الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعامل مع الآخر شواهد تاريخية من الحضارة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
إبراهيم بن محمد المزيني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني - الرياض ̈الثانية
سنة الطبع:
1429هـ
تصنيف رئيس:
دعوة ودعاة
تصنيف فرعي:
تعامل مع الناس
الخاتمة
كان من أهداف هذه الدراسة: إبراز تميز حضارتنا الإسلامية بتكامل رقيها المادي والمعنوي لشمولها على الرقي في ميادين الحياة المادية، إضافة إلى تميزها في النزعة الإنسانية، وهو أمر يؤكد أنها حضارة ذات طابع إنساني لكونها قاصدة سعادة الإنسان وبناء شخصيته عن طريق تكريمه ومن ذلك التعريف بحقيقة تشريع هذه الحضارة في مجال تعامل المسلمين مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى.
فالإسلام بما اشتمل عليه من مبادئ سامية تجاه بني الإنسان قد سجل سبقه الأديان البشرية كافة والقوانين الوضعية بحيث لم تعرف تنظيماته أي صورة التعصب المذموم الذي يؤدي بالناس إلى الشحناء والبغضاء والفرقة ويؤصلهم إلى حالة من التمزق الممقوت في المجتمع الإنساني فعاش غير المسلمين تحت لوائه في ظلال من العدالة والسماحة والبر والإنصاف، ذلك أننا إذا رجعنا لمصدري التشريع، القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بشأن نظر الإسلام لغير المسلمين لا يمكن أن نخرج بغير حقيقة أن الإسلام أكد على مشروعية معاملة هؤلاء معاملة عادلة ومتسامحة في مختلف جوانب هذا التعامل وأنماطه.
ثم إن هذا الخلق السامي الذي رسخته المبادئ الإسلامية في تعاملها مع الشعوب غير الإسلامية وطبق واقعها عبر حضارة المسلمين كان سببا في التعريف بالإسلام ووسيلة سامية لعرضه والتعريف بمادئه السمحة، بل والدعوة إليه بطريق غير مباشر، وهذا ما حققه عدد غير قليل من المستشرقين وهم يدلون بشهاداتهم حيث سجل المؤرخون شهاداتهم بأن ديننا الإسلامي إنما انتشر طواعية دون إكراه فرغم ما حدث من معارك ضارية في فتوح كثير من البلاد ودخول المسلمين منتصرين إلا أنهم لم يكرهوا أحدا في اعتناق الدين دون قناعته واختياره وبقوا على ذلك حتى دخل الناس في الإسلام طواعية فحملوا الدين في قلوبهم قبل أن يحملوا السيف دفاعا عنه، بل اتخذوا لغة القرآن العربية لغتهم.
لقد تمتع غير المسلمين بقسط وافر من الحرية داخل مجتمعات المسلمين عبر العصور لقاء تأديتهم الجزية وارتبطت قضاياهم في أمورهم المدنية والجنائية برؤسائهم الروحيين، وأقاموا في مزارعهم ومنازلهم الريفية، وتمسكوا بتقاليدهم الثقافية وحافظوا على لغاتهم الأصلية، وفي المدن تقلدوا مناصب مهمة في دوائر المال والكتابة والمهن الحرة وبلغوا إثراء واسعا في ذلك.
لقد فتح المسلمين صدورهم لغير المسلمين يهودا ونصارى ومجوسا وصابئة وأتاحوا للعناصر المتميزة من هؤلاء وأولئك احتلال مواقعهم الاجتماعية والوظيفية في إطار من مبدأ تكافؤ الفرص لم تعرفه أمة من الأمم عبر تاريخ البشرية كله.
ثم إنه ربما يناسب هنا أن من تمام هذا التعامل هو حرص حكام المسلمين على استمرار هذا التعامل بما ينبغي أن يكون وأنه حينما تبدو بعض بوادر التعصب أو الجمود الفكري الذي يبعد عن روح هذا التعامل الذي أسسه الإسلام وسار عليه رسول الله ـ عليه أفضل الصلاة والتسليم ـ ومن بعده خلفاؤه الراشدون، ومن تبعهم بإحسان من ولاة أمر المسلمين إلى يومنا هذا، هؤلاء يجدون القوة والضبط مع وقفة للعلماء والفقهاء ضد ذلك والدراسة استشهدت في عديد من هذه الشواهد.
ليس هذا التعامل فقط مع من هم داخل حدود الدولة الإسلامية، بل تميز المسلمين بتعاملهم مع ذلك الآخر باعتباره جماعة، ودولة وكيان منفصل عن الدولة الإسلامية من تعاهد وتسالم وترابط على مختلف الأصعدة وفي مختلف العصور وهو ما يمكن أن يندرج ضمن مفهوم العلاقات الدولية.
وربما تبينت الدراسة بهذا العرض صفحة من صفحات التعامل المثالي مع غير المسلمين من أهل الأديان الأخرى، وأن هذا التعامل حقيقة ثابتة، شهدت بها نصوص الوحي، من الكتاب والسنة وشهد بها التاريخ الناصع منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده عهد الخلفاء الراشدين ـ رضوان الله عنهم ـ ومن بعدهم من الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين وغيرهم، في شتى أقطار الإسلام، وشهد بهذا الواقع الماثل في كثير من بلاد العالم الإسلامي، حيث تتجاور فيه الجوامع والكنائس، وتسمع صيحات الأذان ودقات النواقيس، وتعيش الأقليات غير المسلمة ناعمة بالأمان والاستقرار والحرية في ممارسة حقوقها الدينية والدنيوية، على حين تعيش الأقليات الإسلامية في كثير من دول آسيا وإفريقيا وأوربا، مضطهدين، لا يسمح لهم أن يقيموا دينا، أو يملكوا دنيا.
وبهذا يسن الإسلام أعدل القوانين في التعامل مع الآخر ولم يكن هذا أمرا نظريا لم يطبق على أرض الواقع، كما هي عليه أغلب المواثيق الدولية التي تنادي بحقوق الإنسان، ولكن دونما نصيب من التطبيق، بل كان واقعا شهد بتطبيقه الجميع من مسلمين وغيرهم عبر العصور.
ومما يناسب ذكره هنا أن هناك من أثار مجموعة من الشبهات التي ظن أنه بتصيدها ثم بترويجها سيطمس الحقائق، ويغيب الوقائع قصدا لتشويه واقع هذا التعامل ضمن قصد تشويه تاريخ الإسلام وإنجازات المسلمين والتشكيك ومتحججين بأحداث وتصرفات جانبية، حسبوها على تاريخ هذا المنهج كما قصر إدراكهم عن فهم مقاصد كثير من النصوص الواردة بشأن هذا الآخر.
ومما تخلص إليه هذه الدراسة هو ضرورة فهم الشرع الشريف، بأصليه القرآن والسنة، وأن لا يفهما بعيدا عن التطبيق الفعلي لنصوصهما، وسيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، بتطبيقه العملي للشرع الحنيف، وسيرة خلفائه الراشدين وصحابته الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ ومن تبع منهجهم من ولاة أمر المسلمين عبر العصور.
ثم يناسب أن أشير هنا، ضمن خاتمة الدراسة إلى أن هناك من يستغل فكرة التسامح هادفا إلى تمييع الدين ومحاولة حل عراه وإطفاء حرارة الإيمان بدعوى التسامح أو التعايش أو التحاور، أو غير ذلك من المصطلحات المستجدة دون إدراك لمفاهيمها.
نعم نحن دعاة تسامح لأن ديننا نفسه يأمر به، ويدعونا إليه ويربينا عليه. ولكن ليس معنى التسامح أن نتنازل عن ديننا إرضاء لأحد كائنا من كان ولكن ليس من التسامح في شيء. إنما هو إعراض عن الدين أو كفر به، إيثارا للمخلوق على الخالق، وللهوى على الحق. ونحن لا نلزم غيرنا بترك دينه، حتى يطالبنا بترك ديننا.
ليس من التسامح أن يطلب من المسلم (تجميد أو تجاهل) أحكام دينه، وشريعة ربه وتعطيل حدوده، وإهدار منهجه للحياة من أجل أن يكون مثالا لتطبيق هذا المبدأ.
ثم إن حضارتنا الإسلامية بما ارتكزت عليه من مبادئ سامية، قابلة لمواصلة السر بثقة واطمئنان لثبوت الثوابت، التي ترتكز عليها هذه الحضارة، بمعنى صلاحيتها لكل زمان ومكان، فإنسانية الإسلام ثابتة، وسماحته مستقرة، وعدالته راسخة، إذا فهي حضارة التوازن والشمول والعطاء، وصدق الله تعالى حينما بين الغاية من إرسال نبينا ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ فقال تعالى:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} سورة الأنبياء آية 107]
ختاما، أرجو أن أكون قد وفقت في تناول موضوع مهم يسلط الضوء على جانب مشرق من الجوانب المضيئة في حضارتنا الإسلامية وأن تكون هذه الدراسة نواة لأطروحات أشمل وأنفع.
والله ولي التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.