الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إرسال حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندريّة عظيم القبط، واسمه جريج بن مينا
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتابا فأتاه، وأوصل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، وقال خيرا، وجعل الكتاب فى حقّ من عاج، وختم عليه ودفعه إلى جاريته، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد علمت أن نبيا قد بقى، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعث إليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم، وقد أهديت لك كسوة وبغلة تركبها.
ولم يزد على هذا، ولم يسلم المقوقس، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديّته، وأخذ الجاريتين، وهما مارية أمّ إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأختها شيرين، وبغلة بيضاء، لم يكن فى العرب يومئذ غيرها، وهى دلدل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المقوقس:«ضنّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه «1» » . قال حاطب: كان المقوقس مكرما لى فى الضّيافة، وقلّة اللّبث ببابه، وما أقمت عنده إلا خمسة أيام.
وقال أبو عمر بن عبد البر: إن المقوقس أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم خصيّا اسمه مأبور، وذكر ذلك فى ترجمة مارية، ويقال: هو ابن عمّ مارية، والله أعلم.
وقد ذكرنا فى (الحجّة البالغة، والأجوبة الدّامغة) ما كان بينهما من المحاورات، وذلك فى الباب الرابع عشر، من القسم الخامس، من الفنّ الثانى، فى السّفر الثّامن من هذه النسخة.
ذكر إرسال شجاع بن وهب «1» الأسدى إلى الحارث بن أبى شمر
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسدى، إلى الحارث بن أبى شمر الغسّانى، ملك البلقاء من أرض الشام، يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتابا، قال شجاع: فأتيته وهو بغوطة دمشق، وهو مشغول بتهيئة الأنزال «2» والألطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة، فقلت لحاجبه: إنى رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال:
لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا. وجعل حاجبه- وكان روميّا اسمه مرى «3» - يسألنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أحدّثه عن صفته، وما يدعو إليه، فيرقّ حتى يغلبه البكاء، ويقول: إنى قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبىّ بعينه، فأنا أو من به وأصدّقه، وأخاف من الحارث أن يقتلنى، وكان يكرمنى ويحسن ضيافتى، وخرج الحارث يوما فجلس، ووضع التّاج على رأسه، فأذن لى عليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه ثم رمى به، وقال: من ينتزع منّى ملكى؟ أنا سائر إليه، ولو كان باليمن جئته، علىّ بالناس! فلم يزل يفرض «4» حتى قام، وأمر بالخيول تنعل، ثم قال: أخبر صاحبك ما ترى.
وكتب إلى قيصر يخبره خبرى وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر: ألا تسير إليه، واله عنه، ووافنى بإيلياء. فلما جاءه جواب كتابه دعانى فقال لى: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت: غدا، فأمر لى بمائة مثقال ذهب، ووصلنى مرى،
وأمر لى بنفقة وكسوة، وقال: اقرأ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم منّى السلام. فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:«باد ملكه» وأقرأته من مرى السلام، وأخبرته بما قال، فقال صلى الله عليه وسلم:
«صدق» ومات الحارث بن أبى شمر عام الفتح.
ذكر إرسال سليط بن عمرو العامرىّ إلى هوذة «1» بن علىّ الحنفى باليمامة
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتابا، فقدم عليه فأنزله وحباه، وقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى النبى صلى الله عليه وسلم: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومى وخطيبهم والعرب تهاب مكانى، فآجعل لى بعض الأمر أتّبعك. وأجاز سليط بن عمرو بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره عنه بما قال، فقرأ كتابه وقال:«لو سألنى سيابة «2» من الأرض ما فعلت، باد «3» وباد ما فى يديه» فمات عام الفتح. فهؤلاء السّتّة الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المحرم سنة سبع «4» .
وبعث صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى العبدىّ ملك البحرين.
قال محمد بن سعد: بعثه عند منصرفه من الجعرانة «1» إليه، يدعوه إلى الإسلام، وكتب إليه كتابا. فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه وتصديقه، و «أنى قرأت كتابك على أهل هجر، فمنهم من أحبّ الإسلام، وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضى مجوس ويهود، فأحدث إلىّ فى ذلك أمرك» فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية، وبألا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم «2» » .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمى، وأوصاه به خيرا، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العلاء فرائض الإبل، والبقر والغنم، والثمار والأموال، فقرأ العلاء كتابه على الناس وأخذ صدقاتهم.
وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ملكى عمان.
قال محمد بن سعد: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذى القعدة، سنة ثمان من مهاجره، إلى جيفر وعبد ابنى الجلندى «3» ، وهما من الأزد، والملك منهما جيفر، يدعوهما إلى الإسلام، وكتب معه إليهما كتابا، قال عمرو: لما قدمت عمان عمدت إلى عبد، وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا، فقلت: إنى رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك، فقال: أخى المقدّم علىّ بالسّنّ والملك وأنا أوصلك إليه حتى تقرأ كتابك، فمكشت أياما ببابه، ثم دعانى فدخلت عليه
فدفعت إليه الكتاب مختوما، ففضّ خاتمه وقرأه حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته، إلا أنّى رأيت أخاه أرقّ منه، فقال: دعنى يومى هذا وأرجع إلىّ غدا، فلما كان من الغد رجعت إليه، فقال: إنى فكّرت فيما دعوتنى إليه، فإذا أنا أضعف العرب إن ملّكت رجلا ما فى يدى، قلت: فإنى خارج غدا، فلما أيقن بمخرجى أصبح فأرسل إلىّ، فدخلت عليه فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا، وصدّقا بالنبىّ صلى الله عليه وسلم، وخليا بينى وبين الصّدقة، وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لى عونا على من خالفنى، فأخذت الصدقة من أغنيائهم، فرددتها فى فقرائهم، ولم أزل مقيما بينهم حتى بلغنا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعث صلى الله عليه وسلم المهاجر بن أبى أمية المخزومى إلى الحارث الحميرى، وهو الحارث بن عبد كلال ملك اليمن.
وبعث صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعرى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن.
وكانا جميعا داعين إلى الإسلام، فأسلم عامّة أهل اليمن، ملوكهم وعامّتهم طوعا.
هؤلاء الرسل الذين ذكرهم الشيخ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطى فى مختصر السيرة.
وقد ذكر محمد بن سعد بن منيع فى طبقاته الكبرى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جرير بن عبد الله البجلى إلى ذى الكلاع بن ناكور بن حبيب ابن مالك بن حسّان بن تبّع، وإلى ذى عمرو يدعوهما إلى الإسلام، فأسلما وأسلمت ضريبة بنت أبرهة بن الصّبّاح «1» . وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرير عندهم، فأخبره ذو عمرو بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع جرير إلى المدينة.
ولم يذكر محمد بن سعد المهاجر، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى اليمن مع معاذ بن جبل مالك بن مرارة.
وذكر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمرىّ، فى كتابه المترجم بالاستيعاب، فى ترجمة بن أبى أمية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى الجارث كما قدّمنا.
قال ابن سعد: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بن الأيهم ملك غسّان يدعوه إلى الإسلام فأسلم، وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له هدية، ولم يذكر اسم المرسل إليه، ثم كان من أمر جبلة بن الأيهم، وخبر ارتداده ما نذكره إن شاء الله تعالى، فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
وقال محمد بن إسحق رحمه الله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعمّاله على الصّدقات، إلى كل ما أوطأ «1» الإسلام من البلدان.
فبعث المهاجر بن أبى أميّة بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه العنسىّ وهو بها.
وبعث زياد بن لبيد، أخا بنى بياضة الأنصارى، إلى حضر موت وعلى صدقاتها.
وبعث عدىّ بن حاتم على طيّىء وصدقاتها، وعلى بنى أسد. وبعث مالك بن نويرة اليربوعى على صدقات بنى حنظلة، وفرّق صدقات بنى سعد على رجلين منهم؛ فبعث الزّبرقان بن بدر على ناحية منها، وقيس بن عاصم على ناحية.
قال: وكان قد بعث العلاء بن الحضرمىّ على البحرين، وبعث علىّ بن أبى طالب إلى أهل نجران ليجمع صدقتهم، ويقدم عليه بجزيتهم.
هذا ما وقفنا عليه من أخبار رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنذكر من أخباره صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك.