الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب عند الأصوليين
المؤلف/ المشرف:
عبدالعزيز عبدالرحمن الربيعة
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض ̈بدون
سنة الطبع:
1399هـ
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
أصول فقه - أعمال منوعة
الخاتمة
بعد هذه الجولة التي أمضيناها مع "السبب عند الأصوليين" في فصوله ومباحثه، نقف حيث انتهت بنا مباحثه، ونرسم خلاصة هذه الجولة وأهم النتائج التي انتهت إليها، ثم نتقدم ببعض المقترحات التي هدى إليها البحث.
فنقول:
1 -
استهلت هذه الجولة الموضوع بتمهيد في معنى الحكم وأقسامه وتعريف كل قسم، إذ السبب وثيق الصلة بهذا، حيث إنه أحد أقسام الحكم الوضعي، فذهب التمهيد يعرف الحكم ويقسمه إلى عقلي وعادي وشرعي، ويقسم العقلي والعادي إلى أقسامهما الفرعية.
وحيث كان الحكم الشرعي هو الذي يحتاج إليه الباحث في علم الفقه وأصوله، فقد ذهب التمهيد يبين تعريفه عند كل من الأصوليين والفقهاء ويشرح التعريفين ويبين وجهة كل واحد من الفريقين في تعريفه، كما ذهب يبين الخلاف في تقسيمه إلى تكليفي ووضعي أو أنه لا أقسام له وأنه واحد لا يتعدد، بحيث إنه يشمل معنى الاقتضاء والتخيير، والحكم الوضعي راجع إلى ما يسمى بالحكم التكليفي، فلا تقسيم إذن للحكم الشرعي.
وقد سلك للدخول على ذلك بيان معنى كل من الحكم التكليفي والوضعي، حتى يكون الإنسان على بينة من حقيقتيهما عند عرض أدلة المختلفين في تقسيمه أو عدم تقسيمه.
وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها البحث، أن الراجح تقسيم الحكم الشرعي، وأن الخلاف في التقسيم وعدمه، لا تظهر له ثمرة عملية.
كما بين التمهيد أقسام الحكم التكليفي باعتبار الطلب ونوعه عند كل من الجمهور والحنفية، وفصل القول في آراء العلماء في وجه إدخال الندب والكراهة والإباحة تحت أقسام الحكم التكليفي.
ثم مضى التمهيد يبين ما حصل من الخلاف الكثير في أنواع الحكم الوضعي وعدتها، واقتصر على التعريف بالأنواع المشهورة، وهي السبب، والعلة، والشرط، والمانع، والعزيمة والرخصة، والصحة والبطلان والفساد، مبينا وجهة نظره في الاقتصار عليها.
وفي بحث العزيمة والرخصة تطرق التمهيد إلى الخلاف في أي النوعين يدخلان: أفي الحكم التكليفي أم في الوضعي، وقد انتهى إلى إدخالهما في الوضعي.
كما أنه في بحث الصحة والبطلان والفساد تطرق إلى الخلاف في أي الأنواع تدخل، أفي الأحكام الشرعية التكليفية، أم في الوضعية، أم أنها أمور عقلية لا علاقة لها بأحكام الشرع.
وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها في هذا، ترجيح القول بأنها أحكام وضعية. كما أنه في هذا البحث بين منشأ الخلاف بين الحنفية والجمهور في التفرقة بين الفاسد والباطل في المعاملات وعدم التفرقة بينهما.
وعلى ضوء ما تقدم من حقيقة الحكم التكليفي والوضعي وأمثلتهما والأحكام التي تجري عليهما، استطاع التمهيد أن يبرز الفروق بين الحكم التكليفي والوضعي ويحصرها في الأمور الآتية:
الأول: أن حقيقة الحكم التكليفي الطلب أو التخيير، أما الوضعي فحقيقته مخالفة لذلك كل المخالفة، فهو لا يحمل شيئا من الطلب أو التخيير، بل غاية ما يحمله جعل الشارع شيئا لشيء آخر وربطه به.
الثاني: أن الحكم التكليفي مقصود بذاته حين يكون طلبا، وقد يقصد به ذات الفعل، لكن لا على التعيين للفعل أو الترك، بل على التخيير بينهما، لكن قصد ذات الشيء موجود، وإن لم يوجد التعيين لنوع المقصود من فعل أو ترك.
أما الحكم الوضعي فليس مقصودا بذاته.
الثالث: أن الحكم التكليفي – كما يراه بعضهم – هو الأحكام الخمسة: الإيجاب، والتحريم، والندب، والكراهة، والإباحة. أما الوضعي، فينحصر في الأسباب، والشروط، والموانع، والصحة، والبطلان، والعزائم، والرخص.
الرابع: أن الحكم التكليفي يشترط فيه علم المكلف به، وقدرته على الفعل المكلف به، وكونه من كسبه. أما الحكم الوضعي فلا يشترط فيه علم المكلف، ولا قدرته على الفعل المكلف به، ولا كونه من كسبه، إلا قاعدتان اشترط فيهما ما اشترط في الحكم التكليفي، وهما: الأسباب التي هي جنايات وأسباب للعقوبات، وأسباب انتقال الأملاك.
الخامس: أن الخطاب في الحكم التكليفي، يتعلق دائما بفعل المكلف اقتضاء أو تخييرا، أما في الحكم الوضعي، فإن الخطاب قد يكون متعلقا بفعل المكلف، وقد يكون متعلقا بفعل غير المكلف، وقد لا يكون متعلقا بفعل الإنسان مطلقا.
السادس: أن الأحكام التكليفية كلها من تكليف الشارع وحده. أما الأحكام الوضعية، فقد تكون من الشارع وضعا وإنشاء، وقد تكون من المكلف إنشاء لا وضعا.
ومن أجل ما بين العلة والسبب من أمور كثيرة يتفقان فيها، فقد ذهب التمهيد يوطئ لموضوع البحث ببيان مذاهب العلماء في معنى العلة.
2 -
وقد سجل الفصل الأول البحث في حقيقة السبب، وفي بحثه له قسمه إلى مبحثين.
المبحث الأول: معنى السبب، وفيه تطرق إلى ما قيل في معناه من حيث اللغة، ثم انتقل إلى ذكر معناه الاصطلاحي مبينا الخلاف في ذلك ومنشأه، ومقارنا بين كل معنى قيل فيه وبين المعاني التي قيلت في العلة لبيان أوجه التباين أو التشابه بينهما، ولهذا الغرض نفسه أجرى مقارنة بين المعنى الواحد للسبب الذي قال فيه أحد العلماء أو جملة منهم، أجرى مقارنة بينه وبين المعنى الذي قاله به في العلة.
وفي نهاية بحث هذا المبحث أعلن عن أن التعريف الذي ستدور عليه دراستنا للسبب، هو الوصف الظاهر المنضبط الذي دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي. وهو تعريف يشمل ما كانت المناسبة بينه وبين الحكم ظاهرة تدركها عقولنا، أو غير ظاهرة لا تدركها عقولنا.
كما أعلن عن أن دراستنا للسبب، ستتناول السبب بالمعنى الذي ذكره العلماء في تخصيص العام بالسبب الخاص، وهو الداعي إلى الخطاب على طريق الورود، لا على طريق الوجوب والتأثير.
أما المبحث الثاني:، فهو أسباب الأحكام، وفيه ذكر خلاف العلماء، في أن للأحكام أسباباً أو لا، وحصر الخلاف في ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: إثبات الأسباب للأحكام كلها.
المذهب الثاني: إنكار الأسباب للأحكام كلها.
المذهب الثالث: إثبات الأسباب للأحكام سوى العبادات.
وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها ترجيح مذهب من قال بإثبات الأسباب للأحكام كلها. وفي هذا المذهب تطرق إلى الخلاف بين المعتزلة والغزالي في أن السبب مؤثر في الحكم بذاته، أو أنه مؤثر فيه لا بذاته، وأعطى القول الذي رآه حقا في هذا.
ثم تطرق إلى ثلاثة أبحاث مبهمة، هي بيان أن نصب السبب سببا، حكم شرعي، وفائدة نصب الأسباب أسبابا للأحكام، والطرق التي بها يعرف السبب.
ثم عقد بحثا فصل فيه الأحكام مع بيان سبب كل حكم على طريقة المتأخرين من الأصوليين الحنفية، وذكر الخلاف في سبب الحكم حيث وجد مع الأدلة وترجيح المختار.
وأعقب هذا بطريقة المتقدمين من الأصوليين الحنفية في أسباب الأحكام في العبادات، ثم ختم ذلك بالموازنة بين الطريقتين، لبيان ما اتفقنا فيه وما اختلفنا فيه، ولبيان قرب إحداهما من الأخرى.
3 -
أما الفصل الثاني: فقد سجل البحث في تقسيم السبب باعتبارات مختلفة، وقد بلغت عدة مباحث هذا الفصل تسعة عشر مبحثا، كل واحد منها يمثل تقسيما مستقلا للسبب، وفي طليعتها تقسيم السبب باعتبار ما يطلق عليه اسم السبب، وهو ما سجله المبحث الأول من هذا الفصل، وفي بحثه له ذكر الخلاف في أن السبب ينقسم من هذه الناحية إلى أربعة أقسام: سبب حقيقي، وسبب في معنى العلة، وسبب مجازي، وسبب له شبهة العلة، أو أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سبب حقيقي، وسبب في معنى العلة، وسبب مجازي.
وبين معنى كل واحد، وحكمه، ومثل له، كما ذكر وجهة كل من الرأيين في التقسيم، ومورد القسمة للسبب في هذا التقسيم، ثم ختم البحث فيه بذكر اصطلاح الحنابلة في تقسيم السبب من هذه الناحية.
ثم أخذ هذا الفصل يتابع البحث في المباحث، حتى وصل إلى المبحث الحادي عشر، وهو تقسيم السبب من حيث المشروعية وعدمها، وفي بحثه له بين أن السبب يقسم من هذه الناحية إلى قسمين: سبب مشروع وسبب ممنوع، وعرف كلا منهما ومثل له، ثم ذكر رأي بعض الباحثين في هذا التقسيم من حيث نفيه له وزعمه أن المجال لا يسمح بإقحام السبب الممنوع، بحجة أننا إنما نبحث تقسيم السبب الشرعي، والسبب الممنوع ليس من الشرعي في شيء، ولكنه تصدى لهم بالمناقشة التي أسفرت عن بطلان قولهم، ورجحان قول من قسم السبب الشرعي من حيث المشروعية وعدمها إلى هذين القسمين.
وفي المبحث الثاني عشر بحث تقسيم السبب المشروع لحكمة من حيث العلم أو الظن بوقوع الحكمة به أو عدم ذلك، وذكر فيه أنه إذا علم أو ظن وقوع الحكمة به، فلا إشكال في المشروعية، أما إذا لم يعلم ولم يظن وقوع الحكمة به، فهو على ضربين: الأول: ألا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به، لعدم قبول المحل لتلك الحكمة، فترتفع المشروعية أصلا.
الثاني: ألا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به لأمر خارجي، مع قبول المحل لها. وهو موضوع خلاف بين الأصوليين، فالجمهور يقولون ببقاء السبب على مشروعيته، وبعض الأصوليين يمنع من بقاء السبب سببا في هذا النوع.
وبعد أن ساق هذا الفصل أدلة المختلفين وما يرد على كل من المناقشة، أعلن أن تحرير الخلاف غير دقيق، ذلك أن السبب الذي لا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به لأمر خارجي مع قبول المحل لها، تحته قسمان:
القسم الأول: أن يتوهم وقوع الحكمة به، وهذا لا خلاف في بقاء السبب على مشروعيته.
القسم الثاني: أن يعلم عدم وقوع الحكمة به، وهذا هو محل الخلاف.
ثم مضى هذا الفصل يتابع بحثه في مباحثه حتى وصل المبحث الثامن عشر، وهو تقسيم السبب من حيث زمن ثبوت المسبب إلى ما يتقدم مسببه عليه وإلى ما لا يتقدم مسببه عليه، وفي ثنايا بحثه له بين ما انفرد به ابن عبدالسلام من المخالفة في بحث بعض جزئياته.
ولما استوفى ذلك بحثا، بين أن هذا التقسيم هو منهج القرافي ومن تابعه، وهو مبني على وقوع ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية، وذكر أنه منهج منتقد، إذ لا يجوز تقدم المسبب على سببه، ثم مضى يستدل لذلك، ويجيب عن الأمثلة التي ذكرها القرافي وغيره ممن تابعه في القول بوقوع ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية. وبعد أن خلص له ذلك مضى يبين منهج غير القرافي ومتابعيه في السبب الشرعي من حيث زمن ثبوت مسببه.
4 -
وحيث كانت هناك أمور تشتبه بالسبب، فقد سجل الفصل الثالث البحث في إزالة هذا الاشتباه بعنوان (الفرق بين السبب وما قد يكون بينه وبينه نوع اتصال) وعقد له ثمانية مباحث، خصص لكل مبحث نوعا من الأنواع التي تشتبه بالسبب: بين فيه معناه، ومثل له، واستوعب خصائصه، ثم خلص في كل نوع بمقتضى المقارنة بين خصائصه وخصائص السبب إلى الفرق بينهما.
5 -
ثم جاء الفصل الرابع مسجلا البحث في حكم القياس في الأسباب. وقد مهد لذلك ببيان معناه في اللغة والاصطلاح وبيان معنى القياس في الأسباب، ونراه في المعنى الاصطلاحي لقياس الطرد قد اعترف بأن أسلم تعريف له، ما اختاره ابن الهمام وعزاه أمي ربادشاه إلى الجمهور، وهو "مساواة محل لآخر في علة حكم له شرعي، لا تدرك من نصه بمجرد فهم اللغة".
ثم خاض في بحث حكم جريان القياس في الأسباب وكونه حجة فيها، فذكر أن من العلماء من جوز جريان القياس في الأسباب، فيكون حجة فيها، ومنهم من منع جريان القياس في الأسباب، فيكون حجة فيها، ومنهم من منع جريان القياس في الأسباب. فلا يكون حجة فيها، وعرض أدلة المذهبين، وما يرد عليها من مناقشات، وما يمكن الإجابة به عن بعض هذه المناقشات.
وقد انتهى في ذلك إلى نتيجتين هامتين:
الأولى: أن الخلاف بين القائلين بجواز القياس في الأسباب والقائلين بالمنع، لا يترتب عليه ثمرة.
الثانية: أن الراجح هو مذهب المانعين للقياس في الأسباب.
6 -
أما الفصل الخامس، فقد جاء مسجلا البحث فيما يشبه السبب، وعقد ذلك ثلاثة مباحث:
أما المبحث الأول، ففي العلة اسما ومعنى لا حكما. وقد بين فيه ضابطها، ووجه شابهتها للسبب، وأردف ذلك بأمثلة وضح فيها انطباقها على الممثل له ووجه الشبه فيها بالسبب.
ولم يفته أن يسجل على التفتازاني (في التلويح) وهمه في تفسيره لصدر الشريعة (في التنقيح) بأن مرض الموت. والجرح، من قبيل علة العلة، وهما من قبيل العلة اسما ومعنى لا حكما.
كما لم يفته أن يبين أن العلة اسما ومعنى لا حكما، قد توجد غير متشابهة للسبب.
وأما المبحث الثاني، ففي العلة معنى لا اسما ولا حكما، وقد اتبع في توضيحه الخطوات التي اتبعها في المبحث الأول، وبين أن هذا المبحث هو علة العلة، وانطلاقا من هذا، مضى يبحث ثلاث نقاط مهمة:
الأولى: هل تخلو علة العلة عن مشابهتها للسبب:
الثانية: إذا كانت علة العلة لا تخلو عن مشابهتها للسبب، فما النسبة بينها وبين العلة اسما ومعنى لا حكما.
وفي هذا سجل أن بينهما عموما وخصوصا من وجه.
الثالثة: ما جرى من الخلاف في أن علة العلة، علة معنى لا اسما ولا حكما، أو أنها علة اسما ومعنى لا حكما. وكانت النتيجة التي انتهى إليها، ترجيح الرأي المشهور، وهو أن علة العلة، علة معنى لا أسما ولا حكما.
وأما المبحث الثالث، ففي الشرط، وفي بحثه له، ذكر أقسامه، مع بيان حقيقة كل قسم وتوضيحه بالأمثلة، ثم استنتج من ذلك ما كان منها يشبه السبب، ووجه مشابهته له.
7 -
وحيث إن الأسباب إنما، تشرع من أجل ما يترتب عليها من المسببات، فقد جاء الفصل السادس مسجلا البحث فيما فيه ارتباط بين السبب أو المسبب، وعقد لذلك سبعة عشر مبحثا.
وبحث في المبحث الأول مشروعية الأسباب من حيث استلزامها لمشروعية المسببات وعدم ذلك، وبين فيه أن الأسباب إذا تعلق بها أحكام شرعية تكليفية، فإنه لا يلزم أن تتعلق تلك الأحكام بمسبباتها، ثم عرض شبهة من يقول بالاستلزام، وانتهى بعد ذلك إلى رجحان قول من قال بعدم الاستلزام.
كما عرض طريقة الشاطبي ومن تابعه من الباحثين المحدثين في الاستدلال لكون مشروعية الأسباب لا تستلزم مشروعية المسببات، وناقشها مناقشة موضوعية، إذ أنها طريقة تخالف واقع المسببات، كما أنها تخالف ما قاله الشاطبي نفسه في صدر المسألة.
ثم مضى يتابع بحثه في هذه المباحث، حتى وصل إلى المبحث الحادي عشر، وهو أن الأسباب الممنوعة، قد يترتب عليها أحكام ضمنية ومصالح تبعية، فسجل في بحثه – فيما سجل – مناقشته للشاطبي في جعله القصد بالسبب المسبب الذي منع لأجله، مصلحة من شأن العاقل أن يقصد إليها، وهي مناقشة مبنية على ما يعضدها من أدلة.
وبحث في المبحث الثاني عشر تداخل الأسباب وتساقطها، فأوضح معنى التداخل بين الأسباب، وأن الأصل عدمه، وذكر ما ورد منه في أبواب الشريعة، والصور التي تتأتى في التداخل بين الأسباب، ومنهج ابن رجب في التداخل.
ثم أوضح معنى تساقط الأسباب، وأن الأصل عدمه، كما ذكر قسمي تساقط الأسباب.
ثم استنتج مما تقدم أوجه الاتفاق والافتراق بين قاعدتي تداخل الأسباب وتساقطها.
ثم مضى في البحث حتى وصل إلى المبحث السادس عشر، وهو حكم الشرط إذا دخل على السبب في أنه هل يمنع انعقاده سببا في الحال، أو لا يمنع انعقاده سببا في الحال، وإنما يكون تأثيره في تأخير حكم السبب إلى حين وجوده، فعرض الخلاف في ذلك مع بيان دليل كل فريق، ثم فرع مسائل على الخلاف في هذه القضية.
وفي المبحث السابع عشر بحث حكم السبب عند الشك في طريانه، من حيث الإلغاء والاعتبار، فبين أن القاعدة المجمع عليها من حيث الجملة، أن كل سبب شك في طريانه، فهو ملغي، فلا يترتب عليه مسببه، بل يجعل ذلك السبب كالمعدوم فلا يترتب عليه الحكم، كما أوضح تعذر الوفاء بهذه القاعدة المجمع عليها من حيث الجملة، في الطهارات من جميع الوجوه.
ثم أتى بعد ذلك إلى بحث بقية المباحث التي عقدها.
8 -
ثم جاء الفصل السابع مسجلا البحث في مباحث متفرقة، وعقد في ذلك سبعة مباحث.
وقد كان المبحث الأول في حالات الشك، باعتبار نصبه سببا وعدم نصبه. وقد تحصل له من ذلك أن الشك ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما ألغاه صاحب الشرع بالإجماع، فلم يعتبره سببا للحكم.
الثاني: ما اعتبراه صاحب الشرع بالإجماع سببا للحكم.
الثالث: ما اختلف في نصبه سببا.
وكان المبحث الثاني فيما إذا كان وجوب الشيء مطلقا غير مقيد بسبب، لكنه في الخارج يتوقف على سبب، فهل يكون الخطاب الدال على وجوب ذلك الشيء دالاً أيضاً على وجوب السبب أو لا؟.
وقد عرض فيه خلاف العلماء فيما إذا كان هذا السبب الذي يتوقف عليه وجود الشيء في الخارج، مقدورا للمكلف، عرض خلافهم في أن الدليل الدال على وجوب ذلك الشيء، هل يكون دالا أيضاً على وجوب هذا السبب الذي يتوقف عليه ذلك الشيء من حيث الوجود، أو لا يكون ذلك الدليل دالا على وجوبه، وإنما يكون وجوبه مستفادا من الدليل الذي دل عليه استقلالا.
وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها. رجحان مذهب جمهور الأصوليين، وهو أن الخطاب الدال على وجوب الشيء، يدل أيضاً على وجوب السبب الذي يتوقف وجود ذلك الشيء في الخارج عليه، وتكون دلالته عليه التزامية.
ثم مضى في بحث المباحث حتى وصل إلى المبحث الخامس، وهو الفرق بين قاعدة الإيجابات التي يتقدمها سبب تام، وبين قاعدة الإيجابات التي هي أجزاء الأسباب، فذكر فيه أن الإيجابات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما اتفق على أن السبب التام تقدمه.
الثاني: ما اتفق على أنه جزء السبب.
الثالث: ما اختلف فيه، هل هو من القسم الأول، أو من القسم الثاني.
وقد بين حكم كل قسم من هذه الأقسام، من حيث جواز تأخيره عن السبب وعدم جواز ذلك، وحكى الخلاف فيما فيه خلاف.
وجاء المبحث السادس، وهو الفرق بين السبب ودليل تقدم السبب. فأوضح الفرق بينهما، وفرع على مقتضاه مسائل.
أما المبحث السابع، فقد كان في الفرق بين قاعدة الأسباب الفعلية، وقاعدة الأسباب القولية. وقد تحصل له أن الفرق بينهما يتم من ثمانية وجوه.
ولم يكتف بعدها، بل أردفها بما يوضحها من مسائل.
ولم ينس أن يذكر رأي ابن القيم في بعض ما ذكر من الفروق من حيث عدم صلاحيتها فروقا.
9 -
تلك الفصول السابقة كانت تسجل أبحاثا في السبب، بمعنى كونه وصفا ظاهرا منضبطا، دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي، سواء كانت المناسبة بينه وبين الحكم ظاهرة، تدركها عقولنا، أم غير ظاهرة، لا تدركها عقولنا.
وحيث كان السبب في اصطلاح الأصوليين معنى آخر غير هذا، وذلك هو الداعي إلى الخطاب على طريق الورود، لا على طريق الوجوب والتأثير، وهو ما يتحقق في ورود اللفظ العام بناء على سبب خاص.
حيث كان الأمر كذلك، فإننا نجد الفصل الثامن ينقلنا إلى بحث هذا المعنى للسبب في دائرة ما يتحقق فيه، ويسمه بتخصيص العام بالسبب الخاص.
وقد مهد لذلك ببيان معنى العام والتخصيص في اللغة والاصطلاح.
ثم ذكر أن لورود اللفظ العام بناء على سبب خاص أربع حالات:
الحالة الأولى: أن يخرج العام مخرج الجزاء للسبب الذي تقدمه.
الحالة الثانية: أن يكون اللفظ العام غير خارج مخرج الجزاء للسبب الذي تقدمه، ولا يستقل بنفسه، أي لا يفهم بدون ما تقدمه من السبب.
الحالة الثالثة: أن يستقل العام بنفسه، أي يفهم معناه بدون ما تقدمه من السبب، ولكنه خرج مخرج الجواب، وهو غير زائد على مقدار الجواب.
وقد وضحها بالأمثلة، وبين حكمها. فذكر أن الأولى يختص العام فيها بسببه. وذكر الخلاف في الثانية، مبطلا ما حكاه ابن ملك والعضد من الاتفاق على أن العام فيها يختص بسببه، لكنه انتهى إلى ترجيح القول بأن العام فيها يختص بسببه.
كما ذكر أن الحالة الثالثة تحتمل اختصاص العام فيها بسببه، كما تحتمل عدم اختصاصه به.
أما الحالة الرابعة: فهي أن يستقل العام بنفسه – أي يفهم بدون ما تقدمه من السبب – ويكون زائدا على مقدار الجواب.
وبين أن هذه الحالة، لا يخلو الأمر فيها من أن يكون العام أعم من السبب في غير ذلك الحكم، أو أن يكون أعم منه في ذلك الحكم لا غير.
فأما العام الذي هو أعم من السبب في غير ذلك الحكم، فقد اتفق العلماء على أن العبرة فيه بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وأما العام الذي هو أعم من السبب في ذلك الحكم لا غير، فإنه لا يخلو من حالة واحدة من أربع حالات: إما أن يوجد قرينة تدل على التعميم. أو يوجد قرينة تدل على التخصيص. أو لا يوجد شيء من هاتين القرينتين، لكن المتكلم نوع الجواب، دون قصد لمعنى ما جاء زيادة على مقدار الجواب. أو لا يوجد شيء من ذلك مطلقا.
فأما الحالة الأولى، وهي ما إذا وجد قرينة تدل على التعميم، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. بلا خلاف كما ذكره بعض العلماء.
وأما الحالة الثانية، وهي ما إذا وجد قرينة تدل على التخصيص، فإن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
وأما الحالة الثالثة، وهي ما إذا نوى المتكلم الجواب، دون قصد لمعنى ما جاء زيادة على مقدار الجواب فإنه يدين – أي يصدق – فيما بينه وبين الله تعالى، وتصير تلك الزيادة للتوكيد، لكنه لا يدين قضاء.
وبهذا تكون العبرة بخصوص السبب، لا بعموم اللفظ، ديانة لا قضاء.
وأما الحالة الرابعة، وهي أن يكون هذا العام الذي هو أعم من السبب في ذلك الحكم لا غير، خاليا من قرينة تدل على التعميم، ومن قرينة تدل على التخصيص، ولم يكن المتكلم به ناويا الجواب، فهي محل خلاف بين العلماء، هل العبرة فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أو العبرة فيها بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
وقد عرض هذا الفصل هذين القولين، وذكر من قال بهما وأدلة كل فريق وما يرد عليه من مناقشة والثمرة المترتبة على هذا الخلاف.
وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها، رجحان مذهب القائلين بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
كما تطرق هذا الفصل إلى حكم تخصيص السبب وإخراجه عن العموم بالاجتهاد، فبين أنه إن كان هناك قرينة تدل على قطعية دخول السبب في العموم، فهو محل اتفاق على قطعية دخوله وعدم جواز تخصيصه وإخراجه عنه بالاجتهاد.
وإن لم يكن هناك قرينة تدل على قطعية دخوله في العموم، فهو محل خلاف بين العلماء: فقيل: إنه مقطوع بدخوله في العموم فلا يجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد، وقيل: إنه مظنون دخوله في العموم، فيجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد، وقيل: إن السبب إن كان معيناً فمقطوع بدخوله في العموم، فلا يجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد، وإن كان نوع السبب، فمظنون الدخول في العموم، فيجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد.
وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها، رجحان مذهب من قال، إن السبب مقطوع بدخوله في العموم، فلا يجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد.
كما حقق القول فيما عزي إلى أبي حنيفة رحمه الله من تجويزه إخراج السبب عن عموم اللفظ بالتخصيص بالاجتهاد.
ولما كان الشافعي رحمه الله، قد نقل عنه كلا القولين في حكم العام الذي هو أعم من السبب في ذلك الحكم لا غير، حين يكون خاليا من قرينة تدل على التعميم أو التخصيص، ومن نية المتكلم به الجواب، دون قصد لمعنى ما جاء زيادة على مقدار الجواب، وكان التحقيق في القول الذي قال به من هذين القولين، يستحق أن يفرد بالبحث. لما كان الأمر كذلك، صنع هذا الفصل ذلك، وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها، ترجيح القول بأنه يرى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وحيث كان الحديث فيما تقدم مقصوداً به كلام الشارع، فقد أردفه بالبحث في كلام غير الشارع، وقد تحصل من بحثه أن للعلماء فيه ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
المذهب الثاني: أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
المذهب الثالث: الفرق بين صور النهي وما أشبهها، وبين غيرها، فإن كانت صور نهي وما أشبهها، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كانت غير صور نهي وما أشبهها، فالعبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
ثم ختم الفصل بحثه ببيان أن واقع أصول القوانين الوضعية على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
10 -
وقد بدا لنا في أثناء البحث في هذا الموضوع مقترحات نتقدم ببعضها فيما يلي:
أولا: أن السبب عند الأصوليين له من الأهمية ما يجعله حقيقا بأن يدرس بصفة مستقلة في كتاب مستقل أيضا.
ثانيا: أنه يتعين على الحكومات الإسلامية تكوين هيئات علمية لتحقيق هذا التراث الضخم في علم أصول الفقه الإسلامي، الذي مازال حبيس خزائن الكتب، قابعا في أوراقه الأصلية، لم تهيأ له الوسائل ليأخذ طريقه إلى دور الطباعة. كما يتعين عليها طباعة ما يستحق الطبع – وما أكثره – مما تم أو يتم تحقيقه من هذه المخطوطات. كما يتعين عليها إعادة طبع ما نفد مما طبع من نفائس هذا الفن.
ويتعين عليها أيضا تكوين هيئات علمية للإشراف على ما ينشره الباحثون المحدثون، لتلافي ما يقع فيه من أخطاء، وتقويمه التقويم الصحيح الذي به يعرف استحقاقه للنشر أو عدمه.
وإني لمتفائل بأن هذه الهيئات العلمية، ستحد من هذا الخلط العجيب في المباحث التي نشاهدها فيما ينشر، ومن هذه السرقات التي صارت عادة سيئة يحترفها بعض الباحثين.
ثالثا: ينبغي أن تفهرس مؤلفات العلماء السابقين فهرسة حديثة تكشف كل محتويات ما في الكتاب. كما ينبغي أن يقوم الباحثون المحدثون بذلك فيما ينشرونه من بحوث.
رابعاً: الاهتمام بالموضوعات التي تبين سماحة الشريعة ويسرها، ومراعاتها للمصالح، وكمالها، وخلودها، ونحو ذلك، وتشجيع الباحثين للكتابة فيها.
خامساً: ينبغي أن تكون البحوث المقررة للقواعد، مقرونة بالتطبيق عليها بما يندرج تحتها من مسائل، إذ المقصود منها معرفة أحكام هذه المسائل، حيث هي التي يحتاج إليها العامل في عمله.
سادسا: أوصي بإعادة طباعة ثلاثة كتب هي: الموافقات للشاطبي، والفروق للقرافي، وكشف الأسرار لعبدالعزيز البخاري، وأن تكون هذه الطباعة قائمة على الأصول الفنية للطبع، ولاسيما الفروق وكشف الأسرار، حيث يفقدان في طباعتهما الموجودة بأيدينا الأصول الفنية أكثر مما يفقدها كتاب الموافقات.
كما أوصي بفهرسة هذه الكتب الثلاثة فهرسة حديثة تكشف كل محتوياتها.
وأوصي أيضا بتعاهد الجامعات والمعاهد بدراستها والرجوع إليها.
سابعا: والمعاني الأصولية شديدة التأثر، فهي تتأثر بأدنى تحريف أو تصحيف في عبارة أو كلمة، وهو ما يعانيه الباحثون عند الاطلاع على كتب الأصول، وهذا التحريف أو التصحيف أو نحوهما راجع – بعد تحقيق الكتاب – إلى الأخطاء التي يرتكبها عمال الطباعة، وهذا جدير بالاقتراح بألا تمس هذه الكتب إلا أيد مدربة تدريبا ممتازا على أصول الطباعة الفنية.
وبهذا نتلافى ما يمكننا تلافيه من أخطاء، ونخرج للباحثين كتبا خالية مما يعانون فيها بسببه.
والحمد لله أولا وأخيرا.