الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراكز الإسلامية في أمريكا الشمالية نشأتها - أنشطتها والأحكام الفقهية المتعلقة بها
المؤلف/ المشرف:
محمد موفق الغلاييني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار عمار - الأردن ̈الأولى
سنة الطبع:
1430هـ
تصنيف رئيس:
دعوة ودعاة
تصنيف فرعي:
دعوة - فقه أحكام وضوابط وتصورات
الخاتمة:
لعلي بعد هذا التجوال عبر الأبواب الثلاثة استطعت الإلمام بواقع الوجود الإسلامي في القارة الأمريكية، ومن ثم استجلاء معالم الأنشطة الممارسة في المساجد والمراكز الإسلامية، وتقويمها من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وما يجدر بالعاملين فيها أن يقوموا به لأداء الأمانة، فما وكل إليهم إنما هو تكليف لا تشريف. وأخيراً بيان واقع الأئمة في هذه الديار، والمسؤوليات المتنوعة والكثيرة المناطة بهم.
ولعل من تتميم الفائدة أن ألخص النتائج العامة التي توصلت إليها ومن ثم أذكر التوصيات التي أرى ضرورة مراعاتها بصورة عاجلة كيما ننهض بمساجدنا، ومراكزنا الإسلامية بما يرضي الله سبحانه، ويعود بالنفع على المسلمين خاصة وعلى جميع القاطنين في هذه القارة بصورة عامة.
النتائج العامة للكتاب:
1 -
النمو الكمي للمسلمين لا يتناسب مع النمو الكيفي:
هناك نمو كمي مطرد في عدد المراكز والمدارس الإسلامية، وكذلك في عدد المسلمين أنفسهم في هذه القارة - كما سبق أن ذكرت في الباب الأول - وهذا مؤشر خير، ولكن هذا النمو الكمي لا يرافقه - مع الأسف - نمو كيفي بصورة مطردة. وهذا يؤكد لنا ضرورة العناية بالتعليم والتوجيه والتربية في مراكزنا بصورة أكبر، فالمسجد لا يعمر بالجدران فحسب، ولكن بالمصلين والركوع السجود، وبحلق العلم والذكر والتربية. قال تعالى:{ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [التوبة: 17 - 18].
فالعناية بالكيف والمضمون يجب أن يكون عنوان المرحلة القادمة للمسلمين في هذه الديار، فنحن بحاجة ماسة إلى زيادة التربية والثقافة الإسلامية في مراكزنا كمّاً ونوعاً بما يعين على تخريج أجيال مسلمة توقن بالإسلام وتلتزم بأحكامه أكثر من حاجتنا إلى زيادة عدد المراكز الإسلامية.
2 -
عدم وجود مرجعية شرعية واحدة متفق عليها بين المسلمين في أمريكا:
فرغم وجود عدد لا بأس به من الجماعات والمنظمات الإسلامية فإنه لا توجد هيئة واحدة متفق عليها كمرجع للمسلمين جميعاً. وبذا انطبق علينا قول الشاعر:
لكل جماعة فينا إمام
…
ولكن الجميع بلا إمام
نعم يوجد تنسيق بين بعض هذه المنظمات، ولكن لا يوجد تنسيق عام بينها جميعاً. وهذا من الأسباب الرئيسية لضعف الكيان الإسلامي في هذه القارة.
والحل واضح، وهو قوله سبحانه:{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} [آل عمران: 103] وفي قوله عز من قائل: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: 46].
إن مرد هذا التباعد إنما هو أمراض النفوس الناشئة من التحزب والتعصب، وحب الرئاسة والزعامة فنجد الأتباع أو كثير منهم يتعصبون لجماعتهم، والزعماء يسعون للحفاظ على رئاستهم، ولذلك تذهب فرص التوحيد والتعاون سدى.
لذا فإن على المنتمين لهذه الجماعات والمنظمات رؤساء ومرؤوسين أن يتقوا الله في أنفسهم وفي المسلمين الذين لا يشكلون في هذا المجتمع سوى أقلية مستضعفة.
2 -
اختلاف درجة الالتزام بين المراكز الإسلامية.
فبعضها أكثر التزاماً من الأخرى، ولعل الملتزمة أقل عدداً من غير الملتزمة، وعدم الالتزام قد يظهر في صور مختلفة، فقد يكون نابعاً من فهم خاطئ لمهمة المركز الإسلامي، أو من تبني وجهة نظر جماعة أو منظمة معينة. وهذه الأوضاع المختلفة تحتاج إلى دراسة أخرى تركز اهتمامها على هذا الجانب لمعرفة الأسباب، وطرق العلاج.
والذي أقترحه في هذا المجال أن يضاعف أهل العلم - سواء المقيمين أو الزائرين - من جهودهم ليبينوا للمسلمين أن المركز إنما يسمى: (إسلامياً) لكونه يتبنى هذا الدين: الإسلام، فالإسلام ليس مجرد اسم أو لافتة ترفع، وإنما هو عقيدة ومبدأ ومنهج حياة. أما إذا أصر القائمون على هذه المراكز أن لا يلتزموا بأحكام الإسلام فإن عليهم أن يختاروا اسماً آخر لا علاقة له بالإسلام، لأن اسم الإسلام - مع الأسف - قد يستغل للتأثير عاطفياً على بعض المسلمين البسطاء الذين لا معرفة لهم بحقائق الأمور.
4 -
ضعف التوازن في ممارسة الأنشطة المختلفة:
هذا الأمر يكاد أن يكون ظاهرة في مراكزنا الإسلامية. ففي الوقت الذي ترى فيه الأنشطة الاجتماعية والترويحية رائجة منتعشة، نجد الأنشطة الفكرية والتربوية لا تحظى بالاهتمام نفسه، ولعل السبب الرئيسي لهذا كامن في عدم التطوير في وسائل هذه الأنشطة، فالطرق التقليدية من محاضرة وندوة وما إليهما لم تعد قادرة على جذب جمهور عريض، وهذا يستدعي إعادة التفكير في طرق جديدة نعرض من خلالها ما نريد قوله ولكن بطرق حديثة مبتكرة.
5 -
دور المسجد في حل الخلافات الزوجية دور حيوي وهام:
فالمسجد هو موئل المسلمين في جميع قضاياهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية. والزوجان عندما يقع بينهما خلاف ولا يستطيعان الوصول إلى حل مناسب، فإن المسجد يقوم بدور هام وفعال، فهو يقوم بدور المستشار الشرعي أو الاجتماعي أحياناً، ودور القاضي الشرعي في أحيان أخرى إذا رضي الزوجان به حَكماً نهائياً. وهذا يريح الطرفين من التحاكم لغير شريعة الله، وبالتالي يريحهما من عناء التقاضي أمام المحكمة ودفع التكاليف الباهظة التي تزيد الخلاف تعقيداً وسوءاً.
6 -
ضرورة تطوير الخدمات الاجتماعية المقدمة لحل المشكلات الزوجية:
تناط مهمة حل الخلافات الزوجية بالإمام في أغلب الأحيان، ونظراً للأمور الكثيرة التي توكل إليه فإنه يصبح عاجزاً عن ملاحقة جميع ما يعرض عليه، ولذا فلابد من وجود بعض المتبرعين - وبخاصة من عندهم اختصاص في مجال الخدمات الاجتماعية ولديهم قدر من الخليفة الشرعية - لمساعدة الإمام في هذا المجال. أو من الممكن التوسع في تجربة مكتب الخدمات الاجتماعية التابع لـ: ICNA والذي أعطيت لمحة عنه فيما سبق ليمارس في ولايات أخرى.
7 -
إمكانية الصرف من أموال الزكاة في سبيل نشر الدعوة:
فقد رجَّحت هذا الرأي الفقهي بسبب وجاهته شرعاً، وحاجة المسلمين الملحة في أمريكا لدعم جهود الدعوة الإسلامية، إذ لا توجد أوقاف للمسلمين في أمريكا لينفق منها على هذا المجال، وما تقوم به مؤسسة الوقف التابعة لمنظمة المجتمع الإسلامي في أمريكا الشمالية لا يفي بالمطلوب، بل إن جهودها في هذا المضمار آخذة بالتضاؤل لأسباب شتى لا مجال لذكرها.
8 -
أهمية استخدام وسائل الإعلام الحديثة في مجال الدعوة:
فالوسائل التقليدية لم تعد تكفي، ولعل من المفيد في هذا المجال أن أؤكد أهمية البدء ببرنامج إذاعي يبث مواده على مستوى أمريكا كلها، وكذلك العمل على إيجاد قناة تلفزيونية إسلامية تكون من مهماتها تقديم الإسلام لغير المسلمين بصورة حقيقية مشرقة تعكس صورة الإسلام الصادقة، وترد عنه شبهات الأعداء وكذلك تثقيف المسلمين بدينهم، وتذكيرهم بواجبهم تجاه دينهم والدعوة إليه، ومن الممكن دعوة أغنياء المسلمين في العالم الإسلامي للإنفاق على هذا المشروع لاحتياجه إلى دعم مالي كبير، وليس من الصعب إقناعهم بجدوى هذا المشروع لأنه جد هام في تخفيف حدة العداء للإسلام والمسلمين الآخذ بالانتشار في العالم أجمع نتيجة الظروف الحالية المعروفة.
9 -
التواصل مع المنظمات غير الإسلامية ذات الاهتمامات المشتركة:
فقد رأينا كيف شارك نبينا عليه الصلاة والسلام في حلف الفضول وقال فيما بعد بأنه لو دعي إلى مثله في الإسلام لأجاب. فالمسلمون في أمريكا عليهم أن يمدوا الجسور مع من يشاركهم ولو جزءاً من همومهم واهتماماتهم مثل الاهتمام بالقيم الروحية والدينية، ونشر الفضيلة والعدل، والسلام المبني على حفظ حقوق الآخرين، والمحافظ على الأسرة كخلية هامة للمجتمع السليم، ومنع الإجهاض، وعدم الاعتراف بالزواج المثلي، ومحاربة كل أنواع الجريمة المنظمة وغير المنظمة، وتعاطي المخدرات والكحول، والعلاقات الجنسية غير المشروعة.
إن إيجابية المسلمين في علاقاتهم مع غيرهم يمكن غير المسلمين من فهم ديننا بطريقة عملية، ويمكننا من مد جسور التفاهم معهم. إذ سيعلم أن ما نقوم به إنما هو من تعاليم ديننا الحنيف الذي يقول كتابه الكريم:{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة: 8 - 9].
10 -
إيجاد صيغة علمية للتعاون بين المسجد والمدرسة الإسلامية المجاورة:
فلا ينبغي الفصل بينهما، لأن كلّاً منهما يكمل الآخر. فآباء الطلاب إنما هم رواد للمسجد بطبيعة الحال، ووجود صلة طيبة لأولادهم بالمسجد سيزيد من علاقتهم به. والطلاب أنفسهم - وخلال وجودهم في المدرسة - لابد أن يمارسوا بعض الشعائر الإسلامية - وبخاصة الصلاة - في المسجد، وبهذا تتعلق قلوبهم ببيت الله مع مرور الوقت، ويتعلمون كذلك آداب دخول المسجد، والمكث فيه. ولعل من الخير أن تكون للإمام صلة مميزة أيضاً بالمدرسة الإسلامية، إذ يمكن أن يكون المستشار الشرعي لإدارتها، كما أن بإمكانه أن يتولى مهمة الإشراف التربوي على مواد القرآن الكريم والدراسات الإسلامية واللغة العربية إن كانت لديه المقدرة على هذا، وأسعفه وقته في القيام بهذه المهمة الجليلة والهامة، وبهذا تصبح سياسة المركز الإسلامي واحدة سواء بالنسبة للكبار أو الصغار، فالإمام بهذه المشاركة يضفي الروح الإسلامية على الجميع، ويجعل من ربط الإسلام بالحياة قضية يومية معاشة.
11 -
مشروعية المشاركة بالعمل السياسي بضوابطه الشرعية:
فبعد دراسة متأنية لهذا الموضوع رأيت أنه لا مانع شرعاً من هذه المشاركة باعتبارها من باب السياسة الشرعية، بتحقيق أكمل المصلحتين، ودفع أعظم المفسدتين، أو ارتكاب أخف الضررين. لكن هذه المشاركة مقيدة بالضوابط الشرعية التي بينتها، فمنها ما يتعلق بالمنظمات الإسلامية الرئيسية في أمريكا، وأخرى بالمنظمات الإسلامية المتخصصة بالعمل السياسي، وأخيراً ما يتعلق بالمراكز الإسلامية.
لابد من الاعتراف بأن لهذا العمل مخاطره ومزالقة الكثيرة، لذا فلابد من إعداد الكوادر المسلمة المتخصصة بالسياسة، المتحصنة بتقوى الله وبوعيها الإسلامي، والفاهمة لأهداف المسلمين من مشاركتهم في هذا العمل. وقد يكون هذا الاقتراح صعب المنال في الوقت الحالي، ولكن لابد من العمل على تحقيقه من الآن لتكون خطواتنا علمية ومدروسة. وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نتقن العمل فقال فيما روته عائشة رضي الله عنها:(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ولاشك بأن وضع الخطط طويلة الأمد هو من إتقان العمل.
12 -
تقديم أنشطة ملتزمة تجذب أكبر عدد من المسلمين لاشتمالها على جانب ترويحي:
فمن المعلوم أن المغريات الصادة عن سبيل الله في هذه البلاد كثيرة جداً، فلابد من ابتكار أنشطة ثقافية ترويحية تجذب أكبر عدد من أفراد الجالية المسلمة، وبخاصة الشباب الذين تستهويهم الأنشطة الرياضية وما شابهها من أنشطة تشتمل على الترويح عن النفس.
إن الإسلام دين واقعي يتلاءم مع الفكرة البشرية، لذا فقد أباح الترويح البريء عن النفس، ولكن نظراً للتفنن الأخذ بالنمو في هذا المجال والذي لا يراعي خلقاً ولا ديناً، فقد بينت الضوابط الشرعية لهذا النشاط الهام، ومن المؤمل أن يتنبه المسلمون لهذه الضوابط فيأخذوا بها إرضاء لربهم، والتزاماً بدينهم الذي يريد بهم اليسر لا العسر كما بين سبحانه في كتابه الكريم فقال:{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185].
13 -
ضرورة الاهتمام بإعداد الأئمة الأكفاء:
اقترحت أن يتولى المسلمون في أمريكا إعداد الأئمة في داخلها، وهذا يحقق لنا عدة أهداف هامة منها:
- تلبية حاجات المساجد والمراكز الإسلامية من الأئمة.
- معرفة الأئمة بواقع البيئة الأمريكية، وواقع المسلمين فيها.
- إتقان الأئمة للغة الإنجليزية.
- إمكانية التواصل مع وسائل الإعلام.
14 -
ضرورة ذكر ما يتعلق بالأئمة (الأمور الأساسية) في دساتير المراكز الإسلامية:
ولعل من أهم هذه الأمور ما يلي:
- كونه عضواً مصوتاً في اللجنة التنفيذية. إذ لا يعقل أن لا يشارك الإمام في اتخاذ القرارات وربما كان أعلم عضو في هذه اللجنة، ورأيه له أهمية كبيرة فيما يتعلق بالمركز في جوانب كثيرة، وربما كان لهذه القرارات انعكاس على مهامه.
- إشرافه على اللجنة الثقافية أو التربوية، وكذلك لجنة الدعوة. وعندما لا يمكنه وقته من ذلك فيكفي أن يكون مستشاراً في هذه اللجان. لأن لرأيه أهمية في توجيه هذه الأنشطة بما يتلاءم مع شرع الله سبحانه.
- أن ينص في الدستور على أن الإمام هو المرجع الشرعي لجميع ما يمارس من أنشطة في المركز أو المدرسة الإسلامية التابعة له. وبهذا نضمن سلامة التوجه بما ينسجم مع الهدف الذي أنشأ المركز أو المدرسة من أجله.
15 -
التعامل مع الإمام بالاحترام المطلوب:
فالإمام هو حامل ميراث النبوة، ومن غير المقبول ولا المعقول أن يعامل وكأنه موظف عادي يُقضى في شأنه وهو شاهد بدون استشارة ولا احترام. فحاله في كثير من الأحوال في مراكزنا الإسلامية كحال بني تيم الذين وصف الشاعر حالهم بقوله:
ويقضي الأمر حين تغيب تيم
…
ولا يستشهدون وهم شهود
كما أن واجب الإمام في الوقت نفسه أن يترفع عن السفاسف، وينأى بنفسه من الانحياز لطرف أو جماعة أو تنظيم معين، فهو إمام للجالية كلها، وهو قدوة للكبير والصغير فيجدر به أن يكون مرجعاً للجميع لا طرفاً يحابي طرفاً على حساب آخر:
قد رشحوك لأمر لو فطنت له
…
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل