الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إقرار الله جل جلاله في زمن النبوة ومدى الاحتجاج به
المؤلف/ المشرف:
عبد الحميد بن علي أبو زنيد
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
بدون ̈الأولى
سنة الطبع:
1410هـ
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
أصول فقه - أعمال منوعة
خاتمة البحث ونتيجته
تبين من البحث أن أول من قال بعدم حجية فعل الصحابي في زمن نزول الوحي إذا لم يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما يسمى بإقرار الله - عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضور جمع كبير من الصحابة وذلك في الأثر الذي أخرجه أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار وبسند كل رجاله ثقات عدا محمد ابن إسحاق صاحب المغازي كما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده والطبراني في معجمه الكبير والبزار وذلك عندما كان يفتي زيد بن ثابت رضي الله عنه بعدم الاغتسال من الإكسال والذي ورد فيه أن رفاعة بن رافع قال قال لي عمر: "ما يقول هذا الفتى؟ فقلت: إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا نغتسل. فقال عمر: أفسألتم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال رفاعة: لا. فقال عمر رضي الله عنه: " لا يبلغني أن أحداً فعله إلا أنهكته عقوبةً". وكان ذلك بحضور جمع من الصحابة وانتشر الأمر مما جعل هذا الأمر يرقى لأن يكون إجماعاً سكوتياً لعدم النقل عن أحد من الصحابة بعدها مخالفة ذلك. ثم أشار إلى عدم حجيته أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي الحنبلي في بداية كتابه الجدل. ولا يشعر كلامه أنه قال رداً على أحدٍ بل قاله استطراداً عند بيان كيفية الاحتجاج بالكتاب والسنة.
ثم بقيّ الأمر على ذلك كما يبدو حتى جاء الشيخ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة 600هـ وألف كتابه عمدة الأحكام الذي جمع فيه ما اتفق عليه الشيخان من أحاديث الأحكام. وأدرج في حديث العزل ما نقله مسلم في صحيحه عن سفيان بن عيينة على أنه من لفظ جابر رضي الله عنه. وأصل الحديث: "كنا نعزل والقرآن ينزل" ولفظ سفيان المدرج "لو كان شيئاً ينهي عنه لنهانا عنه القرآن" فاطَّلع على عمدة الأحكام ابن دقيق العيد المتوفى سنة 702هـ بقصد شرحه. ولم يتنبه لما حدث في الحديث من إدراج فقال: إن ظاهر لفظ الحديث يقتضي استدلال جابر بإقرار الله سبحانه وتعالى ثم قال: وهذا شيء غريب ويبدو أنه اطلع على الأمر بعده شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المتوفى سنة 728 هـ وتلميذه المحقق شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيِّم الجوزية المتوفي سنة 751هـ فلم يتنبها لما حدث من الإدراج في حديث العزل اعتماداً على ما فعله الشيخ عبد الغني رحمه الله، ولذا فقد رويا الحديث في المسودة وأعلام الموقعين بلفظ عمدة الأحكام. فأوهم ذلك استدلال جابر بإقرار الله سبحانه وتعالى فقالا به وقسَّماه إلى قسمين:
الأول: وهو فعل الصحابة في زمن الوحي ولو لم يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بحجة أن الله لا يقر الصحابة في زمن الوحي على ما يخالف الشرع.
والثاني: هو أن الأصل في الأفعال والأشياء الإباحة إذا لم يرد دليل ناقل فسكوت الله دليل على إباحته.
وبينت أن الأول ليس بحجة لأن معتمد من قال بحجيته هو ما أدرجه الشيخ عبد الغني في حديث جابر. والذي لو تنبه له من استدل به ما استدل به والعلم عند الله.
وأما الثاني فإنه وإن كان له مأخذ وجيه فإن جماهير الأصوليين درجوا على عدم تسميته بإقرار الله سبحانه إنما اعتمدوا على العمومات الواردة الدالة على حكم الإباحة.
ثم جاء ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي بن محمد المتوفى سنة 852هـ أمير المؤمنين في الحديث صاحب الفتح فكشف عن هذا الإدراج ونبَّه عليه في كتابه فتح الباري، وبين ما فعله الشيخ عبد الغني المقدسي وما حدث مع ابن دقيق العيد.
ثم جاء الأمير الصنعاني محمد بن إسماعيل الكحلاني المتوفي سنة 1182هـ الذي اطلع كما يبدو على ما وقع لابن تيمية وابن القيم فاستدل بإقرار الله سبحانه وتعالى على إمامة الصبي المميز بحديث عمرو بن سلمة على أنه من إقرار الله سبحانه وتعالى مخالفاً بذلك جمهور شراح الحديث الذين احتجوا به على أنه سنة إقرارية لاستبعاد عدم اطلاع الرسول صلى الله عليه وسلم ولاتفاق كل من صنف في علوم الحديث على أن فعل الصحابة المرفوع لزمن الوحي أنه حديث موقوف لفظاً مرفوع حكماً عدا ما نقل عن الاسماعيلي رحمه الله.
ولكن الأمير الصنعاني لما وصل لحديث العزل تغيَّر حاله واختلف اختياره وأُعجب بما فعل ابن حجر رحمه الله ولكنه أشار بإشارة لطيفةٍ خفية بدون جزم إلى احتمال إفادة بعض الأدلة حجية إقرار الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكلامه هذا حق. ولذا حققت الكلام فيه وهو أن إقرار الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالتشريع حجة لا مرية فيها عند كل من جَّوز الاجتهاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ.
ولذا فإن الذي توصلتُ إليه أنَّ إقرار الله سبحانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بأمور التشريع دون أمور الدنيا أنه حجة. كما أنه يمكن أن يستفاد حكم الإباحة مما سكتَ عنه الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للأعيان. وأما بالنسبة للأفعال فلا يمكن حملها على إطلاقها بل لابدَّ من تقييدها حيث أن ما يفعل على سبيل القربى والعبادة ليس الأصل فيه الإباحة بل الأصل فيه موافقة التشريع.
هذا ما تيسر جمعه وتقييده وكان الفراغ منه ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقين من شعبان سنة تسع وأربعمائة وألف. وصلى الله وسلم على خليله المصطفي ونبيه المجتبى وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً. وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِ العالمين.