الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصفى من الثلج إشراقا مذاقته
…
أحلى من اللبن المضروب بالعسل
نحلتك الودّ علىّ إذ نحلتكه
…
أحبى بفضلك منه أفضل النّحل «1»
فما لجلدى بنضج النار من جلد
…
ولا لقلبى بهول الحشر من قبل
يا خالق الخلق لا تخلق بما اجترمت
…
يداى وجهى من حوب ومن زلل «2»
واصحب وصلّ وواصل كلّ صالحة
…
على صفيّك فى الإصباح والأصل
صلى الله عليه وسلم وقد آن أن نأخذ فى ذكر أخبار وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبدأ من ذلك بما أنزل عليه عند اقتراب أجله، ثم نذكر ابتداء وجعه والحوادث التى انفقت فى أثناء مرضه إلى حين وفاته صلى الله عليه وسلم.
ذكر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند اقتراب أجله، وما كان يقوله مما استدل به على اقترابه
كان مما استدل به على اقتراب أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزول سورة الفتح، وتتابع الوحى، وتكرار عرض القرآن على جبريل، واستغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع والشهداء. روى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سأل عن قول الله عز وجل: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً
«3» فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا الله وفتح علينا. وقال بعضهم: فتح المدائن والقصور. وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، قال عمر: كذاك تقول يابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو
أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له؛ قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
وذاك علامة أجلك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً
«1» فقال عمر رضى الله عنه: ما أعلم منها إلا ما تقول. وعن عائشة رضى الله عنها قالت: ما صلّى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
إلا يقول فيها: «سبحانك ربّنا وبحمدك اللهم اغفرلى» . وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
داع من الله ووداع من الدنيا.
وعنه رضى الله عنه قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال: «إنه نعيت إلىّ نفسى» قالت: فبكيت، فقال:«لا تبكى فإنك أوّل أهلى بى لحوقا» فضحكت. وروى محمد بن سعد بسنده إلى أنس بن مالك: أن الله تبارك وتعالى تابع الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفّى، وأكثر ما كان الوحى فى يوم توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن سعد أيضا بسنده إلى عكرمة قال قال العباس:
لأعلمنّ بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال له: يا رسول الله، لو اتخذت عرشا فإن الناس قد آذوك، قال:«والله لا أزال بين ظهرانيهم ينازعونى رداتى ويصيبنى غبارهم حتى يكون الله يريحنى منهم» قال العباس: فعرفنا أن بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا قليل. وعن واثلة بن الأسقع قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أتزعمون أنى من آخركم وفاة، ألا وإنى من أوّلكم وفاة، وتتبعونى أفنادا «2» يهلك بعضكم بعضا» . وعن أبى صالح قال: كان جبريل يعرض القرآن كل سنة مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام الذى
قبض فيه عرضه عليه مرتين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فى شهر رمضان العشر الأواخر، فلما كانت السنة التى قبض فيها اعتكف عشرين يوما.
وعن عائشة وابن عباس رضى الله عنهم نحوه.
ذكر استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بقيع الغرقد «1» والشّهداء، وما روى من تخييره بين البقاء ولقاء الله تعالى، واختياره لقاء ربه عز وجل
روى عن عائشة رضى الله عنها قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج، فأمرت جاريتى بريرة فتبعته، حتى إذا جاء البقيع وقف فى أدناه ما شاء الله أن يقف، ثم انصرف فسبقته بريرة فأخبرتنى فلم أذكر له شيئا حتى أصبح، ثم ذكرت ذلك له فقال:«إنى بعثت لأهل البقيع لأصلى عليهم» . وعنها رضى الله عنها قالت: افتقدت النبىّ صلى الله عليه وسلم من الليل فتبعته فإذا هو البقيع فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط،»
وإنابكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم» قالت: ثم التفت إلىّ فقال:
«ويحها لو تستطيع ما فعلت» . وعنها رضى الله عنها قالت: وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضجعه من جوف الليل، فقلت: إلى أين بأبى أنت وأمى يا رسول الله؟ قال: «أمرت أن أستغفر لأهل البقيع» قالت: فخرج وخرج معه مولاه أبو رافع، وكان أبو رافع يحدّث قال: استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم طويلا ثم انصرف، وجعل يقول: «يا أبا رافع إنى خيّرت بين خزائن
الدنيا والخلد ثم الجنة وبين لقاء ربى والجنة فاخترت لقاء ربى» . وعن أبى مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل: «يا أبا مويهبة إنى قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معى» فخرج وخرجت معه حتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلا، ثم قال:«ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، يتبع آخرها أوّلها، الآخرة شر من الأولى» ثم أقبل علىّ فقال: «يا أبا مويهبة إنى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة» فقلت: بأبى أنت وأمى، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقال:«لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربى والجنة» ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف. والجمع بين هذه الأحاديث كلها غير مناف؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما استغفر لأهل البقيع ليالى، ويؤيد هذا ويعضده ما رواه عطاء بن يسار عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ليلتها منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أتانا وإياكم ما توعدون، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» . وعن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فقيل له:
اذهب فصلّ على أهل البقيع، ففعل ذلك ثم رجع فرقد، فقيل له اذهب فصلّ على الشهداء، فذهب إلى أحد فصلى على قتلى أحد، فرجع معصوب الرأس، فكان بدوّ الوجع الذى مات فيه صلى الله عليه وسلم.
وعن عقبة بن عامر الجهنىّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودّع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال:«إنى بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد، وإنّ موعدكم الحوض، وإنى لأنظر إليه وأنا فى مقامى هذا، وإنى لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنانسوها» .