام على بقاع الأرض كلها سيحدث فيما يسميه أهل الكتاب (الأيام الأخيرة) فإذا كنا فعلاً نعيش تلك الأيام ـ كما يقولون ـ فيا خيبة كل من عارض الإسلام أو وقف في طريقة، إن الإسلام سيجرفهم بطوفانه الهادر، الذي يقصم الله به ظهر كل طاغية جبار، وعندها سيتم (تجفيف منابع) الظلم، بـ (المواجهة الشاملة) لجند الباطل، و (الإجهاض المبكر) لمؤامرات حزب الشيطان، و (مكافحة الإرهاب) الذي طالما سلّوا سيفه و (محاربة التطرف) الذي صدهم عن قبول الحق، عند ذلك ستزول العقبات عن طريق دعوة الإسلام التي ستبلغ كل منهل، وتصل كل أرض:) وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً? [الإسراء: 51]. قال الصادق المصدوق ?: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر".
سابعاً: إذا كنا على يقين بأن الله سينصر دينه ويعلي كلمته كما قال سبحانه وتعالى:) كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنا وَرُسُلِي? [المجادلة: 21]، فإن هذا النصر يستدعي نصرة منا أولاً:) إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ? [محمد:7] ونُصرة الدين مسؤولية الجميع، وحذار أن يضع أحدنا نفسه خارج الدائرة، أو يكتفي بأحد كراسي المراقبة والمشاهدة عن بُعد، إن أحدنا إن فعل ذلك يكون خاسراً شرف المشاركة في نصرة الإسلام في زمن الغربة، هذا من ناحية، ويكون محروماً من أجر الله العظيم لمن أحسن عملاً، من ناحية أخرى، ومع هذا وذاك، يكون مفرطاً في حق نفسه، وأهله وأرضه وعرضه، وقبل هذا في حق ربه الذي خلقه فسواه فعدله، فهل جهَّزنا إجابة إذا سُئلنا عن نعم الله علينا، ماذا عملنا فيها؟
أظن أن لدينا الكثير من النعم التي تحتاج إلى شكر، والعمل لنصرة الدين من أعظم الشكر:) اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مَنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ? [سبأ: 13].
ثامناً: عندما تمر السنوات الأولى للألفية الثالثة، فإن اليهود والنصارى، سيكونون بين أمرين، إما أن تتحقق بعض أحلامهم، فيزدادون عند ذلك فتنة، ويزدادون بالتالي طغياناً، وإنما أن تتبخر أحلامهم الكبار، فيذيع الشك بينهم في أصول دينهم، ويزدادون ارتياباً وحيرة وضلالاً، وعلى كلا الاحتمالين، فمسؤولية أهل الإسلام في السنوات المقبلة عظيمة، فهم إما أن يجدوا أنفسهم أمام مرحلة مفروضة من الصراع الديني الصريح، أو يفاجأوا بتبعة دعوية ثقيلة، ستنشئها موجات الارتياب وربما الارتداد الذي يمكن أن تنتشر بين الكتابيين عندما تصطدم عقائدهم الزائفة أمام صخرة الحقيقة والواقع، فمن لهؤلاء الضالين يهديهم إلى صراط الله المستقيم إذا تطلعوا للبحث عنه، إنها تبعة جسيمة، لابد أن يتهيأ لها أهل الدعوة من أمة البلاغ، خير أمة أخرجت للناس.
تاسعاً: إذا كان الكلام قد كثر في الكتاب عن حتمية الصراع بين أهل الحق من المسلمين، وأهل الباطل من الكتابيين، فإنه يجدر بنا هنا أن نقول: إن ما بيننا وبين أهل الكتاب ليس احتراباً فقط، ولكن دعوتنا لهم هي الأصل، أما الجهاد والجلاد فهو لمن طغى وبغى منهم، ولا ينبغي أن تنسينا غلبة الطغيان والبغي فيهم، أنهم محل دعوتنا قبل أن يكونوا محل جهادنا:) قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ? [آل عمران: 64].
صحيح أن المرحلة قد تكون مرحلة مواجهة مفروضة، ولكن من قال أن المواجهة هي الحروب فقط؟ إنها أيضاً مواجهة العقول والأفكار والحجج والبراهين.
وإذا كان النصارى مثلاً يملأون الدنيا نشاطاً باسم (التبشير)، فماذا أدّينا نحن تجاه دعوة البشير النذير ? وأنا أسأل هنا سؤالاً محدداً: أمام عشرات، بل مئات المواقع على (الإنترنت) والتي تتحرك في العالم بدعوات مفعمة بالتبشيرات الألفية، المنطلقة من العقائد الباطلة، كم يا ترى عدد المواقع الإسلامية في الإنترنت أو غيره، التي تطرح على القوم دعوة الحق في مقابل دعواتهم المرتبطة أساساً بمسائل عقدية في الألوهية والرسالة والنبوة والوحي والبعث؟ إنهم يخاطبون العالم كله اليوم بخطاب الخرافة، فمن يخاطبهم ويخاطب هذا العالم بحديث الحق والصدق الذي يكشف زيف ما يدّعونه وما يدعون إليه؟!
عاشراً: العلمانيون سيبرهنون ـ كعادتهم ـ على شدة الغباء في التعامل مع الظروف المصيرية التي تتعرض لها الأمة، فغالب الظن أن نصيبهم من التفاعل مع تداعيات الألفية، هو الالتهاء بالمشاركة في مظاهرها الاحتفالية الشركية التي تُعَظم فيها الصلبان، وترفع فيها الأوثان، ويتضاعف فيها العصيان وتنتهك فيها العقائد.
إن هؤلاء (العوام) المتربعين على كراسي القيادة والريادة الفكرية والإدارية لأمة الإسلام، لم يفهموا، ولن يفهموا أبعاد الصراع الديني الواقع والمتوقع، ولذلك فإنهم ـ إلا من شاء الله رحمته ـ سيكونون أول ضحايا الفتنة في الدين إذا عرضت أسبابها، وسيكونون أول الفارين، إذا ما نودي على من يحبون الشهادة أن هلموا للذود ـ في سبيل الله ـ عن الذات والمقدسات.
ولا شك أن هذا أيضاً مما يضاعف من مسؤولية أهل الإسلام الصادقين.
حادي عشر: في أزمنة الفتن والاستضعاف، تتعلق النفوس كثيراً بالمغيبات، والغيب حق، والإيمان به أول صفات المتقين في القرآن الكريم، ولكن الإيمان بالغيب أقوى دافع للعمل في عالم الشهادة، هكذا تعامل خير أجيال البشر من الصحابة ومن تبعهم رضي الله عنهم أجمعين ـ مع الغيب، أما أن تتخذ من أخبار الغيب تكأة للقعود والخمول باسم الانتظار، فهذا ليس دأب الفاقهين لسنن الله في الأنفس والآفاق، وقد شاعت في أوساط المسلمين في الآونة الأخيرة موجة حُمِّية أشبه بموجة الحمى الألفية غير أنها تختلف عنها من حيث مصادرها وموضوعها، فنحن نسمع بين آن وآخر عن كتب تصدر ومقالات تدبج، وأشرطة توزع، تتحدث عن إرهاصات أخروية أقرب ـ ربما ـ مما يتحدث عنه أهل الكتاب، فيما يتعلق بقرب القيامة وقرب مجيء المهدي، بل ووجوده بالفعل حياً بيننا!!.
ولست بصدد مناقشة تلك الأقوال الآن، ولكن أنصح نصيحة مشفق حريص: ألا نصنع بأنفسنا أجواءً تتفرخ فيها أفكار الانتظار أو ادعاءات المهدوية أو انتحالات السفيانية والعيسوية، فقد حذر رسول الله ? من (مسحاء كذبة)، فحذار أن نستخرج من بيننا مسيحاً كذاباً، أو مخلِّصاً دجالاً فليس لمثل هذه الدعوات من مناخ أنسب من المناخ الذي يمكن أن تشيعه انعكاسات الحمى الألفية في أوساط المسلمين.
ثاني عشر: لله ـ تعالى ـ أحكام شرعية، وأحكام قدرية، ونحن متعبدون بالأحكام الشرعية من تكليفات وأوامر ونواه، أما الأحكام القدرية التي تدخل فيها المغيبات المستقبلية، فنحن غير متعبدين إلا بالتصديق بها، ثم الامتثال لأحكام الله الشرعية فيها إذا جاء أوانها، ومع ذلك فإن الله ـ تعالى ـ لم يتعبدنا بالانتظار حتى تقع الأقدار خيرها أو شرها، ولكن تعبدنا بالإعداد والاستعداد لملاقاة أي خطر قائم أو قادم يتهدد ديننا وأمتنا ودعوتنا.
وأخيراً: هذا سؤال يتردد في القلب والعقل .. إلى متى نظل نمثل نحن (رد الفعل) ويقوم أعداء الأمة بـ (الفعل)؟ أما آن لنا أن ننتقل من دائرة ردود الأفعال إلى دائرة الأفعال؟ سؤال ينتظر الإجابة في زمن الانتظار!!