الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفادة الطّفيل بن عمرو الدّوسىّ وإسلامه
قال محمد بن إسحق رحمه الله تعالى: كان الطّفيل بن عمرو الدّوسى يحدّث أنه قدم مكّة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش- وكان الطّفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا- فقالوا له: يا طفيل! إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذى بين أظهرنا قد أعضل بنا، قد فرّق بين جماعتنا، وشتّت أمرنا، وإنما قوله كالسّحر يفرّق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه، ولا تسمعن منه شيئا. قال الطّفيل: فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت على ألّا أسمع منه شيئا ولا أكملّه، حتى حشوت فى أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا «1» فرقا «2» من أن يبلغنى شىء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه «3» ! قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّى عند الكعبة، فقمت منه قريبا، فأبى الله إلّا أن يسمعنى بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا، فقلت فى نفسى: واثكل أمّى؛ والله إنّى لرجل لبيب شاعر، وما يخفى علىّ الحسن من القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذى يأتى به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فاتبعته حتى إذا دخل بيته [دخلت عليه «4» ] فقلت: يا محمد إنّ قومك قد قالوا لى كذا وكذا- للذى قالوا- فو الله ما برحوا يخوّفوننى أمرك حتى سددت أذنى بكرسف ألا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنى قولك، فسمعت قولا حسنا، فاعرض علىّ أمرك. قال:
فعرض علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا علىّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولا قطّ أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت، وشهدت شهادة الحقّ، فقلت: يا نبىّ الله! إنى امرؤ مطاع فى قومى، وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لى آية تكون لى عونا عليهم فيما أدعوهم إليه.
فقال: «اللهم اجعل له آية» ، فخرجت إلى قومى، حتى إذا كنت بثنيّة تطلعنى على «1» الحاضر وقع نور بين عينى مثل المصباح؛ قلت: اللهم فى غير وجهى! إنّى أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت فى وجهى لفراقى دينهم، قال: فتحوّل النّور فوقع فى رأس سوطى، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النّور فى سوطى كالقنديل المعلّق، وأنا أهبط إليهم من الثّنية حتى جئتهم، فأصبحت فيهم، قال: فلما نزلت أتانى أبى وكان شيخا كبيرا، فقلت: إليك عنّى يا أبت، فلست منك ولست منّى، قال: لم يا بنىّ؟ قلت: أسلمت وتابعت دين محمد، قال:
أى بنىّ! فدينى دينك، قلت: فاذهب واغتسل، وطهّر ثيابك، ثم تعال حتى أعلّمك مما علّمت، فذهب فاغتسل وطهّر ثيابه ثم جاء، فعرضت عليه الإسلام فأسلم، ثم أتتنى صاحبتى، فقلت: إليك عنّى فلست منك ولست منّى، قالت: لم؟ بأبى أنت وأمّى! قلت: فرّق بينى وبينك الإسلام، وتابعت دين محمد عليه السلام. قالت: فدينى دينك، قلت: فاذهبى إلى حنا ذى الشّرى «2» - قال ابن هشام: ويقال حمى ذى الشّرى- فتطهّرى منه.