الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصالح المرسلة وأثرها في مرونة الفقه الإسلامي
المؤلف/ المشرف:
محمد أحمد بوركاب
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث ̈الأولى
سنة الطبع:
1423هـ
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
مصالح مرسلة
خاتمة الكتاب:
وفي نهاية هذه الرحلة الممتعة مع المصالح المرسلة، أود أن أسجل أهم ما توصلت إليه من نتائج، منذ بداية الطريق إلى نهايته.
1 -
المصالح المرسلة، هي كل منفعة ملائمة لمقصود الشارع وما تفرع عنه من قواعد كلية، ولم يشهد لها نص خاص بالاعتبار أو الإلغاء. فهي عبارة عن أخذ حكم في حادثة معنية، من مجموع نصوص، بحيث لو انفرد كل منها لم يفدنا ذلك الحكم.
وهي بهذا المعنى مقبولة اتفاقاً، خلافاً للظاهرية الذين أنكروا القياس. ولذا قال الإمام القرافي:(وأما المصلحة المرسلة فالمنقول أنها خاصة بنا، وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا وفرقوا بين المسألتين، لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا وفرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب).
2 -
المصالح المرسلة معتبرة شرعاً، بجنسها لا بعينها، وتسميتها مرسلة تجوزاً، من أجل التفريق بينها وبين المصالح المعتبرة في باب القياس. ولذا فتسميتها (بالمرسل المعتبر) أدق؛ لأنها مرسلة من حيث إن النصوص الخاصة لا تشهد لها، لا باعتبار ولا بإلغاء، ومعتبرة من حيث إنها ملائمة لمقصود الشارع وما تفرع عنه من قواعد كلية.
3 -
المصالح المرسلة، ما هي إلا إجراء للقواعد الكلية على عمومها الذي ثبت باستقراء مجموع النصوص، فهي التفات من المالكية إلى ضرورة الرجوع إلى مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية عند استنباط الأحكام من النصوص الخاصة.
4 -
منشأ اختلاف العلماء في حجيتها ثلاثة أمور:
الأول: إطلاق الأسماء على غير مسمياتها عند أصحابها.
الثاني: عدها دليلاً مستقلاً كما فعل المالكية، أو إدراجها تحت دليل من الأدلة المتفق عليها كالقياس على ما عليه الجمهور، أو إرجاعها لمقصود الشارع الذي يدل عليه الكتاب والسنة والإجماع، على ما ذهب إليه الإمام الغزالي.
الثالث: التخوف من اتخاذها وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة، والقول في الدين بالتشهي والرأي المجرد.
ومن أجل ذلك التخوف الذي رد به بعض العلماء المصالح المرسلة، وضعت لها ضوابط وقيود، تضمن للمجتهد اجتناب الزلل والقول في الدين بالرأي، وهي:
أ- أن تكون ملائمة لمقصود الشارع وما تفرع عنه من قواعد كلية.
ب- ألا تصادم نصاً خاصاً.
ج- أن تكون معقولة المعنى في ذاتها.
د- أن يكون الذي يفرع الأحكام عليها، مجتهداً جامعاً لشروطه، ومن شروطه الأساسية للقول بها:
1 -
فهم مقاصد الشريعة على كمالها، كما ذكر الشاطبي.
2 -
معرفة الناس وأحوالهم وظروفهم (معرفة الواقع)، كما ذكر الإمام أحمد.
3 -
أن يكون الذي يفرع الأحكام عليها ورِعاً لا يخاف في الله لومة لائم، لكي لا تستهويه قلوب الأغنياء والساسة والحكام، فيحيد عن الحق قصد إرضائهم.
4 -
من أجل الفهم الصحيح والدقيق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة الظني منها يجب علينا أن نفهمها مقرونة بالنظر في عمومات القرآن، والمقاصد العامة من التشريع الإسلامي وما تفرع عنها من قواعد كلية، ظنية كانت أو قطعية.
5 -
لا مانع شرعاً من تخصيص النص العام بالمصلحة المرسلة، سواء اعتبرناها دليلاً مستقلاً، أو داخلة تحت باب القياس بمفهومه الواسع. لأن التعارض الجزئي بين النص العام والمصلحة المرسلة، هو في حقيقة الأمر تعارض بين عامين، عام استقيد من الصيغ، وعام استفيد من استقراء مجموع النصوص التي استخلصت منها القاعدة الكلية.
وإذا كانت المصلحة المرسلة فرداً من أفرادها، فالتخصيص ليس بها، وإنما بما استندت إليه من أصل كلي وما تفرع عنه من قواعد كلية.
6 -
التخصيص بالمصلحة المرسلة، هو تعطيل مؤقت لفرد من أفراد العموم للحاجة والمصلحة، فإذا زالت الحاجة رجع ذلك الفرد المستثنى إلى حكمه الأصلي، وفي هذا خير دليل على أن التشريع الإسلامي لا يعرف العجز والجمود عند نزول النوازل، وتغير الظروف والأحوال.
7 -
بوسع المصالح المرسلة أن تعالج كثيراً من القضايا التي تجدُّ في حياة المسلمين، سياسية كانت أم اقتصادية، أم ثقافية، أم اجتماعية، ذلك أن مجالها النوازل التي لم يرد فيها نص خاص بالاعتبار أو الإلغاء؛ فإن لاءمت مقصود الشارع وقواعده الكلية اعتبرتها ودعت إليها؛ وإن خالفت ألغتها وحذرت من شرها ومفاسدها. ومن هنا كانت تسعة أعشار العلم.
وما بقى من نوازل بدون علاج، وسعته المصادر التبعية الأخرى، كالاستحسان، والاستصحاب، وأصل اعتبار المآل الذي يتفرع عنه: قاعدة سد الذرائع، والحيل، ومراعاة الخلاف، والاستثناء.
وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي للمسلمين أن يكونوا في غنى عن التفكير في تجديد وتوسيع علم أصول الفقه، بحجة أن قواعده ومصادره صارت ضيقة ولا تفي بمتطلبات العصر.
بل عليهم أن يجددوه بإحياء ما اندرس من العمل به، وتبسيط مسائله، وتخليصه مما ليس منه من الأمور التي اقتضاها ظرف من الظروف، وتوسيع بعض مباحثه، كالاجتهاد الجماعي الذي أصبح من حاجيات العصر إن لم نقل من ضرورياته.
فما أحوج الأمة الإسلامية إلى أن ترى علماءها ومفكريها، على اختلاف تخصصاتهم وانتماءاتهم، جالسين على طاولة واحدة، يسودهم الحب في الله، والتعاون على نصرة شريعة الله، والنصح لعباد الله، يتدارسون مشاكل المسلمين، وما جد في حياتهم، وفق منهج علمي بعيد عن العواطف والعصبية، كي ينهضوا بهذه الأمة التي تترقب فجر يوم جديد، يوشك أن تشع شمسه، ليعم نورها مشارق الأرض ومغاربها، {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 4 - 6].
فإذا استجابوا لنداء الأمة، سار الكل وراءهم، والتأم الشمل، وقويت الشوكة، وتحقق في الجميع قوله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران: 110].
وفي هذا القدر كفاية، وأحمد الله ربي حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، على أن وفقني، وأعانني على هذا العمل.
فما كان فيه من صواب فبتوفيقه تعالى، وما كان فيه من خطأ ونقص فبتقصيري، ومن نفسي ومن الشيطان، ولا يسعني إلا فضله تعالى وعفوه، فاللهم فاعف عني.
وقبل أن أضع القلم من كتابي هذا أذكر القارئين وأهل العلم بما قاله العماد الأصفهاني رحمه الله تعالى: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يوم، إلا قال في غده أو بعد غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر).