الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفد تميم
قال أبو عبد الله محمد بن سعد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث بشر بن سفيان. ويقال: النّحّام «1» العدوىّ على صدقات بنى كعب من خزاعة، فجاء وقد حلّ بنو احيهم بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، فجمعت خزاعة مواشيها للصدقة، فاستنكرت ذلك بنو تميم، وأبوا وابتدروا القسىّ، وشهروا السّيوف، فقدم المصدّق «2» على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره «3» ؛ فقال:«من لهؤلاء القوم» ؟ فانتدب لهم عيينة بن حصن، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خمسين فارسا من العرب، ليس فيهم مهاجرىّ ولا أنصارىّ فأغار عليهم، فأخذ منهم أحد عشر رجلا، وإحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبيا، فجلبهم إلى المدينة، فقدم فيهم عدّة من رؤساء بنى تميم، منهم عطارد بن حاجب، والزّبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، والأقرع بن حابس، ورياح ابن الحارث، وعمرو بن الأهتم، وغيرهم كما ذكرنا ذلك فى الغزوات فى خبر سريّة عيينة. قال ويقال: كانوا تسعين أو ثمانين رجلا.
قال ابن إسحق: والحتات بن يزيد أحد بنى دارم. قال: ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارىّ، قالوا: فدخلوا المسجد وقد أذّن بلال بالظهر؛ والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعجلوا واستبطئوه، فنادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: يا محمد! اخرج إلينا. فخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وأقام «1» بلال، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم أتوه؛ فقال الأقرع بن حابس: يا محمد، ايذن لى، فو الله إنّ حمدى لزين، وإنّ ذمّى لشين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كذبت، ذاك الله تبارك وتعالى» . حكاه ابن سعد.
وحكى محمد بن إسحق أنهم قالوا: يا محمد، جئناك لنفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا. قال:«قد أذنت لخطيبكم فليقل» ، فقام عطارد بن حاجب، فقال:
الحمد لله الذى له علينا الفضل والمنّ؛ وهو أهله الذى جعلنا ملوكا، ووهب لنا أموالا عظاما، نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثره عددا، وأيسره عدّة، فمن مثلنا فى الناس؟ ألسنا برءوس الناس وأولى فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدّد مثل ما عدّدنا، وإنّا لو نشاء لأكثرنا الكلام، ولكنا نحيا «2» من الإكثار فيما أعطانا، وإنّا نعرف [بذلك]«3» ] . أقول هذا «4» لأن تأتونا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا. ثم جلس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشّمّاس أخى بنى الحارث ابن الخزرج: «قم فأجب الرجل فى خطبته» . فقام ثابت فقال:
الحمد لله الذى السموات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره، ووسع كرسيّه علمه، ولم يك شىء قطّ إلا من فضله، وكان من قدرته أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا، أكرمه نسبا، وأصدقه حديثا، وأفضله حسبا، فأنزل عليه
كتابه، وائتمنه على [خلقه «1» ] فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان به، فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون من قومه وذوى رحمه؛ أكرم الناس أحسابا، وأحسن الناس وجوها، وخير الناس فعالا. ثم كان أوّل الخلق إجابة، واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن؛ فنحن أنصار الله، ووزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه فى الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا.
أقول هذا وأستغفر الله لى وللمؤمنين والمؤمنات. والسلام عليكم.
فقام الزّبرقان بن بدر، فقال:
نحن الكرام فلا حىّ يعادلنا
…
منّا الملوك وفينا تنصب البيع «2»
[ويروى: «وفينا يقسم الرّبع» ، بدل «تنصب البيع «3» » ] .
…
وكم قسرنا من الأحياء كلّهم
عند النّهاب وفضل العزّ يتّبع
…
ونحن يطعم عند القحط مطعمنا
من الشّواء إذا لم يؤنس القزع «4»
…
بما ترى الناس تأتينا سراتهم
من كلّ أرض هويّا ثم نصطنع «5»
[ويروى:
من كلّ أرض هوانا ثم نتّبع «6» ]
فننحر الكوم عبطا فى أرومتنا
…
للنّازلين إذا ما أنزلوا شبعوا «1»
فلا ترانا إلى حىّ نفاخرهم
…
إلّا استقادوا وكانوا الرأس يقتطع
فمن يفاخرنا فى ذاك نعرفه
…
فيرجع القوم والأخبار تستمع
إنّا أبينا ولم يأبى «2» لنا أحد
…
إنّا كذلك عند الفخر نرتفع
قال محمد بن إسحق: وكان حسان بن ثابت غائبا، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال حسان: جاءنى رسوله فأخبرنى أنه إنما دعانى لأجيب شاعر بنى تميم، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول:
منعنا رسول الله إذ حلّ وسطنا
…
على أنف راض من معدّ وراغم
منعناه لمّا حلّ بين بيوتنا
…
بأسيافنا من كلّ باغ وظالم
ببيت حريد عزّه وثراؤه
…
بجابية الجولان وسط الأعاجم «3»
هل المجد إلّا السّودد «4» العود والنّدى
…
وجاه الملوك واحتمال العظائم
قال: فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام شاعر القوم فقال ما قال، عرضت فى قوله وقلت على نحو ما قال. قال: ولما فرغ الزّبرقان من إنشاده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسّان بن ثابت:«قم فأجب الرجل» فقام حسّان فقال:
إنّ الذّوائب من فهر وإخوتهم
…
قد بيّنوا سنّة للناس تتّبع «1»
يرضى بها كلّ من كانت سريرته
…
تقوى الإله وكلّ الخير يصطنع «2»
[ويروى:
يرضى بها كلّ من كانت سريرته
…
تقوى الإله وبالأمر الذى شرعوا «3» ]
قوم إذا جاربوا ضرّوا عدوّهم
…
أو حاولوا النّفع فى أشياعهم نفعوا «4»
سجيّة تلك منهم غير محدثة
…
إنّ الخلائق فاعلم شرّها البدع «5»
إن كان فى الناس سبّاقون بعدهم
…
فكلّ سبق لأدنى سبقهم تبع
لا يرقع النّاس ما أوهت أكفّهم
…
عند الرّقاع ولا يوهون ما رقعوا «6»
إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم
…
أو وازنوا أهل مجد بالذّرى متعوا «7»
أعفّة ذكرت فى الوحى عفّتهم
…
لا يطبعون ولا يرديهم طمع «8»
لا يبخلون على جار بفضلهم
…
ولا يمسّهم من مطمع طبع «1»
إذا نصبنا لحىّ لا ندبّ لهم
…
كما يدبّ إلى الوحشيّة الذّرع «2»
تسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها
…
إذا الزّعانف من أظفارها خشعوا «3»
لا يفخرون إذا نالوا عدوّهم
…
وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع «4»
كأنّهم فى الوغى والموت مكتنع
…
أسد بحلية فى أرساغها فدع «5»
خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا
…
ولا يكن همّك الأمر الذى منعوا «6»
فإنّ فى حربهم فاترك عداوتهم
…
شرّا يخاض عليه السّمّ والسّلع»
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم
…
إذا تفاوتت الأهواء والشّيع «8»
أهدى لهم مدحتى قلب يؤازره
…
فيما أحبّ لسان حائك صنع «9»
فإنّهم أفضل الأحياء كلّهم
…
إن جدّ بالناس جدّ القول أو شمعوا «10»
وقال أبو محمد عبد الملك بن هشام رحمه الله: حدّثنى بعض أهل العلم بالشعر من بنى تميم أن الزّبرقان بن بدر لمّا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وفد بنى تميم، قام فقال:
أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا
…
إذا اختلفوا عند احتضار المواسم «1»
بأنّا فروع الناس فى كلّ موطن
…
وأن ليس فى أرض الحجاز كدارم «2»
وأنّا نذود المعلمين إذا انتخوا
…
ونضرب رأس الأصيد المتفاقم «3»
وأنّ لنا المرباع فى كلّ غارة
…
نغير بنجد أو بأرض الأعاجم «4»
فقام حسان بن ثابت فأجابه، فقال:
هل المجد إلّا السّودد العود «5» والنّدى
…
وجاه الملوك واحتمال العظائم
نصرنا وآوينا النّبىّ محمدا
…
على أنف راض من معدّ وراغم
بحىّ حريد أصله وثراؤه «6»
…
بجابية الجولان وسط الأعاجم
نصرناه لمّا حلّ وسط ديارنا
…
بأسيافنا من كلّ باغ وظالم
جعلنا بنينا دونه وبناتنا
…
وطبنا له نفسا بفىء «1» المغانم
ونحن ضربنا الناس حتّى تتابعوا
…
على دينه بالمرهفات الصّوارم «2»
ونحن ولدنا من قريش عظيمها
…
ولدنا نبىّ الخير من آل هاشم «3»
بنى دارم لا تفخروا إنّ فخركم
…
يعود وبالا عند ذكر المكارم «4»
هبلتم، علينا تفخرون وأنتم
…
لنا خول من بين ظئر وخادم «5»
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم
…
وأموالكم أن تقسموا فى المقاسم
فلا تجعلوا لله ندّا وأسلموا
…
ولا تلبسوا زيّا كزىّ الأعاجم «6»
وأفضل ما نلتم من المجد والعلا
…
ردافتنا عند احتضار المواسم «7»
قالوا: فلما فرغ حسّان من قوله، قال الأقرع بن حابس: وأبى، إنّ هذا الرجل لمؤتّى له «8» ، لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا، ولهم أحلم منّا. ونزل فى وفد بنى تميم قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
«9» .
قال محمد بن سعد: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قيس بن عاصم:
«هذا سيّد أهل الوبر» وردّ عليهم الأسرى والسّبى، وأمر لهم بالجوائز كما كان يجيز الوفد؛ ثنتى عشرة أوقية ونشّا «1» ، وهى خمسمائة درهم.
قال ابن إسحق: وكان عمرو بن الأهمّ قد خلّفه القوم فى ظهرهم «2» ، وكان أصغرهم ستّا، فقال قيس بن عاصم، وكان يبغض عمرو بن الأهتم: يا رسول الله! إنه قد كان رجل منّا فى رحالنا وهو غلام حدث، وأزرى به، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم، فبلغ عمرو بن الأهتم ما قاله قيس فيه؛ فقال:
ظللت مفترش الهلباء «3» تشتمنى
…
عند النبىّ فلم تصدق ولم تصب
إن تنقصونا فإنّ الرّوم «4» أصلكم
…
والرّوم لا تملك البغضاء للعرب
وإنّ سوددنا عود وسوددكم
…
مؤخّر عند أصل العجب والذّنب «5»
وروى أن الزّبر قان فخر يومئذ فقال:
يا رسول الله، أنا سيّد تميم، والمطاع فيهم، والمجاب منهم، آخذ لهم بحقوقهم، وأمنعهم من الظّلم، وهذا يعلم ذلك. وأشار إلى عمرو بن الأهتم. فقال عمرو:
إنه شديد العارضة، مانع لجانبه، مطاع فى أدانيه. فقال الزّبرقان: والله لقد كذب يا رسول الله، وما منعه من أن يتكلم إلا الحسد.