الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما ما ورد فى أكله وشربه ونومه وضحكه وعبادته
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ من الأكل والشرب بالأقل، واعتمد من ذلك على ما يمسك الرّمق ويسدّ الخلّة، وقد جاءت الأخبار الصحيحة بذلك، ولم تزل العرب والحكماء تتمادح بقلتهما وتذم بكثرتهما؛ لأن كثرة الأكل والشرب دليل على النّهم والحرص والشّره، وقلة ذلك دليل على القناعة وملك النفس وقمع الشهوة. وقد روينا بإسناد متصل عن المقدام بن معدى كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» . ولأن كثرة النوم من كثرة الأكل والشرب. وقد روى عنه عليه السلام أنه كان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف؛ أى كثرة الأيدى «1» . وعن عائشة رضى الله عنها قالت: لم يمتلئ جوف النبى صلى الله عليه وسلم شبعا قط، وإنه كان فى أهله ولا يسألهم طعاما ولا يتشهاه، إن أطعموه أكل، وما أطعموه قبل، وما سقوه شرب.
قال أهل العلم: ولا يعترض على هذا بحديث بريرة، وقوله صلى الله عليه وسلم:
«ألم أر البرمة فيها لحم» ؟ إذ لعل سبب سؤاله ظنّه اعتقادهم أنه لا يحل له، فأراد بيان سنته، إذ رآهم لم يقدّموا إليه مع علمه أنهم لا يستأثرون به عليه، فصدق عليهم ظنه، وبين لهم ما جهلوه من أمره، بقوله:«هو لها صدقة ولنا هدية» . وكان جلوسه صلى الله عليه وسلم للأكل جلوس المستوفز «2» ، مقعيا، ويقول:«إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» . وفى حديث صحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «أما أنا فلا آكل متكئا» وليس معنى الاتّكاء
عند المحققين الميل على شقّ، وإنما الاتكاء هو التمكن للأكل، والتقعدد فى الجلوس له، كالمترّبع وشبهه من تمكن الجلسات التى يعتمد فيها الجالس على ما تحته، والجالس على هذه الهيئة يستدعى الأكل ويستكثر منه، وكان صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع الطّعام من بين يديه قال: «الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا مسلمين» . وفى رواية يقول: «الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مودّع «1» ولا مستغنى عنه ربّنا» . وكان لا يأكل على خوان «2» ، ولا يمتنع من مباح، ولا يتأنّق فى مأكل، يأكل ما وجد، إن وجد تمرا أكله، أو خبزا أكله أو شواء أكله، وإن وجد لبنا اكتفى به، ولم يأكل خبزا مرقفا «3» ، وأكل صلى الله عليه وسلم الخبز بالخل وقال:«نعم الإدام الخل» وأكل لحم الدجاج ولحم الحبارى «4» .
وكان يحب الدّبّاء «5» ويأكله، ويعجبه الذّراع من الشاة، وقال:«إن أطيب اللحم لحم الظّهر» وقال: «كلوا الزيت وادّهنوا به فإنه من شجرة مباركة» وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهنّ، وأكل صلى الله عليه وسلم خبز الشعير بالتمر، وقال:
«هذا أدم هذا» وأكل البطيخ بالرّطب والقثّاء بالرّطب والتّمر بالزّبد، وكان يحب الحلواء والعسل، وكان يشرب قاعدا، وربما شرب قائما، ويتنفس ثلاثا وإذا فضلت منه فضلة وأراد أن يسقيها بدأ بمن عن يمينه، وشرب صلى الله عليه وسلم لبنا، وقال:«من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه» وقال: «ليس شىء يجزى مكان الطعام والشراب غير اللبن» .