الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفادات أهل اليمن
ذكر وفد طيّئ وخبر زيد الخيل وعدىّ بن حاتم
قالوا: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيّئ خمسة عشر رجلا، رأسهم، وسيّدهم زيد الخيل بن مهلهل، من بنى نبهان، وفيهم وزر بن جابر بن سدوس «1» النّبهانىّ، وهو قاتل عنترة، وقبيصة بن الأسود بن عامر من جرم طيّئ، ومالك بن عبد الله بن خيبرى «2» من بنى معن، وقعين «3» بن خلف من جديلة «4» ، ورجل من بنى بولان «5» ، فدخلوا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد، فعقلوا رواحلهم بفناء المسجد، ثم دخلوا فدنوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهم الإسلام، فأسلموا وأجازهم بخمس أواق فضة لكل رجل منهم، وأعطى زيد الخيل اثنتى عشرة أوقية ونشّا. وقال صلى الله عليه وسلم:«ما ذكر لى رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لى إلّا ما كان من زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كلّ ما كان فيه» .
وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم «زيد الخير» وقطع له فيد «6» وأرضين معه، وكتب له بذلك كتابا، فخرج مع قومه راجعا، فقال رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم: «إن ينج زيد من حمّى المدينة فإنّه «1» » ، فلما انتهى زيد من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له قردة «2» أصابته الحمّى فمات، فعمدت امرأته إلى ما كان النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب له فحرقته بالنار.
هذا ما كان من خبر زيد الخيل.
وأمّا عدىّ بن حاتم فكان من خبره أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه إلى الفلس «3» - صنم طيّئ- ليهدمه ويشنّ الغارات، فخرج فأغار على حاضر آل حاتم، وأصابوا ابنة «4» حاتم، كما قدّمنا ذكر ذلك فى الغزوات والسّرايا، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبايا طيّئ. وقيل: إنما سباها من خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيل كان عليها خالد بن الوليد، وهرب عدىّ بن حاتم حتى لحق بالشام.
حكى محمد بن إسحق رحمه الله قال: كان عدىّ بن حاتم يقول- فيما بلغنى-:
ما من رجل من العرب كان أشدّ كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به منّى، أمّا أنا فكنت امرأ شريفا، وكنت نصرانيا، وكنت أسير
فى قومى بالمرباع، أى آخذ منهم ربع مغانمهم التى يغنمونها، وكنت فى نفسى على دين، وكنت ملكا فى قومى لما كان يصنع بى، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته، فقلت لغلام كان لى عربىّ، وكان راعيا لإبلى: لا أبا لك! أعدد لى من إبلى جمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا منّى، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذنىّ. ففعل، ثم إنه أتانى ذات غداة فقال: يا عدىّ، ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإنى رأيت رايات فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد. فقلت: فقرّب إلىّ أجمالى. فقرّبها فاحتملت بأهلى وولدى، ثم قلت: ألحق بأهل دينى من النّصارى بالشام، فسلكت الجوشيّة- ويقال الحوشيّة «1» - وخلّفت بنتا لحاتم فى الحاضر، فلمّا قدمت الشام أقمت بها، وتخالفنى خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبايا طيّئ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربى إلى الشام، قال: فجعلت ابنة حاتم فى حظيرة «2» بباب المسجد كانت السّبايا تحبس فيها، فمرّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة «3» ، فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علىّ، منّ الله عليك. قال:«ومن وافدك» ؟ قالت: عدىّ بن حاتم.
قال: «الفارّ من الله ورسوله» ؟!. قالت: ثم مضى وتركنى، حتى إذا كان من الغد مرّ بى فقلت له مثل ذلك، فقال مثل ما قال بالأمس، قالت: حتى إذا كان بعد الغد مرّ بى وقد يئست، فأشار إلىّ رجل من خلفه أن قومى فكلّميه،
قالت: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علىّ، منّ الله عليك. فقال:«قد فعلت فلا تعجلى بخروج حتى تجدى من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنينى» فسألت عن الرجل الذى أشار إلىّ أن كلّميه، فقيل علىّ بن أبى طالب، قالت: فأقمت حتى قدم ركب من بلىّ أو قضاعة «1» ، قالت: وإنما أريد أن آتى أخى بالشام، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، قد قدم رهط من قومى، لى فيهم ثقة وبلاغ، قالت: فكسانى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملنى وأعطانى نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام، قال عدىّ: فو الله إنّى لقاعد فى أهلى إذ نظرت إلى ظعينة تصوب «2» إلىّ تؤمّنا، قال: قلت ابنة حاتم، فإذا هى هى، فلما وقفت علىّ انسلخت «3» تقول: القاطع الظّالم، احتملت بأهلك وولدك، وتركت بقيّة والديك عورتك! قال: قلت: أى أخيّة! لا تقولى إلّا خيرا، فو الله ما لى من عذر، لقد صنعت ما ذكرت. قالت: ثم نزلت فأقامت عندى، فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين فى أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن نلحق به سريعا، فإن يكن الرّجل نبيا فللسّابق إليه فضله، وإن يكن ملكا فلن تذل فى عز اليمن، وأنت أنت. قال: قلت والله إن هذا الرّأى. فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخلت عليه وهو فى مسجده، فسلمت عليه فقال:«من الرّجل» ؟ فقلت: عدى بن حاتم. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بى إلى بيته، فو الله إنه لعامد بى إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كسيرة
فاستوقفته، فوقف لها طويلا تكلمه فى حاجتها، فقلت فى نفسى: والله ما هذا بملك.
قال: ثم مضى حتى إذا دخل بى بيته تناول وسادة من أدم محشوّة ليفا فقذفها إلىّ فقال: «اجلس على هذه» قلت: بل أنت فاجلس عليها، قال:«بل أنت» فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض، فقلت فى نفسى: والله ما هذا بأمر ملك. ثم قال: «إيه يا عدىّ بن حاتم ألم تك ركوسيا «1» ؟» قلت: بلى، قال:«أولم تك تسير فى قومك بالمرباع «2» » ؟ قلت: بلى؛ قال: «فإنّ ذلك لم يك يحلّ لك فى دينك» . قال: قلت أجل والله، وعرفت أنه نبىّ مرسل يعلم ما يجهل، ثم قال:«لعلّك يا عدىّ إنما يمنعك من دخول فى هذا الدّين ما ترى من حاجتهم، فو الله ليوشكنّ المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوّهم، وقلّة عددهم، فو الله ليوشكن أن يسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان فى غيرهم، وايم الله ليوشكنّ أن يسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم» .
قال عدىّ: فأسلمت. فكان عدىّ يقول: قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكوننّ؛ قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت، وايم الله لتكوننّ الثالثة؛ ليفيضنّ المال حتى لا يوجد من يأخذه.