الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوّى بصائرهم، وقال لخالد حين وجهه إلى أكيدر:«إنك بحده يصيد البقر» فكان كذلك. وقد تقدّم خبره. وأخبر صلى الله عليه وسلم بوقائع نحن نترقب وقوعها؛ كقوله: «عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينيّة» . وأخبر بغير ذلك من الأمور التى وقعت فى حياته فى أماكن بعيدة، وأخبر بها حال وقوعها كموت النجاشى، وقتل أمراء مؤته، وغير ذلك صلى الله عليه وسلم.
ومن معجزاته عصمة الله تعالى له من الناس وكفايته إياه مع كثرة أعدائه وتحزبهم واجتماعهم على أذاه
قال الله عز وجل: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
«1» . وقال تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا
«2» . وقال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ
«3» . وقال:
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
«4» . وقال تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ
«5» . روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبّة، فقال لهم:
«يأيها الناس انصرفوا فقد عصمنى الله ربى عز وجل» . وقيل: كان النبى صلى الله عليه وسلم يخاف قريشا، فلما نزلت هذه الآية استلقى، ثم قال:«من شاء فليخذلنى» . وقد تقدم من عصمة الله له وكفايته قصتا دعثور وغورث، وخبر
حمّالة الحطب، وأخذ الله تعالى على بصرها حين أرادته بالفهر «1» ، وخبر أبى جهل حين أراده بالحجر، وغير ذلك.
وها نحن نورد فى هذا الموضع من ذلك خلاف ما قدّمناه؛ فمن ذلك ما روى عن الحكم بن العاص أنه قال: تواعدنا على النبى صلى الله عليه وسلم، حتى إذا رأيناه سمعنا صوتا خلفنا ما ظننا أنه بقى بتهامة أحد، فوقعنا مغشيا علينا، فما أفقنا حتى قضى صلاته ورجع إلى أهله، ثم تواعدنا ليلة أخرى، فخرجنا حتى إذا رأيناه جاءت الصفا والمروة فحالت بيننا وبينه. وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: تواعدنا أنا وأبو جهم بن حذيفة ليلة قتل «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئنا منزله فسمعنا له، فافتتح وقال: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ
إلى: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ
«3» فضرب أبو جهم على عضد عمر وقال: انج، وفرّا هاربين، فكانت من مقدّمات إسلام عمر. ومن ذلك خروجه صلى الله عليه وسلم على قريش حين اجتمعوا لقتله، فأخذ الله على أبصارهم حتى ذرا «4» التراب على رءوسهم وخلص منهم.
وقصة الغار، وأخذ الله على أبصارهم، وخبر سراقة بن مالك بن جعشم، وقد تقدّم ذكر ذلك. وفى خبر آخر أنّ راعيا عرف خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر حين هاجرا، فخرج يشتدّ «5» ليعلم قريشا بشأنهما، فلما دخل مكة ضرب على قلبه فما يدرى ما يصنع، وأنسى ما خرج له حتى رجع إلى موضعه. وذكر السّمرقندىّ:
أن رجلا من بنى المغيرة أتى النبى صلى الله عليه وسلم ليقتله، فطمس الله بصره فلم
ير النبى صلى الله عليه وسلم وسمع قوله، فرجع إلى أصحابه ولم يرهم حتى نادوه، وذكر أنّ فيه وفى أبى جهل نزلت: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ
«1» .
وقد روى عن أبى هريرة أن أبا جهل وعد قريشا: لئن رأى محمدا- صلى الله عليه وسلم يصلّى ليطأنّ رقبته، فلما صلّى النبى صلى الله عليه وسلم أعلموه فأقبل، فلما قرب منه ولّى هاربا ناكصا على عقبيه متّقيا بيديه، فسئل فقال: لما دنوت منه أشرفت على خندق مملوء نارا كدت أهوى فيه، وأبصرت هولا عظيما، وخفق أجنحة قد ملأت الأرض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تلك الملائكة لودنا لا ختطفته عضوا عضوا» ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى
«2» إلى آخر السورة. وقد ذكرنا أيضا قصة شيبة بن عثمان بن أبى طلحة فى غزوة حنين. وعن فضّالة بن عمرو قال: أردت قتل النبى صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو يطوف بالبيت، فلما دنوت منه قال:«أفضالة» ؟ قلت: نعم، قال:«ما كنت تحدّث به نفسك» ؟ قلت: لا شىء، فضحك واستغفر لى ووضع يده على صدرى فسكن قلبى، فو الله ما رفعها حتى ما خلق الله شيئا أحبّ إلىّ منه.
ومنه خبر عامر بن الطّفيل، وأربد بن قيس، وقد تقدم ذكر قصتهما «3» .
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم، وخصه به من الاطلاع على جميع مصالح الدنيا والدين، ومعرفته بأمور الشرائع وغير ذلك، كاطلاعه صلى الله عليه وسلم على أخبار من سلف من الأمم، وقصص الأنبياء والرسل، وأخبار الجبابرة والقرون
الماضية، وحفظ شرائعهم، وسرد أنبائهم، وأيّام الله فيهم، ومعارضة كل فرقة من أهل الكتاب بما فى كتبهم، وإعلامهم بأسرارها ومخبآت علومها، وإخبارهم بما كتموه من ذلك وغيّروه، واحتوائه صلى الله عليه وسلم على لغات العرب وغريب ألفاظها، والحفظ لأيامها وأمثالها وحكمها، ومعانى أشعارها، وما خصه الله تعالى به من جوامع الكلم، وما علمه من ضروب العلوم وفنون المعارف؛ كالطبّ والعبارة «1» والفرائض والحساب والأنساب وغير ذلك، مما جعل أهل هذه العلوم كلامه صلى الله عليه وسلم فيها قدوة وحجة وأصولا يرجعون إليها فى علومهم؛ كقوله عليه السلام:«الرؤيا لأوّل عابر وهى على رجل طائر» وقوله: «الرؤيا ثلاث؛ رؤيا حق، ورؤيا يحدّث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان» . وقوله: «إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب» .
وقوله: «أصل كل داء البردة «2» » وقوله: «المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة» وقوله: «خير ما تداويتم به السّعوط «3» ، واللّدود «4» ، والحجامة، والمشىّ «5» ، وخير الحجامة يوم سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وفى العود «6» الهندى سبعة أشفية» وقوله:«ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه» . وقوله لكاتبه:
«ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملى» . وقد وردت آثار بمعرفته حروف