الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكّة قبل الهجرة
وفد عليه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة غفار، وأزد شنوءة، وهمدان، والطّفيل بن عمرو الدّوسىّ، ونصارى الحبشة.
ذكر وفد غفار وقصّة أبى ذرّ الغفارىّ فى سبب إسلامه
روى الشّيخ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقى رحمه الله فى كتابه المترجم ب «دلائل النبوة» بسنده إلى عبد الله بن الصّامت، قال قال أبوذرّ رضى الله عنه:
خرجنا عن قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام، فخرجت أنا وأخى أنيس وأمنّا، فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذى مال وذى هيئة «1» ، فأكرمنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا له: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، قال:
فجاء خالنا فنثا «2» علينا ما قيل له؛ فقلت له: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع «3» لك فيما بعد. قال: فقرّبنا صرمتنا «4» فاحتملنا عليها [ويغطّى خالنا ثوبه فجعل يبكى «5» ] وانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكّة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتينا الكاهن فحبّر «6» أنيسا، فأتانا بصرمتنا ومثلها معها. قال أبو ذرّ: وقد صلّيت يا بن أخى قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين. قال ابن الصامت: فقلت لمن؟ قال: لله. قلت: فأين توجّه؟ قال: أتوجّه حيث وجّهنى «7» الله؛ أصلّى عشاء
حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأنى خفاء «1» - يعنى الثوب- حتى تعلونى الشمس. فقال أنيس: إنّ لى صاحبا «2» بمكة فاكفنى حتى آتيك. فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث «3» علىّ، ثم أتانى فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا بمكة يزعم أن الله أرسله على دينك «4» . قال: قلت ماذا يقول الناس فيه؟ قال: يقولون إنه شاعر وساحر وكاهن. قال: وكان أنيس أحد الشّعراء- وفى رواية عنه:
والله ما سمعت بأشعر من أخى أنيس- لقد ناقض اثنى عشر شاعرا فى الجاهلية أنا أحدهم. قال فقال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر «5» فلم يلتئم، وما يلتئم والله على لسان أحد بعدى أنه شعر، وو الله إنه لصادق وإنهم لكاذبون. قال: قلت له هل أنت كافىّ حتى أنطلق فأنظر؟
فقال: نعم! وكن من أهل مكة على حذر، فإنهم قد شنفوا «6» له وتجهّموا. فانطلقت حتى قدمت مكة، فتضعّفت «7» رجلا منهم فقلت: أين هذا الذى تدعونه الصابئ؟
قال: فأشار إلىّ، الصابئ «8» ! فمال علىّ أهل الوادى بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علىّ. قال: فارتفعت حين ارتفعت كأنّى نصب «9» أحمر، فأتيت زمزم فشربت من مائها، وغسلت عنّى الدّم، ودخلت بين الكعبة وأستارها، ولقد لبثت يا بن أخى ثلاثين من بين ليلة ويوم ومالى طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسّرت عكن بطنى، وما وجدت على كبدى سخفة جوع «10» . قال: فبينما أهل مكة فى ليلة
قمراء إضحيان «1» ، قد ضرب الله على أصمخة أهل مكة فما يطوف بالبيت أحد غير امرأتين وهما تدعوان إسافا ونائلة «2» ، فأتتا علىّ فى طوافهما فقلت: أنكحا إحداهما الأخرى، فما ثناهما ذلك عما قالتا «3» . فأتتا علىّ فقلت: هن مثل الخشبة غير أنّى لا أكنى، فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا! قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان من الجبل، فقال لهما: ما لكما؟
قالتا: الصّابئ بين الكعبة وأستارها. قالا: ما قال لكما؟ قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه [فاستلم الحجر ثم طاف بالبيت هو وصاحبه «4» ] ثم صلّى، فلما قضى صلاته قال أبو ذرّ: فأتيته فكنت أوّل من حيّاه بتحيّة الإسلام؛ فقال: «وعليك ورحمة الله» ، ثم قال:«ممن أنت» ؟
قلت: من غفار، قال: فأهوى بيده فوضع يده على جبينه، فقلت فى نفسى:
كره أنى انتميت إلى غفار، قال: فأهويت لآخذ بيده، فقدعنى «5» صاحبه وكان أعلم به منّى، ثم رفع رأسه فقال:«متى كنت هاهنا» ؟ قلت: منذ ثلاثين من ليلة ويوم «6» ، قال:«فمن كان يطعمك» ؟ قلت: ما كان لى من طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطنى، وما وجدت على كبدى سخفة جوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنها مباركة، إنها طعام طعم «7» ، وشفاء سقم» فقال أبو بكر: يا رسول الله! إيذن لى فى إطعامه الليلة، ففعل، فانطلق رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابه، فجعل يقبض لنا من زبيب الطّائف، فكان ذاك أوّل طعام أكلته بها، قال: فغبرت «1» ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنى وجّهت إلى أرض ذات نخل لا أحسبها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عنّى قومك لعل الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم» ؛ قال: فانطلقت حتى أتيت أخى أنيسا فقال لى: ما صنعت؟ قلت: أسلمت وصدّقت، قال: فما بى رغبة عن دينك، فإنى قد أسلمت وصدّقت. ثم أتينا أمّنا، فقالت: مابى رغبة عن دينكما، فإنى قد أسلمت وصدقت، قال: ثم احتملنا حتى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان يؤمّهم خفاف بن إيماء ابن رحضة الغفارىّ، وكان سيّدهم يومئذ «2» ، وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا؛ فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم بقيّتهم؛ وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله! إخواننا «3» ؛ نسلم على الذى أسلموا عليه. فأسلموا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله» .
وهذه الرواية فى خبر إسلام أبى ذرّ؛ قد روى مسلم فى صحيحه نحوها، وهى تخالف رواية البخارىّ.
وروى البيهقىّ عن أبى ذرّ قال: كنت ربع «4» الإسلام، أسلم قبلى ثلاثة نفر وأنا الرابع؛ أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد
أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو عمر بن عبد البر بسنده إلى ابن عباس رضى الله عنهما، قال: لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه أنيس: اركب إلى هذا الوادى، فاعلم لى علم هذا الرجل الذى يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ايتنى؛ فانطلق حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع، فقال:
رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وسمعت منه كلاما ما هو بالشعر. قال: ما شفيتنى فيما أردت، فتزوّد وحمل شنّة له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد، فالتمس النبىّ صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع فرآه علىّ بن أبى طالب؛ فقال: كأنّ الرجل غريب، قال: نعم، قال انطلق إلى المنزل، قال: فانطلقت معه لا يسألنى عن شىء ولا أسأله، فلما أصبحت من الغد رجعت إلى المسجد، وبقيت يومى حتى أمسيت وصرت إلى مضجعى، فمرّ بى علىّ بن أبى طالب، فقال: أما آن للرّجل أن يعرف منزله؟ فأقامه وذهب به معه، وما يسأل واحد منهما صاحبه عن شىء، حتى إذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فأقامه علىّ معه، ثم قال: ألا تحدّثنى ما الذى أقدمك هذا البلد؟ قال:
إن أعطيتنى عهدا وميثاقا لترشدنى فعلت؛ ففعل؛ فأخبره علىّ أنه نبىّ، وأنّ ما جاء به حقّ، وأنّه رسول الله، قال: فإذا أصبحت فاتّبعنى، فإنى إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأنّى أريق الماء، فإن مضيت فاتبعنى حتى تدخل مدخلى، قال:
فانطلقت أقفوه حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت معه وحبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحيّة الإسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول الله! فكنت أوّل من حياه بتحية الإسلام، فقال: «وعليك السلام، من