الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشقة تجلب التيسير
المؤلف/ المشرف:
صالح بن سليمان اليوسف
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
المطابع الأهلية للأوفست- الرياض ̈بدون
سنة الطبع:
1408هـ
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
قواعد فقهية وأصولية
الخاتمة
الحمد لله الذي بعونه تتم الصالحات وله الشكر على ما أنعم به وتفضل من التوفيق في البدء والختام.
وبعد ..
فلقد جئت على جميع فقرات الخطة الموضوعة للبحث في قاعدة من أعظم قواعد هذه الشريعة الحنفية السمحة، ألا وهي قاعدة المشقة تجلب التيسير، ثم بينت مدى بناء الفروع الشرعية في شتى أبواب العبادات والمعاملات مما يشهد لأهمية هذه القاعدة وأنها جديرة بالبحث والدرس. وبذلك يظهر فضل هذا الدين وأنه جدير بأن يكون خاتم الأديان وأن من ابتغى غيره باء بالخسران.
كما يظهر من هذا البحث مدى أهمية قواعد الفقه الكلية على الإجمال، وأنها لا تقل عن القواعد الأصولية أهمية في استنباط الأحكام الفقهية وربطها ببعضها البعض وتخريج الفروع عليها. فبقدر إحاطة الفقيه بها يعلو قدره ويكون قادرا على السيطرة على زمام الفروع. فلا تتضارب مع الأحكام ولا تتعارض.
زد على أن القواعد الفقهية أسهل فهما وانقيادا من قواعد الأصول لغلبة الأدلة العقلية على الثانية، وميل أهلها إلى الاعتماد على المقدمات المنطقية، فالقواعد الفقهية سهلة العبارة واضحة الغاية ثمرتها مؤكدة.
ولا يسعني في هذه الخاتمة إلا أن أبين بعض ثمرات هذا البحث ونتائجه على سبيل الإيجاز لكي يأخذ القارئ لمحة موجزة عنه:
1 – إن القواعد الفقهية تمتاز بالأسلوب الواضح، والإيجاز في العبارة، على عموم معناها واستيعابها للفروع الكثيرة، فهي مهمة عظيمة النفع، ينطوي تحتها من الفروع ما لا يحصى، فبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه لأن من ضبط الفقه بقواعده، أحاط بمعظم الجزئيات لاندراجها تحتها.
2 – إن قاعدة المشقة تجلب التيسير من القواعد المتفق عليها في الشريعة الإسلامية، وقد توافرت الأدلة عليها من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، ومن تتبع سيرة الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، وجد أنهم أخذوا بمبدأ التيسير وابتعدوا عن الأعمال الشاقة.
3 – إن الشارع الحكيم، لم يعلق التخفيف في بعض الأحكام الشرعية على وجود المشقة أو عدمها، وذلك لأن المشاق تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، والمشاق بالقوة والضعف، بحسب الأحوال، وبحسب قوة العزائم، وضعفها، وبحسب الأزمنة، وبحسب الأعمال.
فليس سفر الإنسان راكبا على الدابة أو ماشيا على الأقدام كسفره على السيارة أو الطيارة، كما أن الأشخاص في تحمل المشاق يختلفون فرب رجل جلد ضرى على قطع المسافة حتى صار ذلك عادة له، وآخر بخلافه، وكذلك يتحمل أحدهما في مرضه ما لا يتحمل الآخر.
وإذا كان الأمر كذلك، فليس للمشقة المعتبرة في التخفيف ضابط مخصوص ولا حد محدود يطرد في جميع الناس. لذلك أقام الشارع السبب مقام العلة، فاعتبر السفر مثلا لأنه أقرب مظان وجود المشقة، وترك كثيرا منها موكولا إلى اجتهاد الشخص.
4 -
إن المشاق المؤثرة في التخفيف تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
مشاق رابطها الشارع بأسباب معينة، بحيث يدور التخفيف معها وجودا وعدما، كربط التخفيف بالسفر والإكراه والمرض والنسيان
…
الخ.
القسم الثاني:
مشاق لم يرد بشأنها من الشارع ضبط ولا تحديد، وهذه تتنوع إلى نوعين:
النوع الأول: مشاق ملازمة للعبادة، فلا يمكن تأدية العبادة بدونها كمشقة الوضوء مثلا، فمثل هذه المشاق لا أثر لها في التخفيف.
النوع الثاني: مشاق منفكة عن العبادة في الغالب، وهذه ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: مشقة عظيمة كمشقة الخوف على النفوس، فهذه موجودة للتخفيف.
المرتبة الثانية: مشقة خفيفة كأدنى وجع الإصبع، فهذه لا أثر لها في التخفيف.
المرتبة الثالثة: مشقة واقعة بين المرتبتين، وضابطها هو أنه ما كان منها قريب من المرتبة الأولى يلحق بها، فيكون مؤثرا في التخفيف، وما كان منها قريب من المرتبة الثانية يلحق بها فلا يكون مؤثرا في التخفيف، وما توسط بينهما، فمثل هذا النوع لا ضابط له، فيرجع فيه إلى العرف.
5 – تبين عند تقسيم المشاق، أن منها ما هو مانع من التكليف، كالمشقة الخارجة عن المعتاد، ومنها ما هو غير مانع من التكليف، كالمشقة الزائدة عن المعتادة، وهي المشقة الطبيعية التي يستطيع الإنسان تحملها دون إلحاق الضرر به.
6 – في مباحث أسباب التخفيف التي تتخرج على قاعدة المشقة تجلب التيسير، تبين أن أسباب التخفيف التي هي – النسيان والجهل والمرض والسفر والعسر وعموم البلوى والإكراه .. الخ – تعالج ما يواجه المكلف من المشاق بإيجاد تخفيفات مقابلة لها بمعنى أن المشقة المرتبة عليها توجب التخفيف، ثم أن هذه التخفيفات مرعي بها مصالح من وجدت بهم الأعذار، أو يتوقع وجودها بهم.
والتخفيفات المترتبة على هذه الأسباب أكثرها تتناول حقوق الله تعالى لأنها مبنية على التسامع والرحمة والمغفرة، أما ما يتعلق بحقوق العباد فقد خفف في شأنها ما ينتفى فيه القصد فترتفع العقوبة البدنية، أما الأضرار اللاحقة بالغير فإنها مضمونة، لأن في إهمالها حرج على من وقعت عليه، فكل غلط أو نسيان أو خطأ أو سبق لسان أو التكلم مكرها أو جهلا بما لا يريده العبد وإنما يريد خلافه، لا مؤاخذة عليه، لأنه لو رتب عليه حكم لحرجت الأمة وأصابها غاية التعب، والمشقة مرفوعة عن هذه الأمة، فلا مؤاخذة بهذه الأشياء.
7 – في مباحث العسر وعموم البلوى، تبين أن العسر، هو ما يقوم به الإنسان مع المشقة الزائدة عن المعتاد، وبذل كل الطاقة والمجهود.
وعموم البلوى، هو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال، وينتشر وقوعه بحيث يعسر الاستغناء عنه، ويعسر الاحتراز منه إلا بمشقة زائدة.
وفي المباحث المتعلقة بالعسر تبين ما يلي:
أ – في مبحث العسر والاستحسان: تبين أن أهم مقاصد هذا المبحث، هو تجنب الإيغال في طرد القياس الموقع في الحرج والمشقة، فجميع أنواع الاستحسان هادفة إلى التيسير والتخفيف، فهي مظهر من مظاهر رفع الحرج والمشقة ومعالجة لغلو اطراد القياس، كما جاء تعريفه عند بعضهم، بأنه طلب السهولة في الأحكام، فيما يبتلى فيه الخاص والعام، وقيل: أنه هو الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة إلى غير ذلك.
ب – وفي مبحث العسر والمصالح المرسلة: تبين أن المصالح المرسلة مظهر من مظاهر التخفيف والتيسير على العباد، فهي مظهر لمرونة الشريعة الإسلامية، تحقيقا لمطالب الحياة ومناسبتها لكل مكان وزمان، إذ أن رفع المشقة عن الناس فيما لزمهم من أحكام يقتضي أن تكون تلك الأحكام دائرة مع مصالحهم ومقتضيات سعادتهم وإلا لما ارتفع العسر.
والآئمة يقولون بالاستصلاح، سواء كان ذلك باسم الاستصلاح أو الاجتهاد أو القياس أو الاستحسان أو العرف.
جـ - وفي مبحث العسر وسد الذرائع: في دراسة أنواع الذرائع يتبين أن الشريعة الإسلامية فتحت من الذرائع مقدار ما يرتفع معه العسر والضرر، فإذا زال العسر بقيت على سدها، لأن أصل سد الذرائع مجمع عليه.
فسد الذرائع دائما وفي كل الظروف والأحوال يكون سببا لوقوع المشقة للأمة.
د – وفي مبحث العسر والعرف: تبين أن العرف يرجع إليه كثير من الأحكام الشرعية، ونزع الناس عما ألفوه واعتادوا عليه وتلقته طباعهم السليمة بالقبول، عسر وحرج شديد وعليه ينبغي للمفتي أن يتعرف على أعراف الناس وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم فما وجده في العرف الذي لا يتعارض مع نصوص الشريعة اعتبره، وما أسقط أسقطه.
وبهذا يتبين أن مراعاة العرف، فيه تخفيف وتيسير، ومخالفته، توقع في المشقة ولكن العرف إنما يعمل به في حدود الشروط المعتبر له، لأن الأخذ بالعرف دون قيد ولا شرط يؤدي إلى التلاعب بالأحكام الشرعية.
8 – إن الرخص ليست هي الأحكام الأصلية، وأنها تهدف إلى رفع الحرج عن هذه الأمة، وأقرب تعريف لها هو تعريف البيضاوي وهو قوله:(هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر).
9 – إن قصد المشقة نفسها في التكليف لا يصح، لأنه مخالف لقصد الشارع، وما كان مخالفا لقصد الشارع فهو باطل، أما قصد العمل الذي من لوازمه المشقة كمن يختار الجهاد على نوافل العبادات فهذا قصد صحيح، لأنه في هذه الحالة لم يقصد المشقة نفسها وإنما قصد العمل الذي من لوازمه المشقة.
أما دخول المكلف في المشقة باختياره، فإن كانت معتادة فللمكلف الدخول فيها باختياره، ولكن ليس القصد من الشارع نفس المشقة بل القصد المصلحة الراجحة.
وإن لم تكن معتادة، فإن كانت المشقة حاصلة بسبب المكلف واختياره والفعل لا يقتضيها بأصله، فهذا بأصله، فهذا منهي عنه ولا يصح التعبد به.
وإن كان الفعل مقتضيا لها، فهذا هو الذي شرعت الرخص من أجله فإن شاء عمل بالرخصة، وإن لم يعمل بها، فلا يخلو من أن يعلم أو يظن أنه يدخل عليه في نفسه أو جسمه أو عقله أو ماله أو حال من أحواله ضرر يكره بسببه العبادة، فهذا أمر ليس له، وكذلك إن لم يعلم بذلك ولا ظن ولكنه لما دخل في العمل دخل عليه ذلك فحكمه الإمساك عما أدخل عليه المشوش.
أو من أن يعلم أو يظن أنه لا يدخل عليه الضرر ولكن في العمل مشقة غير معتادة. فهذا موضع لمشروعية الرخصة.
10 – تبين أن السبب في رفع المشقة عن المكلفين هو الخوف من الانقطاع عن العبادة أو بغض العبادة أو كراهة التكليف أو الخوف من فساد قد يحصل في عقله أو جسمه أو ماله أو حاله، أو الخوف من التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع، فربما كان التوغل في جزء منها يكون شاغلا عنها.
فالنهي لعلة معقولة المعنى مقصودة للشارع، وإذا كان كذلك، فالنهي يدور مع العلة وجودا وعدما، فإذا وجد ما علل به الشارع، كان النهي موجودا وإذا لم توجد كان النهي مفقودا.
11 -
إن المشاق والشدائد التي يجدها المكلف في طريق قيامه بالعبادة وسائر التكاليف مثاب عليها قل ذلك أم كثر، فإذا تساوت الأفعال في الشرف والشرائط والسنن والأركان، وكان إحداهما أشق من الآخر استوت في الأجر لتساويها في الوظائف، وانفرد الشاق عنها بتحمل المشقة، فأثيب على تحمل المشقة لا على عين المشقة، إذ لا يصح التقرب بالمشاق، لأن المشقة ليست مناطا للأجر، بل الأجر على المشقة يأتي بسبب كونها ملازمة للعبادة لا لكونها مقصودة من الشارع إذ ليست شدة العمل ومشقته هي السبيل لتحصيل الأجر بل مناط الأجر هو الامتثال لأمر الشارع.
12 – وبالتطبيقات الفقهية على القاعدة تبين أن قاعدة المشقة تجلب التيسير، تحتل جزءا كبيرا في مجال التطبيق على الفروع الفقهية، فتطبيقاتها تأتي على جميع أبواب الفقه، فقلما تجد بابا من أبواب الفقه، إلا وللقاعدة أثر عليه، فما وجدت عزيمة إلا وجد في جانبها رخصة، إلا الشرك والقتل والزنا.
فإذا نظرت إلى أبواب الفقه وبدأتها من كتاب الطهارة وتتبعتها بابا بابا إلى كتاب القضاء، فإنك تدرك أن هذه القاعدة لها نصيب كبير في مجال التطبيق، ولكن أثر القاعدة في العبادات أكثر منه على المعاملات.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه،،،