الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنها قالت له صلى الله عليه وسلم فى ابتداء النبوّة: أبشر فو الله لا يخزيك «1» الله أبدا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ «2» ، وتكسب «3» المعدوم، وتقرى الضّيف، وتعين على نوائب «4» الحقّ.
وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم مع علوّ منصبه ورفعة مرتبته
فكان صلى الله عليه وسلم أشدّ الناس تواضعا، وأقلهم كبرا، وقد جاء أنه خيّر بين أن يكون نبيّا ملكا، أو نبيّا عبدا، فاختار أن يكون نبيّا عبدا، فقال له إسرافيل عند ذلك: فإن الله قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشقّ الأرض عنه، وأول شافع. ومما رويناه بسند متّصل عن أبى أمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكّئا على عصا، فقمنا له فقال:«لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضها بعضا» . وقال: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» وكان يركب الحمار، ويردف خلفه، ويعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم، حيث ما انتهى به المجلس جلس، وعن أنس: أن امرأة كان فى عقلها شىء جاءته فقالت: إن لى إليك حاجة، قال:«اجلسى يا أمّ فلان فى أى طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضى حاجتك» قال: فجلست فجلس النبى صلى الله عليه وسلم إليها حتى فرغت من حاجتها. قال أنس: حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رثّ وعليه قطيفة ما تساوى أربعة دراهم، فقال:
«اللهم اجعله حجّا لا رياء فيه ولا سمعة» . هذا وقد أهدى فى حجه ذلك مائة بدنة، ولما فتحت عليه مكة دخلها وقد طأطأ رأسه على رحله حتى كاد يمسّ قادمته تواضعا لله تعالى.
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه لما دخل مكة جاءه أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه بأبيه ليسلم فقال: «لم عنّيت «1» الشيخ يا أبا بكر ألا تركته حتى أكون أنا آتيه فى منزله» وقد تقدّم ذكر ذلك فى الفتح. وعن عائشة والحسن وأبى سعيد وغيرهم رضى الله عنهم، فى صفته صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يزيد على بعض، أنه كان صلى الله عليه وسلم فى بيته فى مهنة «2» أهله، يفلى «3» ثوبه، ويحلب شاته، ويرقّع ثوبه، ويخصف «4» نعله، ويخدم نفسه، ويقمّ «5» البيت، ويعقل البعير، ويعلف ناضحه «6» ، ويأكل مع الخادم، ويعجن معها ويحمل بضاعته من السّوق. وعن أنس:
أن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضى حاجتها. ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له: «هوّن عليك فإنى لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد» «7» .
وعن أبى هريرة قال: دخلت السّوق مع النبى صلى الله عليه وسلم فاشترى سراويل، وقال للوزّان «زن وأرجح» وذكر القصّة، قال: فوثب إلى يد النبى صلى الله عليه وسلم يقبّلها فجذب يده، وقال: «هذا يفعله الأعاجم بملوكها ولست بملك إنما
أنا رجل منكم» ثم أخذ السّراويل فذهبت لأحمله فقال: «صاحب الشىء أحق بشيئه أن يحمله» . وقد ذكر الأمين العاصمىّ بعض ذلك فى قصيدة له فقال:
يا جاعلا سنن النبى
…
شعاره ودثاره «1»
متمسّكا بحديثه
…
متتبّعا أخباره
سنن الشّريعة خذ بها
…
متوسّما «2» آثاره
وكذا الطريقة فاقتبس
…
فى سبلها أنواره
قد كان يقرى «3» ضيفه
…
كرما ويحفظ جاره
ويجالس المسكين يؤ
…
ثر قربه وجواره
الفقر كان رداءه
…
والجوع كان شعاره
يلقى بغرّة «4» ضاحك
…
مستبشرا زوّاره
بسط الرّداء كرامة
…
لكريم قوم زاره
ما كان مختالا ولا
…
مرحا «5» يجرّ إزاره
قد كان يركب بالرّدد
…
فمن الخضوع حماره
فى مهنة «6» هو أو صلا
…
ة ليله ونهاره
فتراه يحلب شاة من
…
زله ويوقد ناره
ما زال كهف مهاجري
…
هـ ومكرما أنصاره
برّا بمحسنهم مقي
…
لا للمسىء عثاره
يهب الذى تحوى يداه
…
لطالب إيثاره