الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة
المؤلف/ المشرف:
عبدالله بن محمد السعيدي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار طيبة - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1420هـ
تصنيف رئيس:
اقتصاد
تصنيف فرعي:
ربا وبنوك ربوية
الخاتمة:-
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأصلي وأسلم على عبده النبي الأمي الذي بعثه الله ليحل لنا الطيبات، وبعد:
فهذه رسالة في الربا، ومعاملاته المعاصرة، ومؤسساته، ويطيب لي أن أختمها بخلاصة تبين أهم ما توصلت إليه من نتائج، وما ارتأيته من توصيات، ومن ذلك ما يلي:
1 -
إن الربا محرم، لا فرق بين قليله وكثيره، ولا ما كان غايته الإنتاج، أو الاستهلاك.
2 -
إن ما تقوم عليه البنوك التجارية من عمل، لهو ربا الدين، وهو ربا الجاهلية المحرم بصريح الكتاب.
3 -
إن معظم ما تقوم به البنوك التجارية من أعمال سوى عملها الأساس (القرض بالزيادة) إنما غايتها الربا، وإيقاع الناس فيه.
4 -
إن الضرورة والحاجة ينبغي تقديرهما تقديرا صحيحا، ولا يجوز ركوبهما بمجرد الإدعاء.
5 -
إن التحايل على الربا طريق الوقوع فيه، كما جاء في الحديث:(كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).
وإن القول بتعويض الدائن عن تأخير الدين باعتباره عوض ما فاته من منفعة وكذا القول بضمان مال المضاربة، كل ذلك سبيل سلكه المرابون من قبل للاحتيال على الكنيسة التي تحرم عليهم الربا، وقد بين ذلك ثروت أنيس فقال:(وامتد الصراع بين المرابين، والمجتمع بضع قرون، ومر على عدة مراحل .... وراحوا يتحايلون على النصوص التي تحرم الربا: قالوا: إن المدين الذي اقترض لا يلتزم بفوائد ربويه، لكن عليه أن يدفع تعويضا للمقرض عن التأخر في سداد الدين، ليعوض ما لحقه من خسارة بسبب هذا التأخير).
وقال: (غير أن أهم وسيلة للتحايل على الربا اتخذت صورة الشركة، كان المرابي يسلم شخصا آخر قرضا ليستغله في التجارة في عملية واحدة، أو عدة عمليات، حتى إذا ما انتهت هذه العمليات استرد المرابي ماله، وحصل كذلك على ثلاثة أرباع الربح، تاركا الربح فقط لمن قام بالعمل.
وهكذا تمكن المرابون من أن يوظفوا أموالهم في الربا، ويحصلوا على ثلاثة أرباع الربح دون أيما مجهود.
وأفلتت هذه الصورة من قاعدة تحريم الربا بحجة أن الرأسمالي يتعرض لخطر ضياع رأسماله، فالربح الربوي مقابل تحمل المخاطر، وقد تطورت هذه الشركة الربويه حتى صارت شركة التوصية الحالية).
6 -
إن البديل للمعاملات المصرفية قد لا يكون بوسع الباحث منفردا اقتراحه، فإن المعاملة لم تعد اليوم محصورة في إطار الفقه فحسب، بل إن ثمة اعتبارات أخرى يلزم مراعاتها عند اقتراح البديل، منها ما يتعلق بالاقتصاد، ومنها ما يتعلق بالنظام العام، ومنها ما يتعلق بيسر وسهولة إجراءات المعاملة لتكون ممكنة التطبيق عمليا، وهكذا. ولهذا فإن الاقتراحات فيما هذا سبيله - ليكون ناضجا - يلزم له فريق عمل من تخصصات شتى.
7 -
إن الاعتماد المستندي فيه لعملاء البنك حاجتان:
أ - حاجة ممنوعة، وهي التمويل (الإقراض بالزيادة).
ب - وحاجة مشروعة، وهي التوثيق.
وقد تبين في مبحث الاعتماد المستند أن لا توثيق من خلاله في الحقيقة.
أما حاجة التوثيق فيمكن تلبيتها من خلال طرق متعددة منها:
أ- أن يتوقف تسليم النقود للمصدر على تسليمه السلعة سليمة، والواسطة في هذا وذاك يكون بمثابة الأمين في مسألة الرهن، سواء كان مصرفا، أو جهة أخرى.
ب- أو أن يحتجز جزء من قيمة السلعة، فلا يسلم للمصدر إلا بعد تسليمه السلعة للمستورد سليمة، حتى إذا ظهر فيها عيب، أو نقص أمكن جبرانه من ذلك.
ج- ويمكن من خلال فحص السلعة في بلد المصدر قبل شحنها للتأكد من سلامتها، ومطابقتها شروط العميل (المستورد) ويتم ذلك عن طريق شركات متخصصة، عملها فحص البضائع، لكن مثل هذه الشركات ستحتسب على العميل أجرا لقاء عملها هذا، فإذا أضيف ذلك إلى أجر الشحن، ومبلغ التأمين، وغيره من التكاليف التي يتحملها التاجر، كأجر العمال، وكراء المحل، ونحو ذلك، وكل ذلك يحمله التاجر والمستهلك في النهاية، من خلال احتسابه ضمن ثمن البضاعة، تبين أننا لسنا بحاجة إلى إضافة مزيد تكلفة للتاجر المستهلك
وعلى أي حال فالوسائل التي يمكن من خلالها الوصول إلى توثيق حق المصدر، والمستورد يمكن تحقيقها بطرق مختلفة، لكن تبقى مسألة المفاضلة بينها تبعا لاعتبارات متعددة، ومتى كان لدى الناس همة لإيجاد بديل صحيح، فلن يعدموا إليه سبيلا.
8 -
إن بطاقة الائتمان لهي خير وسيلة لإعانة البنوك على الربا إذ غايتها الاستحواذ على النقود، بحيث لا تغادر خزائنها، وهذا مبدأ مادي، لا يستقيم على المنهج الإسلامي، ذلك أن البنوك التجارية تقوم على خلق الائتمان، ووسيلتها في ذلك استقطاب الودائع من الناس ما أمكنها إلى ذلك سبيلا، مهما زاد حجمها وعدها، ومن ثم تغرق السوق بها من خلال القراض بالربا، وذلك بخلاف ما تقوم عليه البنوك الإسلامية من منهج.
وعلى هذا فإن البديل الإسلامي لبطاقة الائتمان هو أن تكون بطاقة وفاء لا تتضمن قرضا، كما لا ينبغي للبنك الإسلامي أن يتوسع في إصدارها، ويتخذ منها طريقا للكسب، من خلال ما يأخذه من عمولة على التاجر، وعمولة على العميل، ونحو ذلك، فذلك طريق غير مأمون، ولما يترتب على التعامل بها من آثار لا تتفق وما عليه البنك الإسلامي.
9 -
إن العالم الإسلامي اليوم بات يحتذي المناهج الوضعية غالبا فيما سبيله المال وجمعه، ويستخدم وسائلها، ومن ذلك شركة المساهمة، فإن الملاحظ على سوق الأسهم التذبذب، والاضطراب، وتأثره بالدعاية حيث يمكن أن ترتفع أسهم شركة دون مسوغ من زيادة في الإنتاج، أو الممتلكات، وتهبط أخرى دون مسوغ كذلك. ومرد هذا وذاك الدعاية الكاذبة، وتحكم الرأسماليين المسيطرين على سوق الأسهم. وهي على هذا النحو تكون أداة للاستغلال ينتهزها الاستغلاليون كما كان الشأن في بداية عهدها، وفي هذا يقول ثروت أنيس: (تطورت شركة المساهمة بعد عصرها الاستعماري إلى أن غدت أداة بيد حفنة من الرأسماليين، لاستغلال جماهير صغار المدخرين، الذين يشترون الأسهم. وقد مكن من ذلك بعد المساهمين عن مقر الشركة، وعدم حضورهم الجمعيات العمومية، لانشغالهم بأعمال حياتهم اليومية، ولما كانت قرارات الجمعية العمومية العادية تصدر بأغلبية الحاضرين، وصغار المدخرين لا يحضرون، فمعنى ذلك أن قرارات الجمعية العمومية تصدر دون أن يشترك فيها جمهور المدخرين، ويكفي أن يوجد مساهم كبير يمتلك مثلا خمس أو ربع أموال الشركة، حتى يسيطر تماما عليها، ويصبح هو أغلبية الحاضرين في الجمعية العمومية، أي الأغلبية التي تعين مجلس الإدارة، وتعين هيئة المراقبة، وتصدق على أعمال مجلس الإدارة وبالاختصار تهيمن على الشركة.
غير أن الخطر أبلغ من مجرد السيطرة على شركة واحدة: إن الرأسمالي يمكنه إن يبدأ مشروعاته الاستغلالية بمليون جنيه مثلا ن فينشأ شركة مساهمة راس مالها أربعة ملايين جنيه، ويكتفي بالاكتئاب في ربع أسهمها، حتى يضمن أغلبية الحاضرين في الجمعية العمومية.
ثم عن طريق هيمنته على هذه الشركة يوظف أموالها في شراء اسهم شركات أخرى، فينشأ أربع شركات جديدة رأسمال كل منها أربعة ملايين جنيه، ويكتتب بأموال الشركة الأولى في 25% من أسهم كل شركة من الشركات الأربع الجديدة، فيسيطر عليها كلها، ويصبح بالتالي مهيمنا على 16 مليون جنيه بالرغم من أن رأس ماله هو مليون واحد.
فإذا لعب نفس اللعبة مرة أخرى بأموال الشركات الأربع الجديدة وساهم في إنشاء 16 شركة رأسمال كل منها ملايين جنيه، واشترك هو بالربع في كل شركة من هذه الشركات، فإنه يتمكن من السيطرة على 64 مليون جنيه.
وإذا أعاد الكرة سيطر على 256مليون جنيه، ثم على 1024 مليون جنيه.
وهكذا يظل الرأسمالي عن طريق شركة المساهمة يمد أذرعه كالأخطبوط ليمتص دماء الناس، كل جنيه واحد يدفعه يتحكم به في ألف جنيه من أموال الشعب).
ويقول أيضا: (كما استخدم المقامرون شركات المساهمة في عملية المضاربة بالأسهم، وتحصيل المبالغ الطائله من فروق الأسعار.
ويضرب المثل في هذا الصدد بالمليونير (جاي جولد) عاث فسادا في بورصة نيويورك حتى تعرض أكثر من مرة بالرغم من حراسة المسلحين للاعتداء عليه بالضرب من الحانقين على طرقه غير المشروعة.
كان مبدؤه اللعب بمال الغير عن طريق الربح من خلال الهدم.
10 -
إشترى صحيفة (ورلد)(العالم) في مدينة نيويورك، وسخرها لحسابه كان إذا طمع في أموال شركة معينة، يسلط عليها حملة صحفية بقصد الإساءة إلى سمعتها، فيتهمها بضعف المركز المالي، بأنها على وشك الإفلاس والانهيار، أو النيابة سوف تشرع في تصفيتها، أو أن الحكومة ستسحب ترخيصها. حتى إذا ساد الذعر بين حملة الأسهم وتسابقوا إلى التخلص منها بأي ثمن، اشترى هو بأتفه الأسعار قدرا من الأسهم يكفي لسيطرته على الشركة. ثم يقوم بعد فترة بحملة صحفية ثانية لتزكية سمعة الشركة ومركزها المالي، ويوزع أرباحا صورية يقتطعها من رأس المال.
حتى إذا ما استعاد الجمهور ثقته وأقبل على شراء الأسهم من جديد بادر جولد ببيع أسهمه، بعد أن يكون قد حلب أموال الشركة، وترك خزائنها خاوية.
فعل ذلك في شركة (يونيون باسيفيك) 1879م فخربت الشركة، وربح هو عشرة ملايين دولار.
كما ربح عشرة ملايين أخرى عن طريق إجبار مجلس الإدارة على شراء اسهم شركتي (دنفر) و (باسيفيك) اللتين اشتراهما من قبل بلا شيء.
إن (جاي جولد) أحد أولئك (البارونات اللصوص) الذين سيطروا على اقتصاديات أمريكا في أواخر القرن الماضي، ممتطين صهوة تلك المهرة الطيعة - شركة المساهمة -).
ولست بحاجة إلى بيان علاقة الشركات المساهمة بالاستعمار فالحديث فيه يطول.
10 -
إن المسلم ينبغي له أن يحرص على استطابة مطعمه، فإن المال الحرام تبعته عظيمة، فبسببه ينبت الجسد على سحت، ويمتنع قبول الدعاء. وإن التخلص منه في الآخرة ليس بالأمر اليسير، لما جبلت عليه النفوس من حب المال والميل إليه.
11 -
إن الهوى والشهوة ليسا مسوغا للاختيار بين الأقوال فيما اختلف فيه، ومتى اشتهر ذلك بين الناس، أمكن حملهم على ما يصلحهم، تبعا للسياسة الشرعية.
12 -
إن التميز، والتحرر من التقليد، والتبعية، أمر مطلوب للبنوك الإسلامية، لتصل إلى هدفها، وذلك معلوم من مقاصد الشارع الحكيم، فإن الشارع الحكيم قد قصد إلى تمييز الخبيث من الطيب، فنهى عن مشاكلة الكفار في هديهم في شعائر العبادة: كالصلاة والحج، وهيئتهم: كاللباس ونحوه، وعادتهم: كالسلام ونحوه، وغير ذلك، وشرع لهم ما يتميزون به مما ليس مجال تفصيله هاهنا.
13 -
إن الإلمام بمقاصد الشارع الحكيم، وأصول الفقه، وقواعده والاستهداء بها، وابتناء الأحكام عليها، لهو أمر لا تستقيم الدراسات الشرعية دونه، خاصة فيما سبيله الفقه منه.
وإن من استهداء البنوك الإسلامية، ومنظريها، بمقاصد الشارع الحكيم عدم التساهل في الربا، فإن الشارع الحكيم لما قصد إلى حرب الربا، قصد إلى تضييق مسالكه، وسد ذرائعه. وخير سبيل لمن كانت غايته حرب الربا لهي سبيل الشارع الحكيم هذه.
14 -
إن البنك الإسلامي ليصل إلى غايته يلزم له رقابة شرعية تقية، ورعة فيما موضوعه الربا خاصة، فذلك مقتضى هدف البنك الإسلامي، وغايته التي أعلنها، فإنه لا معنى لقيامه، ولا لما أعلنه من مبادئ إن هو في الآخرة وقع في الربا وشبهته بدعوى الاجتهاد. فليس ذلك غاية البنك الإسلامي التي قام لأجلها، كما أن الوصول إلى القول بإباحة كثير من مسائل الربا بدعوى الاجتهاد ممكن، دون حاجة لقيام البنك الإسلامي.
15 -
إن النظام المصرفي المعقد، ينجم منه إشكالات توقع في كثير من المحاذير، وإن مما يجنب الناس هذه المحاذير استثمارهم أموالهم بطرقهم الخاصة، جماعات كانوا على هيئة شركاء أو فرادي.
فينبغي توجيه الناس لهذا، ففيه إسهام في الجانب الإيجابي، من خلال توجيه الأموال لأوجه من النشاط والتنمية ليست في مقدور المصارف - وإن كانت إسلامية - توجيهها إليها، وإسهامها فيها.
وفيه حجب للمال عن الجانب السلبي، وهو الإيداع لدى البنوك وما يترتب عليه من آثار.
16 -
وختاما أوصي بالمعروف فإن من سمات المعاملة في الإسلام، وهو ظاهر فيما ندب إليه الشارع الحكيم من القرض الحسن، والعارية، والمنيحة، فينبغي التواصي به على مستوى الأفراد والمؤسسات ليترفع الناس عن الحرص على الاعتياض حتى فيما من شأنه أن يوقع في الربا أو شبهته.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه