الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رفع الحرج في الشريعة الإسلامية دراسة أصولية تأصيلية
المؤلف/ المشرف:
يعقوب عبدالوهاب الباحسين
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مكتبة الرشد - الرياض ̈الثالثة
سنة الطبع:
1420هـ
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
رفع الحرج
وبعد هذه الجولة في رحاب هذا الموضوع، نختم رسالتنا بالفقرات الآتية:
1.
إن رفع الحرج الذي هو منع وقوع أو بقاء ما أوقع مشقة زائدة عن المعتاد على بدن العبد، أو نفسه، أو عليهما معا في الدنيا أو الآخرة، أو فيهما معا، حالا أو مآلا، غير معارض بما هو أشد منه، أو بما يتعلق به حق للغير مساو له أو أكثر منه، نقول إن رفع الحرج بهذا المعنى هو ما تواترت الأدلة على صحته، وأثبتت الأحكام الشرعية على نهجه وطريقته.
2.
وإن الشارع الحكيم قد سلك في تحقيق هذا المعنى ثلاثة سبل:
أ- السبيل الأول: هو رفع الحرج ابتداء، بعدم وضع تكاليف ليست في طاقة الإنسان، سواء كان ذلك بمنع التكليف بما لا يطيق، أم بعدم تكليف من لم يكن أهلا، أم بإعفائنا من أحكام شديدة قاسية كانت على الأمم التي سبقتنا، وعلى ذلك انبنت مباحث التكليف بما لا يطاق، واشتراط الأهلية، والعلم بما كلف به، وغيرها.
ب- السبيل الثاني: هو رفع الحرج الطارئ لوجود أعذار طارئة صيرت الحكم الذي كان مقدورا للإنسان الطبيعي غير مقدور له بعد طروء العذر، وذلك بالتخفيف عنه في تلك الحالات، كما هو الشأن في الرخصة إذا ما تحققت الأعذار المشار إليها، والتي هي من أسباب المشقة، كالضرورة، والحاجة، والسفر، والمرض، وغيرها
…
وعلى هذا الأساس انبنت أحكام الرخصة، وبعض القواعد الفقهية، كالمشقة تجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات، وغيرها.
والحرج في هذه الحالة لم يقع، بل منع وقوعه أصلا بهذا التخفيف، فالطروء في الحقيقة وصف للعذر، أما الحرج فإنه لم يطرء بالفعل، ما دام سبب التخفيف قائما يؤتي ثمراته في الترخيص.
ج- السبيل الثالث: هو رفع الحرج بتدارك ما وقع منه، أي إن حالة المشقة قد حصلت، ولكن الشارع أوجد لمن حلت به هذه المشقة مخرجا منها، وعلى ذلك انبنت قواعد كثيرة، كقاعدة التوبة، والإسلام يجب ما قبله، والكفارات، وضمان المتلفات، ورد المظالم، وما شابهها مما طالب الشارع به العباد.
3.
إن رفع الحرج لم يكن وصفا قائما لأحكام موجودة بالفعل فقط، بل هو بالإضافة إلى ذلك نبراس يستضيء به المجتهد في استنباط الأحكام، وفي الترجيح بين الأدلة والعلل. وقد بينا بالدليل أن ما أثير من اعتراض حول عدم صلاحية رفع الحرج لذلك، بسبب عدم انضباطه، مما يمكن رده ومناقشته. وذكرنا أن للحرج بواعث وأسباب، منها ما ضبطها الشارع بنفسه، ومنها ما يمكن ضبطه بالعرف، أو التقريب من منهج الشارع في ذلك، وأوضحنا أن استقراء صنيع العلماء في كتبهم كشف عن أن رفع الحرج عمل في ثلاثة ميداين:
أ- الميدان الأول: في تعليل الأحكام الشرعية، لغرض بيان ما فيها من حكم ومصالح.
ب- الميدان الثاني: في بناء الأحكام الشرعية عليه، سواء كان ذلك ابتداء كما هو الشأن في المصالح المرسلة، وبعض مجالات العرف، أم استثناء، كما هو الشأن في الاستحسان، والعرف، والمصالح المرسلة أيضا، وكما هو الشأن في بعض القواعد الفقهية، كقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وغيرها مما أشرنا إليه سابقا.
ج- الميدان الثالث: في ترجيح الأحكام والعلل المتعارضة فيما بينها، مما انبنى عليه القول بالأخذ بالأخف، أو ترجح العلل النافية للحد على الموجبة له، والموجبة لحكم أخف على ما أوجبت حكما أشد.
4.
وأنه بناء على ما ثبت من ابتناء الشريعة على رفع الحرج، وإجماع الأمة على أن جميع ما فيها من الأحكام كان لصالح العباد، لم يصح القول بأن يعارض به النص القطعي، وذلك لأن رفع الحرج -وإن كان قد ثبت بالدليل القاطع- إلا أن تحققه في أفراد جزئياته لا قطع فيه إلا في مجالات محددة، وهو في هذه المجالات لا يعتبر معارضا للنص حقيقة، لأن استثناءه لم يرد اعتباطا، بل ثبت بالنصوص الشرعية نفسها.
ولكن متى تحقق الحرج في مجالات أخف من مواضع الضرورة، فإنه لا يجوز أن يعارض به غير الأمور المظنونة التي لم تعضدها قواعد شرعية معتبرة، ومن أجل هذا رجحنا العمل به في هذا الميدان، ورجحناه في بعض مجالاته أيضا على القياس.
5.
وإن رفع الحرج لا علاقة له ببعض المبادئ القانونية، كالقانون الطبيعي، ومبدأ العدالة، لاختلاف حقائقها عن حقيقته، ولأن هذه المبادئ ليست من القوانين، وإنما هي شيء خارج عنها يكمل ما فيها من نقص، أما رفع الحرج فهو من صلب القانون الإسلامي، والعمل به عمل بنصوصه.
6.
وقد كشفنا في هذه الرسالة عن أن كثيرا من الأدلة المختلف في شأنها، لا خلاف فيها لدى التحقيق، وأنها تستند إلى رفع الحرج في الشرع عند التأمل.
وقد لاحظنا أنها في الحقيقة أشبه بالقوانين والقواعد الموضوعة لضبط الحرج وتحديده، وإنها مرتبطة فيما بينها ترابطا قويا، وإن كانت متناثرة في الكتب ذات المناهج والمسالك المختلفة، من كلام، وأصول، وقواعد، وفقه.
وعملنا في هذه الرسالة على جمعها في عقد واحد، وتنسيق ما بينها من عمل واختصاص، وعلى سبيل المثال نذكر ما حددنا، من علاقات بين قاعدة الأصل في المنافع الحل وفي المضار التحريم، ودليل المصلحة المرسلة وبين قواعد الضرورة والمشقة ودليلي العرف والاستحسان، وبين عوارض الأهلية، وأسباب المشقة والرخص وما شابه ذلك من الأمور.
وقد اجتذبنا من علم الكلام بعض قواعده، وأدخلناها في هذا المجال، نظرا لعلاقتها المباشرة به، كما كان الشأن في قاعدة التوبة، سواء كانت من المسلم أم من الكافر.
وبعد فهذه هي حصيلة جهدي، وما استطعت أن أقوم به من عمل، ولا يكلف الله نفسها إلا وسعها، فلله الحمد ثانية على ما أولاني من نعمه، وأسبغ علي من فضله وكرمه، وأرجو أن يعفو عني ويغفر لي ذنبي ويسدد خطاي، ويوفقني إلى ما فيه الخير، إنه سميع مجيب الدعاء.