الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأفرغها فى قدح فتوضأنا كلنا، ندغفقه دغفقة أربع عشرة «1» مائة. وفى حديث غزوة تبوك، وما أصاب الناس من العطش، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى أرسل سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجتهم من الماء، وقد تقدّم ذكره. ومن طريق آخر فى هذه القصة عن عمر: وذكر ما أصابهم من العطش فى جيش العسرة، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، فرغب أبو بكر رضى الله عنه إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الدّعاء، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت «2» السماء، فانسكبت فملأوا ما معهم من آنية، ولم يجاوز العسكر.
والحديث فى هذا الباب كثير.
وأما تكثير الطعام ببركته ودعائه صلى الله عليه وسلم
فقد روينا من ذلك أحاديث كثيرة بأسانيد صحيحة متّصلة، رأينا حذفها هاهنا اختصارا لاشتهارها وانتشارها، منها ما رويناه عن جابر رضى الله عنه: أن رجلا أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كاله، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال:«لو لم تكله لأكلتم منه وقام بكم» . ومن ذلك حديث أبى طلحة المشهور، وإطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين أو سبعين رجلا من أقراص من شعير جاء بها أنس تحت يده- أى إبطه- فأمر بها ففتّت، وقال فيها ما شاء الله أن يقول. وحديث جابر- رضى الله عنه- فى إطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير، وعناق «3» ، قال جابر: فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا»
، وإن
برمتنا لتغطّ «1» كما هى، وإن عجيننا ليخبز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصق فى العجين والبرمة وبارك. ومن ذلك حديث أبى أيوب الأنصارى: أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى بكر رضى الله عنه من الطعام زهاء «2» ما يكفيهما، فقال له النبى الله صلى الله عليه وسلم:«ادع ثلاثين من أشراف الأنصار» فدعاهم فأكلوا حتى تركوه، ثم قال:«ادع ستين» فكان مثل ذلك، ثم قال:«ادع سبعين» فأكلوا حتى تركوا، وما خرج منهم أحد حتى أسلم وبايع، قال أبو أيوب: فأكل من طعامى مائة وثمانون رجلا. وعن سمرة بن جندب قال: أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها لحم فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون.
ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما قال: كنا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، وذكر فى الحديث: عجن صاع من طعام، وصنعت شاة فشوى سواد «3» بطنها، قال: وأيم الله ما من الثلاثين والمائة إلا وقد حزّله حزّة من سواد بطنها، ثم جعل منها قصعتان فأكلنا أجمعون، وفضل فى القصعتين فحملته على البعير. ومن ذلك حديث عمر بن الخطاب، وأبى هريرة وسلمة بن الأكوع رضى الله عنهم، فذكروا مخمصة أصابت الناس مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى بعض مغازيه، فدعا ببقية الأزواد، فجاء الرجل بالحثية من الطعام وفوق ذلك، وأعلاهم الذى أتى بالصّاع من التمر، فجمعه على نطع، قال سلمة: فحزرته كربضة «4» البعير، ثم دعا الناس بأوعيتهم، فما بقى فى الجيش وعاء إلا ملأوه وبقى منه. وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدعو له أهل الصّفّة فتتّبعتهم حتى جمعتهم، فوضعت بين أيدينا صحفة فأكلنا ما شئنا وفرغنا، وهى مثلها
حين وضعت، إلا أن فيها أثر الأصابع. وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب وكانوا أربعين، منهم قوم يأكلون الجذعة ويشربون الفرق «1» فصنع لهم مدّا من طعام، فأكلوا حتى شبعوا وبقى كما هو، ثم دعا بعسّ «2» فشربوا حتى رووا وبقى كأنه لم يشرب. وقال أنس ابن مالك: إن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما ابتنى بزينب أمره أن يدعو له قوما سمّاهم، وكل من لقيت حتى امتلأ البيت والحجرة، وقدّم إليهم تورا «3» فيه قدر مدّ من تمر جعل حيسا «4» ، فوضعه قدّامه وغمس ثلاث أصابعه، وجعل القوم يتغدّون ويخرجون، وبقى التور نحوا مما كان، وكان القوم أحدا أو اثنين وسبعين.
وفى رواية أخرى فى هذه القصة أو مثلها: أن القوم كانوا زهاء ثلاثمائة، وأنهم أكلوا حتى شبعوا، وقال لى:«ارفع» فلا أدرى حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت. وفى حديث جعفر بن محمد عن آله، عن على رضى الله عنهم أن فاطمة رضى الله عنها طبخت قدرا لغدائها، ووجهت عليّا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ليتغدّى معها، فأمرها فغرفت منها لجميع نسائه صحفة صحفة، ثم له عليه السلام ولعلىّ، ثم لها، ثم رفعت القدر، وإنها لتفيض، قالت: فأكلنا منها ما شاء الله.
ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يزوّد أربعمائة راكب من أحمس، فقال: يا رسول الله، ما هى إلا أصوع، قال:
«اذهب» فذهب فزوّدهم منه، وكان قدر الفصيل الرّابض من التمر وبقى بحاله.
ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه فى دين أبيه، وقد كان بذل لغرماء أبيه أصل ما له فلم يقبلوه، ولم يكن فى ثمرها سنين كفاف دينهم، فأمره النبى صلى الله عليه وسلم بجذّها وجعلها بيادر «1» في أصولها، ثم جاءه فمشى فيها ودعا، فأوفى جابر غرماء أبيه من ذلك، وفضل مثل ما كانوا يجذّون كل سنة. وفى رواية: مثل ما أعطاهم. قال: وكان الغرماء يهودا فعجبوا من ذلك. وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: أصاب الناس مخمصة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل من شىء» ؟
قلت: نعم، شىء من التمر فى المزود، قال:«فأتنى به» فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها، ودعا بالبركة، ثم قال:«ادع لى عشرة» فأكلوا حتى شبعوا، ثم عشرة كذلك، حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا، قال:«خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبض منه ولا تكبّه» فقبضت على أكثر مما جئت به فأكلت منه وأطعمت منه «2» حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر، إلى أن قتل عثمان فانتهب منى فذهب. وفى رواية: فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق فى سبيل الله. وذكر مثل هذه الحكاية فى غزوة تبوك، وأن التمر كان بضع عشرة تمرة. ومنه أيضا حديث أبى هريرة رضى الله عنه حين أصابه الجوع، فاستتبعه النبى صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا فى قدح قد أهدى إليه، وأمره أن يدعو أهل الصّفّة، قال فقلت: ما هذا اللبن «3» فيهم! كنت أحقّ أن أصيب منه شربة أتقوّى بها، فدعوتهم، وذكر أمر النبى صلى الله عليه وسلم له أن يسقيهم، قال: فجعلت أعطى الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يأخذ الآخر حتى روى جميعهم، فأخذ النبى