الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يابن الذى مسح النبىّ برأسه
…
ودعا له بالخير عند المسجد
أعنى زيادا لا أريد سواءه
…
من غائر أو متهم أو منجد «1»
ما زال ذاك النور فى عرنيه
…
حتى تبوّأ بيته فى الملحد
ذكر وفد عامر بن صعصعة وخبر عامر بن الطفيل وأربد بن قيس
قال محمد بن سعد: قدم عامر بن الطّفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب، وأربد بن ربيعة بن مالك بن جعفر.- قال ابن إسحق: وأربد بن قيس ابن جزء «2» بن خالد بن جعفر، وجبّار بن سلمى بن مالك بن جعفر-[على رسول الله «3» صلى الله عليه وسلم]-.- قال ابن سعد- فقال عامر بن الطّفيل: يا محمد، مالى إن أسلمت؟ قال:«لك ما للمسلمين، وعليك ما عليهم» . قال: أتجعل لى الأمر من بعدك؟ قال: «ليس ذلك لك ولا لقومك» قال: أفتجعل لى الوبر ولك المدر؟ «4» قال: «لا، ولكنّى أجعل لك أعنّة الخيل، فإنك امرؤ فارس» . قال:
أو ليست لى؟! لأملأنها عليك خيلا ورجلا «5» . ثم ولّيا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ اكفنيهما، اللهمّ واهد بنى عامر وأغن الإسلام عن عامر» - يعنى ابن الطّفيل.
وقال ابن إسحق: قدم عامر بن الطّفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يريد الغدر به، وقد قال له قومه: يا عامر، إن الناس قد أسلموا فأسلم،
فقال: والله لقد كنت آليت ألّا أنتهى حتّى تتبع العرب عقبى، وأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش! ثم قال لأربد بن قيس: إذا قدمنا على الرجل فإنى سأشغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطّفيل. يا محمد، خالّنى «1» . قال:
«لا والله حتى تؤمن بالله وحده» ، فجعل يكرر هذا القول ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد عليه مقالته، وهو فى ذلك ينتظر من أربد ما أمره به، فلم يصنع أربد شيئا، وكان آخر ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لأملأنّها عليك خيلا ورجلا، فلما ولّى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم اكفنى عامر ابن الطّفيل» فلما خرجوا من عنده قال عامر لأربد: ويلك! أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندى على نفسى منك، وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا. قال له أربد: لا أبا لك! لا تعجل علىّ، والله ما هممت بالذى أمرتنى به من أمره إلا دخلت بينى وبين الرجل، حتى لا أرى غيرك! أفأضربك بالسيف! قال: وخرجوا راجعين إلى بلادهم، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث الله على عامر بن الطّفيل الطاعون فى عنقه، فمال إلى بيت امرأة من بنى سلول، فجعل يقول: يا بنى عامر، غدّة كغدّة البكر، وموت فى بيت سلوليّة «2» ! قال: ومات فواراه أصحابه، وخرجوا حتى قدموا أرض بنى عامر، فأتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ فقال: لا شىء، والله لقد
دعانا إلى عبادة شىء لوددت أنه عندى الآن فأرميه بالنّبل حتى أقتله، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه «1» ، فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
وقال أبو إسحق أحمد بن محمد الثعلبىّ فى هذه القصة، بسند يرفعه إلى عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما، قال: أقبل عامر بن الطّفيل وأربد بن ربيعة يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالمسجد جالس فى نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف «2» الناس لجمال عامر، وكان أعور، وكان من أجمل الناس، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هذا عامر ابن الطّفيل قد أقبل نحوك، فقال:«دعه فإن يرد الله به خيرا يهده» فأقبل حتى قام عليه. فقال: يا محمد، مالى إن أسلمت؟ فقال:«لك ما للمسلمين، وعليك ما على المسلمين» . قال: تجعل لى الأمر بعدك؟ قال: «ليس ذلك إلىّ، إنما ذلك إلى الله عز وجل، يجعله حيث يشاء» . قال تجعلنى على الوبر وأنت على المدر؟. قال: «لا» . قال: فماذا تجعل لى؟ قال: «أجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها» . قال: أو ليس ذلك لى اليوم؟! قم معى أكلّمك. فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتنى أكلّمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف؛ فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أربد خلف النبىّ صلى الله عليه وسلم، فاخترط من سيفه شبرا، ثم حبسه الله عز وجل عنه فلم يقدر على سلّه، وجعل عامر يومىء إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال: «اللهم
اكفنيهما بما شئت» . فأرسل الله عز وجل على أربد صاعقة فى يوم صائف فأحرقته، وولّى عامر هاربا، وقال: يا محمد، دعوت ربّك فقتل أربد، والله لأملأنّها عليك خيلا جردا «1» ، وفتيانا مردا «2» ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يمنعك الله ذلك وأبناء قيلة» يعنى الأوس والخزرج. فنزل عامر بيت امرأة سلوليّة وأنشأ يقول:
تخيّر أبيت اللّعن إن شئت ودّنا
…
وإن شئت حربا ذات بأس ومصدق
وإن شئت فتيانا بكفّى أمرهم
…
يكبّون كبش العارض المتألّق
فلما أصبح ضمّ عليه سلاحه، وقد تغيّر لونه، وهو يقول:
لعمرى وما عمرى علىّ بهينّ
…
لقد شان حرّ الوجه طعنة مسهر «3»
وقد علم المزنوق أنّى أكرّه
…
على جمعهم كرّ المنيح المشهّر «4»
إذا ازورّ من وقع السّنان زجرته
…
وأخبرته أنّى امرؤ غير مقصر «5»
وأخبرته أنّ الفرار خزاية
…
على المرء ما لم يبد عذرا فيعذر «6»
لقد علمت عليا هوازن أنّنى
…
أنا الفارس الحامى حقيقة جعفر
فجعل يركض فى الصحراء ويقول: ابرز يا ملك الموت! ثم أنشأ يقول:
ألا قرّب المزنوق «1» إذ جدّ ما أرى
…
لتعريض يوم شرّه غير حامد
ألا قرّباه إنّ غاية جرينا
…
إذا قرب المزنوق بين الصّفائد
بنو عامر قومى إذا ما دعوتهم
…
أجابوا ولبىّ منهم كلّ ماجد
ويقول: واللّات لئن أصحر «2» إلىّ وصاحبه- يعنى ملك الموت- لأنفذتهما برمحى.
قال: فلما رأى الله عز وجل ذلك منه، أرسل ملكا فلطمه بجناحه، فأرداه فى التراب، وخرجت على ركبته غدّة عظيمة فى الوقت، فعاد إلى بيت السّلوليّة وهو يقول: غدّة كغدّة البعير، وموت فى بيت سلولية. ثم دعا بفرسه فركبه، ثم أجراه حتى مات على ظهره.
قال: فرثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد بجملة من المراثى؛ فمنها هذه الأبيات:
قضّ اللّبانة لا أبا لك واذهب
…
والحق بأسرتك الكرام الغيّب «3»
ذهب الذين يعاش فى أكنافهم
…
وبقيت فى خلف كجلد الأجرب «4»
يتلذّذون ملاذة ومجانة
…
ويعاب قائلهم وإن لم يشعب «5»
فتعدّ عن هذا وقل فى غيره
…
واذكر شمائل من أخ لك معجب «6»
إنّ الرّزيّة لا رزيّة مثلها
…
فقدان كلّ أخ كضوء الكوكب»
من معشر سنّت لهم أباؤهم
…
والعزّ لا يأتى بغير تطلّب
يا أربد الخير الكريم جدوده
…
أفردتنى أمشى بقرن أعضب «2»
وقال أيضا فيه:
ما إن تعدّى المنون من أحد
…
لا والد مشفق ولا ولد «3»
أخشى على أربد الحتوف ولا
…
أرهب نوء السّماك والأسد «4»
يا عين هبلّا بكيت أربد إذ
…
قمنا وقام الخصوم فى كبد «5»
فجّعنى الرّعد والصّواعق بالفا
…
رس يوم الكريهة النّجد «6»
قال: وأنزل الله عز وجل فى هذه القصّة: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ. لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ
يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحْفَظُونَهُ
يعنى تلك المعقبات مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
. ثم قال تعالى مشيرا لهذين: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ «7» .
أى ملجإ يلجئون إليه. وقد قيل: والٍ
يلى أمرهم، ويمنع العذاب عنهم. ثم قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً
. قال: خَوْفاً
للمسافر يخاف أذاه ومشقّته. وَطَمَعاً
للمقيم يرجو بركته ومنفعته. وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ. وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ «1»
قال الحسن: شديد الحقد «2» .
وقال علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه: شديد الأخذ. وقد روى الثعلبىّ أيضا، عن إسحق الحنظلىّ، عن ريحان بن سعيد الشّامى، عن عبّاد بن منصور، قال سألت الحسن عن قوله عز وجل: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ
الآية.
قال: كان رجل من طواغيت العرب، فبعث إليه النبىّ صلى الله عليه وسلم نفرا ليدعوه إلى الله عز وجل ورسوله أن يؤمن، فقال لهم: أخبرونى عن ربّ محمد هذا الذى تدعونى إليه ما هو؟ وممّ هو؟ من دهب أم فصّة أم حديد أم نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته، وانصرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا رجلا أكفر قلبا، ولا أعتى على الله منه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ارجعوا إليه» فرجعوا إليه فجعل لا يزيدهم على مثل مقالته الأولى وأخبث، «3» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ارجعوا إليه» فرجعوا، فبيناهم عنده ينازعونه ويدعونه ويعظمون عليه، وهو يقول هذه المقالة؛
إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رءوسهم، فرعدت وبرقت فرمت بصاعقة فاحترق «1» الكافر وهم جلوس، فجاءوا يسعون ليخبروا النبىّ صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم: احترق صاحبكم.
قالوا لهم: من أين علمتم؟ قالوا: أوحى إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم الساعة:
وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ
الآية. والله أعلم فى أيهما نزلت.
ولنرجع إلى تتمة خبر وفد عامر بن صعصعة.
قال محمد بن سعد فى طبقاته: وكان فى الوفد عبد الله بن الشّخّير، فقال: يا رسول الله، أنت سيدنا، وذو الطّول علينا. قال:«السيّد الله، لا يستهوينّكم الشيطان» .
قالوا: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن علاثة بن عوف، وهوذة بن خالد بن ربيعة وابنه، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه جالسا إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أوسع لعلقمة» فأوسع له، فجلس إلى جنبه، فقصّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، وقرأ عليه قرآنا، فقال: يا محمد، إن ربّك لكريم، وقد آمنت بك، وبايعت على عكرمة بن خصفة أخى قيس، وأسلم هوذة وابنه وابن أخيه.
وروى ابن سعد عن عون بن أبى جحيفة السّوائىّ عن أبيه قال: قدم وفد بنى عامر وكنت معهم إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فوجدناه بالأبطح فى قبّة حمراء، فسلّمنا عليه، فقال:«من أنتم» ؟ قلنا: بنو عامر بن صعصعة. قال: