الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلّم» يعنى العباس، ثم قال:«ما الذى كنتم تخافون علىّ» ؟ قالوا:
ذات الجنب، قال:«ما كان الله ليسلطها علىّ» . وفى رواية عن أمّ بشر بن البراء؛ قال: «ما كان الله ليسلطها على رسوله، إنها همزة من الشيطان، ولكنها من الأكلة التى أكلتها أنا وابنك، هذا أوان قطعت أبهرى» «1» . ومن حديث عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: فجعل بعضهم يلدّ بعضا. وعن هشام «2» قال:
كانت أمّ سلمة وأسماء بنت عميس هما لدّتاه، قال: فالتدّت يومئذ ميمونة وهى صائمة؛ لقسم النبى صلى الله عليه وسلم، قال: وكان منه عقوبة لهم.
وأما الكتاب الذى أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه ثم تركه لما وقع عنده من التازع
فقد اختلفت الروايات فى هذا الحديث عن عبد الله بن عباس وغيره، فمن رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهم أنه قال: اشتكى النبى صلى الله عليه وسلم يوم الخميس فجعل- يعنى ابن عباس- يبكى ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد بالنبى صلى الله عليه وسلم وجعه فقال:«ايتونى بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلّوا «3» بعده أبدا» قال فقال بعض من كان عنده:
إنّ نبىّ الله هجر «4» ، قال فقيل له: ألا نأتيك بما طلبت؟ قال: «أو بعد ماذا» ؟
فلم يدع به. ومن طريق آخر عن سليمان «5» بن أبى مسلم عن سعيد بن جبير قال:
فتنازعوا ولا ينبغى عند نبىّ تنازع. فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه، فذهبوا
يعيدون عليه. فقال: «دعونى فالذى أنا فيه خير مما تدعوننى إليه» . قال:
وأوصى بثلاث، قال:«أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» وسكت عن الثلاثة، فلا أدرى قالها «1» فنسيتها، أو سكت عنها عمدا؟. ومن رواية طلحة بن مصرّف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ايتونى بالكتف والدّواة أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا» . قال فقالوا: إنما يهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه الروايات عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما. وروى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة، وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هلّم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده» فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال عمر؛ فلما كثر اللّغط والاختلاف وغمر «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«قوموا عنى» . قال عبيد الله:
فكان ابن عباس يقول: إن الرّزيّة كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. وعن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى مرضه: «ايتونى بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» . فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: من لفلانة وفلانة- من مدائن الروم- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يموت حتى يفتتحها، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى؛
فقالت زينب زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون للنبىّ صلى الله عليه وسلم يعهد إليكم؟ فلغطوا فقال: «قوموا» فلما قاموا قبض النبىّ صلى الله عليه وسلم مكانه. وعن جابر بن عبد الله الأنصارى قال: لما كان فى مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى توفّى فيه، دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتابا لا يضلون ولا يضلّون، فكان فى البيت لغط وكلام، وتكلم عمر بن الخطاب، قال: فرفضه النبىّ صلى الله عليه وسلم.
وعن محمد بن عمر الواقدىّ عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيننا وبين النساء حجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اغسلونى بسبع قرب وأتونى بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فقال النسوة: ايتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاجته. قال عمر فقلت:
اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتنّ أعينكنّ، وإذا صح أخذتن بعنقه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هنّ خير منكم» .
هذا ما وقفنا عليه من الروايات المسندة فى هذا الحديث، وقد تذرّعت به طائفة من الروافض، وتكلموا فيه وطعنوا على من لغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى امتنع من الكتابة.
وقد تكلم القاضى أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض رحمه الله على هذا الحديث، وذكر أقوال العلماء وما أبدوه من الاعتذار عن عمر رضى الله عنه فيما قال، فقال رحمه الله تعالى، قال أتمنا فى هذا الحديث: النبىّ صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الأمراض، وما يكون من عوارضها من شدّة وجع وغشى ونحوه، مما يطرأ على جسمه، معصوم أن يكون منه من القول أثناء ذلك
ما يطعن فى معجزته، ويؤدّى إلى فساد فى شريعته، من هذيان أو اختلال فى كلام، وعلى هذا لا يصح ظاهر رواية من روى فى الحديث «هجر» إذ معناه هذى يقال:
هجر هجر إذا أفحش، وأهجر تعدية هجر، وإنما الأصح والأولى «أهجر» ؟ على طريق الإنكار على من قال لا نكتب، قال: وهكذا روايتنا فيه فى صحيح البخارى من رواية جميع الرواة فى حديث الزهرى ومحمد بن سلّام عن ابن عيينة، قال: وكذا ضبطه الأصيلى بخطه فى كتابه وغيره من هذه الطرق، وكذا رويناه عن مسلم فى حديث سفيان وعن غيره، قال: وقد تحمل عليه رواية من رواه هجر على حذف ألف الاستفهام، والتقدير: أهجر؟ أو أن يحمل قول القائل: «هجر» أو أهجر دهشة من قائل ذلك وحيرة؛ لعظيم ما شاهد من حال الرسول صلى الله عليه وسلم وشدّة وجعه، وهول المقام الذى اختلفت فيه عليه، والأمر الذى همّ بالكتاب فيه، حتى لم يضبط هذا القائل لفظه وأجرى الهجر مجرى شدّة الوجع؛ لأنه اعتقد أنه يجوز عليه الهجر، كما حملهم الإشفاق على حراسته، والله تعالى يقول: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
ونحو هذا. وأما على رواية: «أهجرا» ، وهى رواية أبى إسحاق المستملى فى الصحيح، فى حديث ابن جبير، عن ابن عباس من رواية قتيبة، فقد يكون هذا راجعا إلى المختلفين عنده صلى الله عليه وسلم، ومخاطبة لهم من بعضهم، أى جئتم باختلافكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه هجرا ومنكرا من القول! والهجر بضم الهاء الفحش فى المنطق.
وقد اختلف العلماء فى معنى هذا الحديث، وكيف اختلفوا بعد أمره لهم عليه السلام أن يأتوه بالكتاب، فقال بعضهم: أوامر النبىّ صلى الله عليه وسلم يفهم إيجابها من ندبها من إباحتها بقرائن، فلعل قد ظهر من قرائن قوله صلى الله عليه وسلم لبعضهم ما فهموا أنه لم يكن منه عزمة، بل أمر ردّه إلى اختيارهم، وبعضهم
لم يفهم ذلك، فقال: استفهموه، فلما اختلفوا كفّ عنه إذ لم تكن عزمة، ولما رأوه من صواب رأى عمر رضى الله عنه. ثم هؤلاء قالوا: ويكون امتناع عمر إمّا إشفاقا على النبىّ صلى الله عليه وسلم من تكليفه فى تلك الحال، وإما إملاء الكتاب، وأن يدخل عليه مشقة من ذلك كما قال: إنّ النبىّ اشتدّ به الوجع.
وقيل: خشى عمر أن يكتب أمورا يعجزون عنها فيحصلون «1» في الحرج بالمخالفة، ورأى أن الأرفق بالأمة فى تلك الأمور سعة الاجتهاد، وحكم النّظر، وطلب الصواب، فيكون المصيب والمخطئ مأجورا، وقد علم عمر تقرر الشرع وتأسيس الملّة، وأن الله تعالى قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
«2» وقوله صلى الله عليه وسلم:
«أوصيكم بكتاب الله وعترتى» . وقول عمر: حسبنا كتاب الله، ردّ على من نازعه، لا على أمر النبى صلى الله عليه وسلم. وقد قيل: إن عمر خشى تطرّق المنافقين، ومن فى قلبه مرض لما كتب فى ذلك الكتاب فى الخلوة، وأن يتقوّلوا فى ذلك الأقاويل كادّعاء الرافضة الوصية وغير ذلك. وقيل: إنه كان من النبى صلى الله عليه وسلم على طريق المشورة والاختبار، هل يتفقون على ذلك أم يختلفون، فلما اختلفوا تركه. وقالت طائفة أخرى: إن معنى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان مجيبا فى هذا الكتاب لما طلب منه لا أنه ابتداء بالأمر به، بل اقتضاه منه بعض أصحابه، فأجاب رغبتهم وكره ذلك غيرهم للعلل التى ذكرناها، واستدل فى مثل هذه القضية بقول العباس لعلىّ: انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان الأمر فينا علمناه، وكراهة علىّ هذا وقوله:«والله لا أفعل» الحديث.
واستدل بقوله: «دعونى فإن الذى أنا فيه «3» خير» أى الذى أنا فيه خير من إرسال