الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سد الذرائع عند شيخ الإسلام ابن تيمية
المؤلف/ المشرف:
إبراهيم بن مهنا المهنا
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الفضيلة - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1424هـ
تصنيف رئيس:
أصول فقه
تصنيف فرعي:
سد الذرائع
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وأشكره على أن وفقني على إتمام هذا الجهد العلمي المبارك والذي أتاح أن أعيش في سويداء المكتبة التيمية قرابة أربع سنوات ولقد تمكنت ولله الحمد والمنة من قراءة كتب شيخ الإسلام بعضها قراءة دقيقة وبتمعن وبعضها قراءة استطلاع ونظر، وكنت حريصا على تدوني كل ما أجده يخدم البحث ولو من بعيد فجمعت نصوصا كثيرة لشيخ الإسلام تكلم فيها عن الذرائع.
وكان من أعظم ثمرات هذا الوقت في المكتبة التيمية أنني خرجت بتصور كبير ينشرح له الصدر عن الذرائع ما يسد منها وما يفتح وما هو ذريعة وما هو سبب أو مقتضى ومتى تجتمع الذريعة والحيلة ومتى يفترقان وغير ذلك مما له صلة بالذرائع.
وما من بحث إلا ويكون له نتائج وتوصيات ولله الحمد والمنة قد وفقت في بعض النتائج والتوصيات في هذا البحث.
أولا: نتائج عامة من قراءة كتب شيخ الإسلام.
1ـ ظهر شيخ الإسلام في عصر كثرت فيه الطوائف المنحرفة فدافع عن عقيدة السلف مما عرضه إلى محن كثيرة بسبب ذلك وكان لمناظراته مع هذه الطوائف أثر في بيان شخصيته العلمية وقدرته على الاحتجاج ورد الشبه المثارة.
2ـ قضى شيخ الإسلام حياته كلها مشغولا بالعلم والدروس والتدريس والإفتاء والدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد.
3ـ إن لشيخ الإسلام شخصية علمية قوية في مجال البحث والترجيح ووضوح
الفكرة ذات تأثير قوي منه على من حضر دروسه، أو اطلع على مؤلفاته، أو عايش فكره وفقهه وعلمه.
4ـ إن شيخ الإسلام ابن تيمية كان إماما في بيان عقيدة السلف الخالصة النقية وإماما في التفسير وإماما في علوم الحديث وإماما في الفقه وأصوله.
5ـ جعل شيخ الإسلام ابن تيمية من فقهه مجالا للدعوة والتوجيه فلقد تخلل فقهه جوانب هامة في العقيدة والتربية جعل منها وسيلة وأداة لإصلاح أحوال الناس بدلا مما هو متعارف عليه عند بعض الفقهاء من تقدم الفقه على شكل مادة علمية مستقلة.
6ـ قيام شيخ الإسلام على جانب الإصلاح ورعاية المصالح فهو حريص على مراعاة ذلك في فتاواه الفقهية دون إخلال بتعاليم الشريعة وهو ليس بدعا في هذا فقد صنع العز بن السلام ذلك في كتابه قواعد الأحكام حيث رد الأحكام الشرعية كلها إلى قاعدة رعاية المصلحة.
ثانيا: النتائج الخاصة بالبحث.
1ـ صحة إطلاق مصطلح الأصل، والدليل والقاعدة على سد الذرائع، وأنه أقرب ما يكون إلى القاعدة الأصولية.
2ـ إن عدم التزام علماء الأصول الذين تحدثوا عن سد الذريعة أثناء كلامهم عنها بإطلاق واحد فتارة عليها أصلا، وتارة أطلقوا عليها دليلا، وتارة أطلقوا عليها قاعدة، فهذا ناتج من اعتبارهم أن هذه معاني مترادفة. في بعض المواطن.
3ـ إن قاعدة سد الذرائع معمول بها عند جميع المذاهب عدا الظاهرية فإنهم يمنعون العمل بالذرائع.
4ـ إن الذريعة التي تفضي إلى المفسدة قطعا يجب سدها بالإجماع والتي تفضي إلى المفسدة نادرا ملغاة بالإجماع.
5ـ إن الذريعة التي تفضي إلى المفسدة غالبا، أو كثيرا فقد قال بسدها المالكية والحنابلة وخالفهم فيها الحنفية والشافعية فالعمل بسد هذا القسم منوط ينظر المجتهد كان الفعل الذي عليه الناس يؤدي إلى المفسدة كثيرا أو غالبا في ذلك العصر الذي يفعل فيه فإن المالكية يمنعون هذا الفعل مع إباحته في أصله وذلك لأنهم نظروا إلى مآل هذا الفعل وأنه يؤدي إلى المفسدة، ونظروا أيضا إلى كثرة وقوعه؛ فيمنعونه سدا للذريعة حتى لا يتوصل بهذا الفعل المباح أمر محرم.
6ـ إن أقوى المذاهب إعمالا لسد الذرائع المؤدية إلى الفساد هم المالكية، فهم في أعلى درجات الأخذ بسد هذه الذرائع، والشافعية في أدنى درجات الأخذ بها، والحنابلة أقرب للمالكية، والحنفية أقرب للشافعية.
7ـ إن بعض المسائل الفرعية التي حكمت بمنعها بعض المذاهب أرجع ذلك لسد الذرائع ونجد أن بعض المذاهب الأخرى حكمت عليها بالسد من باب آخر كالاستحسان؛ أو المصالح؛ أو غيرها – أي منعها استحسانا وسدها من باب المصلحة.
8ـ إن الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول بسد الذرائع إذا كان الفعل المتذرع به لازم لحصول محرم فهنا الذريعة، أما إذا انتفي هذا اللزوم فإن الإمام الشافعي لا يعمل هذه القاعدة فهو يحكم على هذا الفعل أنه حرام ديانة، ويصححه قضاء إذا كانت النية إلى الحرام لدى المتعاقدين موجودة حال العقد وأخفوها.
9ـ إن أكثر علماء الشافعية إيضاحا لموقف الإمام الشافعي – رحمه الله – لقاعدة سد الذرائع، هو الإمام تقي الدين السبكي – رحمه الله – وذلك في إكماله كتاب المجموع للنووي.
10ـ تبين أن الإمام ابن الرفعة – رحمه الله – ليس له تقسيمات للذريعة كما ذكر الإمام الشوكاني – رحمه الله – وتبعه في ذلك كثير من الباحثين، إنما كلامه على بعض المسائل الفرعية وتخريجات في المذهب؛ ولم يزد على أن ذكر أن للإمام الشافعي قولين في قاعدة سد الذرائع بناء على نصه في إحياء الأرض الموات.
2ـ نتائج الباب الثاني:
1ـ الاهتمام الكبير لشيخ الإسلام بسد الذرائع
2ـ إن من أقوى الدوافع التي جعلت شيخ الإسلام ابن تيمية يتمسك بقاعدة سد الذرائع.
أـ كثرة الأهواء والبدع في عصره.
ب ـ كثرة وجود الحيل.
ج ـ الموازنة بين المصالح والمفاسد.
3ـ يرى شيخ الإسلام – رحمه الله – أن من أهم الأسباب التي أوقعت الناس في الحيل هي:
1ـ ظلم الناس لأنفسهم بارتكاب المحرمات وترك الواجبات.
2ـ الجهل في دين الله تعالى مما جعلهم يحرمون ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله.
3ـ شيوع الفقه الافتراضي في عصره في مسائل الحيل وكيفية الخروج منها بأي طريق.
4ـ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن من أقوى الفروق بين الذريعة والحيلة هو: جانب القصد، فإن الذريعة قد تفضي إلى الأمر المحرم ولكن دون قصد من المكلف، أما الحيلة، فإن المكلف قصد من وجودها الوصول إلى الأمر المحرم.
5ـ يرى شيخ الإسلام أن الحيل أعم من الذرائع، أي أن الحيل تكون بالذريعة وتكون بأسباب أخرى.
6ـ يرى شيخ الإسلام أن سد الذرائع حماية لمقاصد الشارع، وتوثيق للأصل العام الذي قامت عليه الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد، وحماية مقصد الشارع من أعظم المقاصد.
7ـ قسم شيخ الإسلام الذرائع إلى أربعة أقسام هي:
1ـ ذرائع تفضي إلى المفسدة غالبا.
2ـ ذرائع تحتمل الإفضاء إلى المفسدة وتحتمل عدم الإفضاء إلى المفسدة، ولكن الطبع متقاض لإفضائها إلى المفسدة.
3ـ ذرائع تفضي إلى مفسدة راجحة على ما فيها من مصلحة.
4ـ ذرائع تفضي إلى مصلحة راجحة على ما فيها من مفسدة.
8ـ نظر شيخ الإسلام في إعماله لسد الذرائع إلى المآل الذي تؤول إليه الذريعة.
9ـ تبين من خلال البحث خطأ بعض الباحثين في جعلهم الفرق الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بين الذريعة والحيلة أقساما للذريعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية.
10ـ إن منهج شيخ الإسلام – رحمه الله – عند تزاحم الذرائع هو:
1ـ النظر إلى المتعارضات من حيث قوتها وضعفها.
2ـ مدى مصلحة المكلف في ترجيحه لأي من هذه المتعارضات.
11ـ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن الواجب على المجتهد عند وجود التزاحم هو:
1ـ إذا تزاحمت مصلحه مع مصلحه ولا يمكن الجمع بينهما فالواجب على المجتهد اختيار الأصلح منهما من جهة قدر ثواب المصلحة ومن جهة صلاحها للمكلف.
2ـ إذا تزاحمت مفسدة مع مفسدة وجب درء المفسدة العظيمة بارتكاب المفسدة الدنيا من جانب عظم الإثم ومن جانب المفسدة على المكلف، وشيخ الإسلام يرى أن المفسدة الدنيا عند ارتكابها تسمى مصلحه حيث أنها الأصلح للمكلف بتركها المفسدة الأشد، وهذا يسمى بفتح الذرائع.
3ـ أما إذا ازدحمت مصلحه مع مفسدة فالواجب الموازنة بين المصلحة والمفسدة فإن كانت المصلحة أفضل من جهة ثوابها وصلاحها للمكلف وجب اختيارها وإهمال المفسدة الناتجة عنها وهذا ما يسمى أيضا بفتح الذرائع، بل ذكر شيخ الإسلام: أن الأمر إذا حرم سدا للذريعة وعارضته مصلحه راجحة فإنه يباح للمصلحة الراجحة.
4ـ أما إذا كانت راجحة على المصلحة من جانب الإثم ومن جانب أثرها على المكلف فالواجب إهمال المصلحة وسد ذريعة المفسدة.
12ـ ظهر لي أن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لا يرى التساوي بين المصلحة والمفسدة تساويا لا يمكن فيه ترجيح بعضها على بعض، فهو يرى أن المجتهد ينبغي عليه النظر إلى المصالح والمفاسد من حيث الثواب والعقاب وصلاحية ذلك للمكلف، فإذا دقق النظر في هذين الطريقين مع سعة علمه بالشرع وعلمه بمقاصده، فإنه لا بد أن يظهر له ترجيح المصلحة على المفسدة؛ أو المفسدة على المصلحة.
13ـ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الفعل الذي يمنع سدا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة.
14ـ ظهر لي أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو أكثر العلماء توضيحا وتأصيلا لقاعدة سد الذرائع على من أتى بعده.
15ـ ظهر لي خطأ بعض الباحثين الذين وضعوا أقساما للذريعة عند الإمام الشاطبي وإن ما ذكروه في الحقيقة هي أقسام للفعل المأذون فيه المؤدي إلى ضرر.
3ـ نتائج الباب الثالث.
1ـ أن سد الذرائع داخل تحت اعتبار المصلحة حيث إن كل مسألة تمنع سدا للذريعة نكون بذلك أعملنا المصلحة. فالعمل بسد الذرائع يفضي إلى المحافظة على المصالح حيث إننا إذا أغفلنا الباب أمام كل مفسدة نكون بذلك فتحنا الباب للمصلحة وأعملناها. فلذلك نجد أن الأمثلة التي تضرب للمصلحة، وسد الذرائع متقاربة إن لم تكن متطابقة.
2ـ أن مجال سد الذرائع أعم وأشمل عند تطبيقه من المصالح المرسلة؛ حيث إن سد الذرائع داخل في العبادات والمعاملات، أما المصلحة المرسلة فإنها عامة في المعاملات وقاصرة على الأسباب والشروط والموانع في العبادات.
3ـ إن كل فعل تسد فيه الذريعة يكون فيه مصلحة وليس كل مصلحة يكون فيها سد الذرائع.
4ـ إن من أقر العمل بالاحتياط يلزمه العمل بسد الذرائع، وذلك لقوة العلاقة بين القاعدتين.
5ـ فرق شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بين ما لا يتم الوجوب إلا به وما لا يتم الواجب إلا به، فإن ما لا يتم الوجوب إلا به ليس بواجب، حيث إن الواجب لا يتحقق على المكلف إلا بوجود الشروط والأسباب وتحصيل الشروط والأسباب ليس واجبا على المكلف، أما إذا تحقق الوجوب باكتمال الأسباب والشروط للمكلف فإن الفعل يصبح واجبا، وكل ما يلزم لتحقيق هذا الواجب يكون واجبا وهذا الضابط الذي خرج به شيخ الإسلام ابن تيمية وإن خالف فيه البعض.
ثالثا التوصيات.
1ـ عمل دراسة علمية مفضلة وشاملة عن موقف الأحناف والشافعية من قاعدة سد الذرائع وتكون الدراسة مستوعبة ومفصلة وممحصة لكل ما ذكروه في ذلك لأهميته.
2ـ عمل دراسة علمية عن المقاصد عند شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث أنه أولاها اهتماما واسعا في فقهه بل إن كثيرا من تقريراته، واختياراته كانت النظرة فيها منصبة على الشارع.
3ـ تبني الجامعات والمراكز العلمية عمل دراسات علمية عن الأصول التي لم تبحث عند شيخ الإسلام ابن تيمية، وذلك لأهميته العلمية، ولاختياراته التي ينفرد بها أحيانا عن كثير من العلماء ولبسطه الموسع للمسائل والأصول التي يبحثها مما يحتاج إلى جمع ومقارنة مع رأي غيره من سائر العلماء حتى يبرز فقه هذا العالم الفذ، ويظهر علمه واختياراته بشكل موسع. والله أعلم
وفي الختام أختم بحثي بالحمد لله كما بدأته ببسم الله، فهذا جهد المقل أقدمه، فما كان فيه من صواب فمن الله وهو المحمود على توفيقه، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله منه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.