الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقاصد العامة للشريعة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
يوسف حامد العالم
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الحديث - القاهرة ̈بدون
سنة الطبع:
بدون
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
مقاصد الشريعة
خاتمة البحث
وبعد فهذا ما قد كنت أردت بيانه من الأهداف العامَّة للشريعة الإسلامية وهي أهداف سَامِية، ولا أحسب أن أحداً يَتَمتَّعُ بِسَلامة العقل، وصفاء البصيرة يُنازع فيها. وحتى لا أعيد ما سطرته في صلب الرسالة ألخص ما توصلت إليه من خلال هذه الرحلة الطويلة بإيجاز كي أعطي القارئ فكرة عامة، وخلاصة إجمالية عن نتائج البحث.
1ـ إن الشريعة الإسلامية وافيه بجميع مصالح العباد الدنيوية والأخروية كبيرةً كانت أو صغيرةً، ثَابِتةً أو مُسْتَحْدثةً. وإن هدفها الأعظم هو إسعاد العباد في الدنيا والآخرة، وإن السعادة المطلوبة لا تتحقق إلا بمتابعة أحكامها، وقواعدها، ومبادئها، وموافقة مقاصدها ولذا كانت معرفة المقاصد لابد منها، وخاصة للفقيه والمجتهد، لأنها منارة يهتدي بها في اجتهاده واستنباطه للأحكام من النصوص، أو من المَبَادِئ والقواعد العامة، وإن المصلحة الشرعية لها خصائص وضوابط تميزها عن مصالح الأهواء.
هذه المصلحة تتفاوت قوةً وضعفاً، وضيقاً واتساعاً وهذا التفاوت يجعلها تنقسم إلى ضرورية، وحاجية وتحسينية، وكلية وجزئية. وهذا التقسيم يصلح أساساً للنظر في تنظيم المجتمع الذي يهدف إليه الإسلام بحيث تتوفر الضروريات والحاجيات لجميع أفراد المجتمع ولا بأس بتفاوتهم في التحسينات، وذلك عن طريق التربية، وغرس المشاعر الإنسانية التي تدفع بأفراد الجماعة إلى مشاركة الآخرين بوازع الدين، والتشريع معاً.
2ـ إن إساءة مفهوم الدِّين في البلاد الإسلامية ترتَّبت عليها آثار سيئة منها انفصال الإيمان عن العمل والقول عن الفعل، مع أن الدين الكامل ـ وهو الإسلام ـ يشمل الإيمان والعمل، ويقتضي توافُق القول مع الفعل، والدين الكامل هو المقبول عند الله، وأن الدين ضروري لحياة البشر في الدنيا والآخرة، مهما أعرض عنه الناس فإنهم سيعودون إليه، وإن المحافظة على الدين تتطلب الإيمان، وأصول العبادات، من جانب الوجود، والجهاد، وقتل المرتدين، والزَّنادقة ومحاربة الابتداع من جانب العدم.
3ـ لقد عُنِيَ الإسلام بالنفس الإنسانية، ووضع لها من التشريعات ما يحقق لها جميع المصالح في جميع الأطوار من غذاء، وكساء، ومسكن، وما يمنع عنها الاعتداء بأي صورة، وشرع من العقوبات ما يكون زاجراً ورادعاً لمن يعتدي عليها، والزاجر قد يكون عقاباً في الدنيا أو عذاباً في الآخرة.
4ـ أما العقل فقد مَيَّز الله به الإنسان عن سائر الحيوانات، وقد عني به ووضع له من التشريعات الكفيلة بحفظه من الإضعاف أو الإزالة، مثل وجوب التعليم وتحريم المسكرات والمُخدِّرات، والعقاب على شرب المسكر، والعقل أحد دوائر وسائل المعرفة، وهي الحواس والعقل والوحي، وأضيق هذه الثلاث الحواس ثم تليها دائرة العقل، ودائرة الوحي تعتبر المحيط الأعظم وكل دائرة تكمل الأخرى بدون تعارض أو تناقض، ويترتب على إساءة فهم حدودها، أو علاقة بعضها ببعض نشوء المفاسد العقائدية والفكرية والأخلاقية تبعاً لذلك. وفي الواقع لا يوجد تعارض أو تناقض بينها، بل يوجد تعاون كامل، فالوحي حاكم على العقل ولكنه معتمد عليه، والعقل حاكم على الحواس ومعتمد عليها.
5ـ أما النسل فقد وضع الله له طريقاً للدَّوام والاستمرار وهو الزواج، وحرَّم الزنى ومقدماته من أجل المحافظة على هذا الطريق بعيداً عن العبث، وشرع عقوبات بدون رأفة لمن يعبث بحرمة هذا الطريق ويسلك غيره متعدياً بذلك ما حده الشرع للمحافظة على النوع الإنساني.
6ـ أما المال فهو قوام الحياة، وضرورة من ضرورات الوجود البشري، ولذا عُنِي به الشرع الإسلامي ووضع له من القواعد والأحكام، لكسبه، وتملكه، وإنفاقه، وتنميته. أما الكسب فقد بين الله للإنسان طريق الحلال والحرام، وأمره أن يسلك طريق الحلال، وإذا سار في هذا الطريق لا يقيد سيره بأي سرعة، بل يعطيه الحق في السير بأكبر جهد يستطيعه، وأعطاه الحق في تملك ثمرات جهده وطاقته، ولكنه يوجب عليه أن يمد يد العون، لمن لا يستطيع السير بمقدار سرعته وجهده لظروف العجز أو لخيانة الحظ مع بذل الجهد، كما أوجب عليه الجهاد بالمال لحماية الدين والوطن وإذا كان الإسلام أعطى الفرد حق تملك المال مع إلزامه بأداء ما عليه من واجبات فإنه لم يعطه حق حبس المال وتعطيله عن الحركة في داخل الشبكة الاجتماعية، لأن حركة الأموال، هذه، ملك وحق للمجتمع، فإن استغنى الفرد عنها لا يحق له حبس ماله وتعطيله عن الحركة في داخل تلك الشبكة.
ولذا كان مقصد تَدَاوُل الأموال بين الناس من أعظم مقاصد الشارع في المال، والإسلام يصل إلى تحقيق تداول المال بين الناس عن طريق تحريم الكنز، والرِّبا، والميسر والاحتكار، وتحريم جعل المال دولة بين الأغنياء دون الفقراء، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل، وشرع أنواع التعامل بينهم لتحقيق هذا المقصد العظيم، وإذا كان المال محترماً في نظر الإسلام فإنه يحظى بحمايته من الاعتداء عليه بالحرابة، أو السرقة أو الغصب، وجميع أنواع أكل أموال الناس ظلماً. والمقصود من ذلك كله المحافظة على المال.
وبالكلام على المال انتهى البحث. وفي هذه المسيرة الطويلة انتابني شعور عميق خلاصته: هو أنني فيما أعتقد أن المسلمين لا يكتب لهم النجاح ولا الفلاح إلا بالرجوع إلى إسلامهم والتمسك به عقيدةً وشريعةً، وقولاً وفعلاً، ولا صلاح لهم ولا إصلاح إلا في ظل مبادئ الدين الإسلامي وقواعده وأحكامه في جميع مجالات الحياة، لأن الإسلام هو دين الله الكامل، ولا يقبله إلاّ كاملاً، أما إن آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه الآخر، فلا يكون جزاؤهم أقل من الذّلة، والمهانة، والضياع والشَتَات والضعف والشِّقاق، يظلون كغثاء السيل إلى حين أوبتهم إلى ربهم، ووفائهم له بعهده قبل وفائه لهم بعهدهم، وبذلك ينصرهم ويثبت أقدامهم ويؤلف بين قلوبهم، وبذلك يصيرون خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وأختم كلامي كما بَدأْتُه بحمدِ الله، سبحانه وتعالى أن يهديني إلى الحق ويوفقني للتمسك به، وأضرع إليه أن يختم حياتي بصالح الأعمال ويمن على المسلمين بالهداية، والتوفيق ليرجعوا إلى دينهم مصدر عزّهم ومجدهم وشرفهم إنه نعم المولى ونعم النصير.
تمت بحمد الله وعونه