الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سلطنة السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورى، وهو العاشر من ملوك دولة الترك بالديار المصرية
.
كان جلوسه على تخت السلطنة فى يوم الأربعاء «1» ، حادى عشر المحرم سنة أربع وتسعين وستمائة. وكان سبب ذلك، أنه لما ملك السلطان الملك الناصر، واستقر هو فى نيابة السلطنة كما تقدم، شرع يمهد القواعد لنفسه فى مدة نيابته، ويقرر «2» الأحوال، ويستميل الأمراء. فلما كان فى أول هذه السنة، انقطع فى دار النيابة، بقلعة الجبل، وادّعى الضعف. وإنما كان انقطاعه لتقرير أمر السلطنة له. وركب السلطان الملك الناصر، رجاء إلى دار النيابة للسلام عليه وعيادته فلما اتفقت فتنة المماليك المتقدمة، جلس [الأمير زين الدين كتبغا «3» ] فى اليوم الثانى منها، بدار النيابة. وجمع الأمراء، وذكر لهم أن ناموس السلطنة، وحرمة المملكة، لا يتم لصغر سن السلطان الملك الناصر. فاجتمعت آراء الأمراء على إقامة الأمير زين الدين كتبغا فى السلطنة. وحلفوا له، وقدم له فرس النوبة بالرقبة الملوكية، وعليها ألقابه. وركب من دار النيابة، قبل أذان العصر، من هذا اليوم. ودخل من باب القلعة «4» إلى الأدر السلطانية، والأمراء مشاة فى خدمته. ودخل على تخت السلطنة، ونلقب بالملك العادل. وحجب السلطان الملك الناصر، وجعله فى بعض القاعات هو وأمه. وعامله بما لا يليق أن يعامله
به. فكانت مدة سلطنة السلطان الملك الناصر هذه- وهى السلطنة الأولى- سنة واحدة إلا ثلاثة أيام. ولم يكن له فى هذه المدة من الأمر شىء. وإنما جرى عليه أمر السلطنة، وخطب باسمه على المنابر، وضربت السكة باسمه. وأما غير ذلك من الأمر والنهى، والولاية والعزل، والإطلاق والمنع، والتأمير وإعطاء الإقطاعات، وغير ذلك من الأوامر، فللأمير زين الدين كتبغا النائب، الملقب الآن بالملك العادل «1» .
وفى يوم الخميس ثانى عشر المحرم، مد [الملك العادل زين الدين كتبغا «2» ] سماطا عظيما، وجلس على عادة الملوك. ودخل الأمراء إليه، وقبلوا يده، وهنوه بالسلطنة وخلع على الأمير حسام الدين لاجين المنصورى، وفوض إليه نيابة السلطنة، وجعل الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحى، أمير جاندار، والأمير سيف الدين الحاج بهادر الحلبى، أمير حاجب. وأمر أن تجهّز الخلع لسائر الأمراء والمقدمين، وللوزيرين الصاحب تاج الدين وابن عمه عز الدين، وقضاة القضاة وأرباب المناصب، ومن جرت عادتهم بالخلع، والمماليك السلطانية الذين كانوا بدار الوزارة، كونهم لم يوافقوا خوشداشيتهم، على إقامة الفتنة.
وركب الناس بالتشاريف، فى يوم الخميس، تاسع عشر المحرم. ولما جلس على تخت السلطنة، كتب إلى نائب السلطنة بدمشق، وسائر النواب بالممالك
الشامية والأعمال، يخبرهم بخبر سلطنته، ويطلب منهم بذل اليمين. وكل أجاب بالسمع والطاعة، وبادر إلى الحلف، وما اختلف عليه اثنان.
ومن غريب ما حكى فى أمر الملك العادل هذا، أن هولاكو لما استولى على حلب، وملك الشام أجمع، كما تقدم، وعزم على تجريد العساكر إلى الديار المصرية، أحضر نصير الدين «1» الطوسى، وقال له: تكتب أسماء مقدمى عساكرى، وتنظر أيهم يملك مصر، ويجلس على تخت السلطنة بها. فكتب أسماءهم، وحسب ودقق النظر، فما ظهر له، أنه يملك الديار المصرية إلا كتبغا، فذكر ذلك لهولاكو. وكان كتبغا نوين صهر هولاكو، فقدّمه على العساكر وسيّره، فقتل فى وقعة عين جالوت، كما تقدم. وكان كتبغا هذا، فى عسكر كتبغا نوين، فسبى وهو شاب. ولعله كان فى سن بلوغ الحلم أو نحوه. وأخّر الله السلطنة بالديار المصرية لهذا الاسم. وكان بين الحادثين ست وثلاثون «2» سنة.
ولما ملك [كتبغا]«3» ، شرع فى تأمير مماليكه وتقدمتهم. فكان أول من أمر