الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم تقنين الشريعة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
عبدالرحمن بن سعد الشثري
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الصميعي - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1428هـ
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
أصول فقه - أعمال منوعة
الخاتمة
تبين لنا مما مضى: أن تقنين الشريعة الذي يريد به من دعا إليه – مع إحسان الظن به – درء مفسدة اختلاف القضاة؟ يستلزم مفاسد أعظم من ذلك: فهو خطوة إلى الانتقال عن الشريعة الإسلامية إلى الأنظمة الوضعية، ولعل من دعا إليه يجهل ذلك، أو يتجاهله.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي)): وإيضاح ذلك: أن النظام الوضعي تتركب حقيقته من شيئين:
أحدهما: صورته التي هي شكله وهيئته في ترتيب مواده والحرص على تقريب معانيها وضبطها بالأرقام.
الثانية: حقيقة روحه التي هي مشابكة لذلك الهيكل والصورة كمشابكة الروح للبدن، وتلك الروح هي حكم الطاغوت، فصار التدوين مشتملاً على أحدهما والواحد نصف الاثنين.
ومما يظن ظناً قوياً ويخشى خشية شديدة أن وضع شكل وصورة النظام الوضعي بالتدوين، وضع حجر أساس لنفخ روح هذا الهيكل الأصيلة فيه.
ولاشك أن الظروف الراهنة، ومخايل الظروف المستقبلة، تؤكد أن تيارات الإلحاد الجارفة في أقطار المعمورة الناظرة إلى الإسلام بعين الحظ والازدراء يغلب على الظن، ويخاف خوفاً شديداً أنها بقوة مغناطيسها الجذابة التي جذبت غير هذه البلاد من الأقطار من نظامها الإسلامي التي توارثته عشرات القرون، إلى النظام الوضعي الذي شرعه الشيطان على ألسنة أوليائه، ستجذب هذه البلاد يوماً ما إلى ما جذبت إليه غيرها من الأقطار التي فيها مئات العلماء كمصر، لضعف الوازع الديني في الأغلبية الساحقة من شباب المسلمين، وكون الثقافة المعاصرة من أعظم الأسباب للانتقال إلى القوانين الوضعية.
فجميع الملابسات العالمية معينة على الشر المحذور إلا ماشاء الله، ولا سيما إن كانت هيئة كبار العلماء قد يقال أنها ابتدأت وضع الحجر الأساسي لذلك بالرضا بالانتقال عما توارثته الأمة جيلاً بعد جيل إلى وضع نظام شرعي ديني في مسلاخ نظام وضعي بشري شيطاني.
وليس هذا من الأمور الدنيوية البحتة التي تؤخذ عن الكفار!.
لأنه أمر قد يقال: إنه ذريعة إلى أعظم فساد ديني، مع أن اختلاف القضاة في بعض المسائل المتماثلة أمر موجود من عهد الصحابة إلى اليوم، ولم يستلزم مفسدة عظيمة، والقضاة المختلفون في المسألة الواحدة في هذه البلاد يلزم رفع اختلافهم إلى هيئة تمييز من أمثل من يوثق بعلمه وعدالته، وربما رفع بعد ذلك إلى هيئة قضائية عليا)).
فدعوة الداعين للتقنين:
ممتنعة شرعاً وواقعاً، فموقع دعوتهم من أحكام التكليف حسب الدلائل والوجوه الشرعية أنه:
محرم شرعاً، لا يجوز الإلزام به، ولا الالتزام به.
ودعوتهم مولودة غريبة، ليست في أحشاء أمتنا الإسلامية، غريبة في لغتها، غريبة في سيرها وأصالة منهجها غريبة في دينها ومعتقدها ،فهي أجنبية عنها، ومجلوبة إليها.
فغريب جداً على هؤلاء أن يحتضنوها بمجرد فكرة: الله أعلم بدوافعهم إليها، هدانا الله وإياهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
{يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} [المائده:8] أسأل الله تعالى لي وللداعين للتقنين ولعموم المسلمين الهداية والرشاد، والرجوع للعلماء المعتبرين، وعلينا جميعاً أن نولي حارها من قارها.
وهذا من سنة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فعن محمد بن سيرين قال: ((قال عمر رضي الله عنه لابن مسعود: ألم أنبأ، أو أنبئت أنك تفتي ولست بأمير، ولِّ حارها من تولى قارها)).
وأختم رسالتي هذه بما رواه يزيد بن عميرة قال)):كان معاذ لا يجلس مجلساً للذكر إلا قال: الله حكم قسط، هلك المرتابون.
إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، ماهم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة.
وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق.
قال: قلت لمعاذ: مايدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق.
قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه، ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع، وتلق الحق إذا سمعته، فإن على الحق نوراً)).
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
فقلت يارسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال صلى الله عليه وسلم):نعم))!.
فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، وفيه دخن)).
قلت وما دخنه؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)).
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، قوم من جلدتنا! ويتكلمون بألسنتنا!)).
قلت: يا رسول الله: فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم!)).
فقلت: فإن لم تكن لهم جما عة ولا إمام؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)).
وفق الله القائمين على القضاء للصواب والإخلاص في الأقوال والأعمال، ونفع بهم البلاد والعباد، وأعانهم على ذكره، وشكره، وخشيته، وحسن عبادته، ونصرة كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعباده الصالحين، وهداهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، كما أسأله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين، وأن يذهب عنا وعنهم البأس، وأن يصرف عنا وعنهم كيد الكائدين، وأن يحفظنا بالإسلام قائمين، وقاعدين، وراقدين، وأن لا يشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، إن الله لسميع الدعاء {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود:88]، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم.