الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة
المؤلف/ المشرف:
علي أحمد السالوس
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الثقافة - قطر ̈بدون
سنة الطبع:
1416هـ
تصنيف رئيس:
اقتصاد
تصنيف فرعي:
اقتصاد - إسلامي
الخاتمة
الحمد لله تعالى الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله عز وجل، والصلاة والسلام على النبي الخاتم الذي تركنا على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد رأيت أيها القارئ المسلم أن الفتاوى الجماعية التي تتصل بموضوعات هذا الكتاب انتهت إلى ما دافعت عنه، وأيدته بما استطعت من الأدلة. ولعل هذه النتيجة تجعلك تطمئن إلى الأخذ بالفتاوى الجامعة، ونبذ آراء أولئك الذين يتجرءون على الفتوى بغير هدي من الله عز وجل، و [أجرؤكم على الفتيا أجروكم على النار] كما رواه الدارمي عن عبدالله ابن أبي جعفر مرسلاً. قال العلامة المناوي في شرحه فيض القدير.
لأن المفتي مبين عن الله حكمه، فإذا أفتى على جهل، أو بغير علمه أو تهاون في تحريره أو استنباطه، فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجراته على المجازفة في أحكام الجبار.
وقال: كان ابن عمر إذا سئل قال: اذهب إلى هذا الأمير – الذي تقلد أمر الناس، فضعها في عنقه. وقال: يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون علينا على جهنم. فمن سئل عن فتاوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها، أو من كلف الفتوى بها، وتلك طريقة السلف.
وقال ابن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين صحابياً، وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول. قال حجة الإسلام: فانظر كيف انعكس الحال؛ صار المرهوب منه مطلوباً، والمطلوب مرهوباً؟!
وفي صفحات سابقة من الكتاب رأيت نماذج لأولئك المجترئين على الفتيا، وكيف انكشف أمرهم عند مناقشتهم، بل كيف وصل الأمر إلى تأييد زورهم بالافتراء على الآخرين، وبتر النصوص، ووضعها في غير ما وضعت له ولا ندري لمصلحة من مثل هذا التصرف؟!
على كل حال لا أريد أن أتوجه إلى المجترئين على الفتيا – نسأل الله تعالى لهم الهداية – وإنما أتوجه إلى المسلم الذي يريد أن يعرف الحلال ليتبعه والحرام ليبتعد عنه، والشبهات ليتقيها استبراء لدينه وعرضه، فإلى هذا المسلم أقول:
إن الكتاب عالج قضية البنوك في ثلاثة أبواب، ثم بين البدائل الشرعية للقروض الربوية بطريقة علمية عملية، وبعد هذا كله ما حكم فوائد البنوك؟
أفتى بأنه من الربا المحرم السادة العلماء المشتركون في المؤتمر الثاني لمجتمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة 1385هـ (1965م) وكانوا يمثلون خمساً وثلاثين دولة إسلامية.
وأفتى بهذا أيضاً مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة بعد إحدى وعشرين سنة من مؤتمر القاهرة، وهذا المجمع يمثل العالم الإسلامي، كما يضم خبراء متخصصين في الموضوعات التي تبحث، وكذلك مجمع الفقه لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
وبين المؤتمر الأول المؤتمرين الأخيرين مؤتمرات كثيرة، انتهت كلها إلى ما انتهت إليه المؤتمرات الثلاثة للمجامع من تحريم فوائد البنوك.
إلى أخي المسلم:
بعد كل هذا أسألك أخي المسلم:
أتعد فوائد البنوك من الحلال البين؟ أم من الشبهات؟
ألست معي أيها المسلم أنها أصبحت من الحرام البين بلا جدال؟ بل كما قال فضيلة الإمام الأكبر: "صارت في حكم الأمر المعلوم من الدين بالضرورة، ويعلو على الأمور المختلف عليها" وهذا ما جاء في نص بيان فضيلة شيخ الأزهر.
والمعلوم من الدين بالضرورة لا يحل لمسلم أن ينكره أو يخالفه، فكيف بمن يدعو إلى استحلاله؟!!
وإذا جاء مثل الدكتور فلان وقال: هي حلال 100% وعلى مسئوليتي!! (نعم هكذا قال!! وإنا لله وإنا إليه راجعون).
أيحمل الدكتور وزر من يأخذ بقوله مع وزر نفسه فقط، ويعفي الأخر أيطمئن القلب إلى موافقة هذا الزيغ ومخالفة كل هذه المؤتمرات؟ أيكون لمن أخذ بقوله حجة يوم القيامة؟!
بعد هذا أوجه حديثي لأخي المسلم أيضاً:
إن هذه الفتاوى جميعها تبين أن ودائع البنوك عقد قرض، وهو ما أثبته بالتفصيل، وفوائد القرض التي يعترف بها القانون الوضعي هي من ربا الديون الذي حرم بالكتاب والسنة، وبينت أن هذه الفوائد أسوأ من ربا القرض الإنتاجي الربوي في الجاهلية، وإلى جانب الصورة المألوفة للودائع والفوائد، ابتكرت البنوك صوراً أخرى للإغراء والجذب، من هذه الصور ما أعلنه البنك الأهلي المصري، حيث قال: إن لديه ستة عشر وعاء ادخار بالعملات المحلية والأجنبية، وعندما يعلن البنك عن هذه الأوعية يذكر ضمنها شهادات الاستثمار بمجموعاتها الثلاث.
وصور الودائع – أي القروض – التي أعلن عنها البنك تنوعت من حيث العملة، ومدة القرض، والفائدة الربوية، وطريقة صرفها.
والبنوك الربوية الأخرى في طلبها للقروض تحاول الإغراء بمثل هذا التنوع.
فمن أحل البنوك وقع في الحرام البين، ومن حرم فوائد بعض هذه الأوعية الادخارية، وأحل بعضها الآخر، وقع في تناقض واضح؛ فكلها صور مختلفة لعقد واحد! فما الفرق بين شهادات إيداع البنك الأهلي المصري الثلاثية، أو الخماسية، وشهادات استثمار البنك الأهلي المصري المجموعة ألف أو باء؟!
وما الفرق بين ودائعه ذات الجوائز وشهادات استثماره ذات الجوائز؟!
وما الفرق بين شهادات الاستثمار والسندات الحكومية التي يكاد ينعقد الإجماع على تحريمها؟! فقد أفتى بالتحريم مجمع الرابطة، ومجمع المنظمة وكل المؤتمرات التي تعرضت لحكم السندات.
فالقروض الربوية بجميع صورها المختلفة، وأسمائها المتعددة، حكمها واحد. وطرق الاستثمار في الإسلام متنوعة تصلح لكل زمان ومكان، لأن خاتم الأديان الذي أباحها وحرم القرض الربوي جاء ليطبق في كل زمان ومكان، واقرأ الباب الأخير، وتأمل العقود البديلة للقروض الربوية في التطبيق المعاصر.
ظهور البديل الإسلامي:
ومن فضل الله – عز وجل – ظهور البديل الإسلامي في التطبيق: فنشأت المصارف الإسلامية، وأثبتت بطريقة عملية إمكان قيام مصارف بلا فوائد ربوية، كما ظهرت شركات إسلامية كثيرة في بلاد الإسلام، أنشأها المسلمون هناك، ونجحت في التطبيق. وقامت باكستان بخطوة رائدة، حيث أعلنت إسلام مصارفها، وحققت هذه المصارف نتائج أفضل من عهدها الربوي. ونرى تحولاً إسلامياً! فأعلنت إسلام بعض فروعها فقط، ونقرأ في إعلاناتها: الرزق الحلال! وتجنب الربا! والخضوع للرقابة الشرعية!!!! وهذا اعتراف منها بأن هذه الفروع الإسلامية تأكل الربا، ولا تخضع لشريعة الله عز وجل، وكسبها ليس حلالاً طيباً.
ظهر البديل الإسلامي للسندات الربوية، وشهادات الاستثمار كما ذكرت من قبل عند الحديث عن صكوك المقارضة بالتفصيل.
وبدأت هيئة البريد في الاتجاه إلى مثل هذا التحول الإسلامي، فأعلنت أنها قررت تطبيق نظام مصرفي جديد يطبق لأول مرة في التوفير البريدي، وهو نظام التوفير الإسلامي الذي يعتمد على المضاربة الإسلامية، حيث تجرى دراسة عن كيفية تطبيق هذا النظام لاستثمار أموال المودعين الذين يصرون على عدم تقاضي الفوائد، وإدخالها في مشروعات إنتاجية بنظام المشاركة الإسلامية على غرار البنوك الإسلامية.
وتعتمد الدراسة على اختيار أحد الاقتراحين التاليين لتطبيق هذا النظام، وهما: تخصيص مكاتب توفير للمعاملات الإسلامية فقط، أو تخصيص شباك في كل مكتب توفير لهذا النظام.
أفنقول لهيئة البريد: لا حاجة إلى المشروعات الإنتاجية، واتباع نظام المشاركة الإسلامية، ففوائدها حلال، ونظامك الحالي إسلامي! أو ندعوها، كما ندعو غيرها إلى تعميم النظام الإسلامي؟
فلنتعاون جميعاً في الدعوة إلى تطبيق الإسلام في جميع معاملاتنا المعاصرة وفي تذليل الصعاب وتخطي العقبات التي تعترض هذا التطبيق، والوقوف أمام أولئك الذين يثيرون من الشبهات ما يقوي المؤسسات الربوية، ويخدم مصالحها، ويؤثر في الصحوة الإسلامية منهجاً وتطبيقاً، والله – جلت قدرته – من وراء القصد، والهادي إلى سواء السبيل، وهو نعم المولى ونعم النصير، وله الحمد في الأولى والآخرة.