الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشهد شهادة الحقّ، وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابته، وتصديقه وإسلامه على يدى جعفر بن أبى طالب لله رب العالمين. وكان جعفر ممن هاجر إلى الحبشة كما قدّمنا ذكر ذلك. وفى الكتاب الثانى، يأمره أن يزوّجه أمّ حبيبة بنت أبى سفيان بن حرب، وكانت قد هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش الأسدىّ، فتنصر هناك ومات، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من قبله من أصحابه الذين هاجروا إلى الحبشة وأن يحملهم، ففعل، وزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ حبيبة، وأصدقها أربعمائة دينار، وأمر بجهاز المسلمين وما يصلحهم، وحملهم فى سفينتين مع عمرو بن أمية، وجعل كتابى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حقّ من عاج، وقال: لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرها.
ذكر إرسال دحية بن خليفة الكلبىّ إلى قيصر ملك الروم
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وكتب إليه:«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى- أما بعد- فإنّى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم اليريسين «1» ، ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
وبإسنادنا المتقدّم، إلى أبى عبد الله محمد بن إسمعيل بن إبراهيم البخارىّ، قال: حدّثنا الحكم بن نافع أبو اليمان، قال حدّثنا شعيب، عن الزهرىّ، قال أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره، أن أبا سفيان بن حرب أخبره، أنّ هرقل أرسل إليه فى ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام، فى المدّة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادّ فيها أبا سفيان وكفّار قريش «1» ، فأتوه وهم بإيليا، فدعاهم فى مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذى يزعم أنه نبىّ؟
قال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا، فقال: أدنوه منى، وقرّبوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إنى سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبنى فكذّبوه، فو الله لولا الحياء من أن يأثروا علىّ كذبا لكذبت عنه «2» . ثم كان أوّل ما سألنى عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قطّ قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك «3» ؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتّبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت:
بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال:
فهل يرتدّ أحد منهم سخطة «4» لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر «5» ؟
قلت: لا، ونحن منه فى مدّة «6» لا ندرى ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمكنّى كلمة
أدخل فيها شيئا «1» غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال «2» ، ينال منا وننال منه «3» ، قال:
ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدق، والعفاف، والصّلة، فقال لترجمانه: قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث فى نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت «4» : لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت رجل يأتسى «5» بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله، وسألتك أأشراف الناس اتّبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يريدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتمّ، وسألتك أيرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بم يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما يقول حقّا، فسيملك موضع قدمىّ هاتين، وقد
كنت أعلم أنه خارج «1» ، لم أكن أظنّ أنّه منكم، فلو أنى أعلم أنّى أخلص إليه لتجشّمت «2» لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه «3» . ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل فقرأه، فإذا فيه «بسم الله الرحمن الرحيم» وذكره كما تقدّم.
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصّخب، وارتفعت الأصوات «4» ، وأخرجنا، فقلت لأصحابى حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبى كبشة «5» ، إنه ليخافه ملك بنى الأصفر «6» ، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علىّ الإسلام.
قال: وكان ابن النّاطور صاحب «7» إيلياء وهرقل أسقفا «8» على نصارى الشام يحدّث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس «9» ، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، فقال ابن الناطور، وكان هرقل حزّاء «10» : ينظر فى النّجوم، فقال لهم حين سألوه: إنى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنّك شأنهم،
واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم، إذ أتى هرقل برجل، أرسل به ملك غسّان، يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا، فنظروا إليه، فحدّثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية «1» ، وكان نظيره فى العلم، وسار هرقل إلى حمص «2» ، فلم يرم «3» حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه، يوافق رأى هرقل على خروج النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه نبىّ، فأذن هرقل لعظماء الروم فى دسكرة «4» له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلّقت، ثم اطّلع فقال: يا معشر الروم هل لكم فى الفلاح والرّشد؟ وأن يثبت ملككم فتبايعوا لهذا النبىّ، فحاصوا حيصة «5» حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلّقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال: ردّوهم علىّ، وقال: إنى قلت مقالتى آنفا أختبر بها شدّتكم على دينكم فقد رأيت «6» . فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.
رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزّهرى.
وقد قدّمنا من خبر هرقل فى شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقيق نبوءته عنده، فى فصل من بشّر برسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقف عليه هناك.