الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة [693- 1293/1294]
ذكر مقتل السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمهما الله تعالى
كان مقتله رحمه الله، فى يوم السبت ثانى عشر المحرم، سنة ثلاث وتسعين وستمائة. وذلك أنه توجه إلى الصيد بجهة البحيرة. وركب من قلعة الجبل فى ثالث المحرم، وعزم على قصد الحمامات الغربية. وتوجه الصاحب شمس الدين [ابن السلعوس]«1» إلى ثغر الإسكندرية، لتحصيل الأموال، وتجهيز تعابى «2» الأقمشة. فوجد نواب الأمير بدر الدين بيدرا بالثغر قد استولوا على المتاجر والاستعمالات «3» وغير ذلك. فكاتب السلطان بذلك، وعرفه أنه لم يجد بالثغر
ما يكفى الإطلاقات «1» ، على جارى العادة. فغضب السلطان لذلك غضبا شديدا، واستدعى بيدرا بحضور الأمراء، وأغلظ له فى القول، وشتمه وتوعده. فتلطف بيدرا فى الجواب حتى خرج من بين يدى السلطان، وجمع أعيان الأمراء من خوشداشيته، وهم الأمير حسام الدين لاجين، والأمير شمس الدين قراسنقر المنصوريان وغيرهما.
فاتفقوا على الوثوب به. وكان السلطان قد أعطى الأمراء الأكابر دستورا، أن يتوجهوا إلى إقطاعاتهم، وانفرد هو بخاصكيته. وفى أثناء ذلك، ركب السلطان فى نفر يسير من مماليكه للصيد بقرب الدهليز، بمنزلة تروجة «2» . فانتهز بيدرا الفرصة، وركب وصحبته لاجين وقراسنقر وبهادر، رأس نوبة، وأقسنقر الحسامى، وتوغيره «3» ، ومحمد خواجا، وطرنطاى الساقى، والطنبغا، رأس نوبة، ومن انضم إليهم.
وتوجهوا نحو السلطان، وكان بينهم وبينه مخاضة، فخاضوها وقدموا عليه. فقيل إن بيدرا ضربه بالسيف، فالتقاه بيده، فلم يعمل عملا طائلا. فسبّه لاجين، وضربه بالسيف ضربة هدلت كتفه، وأخذته السيوف حتى قتل، فى التاريخ الذى ذكرناه.
وحكى عن شهاب الدين أحمد بن الأشل، أمير شكار، فى كيفية مقتل السلطان.
قال: لما رحل «1» الدهايز والعسكر، جاء الخبر إلى السلطان أن بنزوجة طيرا كثيرا، فساق، وأمرنى أن أسوق فى خدمته، فسقت معه. وقال لى: عجّل بنا، حتى نسبق الخاصكية. فسقنا فرأينا طيرا كثيرا، فصرع منه بالبندق. ثم التفت إلىّ، وقال لى: أنا جيعان، فهل معك ما آكل. فقلت: والله ما معى غير رغيف واحد وفروج فى صواقى «2» ، ادخرته لنفسى. فقال: ناولنيه، فتاولته له، فأكله جميعه.
ثم قال لى: امسك فرسى، حتى أنزل أبول. وكنت كثير البسط معه. فقلت:
ما فيها حيلة، السلطان راكب حصان، وأنا راكب حجر «3» ، وما يتفقان.
فقال لى: انزل أنت، واركب خلفى حتى أنزل أنا.
قال: فنزلت وناولته عنان فرسى، فامسكه. وركبت خلفه. ثم نزل وقعد على عجزه وبال، وبقى يعبث بذكره، ويمازحنى. ثم قام، وركب حصانه، ومسك فرسى حتى ركبت. فينما أنا وهو نتحدث، وإذا بغيار عظيم قد ثار نحونا. فقال لى السلطان: اكشف لى خبر هذا الغيار، ما هو. قال: فسقت وإذا أنا بالأمير بدر الدين بيدرا والأمراء معه. قسألتهم عن سبب مجيئهم.
فلم يكلمونى ولا التفتوا إلىّ، وساقوا على حالهم، حتى قربوا من السلطان.
فابتدره الأمير بدر الدين بيدرا، وضربه بالسيف. فقطع يده. ثم ضربه لاجين على كتفه فحله، وسقط إلى الأرض. وجاء بهادر، رأس نوبة، فوضع السيف
فى دبره، [وأتكأ عليه]«1» حتى أطلعه من حلقه، واشترك من ذكرنا من الأمراء فى قتله «2» .
وهذه الحكاية تدل على أن السلطان، كان قد انفرد عن مماليكه، ولم يكن معه غير شهاب الدين أمير شكار، الحاكى. وبقى الملك الأشرف ملقى فى المكان، الذى قتل فيه يومين. ثم جاء [الأمير عز الدين ايدمر العجمى]«3» متولى تروجة وأهلها إليه، وحملوه إليها فى تابوت. وغسلوه فى الحمام وكفنوه، وجعلوه فى تابوت، ووضعوه فى بيت المال، فى دار الولاية بنزوجة، إلى أن حضر من القاهرة الأمير سيف الدين كوجبا «4» الناصرى. فنقله فى تابوته إلى تربته، التى أنشأها بظاهر القاهرة، بجوار مشهد السيدة نفيسة، ودفن بها فى سحر يوم الخميس «5» الثانى والعشرين من صفر، من هذه السنة. وكانت مدة سلطنته، ثلاث سنين وشهرين وأربعة أيام.
وكان رحمه الله تعالى، ملكا شجاعا كريما، خفيف الركاب، مظفرا فى حروبه. ولم يخلف ولدا ذكراه وإنما مات عن بنتين، وزوجته أردكين «6» أمهما