الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضوابط الشرعية للخروج على الحاكم الجائر في الفكر السياسي الإسلامي
المؤلف/ المشرف:
عبدالله بن أحمد فروان
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
بدون ̈الأولى
سنة الطبع:
2002م
تصنيف رئيس:
سياسة شرعية
تصنيف فرعي:
حسبة - الحكام والسلاطين والأمراء والوجهاء
الخاتمة:
الخروج على الحاكم الجائر من أخطر الأمور التي لا يمكن تجاهل ما قد ينتج عنها من فتنة وقتال وسفك دماء بين أفراد الأمة ولذلك فقد توقف الكثير من فقهاء الإسلام عن الخوض والحديث في هذا الأمر، ونجد الكثير منهم يتحرج كثيراً في إبداء الرأي أو الفتاوى حول هذا الحاكم أو ذاك حتى في حالة ظهور انحراف الحاكم عن قواعد الشرع وظلمه وجوره على الرعية، وهذا لا يعني إجازه الحاكم الجائر لفعله هذا أو تأييدهم له لما يفعله بالأمة وما يرتكب من مخالفات لمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية، ولكن يرجع الأمر إلى قواعد الشرع والموازنة بين الأضرار التي قد تنتج عن الخروج وبين الأضرار والمفاسد الناتجة من بقاء الحاكم الجائر يرأس الدولة الإسلامية وفي هذه الحالة سوف نبين أهم النتائج والخلاصات التي خرجنا بها من هذه الدراسة وأبرز الحقائق الناصعة المعتمدة على الأدلة الشرعية التي لا لبس فيها والمتسقة مع روح ومبادئ وقيم الشريعة الإسلامية ونوجز هذه النتائج فيما يلي:
أولاً: مبدأ الخروج على الحاكم الجائر متفق عليه عند جميع فقهاء الإسلام باعتبار هذا المبدأ باباً من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي وصفت به الأمة الإسلامية بقوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110]، وقوله تعالى {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} [الحج: 41]، وجور الحاكم هو نوع من أنواع المنكر يجب إزالته كما يقول الإمام القرطبي في تفسير الآية الأولى (إن جور الحاكم أمر منكر شرعاً فإزالته ولو بالخروج عليه يعتبر من باب إزالة المنكر)، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس فقال: لا والذي نفس محمد بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً)، وكذلك باعتباره من الأمور التي لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد ورد تحذير من الرسول صلى الله عليه وسلم من السكوت عن الأخذ بيد الظالم في الحديث الذي رواه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله بعقاب منه).
ثانياً: ما قيل أن بعض الفقهاء يجيزون الخروج على الحاكم الجائر ليس صحيحاً للأسباب التالية:
1 -
الفقهاء يعتبرون أن الحاكم الجائر وكيلاً عن الأمة في إدارة شؤونها فلها الحق أن تسأله عن عمله إذا وجدت الأسباب المناسبة لذلك، وهي رقيبة عليه باستمرار بما هي ملزمة من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبوصفها الطرف الأول في العقد فإنها صاحبة الحق في خلعه وعزله إذا خان الأمة، وحاد عن الطريق السوي، وجار في حكمه.
2 -
المشهور عن جميع الفقهاء هو مقاومة الظلم أيّاً كان مصدره وحتى فقهاء أهل السلف والسنة الذين يتهمهم البعض أنهم لم يقولوا بالخروج نجدهم في جهاد دائم بالكلمة تارة وبالمال والسيف تارة أخرى.
وهذا أبو حنيفة الذي قال عنه الأوزاعي: احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف يعني قتال الظلمة وقد وقف أبو حنيفة إلى جانب الإمام زيد بن علي عند خروجه على بني أمية وساعد زيداً على خروجه بالمال ونصح الناس بالوقوف إلى جانبه وكان نفس الموقف مع محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية وأخيه إبراهيم وهما من أولاد الحسين بن علي في الثورة الثانية سنة 145هـ حيث أفتى أن الخروج معه أفضل من الحج النفل خمسين أو سبعين مرة، وحين خرج عبد الرحمن بن الأشعث على الدولة الأموية في زمن ولاية الحجاج وقف إلى جانبه أكثر الفقهاء أمثال (سعيد بن جبير والشعبي وابن أبي ليلى وابن كثير وأن فرقة عسكرية من القراء وهم العلماء وقفت إلى جانب صف بن الأشعث ضد الحجاج ولم يقل أحد من العلماء أن خروجه هذا غير جائز)، (وقد قال بالخروج عند توافر شروطه التامة الإمام الشافعي والشعبي والإمام الغزالي والقاضي عياض وابن حزم والشهرستاني والجويني والمودودي وابن الأمير الصنعاني والشوكاني والجصاص وغيرهم).
ثالثاً: الأدلة التي ذكرها القائلون بعدم جواز الخروج على الحاكم الجائر بالسيف لا يقصدون بها تحريم ومنع الخروج على الإطلاق أو الإقرار بمشروعية الظلم وإنما هو موقف فرضته الخشية من الفتنة ولذلك دعوا إلى الصبر على الحاكم الجائر وتحمل ظلمه وجوره خيفة أن تحدث الفتنة والموازنة بين الضرر القائم من وجود الظلم ووقوعه وبين الضرر المتوقع من الخروج، وهذا ما عبر عنه بن تيمية بقوله لا ينبغي إضاعة رأس المال طلباً للربح وهذه العبارة تسند إلى القاعدة الفقهية التي تقول (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة) أي لأنه لا يجوز عند عدم التمكن وتحقيق الغاية المرجوة.
رابعاً: حساب الضرر القائم والضرر المتوقع من الخروج على الحكام الجائرين يعد مسألة تقديرية يقدره الخارجون بحسب الحال والعوامل التي تساعد على نجاح الخروج من عدمه والتخفيف من الأضرار الناتجة عن الخروج ومحاولة تجنبها قدر الإمكان وفق القواعد الفقهية العامة كقاعدة (تحمل الضرر الأخف لدرء ضرر أكبر) وبحسب قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتدرج فيها على النحو الآتي:
1 -
تعريف الحاكم بالمنكر المطلوب إزالته:
فلابد أن يعرف الحاكم بالمنكر وذلك عن طريق أهل الحل والعقد وعلماء الأمة باللين واللطف والرفق دون عنف أو تجريح فلا ينسب إليه الجهل والحمق وإن كان كذلك وهذا الأسلوب هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الحق وهو منهج السماء للبشر على الأرض بأن تكون الدعوة والحوار والجدال بالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة.
2 -
الوعظ والنصح باللين:
وهذا المنهج هو ما اتفق عليه الصحابة والتابعين من الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا حتى اشترط العلماء فيمن ينهى عن منكر أو يأمر بمعروف عدة شروط لابد من توفرها وإلا لا يجوز له أن يقوم بهذه المهمة لأنه قد يؤدي فعله هذا إلى منكر أكبر ومن هذه الشروط:
أ- أن يكون عالماً بما يأمر به عالماً بما ينهى عنه.
ب- أن يكون رفيقاً فيما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه.
ج- أن يكون عدلاً فيما يأمر به عدلاً فيما ينهى عنه.
3 -
العصيان:
إذا لم يُجدِ أسلوب النصح والوعظ والإرشاد مع الحاكم فإن للأمة أن تستخدم وسيلة أخرى تسمى في العصر الحديث (العصيان المدني) وهي مقاطعة الحاكم وعدم الاتصال به حتى يشعر أنه معزول عن الأمة ولهذا الأسلوب سند في الشريعة الإسلامية وهو ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (يكون آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة كذبة فمن أدرك ذلك فلا يكن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً)، وتستخدم هذه الطريقة إذا كان يرجى معها إثناء الحاكم وإجباره عن ما هو عازم عليه من انحراف وجور وظلم وبشرط أن لا يؤدي العصيان إلى مفاسد كتعطيل مصالح الناس والإضرار بهم.
4 -
وأخيراً استخدام القوة لإزالة المنكر بحسب تفصيله في هذه الدراسة.
خامساً: أسباب الخروج على حكام الجور والظلم ليست محصورة كما يرى البعض في الكفر البواح وليست محصورة بسبب بعض المعاصي والمفاسد ولكن إذا أوجدت الأسباب القوية التي لم يعد معها السكوت جائزاً ومقبولاً لدى علماء المسلمين واستنفدت كل الوسائل السلمية لثنيه عما هو عليه من انحراف في العقيدة أو عدم تنفيذه لقواعد الشريعة الإسلامية على الواقع أو إضاعته مصالح الأمة عند ذلك جاز الخروج عليه شريطة تحقيق المصالح للأمة، فلا يشترط للخروج إعلان الحاكم الكفر والردة عن الإسلام بل يكفي إظهاره لبعض المظاهر الموجبة لكفره وانحرافه عن الإسلام من خلال تصرفاته وعدم التزامه بمنهج الله، ومن مظاهر ذلك على الواقع العملي ما يأتي:
1 -
الإقدام على إصدار أوامر وقوانين تتضمن معصية صريحة لله بالمعنى الشرعي.
2 -
وقوف الحاكم موقف المتحدي المتعمد لنصوص الكتاب والسنة لأن هذا الموقف يعتبر كفرا بواحاً وإن لم يقل الحاكم إنه يكفر بالإسلام.
3 -
معاداة الإسلام واضطهاد أهله وتنفيذ ذلك صراحة أو ضمناً كأن ينشر الفساد أو يساعد على نشره ويرضى به أو يساعد على نشر الربا والتعامل به ونشر المنهج المخالف للشرع والذي لا صلة له بالإسلام، وقد جاء وصف هذا النوع من الحكام في قوله تعالى {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} [الأنعام: 123].
4 -
إفساد الحياة العامة على الأمة الإسلامية: قد يدعي الحاكم أنه على الحق وأنه يسير وفق منهج الإسلام إلا أنه في حقيقة الأمر يجلب للأمة الشقاء والتعاسة ويفسد الحياة العامة من خلال ما يمارسه على الواقع ويضر بالمصلحة العليا للأمة لأن الشريعة الإسلامية جاءت في الأصل لجلب المصالح ودرء المفاسد فإذا لم يحقق الحاكم المصالح فقد أفسد الحياة على الأمة ومن ذلك:
أ- مساعدته ودعمه لتمزيق المجتمع بصراع المبادئ البعيدة عن منهج الله وتأجيج الخلافات المذهبية في بعض مسائل الفروع بما يتحول به المجتمع إلى فتن وصراعات وانقسامات داخلية واتباع مناهج وسبل شتى وهذا مخالف لقوله تعالى {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153].
ب- تجويع الأمة وإذلالها حتى يتمكن من نشر الرذيلة والخوف والذعر والرعب فيها.
ج- هدم المثل والقيم العليا في المجتمع واستعلاء الطغيان والظلم والفساد وغرس اليأس والإحباط في النفوس الصالحة بل والانتقام منها والفتك بها.
سادساً: ليس صحيحاً من قال أن السلطان لا ينكر عليه بالقوة وإنما ينكر على غيره فالنصوص الواردة في تغيير المنكر ليست محصورة على المنكر من غير الحكام، بل الإسلام يرتب أفضل وأكبر أجر لكلمة حق عند السلطان الجائر وأفضل الجهاد كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم:(كلمة حق عند سلطان جائر).
سابعاً: تنفيذ الخروج على حكام الجور والظلم يستلزم توافر شروط في الخارجين وشروط في المخروج عليهم، وكذلك اكتمال الظروف الأخرى التي تهيئ المجال لنجاح ذلك الخروج بحيث لا يؤدي ذلك الخروج إلى مضار تربوا على المصالح العامة للأمة، ومن أهم الشروط الواجب توافرها في الخارجين ما يلي:
1 -
أن يكون الخروج بقيادة أهل الحل والعقد من العلماء ورؤساء الجند وسائر الزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة ولا يدخل في هذا الصنف من أفسدهم الحاكم ليكونوا أعواناً له في استبداد وظلم الأمة فأهل الحل والعقد هم الذين يقدرون مصالح الأمة ويسعون لتحقيقها ويضحون من أجل الحق ويتصفون بالتقوى والصلاح وحسن الرأي والإخلاص والحرص على ما ينفع الناس، ولا يصح أن يكون هؤلاء الخارجون من الجهلة وغوغاء المجتمع الذي لا تجد منه الأمة سوى الفوضى والاضطراب في الأحوال وزيادة في الظلم والجور.
2 -
أن يكون الخارجون قد استنفدوا كل الوسائل والطرق السلمية في محاولتهم لتقويم الوضع وإصلاح الحاكم.
3 -
عدم الإقدام على تنفيذ الخروج إلا بعد الموازنة الدقيقة بين الضرر القائم والضرر المتوقع فإذا كان الضرر المتوقع أكثر فإنه لا يجوز الخروج لأنه مفسدته أكثر من مصلحته.
4 -
لنجاح الخروج نجاحاً تامّاً لابد من إحكام خطة مدروسة وناجحة ترتكز على أهداف واضحة وتتخذ الأساليب المناسبة المتكافئة وتبين الآراء وفق قاعدة الشورى على أن تتضمن أهداف الخروج على مبادئ الشريعة الإسلامية كالمحافظة على إقامة الحدود وإصلاح الفساد وإقامة العدل بين الناس.
ثامناً: إذا فشل الخارجون ولم يتمكنوا من إزاحة الحاكم الجائر عن الحكم يصبح حكمهم في نظر هذا الحاكم بغاة وينطبق عليهم حكم البغي والبغاة وإن كانت أهدافهم ليست كأهداف البغاة ولكن لا توجد أحكام في الشريعة الإسلامية غير ذلك وطبقاً للقواعد الشرعية والإسلامية كما هو واضح في قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات: 99].
ولم يفرق الفقهاء بين البغاة والخوارج فأحكام البغاة هي أحكام الخوارج وإن قال البعض أن البغاة هم الخوارج على الإمام العادل والخوارج هم الذين يرون أن كل ذنب صغير أو كبير كفر ولكن حكم هؤلاء هو حكم البغاة.
تاسعاً: إذا نجح الخارجون وعزلوا الحاكم الجائر فإنه يتطلب منهم بذل الجهود الكبيرة في إصلاح الأوضاع وإعادة بناء المجتمع وفق منهج الشرع لأن الظلم الذي ساده في فترة حكم السلطان الجائر قد أفسد المجتمع ويحتاج إلى إصلاح ما أفسده وعلى وجه التحديد القيام بما يلي:
1 -
بث روح الإخاء والمحبة والتسامح بين أفراد المجتمع وكان هذا هو أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة وقبل أن يؤسس الدولة قام بهذا العمل الذي هو الجسر الأساس الذي يبنى عليه كيان الدولة وبه تنطلق الأمة إلى ميادين الحياة والعمل والإنتاج، لأن المجتمع الذي لا تسوده هذه المعاني والقيم ويشيع فيه روح التباغض والتناحر والكراهية لا يمكن أن ينطلق نحو البناء والتقدم والأمن والاستقرار.
2 -
إصلاح الجوانب الاجتماعية فالشريعة الإسلامية كفلت تحقيق العدالة الاجتماعية وحاربت الفقر والجوع والبطالة كون الفقر يمثل خطراً كبيراً على عقيدة الأمة وقد قورن بين الكفر والفقر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كاد الفقر أن يكون كفراً) كما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من شر الفقر وشر الكفر فقال (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) وكذلك يشكل الفقر خطراً على المجتمع لأن عدم التقارب النسبي بين الناس في توزيع الثروة يثير في النفوس الأحقاد ويحدث الفتن والاضطرابات والفوضى ويقوض أركان الإخاء والمحبة بين الناس كما أن الفقر يشكل خطراً على سيادة الدولة نظراً لما يؤديه من اختلال التوازن داخل المجتمع وسوء العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتكون علاقة الدولة بالشعب علاقة تصادمية لا يوجد الحماس لدى الجماهير في الدفاع عن كيان البلاد وقد تحدث علماء الغرب الذين درسوا الإسلام عن إعجابهم بقيم ومثل وأخلاق الإسلام وأنها كانت السبب في تحقيق العدالة والتقدم والرخاء وفي تخليص البشرية من الجهل والظلم والشتات والفرقة والتمزق والضياع، ونورد هنا قول أحدهم وهو فون كيمر قال: عمل الإسلام على جمع شمل العرب وأزال دوافع تفرقهم وخلص العرب من رذائل الجاهلية ونشر بينهم روح العدالة والشورى والسلام وغرس المفهوم الخالد وهو أن أكرمكم عند الله أتقاكم وواعد العرب ليكونوا خير أمة أخرجت للناس ينشرون دينهم في أرجاء العالم.
3 -
إصلاح الجوانب السياسية القائمة على المعاني الشرعية والأخلاق الإسلامية آنفة الذكر باعتبار أن الدولة في الإسلام هي دولة رسالة عالمية تسعى لتحقيقها على وجه الأرض وبسط العدل بين الناس ونشر الحضارة الإنسانية والتقدم والبناء، وفي سعي الخارجين لتحقيق ما قلناه من معاني ومبادئ وقيم إنسانية لابد أن يراعوا جملة من الأمور للتغيير العملي لتحقيق رسالة الدولة في الإسلام ومن أهم ذلك ما يلي:
أ- الفهم الصحيح لطبيعة المجتمع واتخاذ الأسلوب الأمثل لتغييره فالمجتمع ليس هو المجموع الكمي لأفراده وإنما هو نظام اجتماعي أو تركيب اجتماعي تتمثل فيه العلاقات المادية وتترابط ترابطاً عضوياً وتتناول من خلال التأثر والتأثير وتنعكس هذه العلاقات بمجملها على الواقع وعلى النظام السياسي خاصة إذا عرفنا أن أفراد المجتمع لا تخضع خياراتهم الإيدلوجية القناعات الفعلية التي يمكن التأثير فيها من خلال الوعظ والإرشاد والتذكير والتأثير فحسب وإنما أن يخضع إلى جانب ذلك لمصالحهم المادية في المقام الأول وحاجاتهم الضرورية.
ب- بلورة نظرية علمية للاتصال بالجمهور من خلال التوعية والتعريف بالأهداف المراد تحقيقها لأن أفراد الأمة لا يتحمسون ولا يساندون أي تغيير أو إصلاح إذا لم يتحقق فيه شرطان هما:
الشرط الأول: أن يجدوا لدى من يقوم بالتغيير حلّاً لمشاكلهم الحقيقية.
الشرط الثاني: أن يفهم الجمهور مقاصد وأهداف أي تغيير داخل المجتمع.
ج- حفظ التوازن بين طبقات المجتمع وصون الحقوق فيؤخذ الحق من القوي دون أن يقصد كسره ويعطى للضعيف وخلق الشعور لدى الحاكم والمحكوم معاً بأنهما شركاء في الحكم وإن كل واحد منهما له دوره الهام يؤديانه في سبيل بناء الكيان العام للأمة الإسلامية.