الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حياؤه وإغضاؤه صلى الله عليه وسلم
والحياء: رقّة تعترى وجه الإنسان عند فعل ما يتوقّع كراهته أو ما يكون تركه خيرا من فعله. والإغضاء: التغافل عما يكره الإنسان بطبيعته، وكان النبى صلى الله عليه وسلم أشدّ الناس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاء، وقد أخبر الله تعالى بحيائه فقال:«إنّ ذلكم كان يؤذى النّبىّ فيستحيى منكم» «1» وعن أبى سعيد الخدرىّ:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حياء من العذراء فى خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه فى وجهه. وكان صلى الله عليه وسلم لا يشافه أحدا بما يكره حياء وكرم نفس. وعن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول كذا، ولكن يقول:«ما بال أقوام يصنعون- أو يقولون- كذا» ينهى عنه ولا يسمّى فاعله. وروى أنس رضى الله عنه أنه دخل عليه رجل به أثر صفرة، فلم يقل له شيئا- وكان لا يواجه أحدا بما يكره- فلما خرج قال:«لو قلتم له يغسل هذا» ويروى «ينزعها» .
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان من حيائه لا يثبت بصره فى وجه أحد، وأنه كان يكنى عما اضطره الكلام إليه مما يكره، صلى الله عليه وسلم.
وأما حسن عشرته وأدبه وبسط خلقه صلى الله عليه وسلم
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس عشرة، وأكثرهم أدبا، وأبسطهم خلقا مع أصناف الخلق، انتشرت بذلك الأخبار الصحيحة، منها ما رويناه بسند متصل عن قيس بن سعد قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر قصة فى آخرها، فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارا
ووطّأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال سعد: يا قيس، أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال قيس: فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم «اركب» فأبيت، فقال:«إما أن تركب وإما أن تنصرف» فانصرفت، وفى رواية أخرى:«اركب أمامى فصاحب الدابة أولى بمقدّمها» . وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع أحدا يمشى معه وهو راكب حتى يحمله، فإن أبى قال:
«تقدّمنى إلى المكان الذى تريد» وركب صلى الله عليه وسلم حمارا عريا إلى قباء، وأبو هريرة معه، فقال:«يا أبا هريرة أحملك» ؟ فقال: ما شئت يا رسول الله، فقال:«اركب» وكان فى أبى هريرة ثقل، فوثب ليركب فلم يقدر، فاستمسك برسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعا، ثم ركب صلى الله عليه وسلم فقال:
«يا أبا هريرة أحملك» ؟ فقال: ما شئت يا رسول الله، فقال:«اركب» فلم يقدر على ذلك، فتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعا، ثم قال:
«يا أبا هريرة أحملك» ؟ فقال: لا، والذى بعثك بالحق لا صرعتك ثالثا. وكان لا يدع أحدا يمشى خلفه ويقول:«خلوا ظهرى للملائكة» . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤلّف أصحابه ولا ينفّرهم، ويكرم كريم كلّ قوم ويولّيه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره ولا خلقه، يتفقّد أصحابه، ويعطى كلّ جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده فى الحق سواء، هكذا وصفه ابن أبى هالة، قال: وكان دائم البشر سهل الخلق ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب «1» ولا فحّاش،
ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهى ولا يؤيس منه. وكان صلى الله عليه وسلم يجيب من دعاه، ويقبل الهدية، ولو كانت كراعا «1» ، ويكافئ عليها، قال أنس:
خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لى أفّ قطّ، وما قال لشىء صنعته لم صنعته، ولا لشىء تركته لم تركته، ومن رواية أخرى عنه قال: خدمته نحوا من عشر سنين فو الله ما صحبته فى سفر ولا حضر لأخدمه إلا وكانت خدمته لى أكثر من خدمتى له، وما قال لى أفّ قطّ، ولا قال لشىء فعلته لم فعلت كذا، ولا لشىء لم أفعله ألّا فعلت كذا؟. وكان صلى الله عليه وسلم فى بعض أسفاره فأمر بإصلاح شاة فقال رجل: يا رسول الله، علىّ ذبحها، وقال آخر: علىّ سلخها، وقال آخر: علىّ طبخها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وعلىّ جمع الحطب» قالوا: يا رسول الله، نحن نكفيك، فقال:«علمت أنكم تكفونى ولكنى أكره أن أتميز عليكم فإن الله يكره من عبده أن يراه مميزا بين أصحابه» وقام فجمع الحطب.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال: «لبيك» وكان يمازج أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم فى حجره، ويجيب دعوة الحرّ والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى فى أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر، قال أنس: ما التقم «2» أحد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحّى رأسه حتى يكون الرجل هو الذى ينحّى رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخذ، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدى جليس له، وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، لم يرقط مادا رجليه بين أصحابه حتى يضيّق بهما على