الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها
المؤلف/ المشرف:
عثمان بن سعيد الداني
المحقق/ المترجم:
رضاء الدين بن محمد المباركفوري دار العاصمة - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1416هـ
تصنيف رئيس:
حديث
تصنيف فرعي:
أشراط الساعة وفتن آخر الزمان
بعد ما انتهيت من إنجاز هذه الرسالة وخدمة الكتاب على وجه أحسبه أنه واف بالغرض أو يحوم حوله أبتهل إلى الله تعالى الذي بنعمته تتم الصالحات بالشكر والثناء اللائقين بجلاله وعظمته على عونه وحسن توفيقه لإتمام هذا العمل. وأرجوه سبحانه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وينفع به عباده المخلصين، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
وآتي بعد ذلك لبيان ما توصلت إليه خلال الاشتغال بهذه الرسالة من نتائج مهمة، فألخص بعضها فيما يلي:
أولاً: ما يتعلق بالفتن وأشراط الساعة، وقد ظهر لي أثناء البحث أن الاشتغال بأحاديث الفتن وأشراط الساعة بحثاً ودراسة، وتعلماً وتعليماً من آكد الضرورات في الوقت الحاضر، وذلك للأسباب التالية:
أ- تغلب الجانب المادي على حياة الناس، بحيث أن إقبالهم على الدنيا وجريهم وراءها للحصول على شيء من متاعها قد أنساهم أو أنسى الكثير منهم الحياة الأخروية والاستعداد لها.
ب- ابتعاد الناس عن الكتاب والسنة، مما جعل كثير منهم يجهل بعض أو جل هذه الفتن أو الأشراط، وهو يسبب لديهم فراغاً في هذا الجانب، وقد يملأ هذا الفراغ بالأفكار المخالفة لما هو ثابت بالكتاب والسنة الصحيحة، علماً بأن أفكاراً كهذه قد يثبت ولا تزال تثبت في مجتمع المسلمين من قبل أناس مغرضين أو مجتهدين مخطئين.
ج- تجرؤ بعض الكتاب على إنكار بعض كبرى أشراط الساعة بدعوى أنها تتنافى مع العقل، وأنها من قبيل الخرافات.
د- انتشار الفتن والأهواء المضللة في هذه الأزمان.
هـ- ذهول كثير منهم عن هذه الفتن والأشراط، علماً بأن بعضها وصفت بأن نسيان الناس لها من علامات ظهورها، فروى الصعب بن جثامة مرفوعاً:(لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر)(1).
فهذه الأمور وغيرها تؤكد لنا أن البحث في موضوع الفتن والأشراط ودراسة الأحاديث الواردة فيها وعرضها على الناس بمختلف الوسائل من مقتضيات العصر الحاضر، تتطلبه الظروف الراهنة، فإن ذلك مما يمكن أن يبعث في قلوب الذين طرأت عليهم غفلة، روح الإيمان ويُقَوّيه، ويحثهم على العمل الصالح استعداد للقدوم على الدار الآخرة، ويزيد المؤمن إيماناً بالله تعالى وخشية منه ورهبةً، ويحثه على الإكثار من الأعمال الصالحة، ويجعله دائماً على حذر كامل وتنبه دائم من الساعة وعلامتها كما أنه يمكن أن يملأ الفراغ الناشيء من ابتعادهم عن الكتاب والسنة، فلا تؤثر فيهم الأفكار المخالفة.
وقد ظهر لي أيضاً أن مجال البحث في الفتن والأشراط واسع الجوانب، خلاف ما يزعمه بعض الناس اليوم إذ يوجد فيهم من يرى أنه ليس هناك داعي للاشتغال بهذا الباب كتابة وتعليقاً وتحقيقاً لأنه مبني على المغيبات التي لا مجال فيها سوى النقل من الكتاب والسنة، كما يوجد فيهم من يرى أن هذا الباب مخدوم قد خدمه الأوائل بحيث لم يتركوا للأواخر مجالاً للبحث والدراسة.
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4/ 71 - 72) وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد من رواية بقية عن صفوان بن عمرو، وهي صحيحة كما قال ابن معين، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد (7/ 335).
وكلا الرأيين -مع احتوائه على جانب من الحق والصواب من جهة- فإنه غير مسلم من جهة أخرى، وهي تضيق مجال الاشتغال بهذا الباب فإنه قد ظهر لي من خلال الاشتغال بالرسالة خلاف ذلك، إذ وجدت أن هذا الباب قد دخلت فيه الموضوعات والواهيات بكثرة، ومع أن أئمة الحديث قد قاموا بتوضيح الأمر فنجد بعض من كتب في هذا الموضوع اعتمد على الواهيات والموضوعات، فهناك مجال للقيام بالبحث والتمحيص عن هذه الأحاديث، والتمييز بين ما يصلح للاحتجاج منها وما لا يصلح.
ثم أنه قد ظهر الكثير من هذه الفتن والأشراط، ولا يزال يتجدد فيظهر يوماً فيوماً طبق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على صدقه وصحة نبوته، فهناك ضرورة لبيان ذلك بأسلوب مناسب للظروف الراهنة، يساعد في تثبيت الإيمان وتقويته في قلوب المسلمين، ويكون مدعاة لدخول البعض من غير المسلمين في الإسلام.
ثانياً: ما يتعلق بكتاب السنن الواردة في الفتن:
وقد ظهر لي أن للكتاب أهمية بالغة، وذلك للأسباب التالية:
(أ) أنه من المؤلفات التي ألفت في العصور القديمة.
(ب) حسن المنهج الذي تبعه المؤلف في تأليفه للكتاب حيث استوعب الكلام على أغلب الجوانب المتعلقة بموضوع الفتن وأشراط الساعة رغم صغر حجمها نسبياً، وقسم الكتاب تقسيماً يساعد القارئ في إدراك الموضوع، وأوضح الكثير من العلامات في أبواب مستقلة، وقلّل من إيراد المرويات الإسرائيلية.
(ج) غلبة روح المعالجة للقضايا المتعلقة بالفتن وفساد الأزمنة.
(د) حفظ الكثير من النصوص الواردة في المصادر التي تعتبر في حكم المفقود، وغير ذلك من الأمور التي سبق ذكرها أثناء الدراسة النقدية للكتاب.
وقد ظهر لي أيضاً عند المقارنة بين الكتاب والسنن وغيره من الكتب السابقة واللاحقة أنه لا يمكن الاستغناء بكتاب عن آخر، لا سيما كتب المتقدمين، لأن كل واحد منها يشتمل على ما لم يشتمل عليه الآخر، كما أن لكل منها ميزته الخاصة.
ثالثاً: ما يتعلق بمؤلف الكتاب أبي عمرو الداني.
وقد ظهر لي من خلال ترجمته: أنه واحد من علماء السلف الذين اتصفوا بأغلب الصفات اللازمة التي يجب توفرها في عالم من علماء الدين، ولذلك لم أهتد إلى من تكلم فيه بشيء ينال من عدالته أو مروءته.
وقد رزقه الله تعالى شهرة كبيرة في القراءات وعلومها مما أهله لأن يتبوأ مكان الصدارة والإمامة فيها، وقد اتصف أيضاً بمعرفته بالحديث وغيره من العلوم الأخرى، كما أنه يعرف بسلامة منهجه في العقيدة.
ولهذه الأسباب فقد تضافرت أقوال العلماء على ثنائه، ووصفه بالأوصاف الحميدة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وتغمده بمغفرته ورضوانه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين.