الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألم تر الجنّ وإبلاسها
…
ويأسها بعد وإبلاسها «1»
ولخوقها بالقلاص وأحلاسها
…
ويأسها بعد من أنساكها «2»
قال عمر: صدق، بينا أنا نائم عند آلهتهم، إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ منه صارخ لم أسمع صارخا قطّ أشدّ صوتا منه يقول: يا جليح «3» ، أمر نجيح، رجل يصيح، يقول لا إله إلا الله، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل يصيح، يقول لا إله إلا الله، فقلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل يصيح، يقول لا إله إلا الله. فقمت فما نشبت أن قيل هذا نبىّ.
قال البيهقىّ: ظاهر هذه الرواية يوهم أنّ عمر رضى الله عنه بنفسه سمع الصّارخ يصرخ من العجل الذى ذبح، وكذلك هو صريح فى رواية ضعيفة عن عمر فى إسلامه، وسائر الروايات تدل على أن الكاهن أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه، والله تعالى أعلم.
ذكر خبر سواد بن قارب
روى البيهقىّ رحمه الله تعالى بسنده عن البراء، قال: بينما عمر بن الخطاب رضى الله عنه يخطب الناس على منبر النبىّ صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: أيها الناس، أفيكم سواد بن قارب؟ قال: فلم يجبه أحد تلك السّنة، فلما كانت السّنة المقبلة،
قال: أيها الناس، أفيكم سواد بن قارب؟ قال فقلت: يا أمير المؤمنين، وما سواد ابن قارب؟ فقال: إنّ سواد بن قارب كان بدء إسلامه شيئا عجيبا! قال:
فبينا نحن كذلك؛ إذ طلع سواد بن قارب، فقال له عمر: يا سواد، أخبرنى ببدء إسلامك كيف كان؟ قال سواد: فإنّى كنت نازلا بالهند وكان لى رئىّ من الجنّ، قال: فبينا أنا ذات ليلة نائم؛ إذ جاءنى فى منامى ذلك، قال: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل، قد بعث رسول من لؤىّ بن غالب، ثم أنشأ يقول:
عجبت للجنّ وأنجاسها
…
وشدّها العيس بأحلاسها «1»
تهوى إلى مكّة تبغى الهدى
…
ما مؤمنوها مثل أرجاسها
فانهض إلى الصّفوة من هاشم
…
واسم بعينيك إلى راسها
ثم أنبهنى وأفزعنى، وقال: يا سواد بن قارب، إنّ الله عز وجل بعث نبيا فانهض إليه تهتد وترشد، فلما كان فى الليلة الثانية أتانى فأنبهنى، ثم أنشا يقول كذلك:
عجبت للجنّ وتطلابها
…
وشدّها العيس بأقتابها
تهوى إلى مكة تبغى الهدى
…
ليس قداماها كأذنابها «2»
فانهض إلى الصّفوة من هاشم
…
واسم بعينيك إلى نابها «3»
فلما كان فى الليلة الثالثة أتانى فأنبهنى، ثم قال كذلك:
عجبت للجنّ وتخبارها
…
وشدّها العيس بأكوارها
تهوى إلى مكة تبغى الهدى
…
ليس ذوو الشّرّ كأخيارها «1»
فانهض إلى الصّفود من هاشم
…
ما مؤمنو الجنّ ككفّارها
قال: فلما سمعته يكرر ليلة بعد ليلة وقع فى قلبى حبّ الإسلام من أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم ما شاء الله، فانطلقت إلى رحلى فشددته على راحلتى، فما حللت نسعة «2» ولا عقدت أخرى حتى أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بالمدينة والناس عليه كعرف الفرس «3» ، فلما رآنى قال:«مرحبا بك يا سواد بن قارب، قد علمنا ما جاء بك» قال قلت: يا رسول الله قد قلت شعرا فاسمعه منى، قال سواد فقلت:
أتانى رئيىّ بعد ليل وهجعة
…
ولم يك فيما قد بلوت بكاذب «4»
ثلاث ليال قوله كلّ ليلة
…
أتاك نبىّ من لؤىّ بن غالب
فشمّرت عن ساقى الإزار ووسّطت
…
بى الذّعلب الوجناء عند السّباسب «5»
فأشهد أنّ الله لا شىء غيره
…
وأنّك مأمون على كلّ غائب
وأنّك أدنى المرسلين شفاعة
…
إلى الله يابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى
…
وإن كان فيما جاء شيب الذّوائب «1»
فكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة
…
سواك بمغن عن سواد بن قارب «2»
قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه «3» ، وقال لى:
«أفلحت يا سواد» فقال عمر: هل يأتيك رئيّك الآن؟ فقال: منذ قرأت القرآن لم يأتنى، ونعم العوض كتاب الله عز وجل من الجنّ.
قال البيهقىّ: ويشبه أن يكون هذا هو الكاهن، الذى لم يذكر اسمه فى الحديث الصحيح، وهو الحديث الذى ذكرناه آنفا قبل خبر سواد.
وقد روى أيضا عن سواد بن قارب، من رواية سعيد بن جبير بنحو هذا، إلا أنه قال: كان سواد فى جبل من جبال الشّراة «4» ، وقال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وقد ظهر، فأخبرته الخبر، وبايعته.
قال البيهقىّ رحمه الله: وقوله أتيت مكة أقرب إلى الصّحة [مما رويناه فى الروايتين الأوليين «5» ] . والله تعالى أعلم.