الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدوم التتار، قويت نفوسهم، وامتد طمعهم. فأذن السلطان له فى ذلك.
فجمع جيوش الحصون، وأمر التركمان والرجالة، واستصحب المجانيق وآلات الحصار. وتقدم إلى حصن المرقب، ونزل بالقرب منه، فاختفى أهله، ولم يتحركوا فى مبدأ الحال. فقوى طمع العسكر فيهم، وتقدموا إلى جانب الحصن، فرشقهم الفرنج بالسهام والجروخ «1» من أعلا الحصن، وسهام المسلمين لا تصل «2» إليهم. فاضطرب العسكر، وأمرهم الطباخى أن يتأخروا عن الحصن، فظنوها هزيمة وولوا، فما أمكنه إلا أن يتبعهم. وخرج الفرنج فى أعقابهم ونالوا من المسلمين، وجرحوا منهم جماعة، ونهبوا وأسروا جماعة من الرجالة. وبلغ السلطان ذلك، فانكره وكبر لديه، وعزم على السفر.
ذكر توجه السلطان إلى الشام
.
وفى سنة تسع وسبعين وستمائة أيضا، عاد السلطان إلى الشام. وكان خروجه من قلعة الجبل، فى مستهل ذى الحجة. ونزل بها ولده الملك الصالح، ورتب فى خدمته الامير علم الدين سنجر الشجاعى، لاستخراج الأموال، وغير ذلك.
وفى هذه السنة، فى ذى الحجة، وصل الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا من العراق، إلى خدمة السلطان. وعاود الطاعة، وسأل الصفح، عن ما فرط من ذنبه، من إعانة سنقر الأشقر، وما كان عزم عليه من الانضمام إلى التتار، وكان اجتماعه بالسلطان بمنزلة الروحاء. ولما وصل إلى الخدمة، ركب السلطان إليه، وتلقاه وأكرمه، وبالغ فى إكرامه وأحسن إليه.
وفيها، فى يوم الأربعاء، وقت العصر، رابع عشر المحرم، توفى الشيخ نور الدين أبو الحسن على ابن الشيخ جلال الدين أبى العزائم همام ابن راجى الله سرابا بن أبى الفتوح ناصر بن داود الشافعى، إمام الجامع الصالحى بظاهر القاهرة، خارج باب زويلة، ودفن من الغد بسفح المقطم، رحمه الله تعالى.
وولى الإمامة بالجامع الصالحى بعده، ولده الشيخ تاج الدين أبو محمد عبد الله محمد.
وفيها، فى يوم الثلاثاء، ثانى عشر شوال، توفى الأديب جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن على المصرى، المعروف بالخرّاز الشاعر المشهور، مولده بمصر، سنة إحدى وستمائة. سمع أبا الفضل أحمد بن محمد الحباب، وروى وسمع من غيره. وكان أديبا فاضلا، جيد البديهة حلو المجون، حسن المحاضرة، كثير النادرة، رحمه الله تعالى.
وفيها، توفى الأمير سيف الدين أبو بكر، المعروف بابن اسباسلار، متولى مصر. وكان قد سمن، وأفرط به السمن، حتى منعه الأطباء من الرقاد على فرش وطى، ومن النوم إلا إغفاء، وقالوا إنه متى استغرق فى النوم مات. فكان كذلك إلى أن مات. وكانت وفاته فى شهر ربيع الآخر، ودفن بتربته بالقرافة.
وله فى ولايته بمصر أخبار كثيرة مشهورة من المصريين، سامحه الله تعالى.
وفيها، توفى الأمير نور الدين على بن عمر الطورى. كان من أبطال المسلمين وشجعانهم وفرسانهم. وله صيت عظيم عند الفرنج، ومعرفة بالبلاد الساحلية ومرابطة وآثار جميلة، ومواقف محمودة. وكان ممن جمع الله له، بين قوة البدن والقلب. كان يقاتل «1» بلتّ حديد، لا يستطيع الشباب حمله، ولازم المرابطة
ببلاد الساحل، فى وجه العدو سنين كثيرة. وكان كريما ديّنا، وتنقل فى الولايات بالشام. وكان محترما فى الدول، مكرما عند الملوك، يعرفون قدره، وحضر المصاف الكائن بين عسكر مصر وسنقر الأشقر، فجرح ووقع تحت حوافر الخيل. ومات فى أواخر صفر أو أوائل شهر ربيع الأول، بجبل الصالحية وقد ناف على تسعين سنة، رحمه الله تعالى.