الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما كان فى اليوم السادس، وهو اليوم الثانى والعشرين من المحرم، طلع [الصاحب شمس الدين بن السلعوس «1» ] إلى قلعة الجبل، فحضر إلى الأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة، فسلّمه للأمير علم الدين الشجاعى، فسلّمه الشجاعى للأمير بهاء الدين قراقوش الظاهرى، وكان من أعدائه، ليطالبه بالأموال فضربه ضربا شديدا. فأنكر عليه الأمير علم الدين. ثم سيّره إلى الأمير بدر الدين المسعودى، شاد الدواوين، وهو نشو ابن السلعوس، فإنه كان قد طلب من دمشق للمصادرة، لما قتل مخدومه الأمير حسام الدين طرنطاى، وكان يتولى ديوانه بالشام. فأحسن الصاحب إليه، وأفرج عنه، وولاه شد الدواوين بالديار المصرية. فلما سلّم إليه، عاقبه واستصفى أمواله. وكان يجلس لمصادرته وعقوبته فى المدرسة الصاحبية «2» التى بسوبقة الصاحب بالقاهرة. ولم يزل يعاقبه إلى أن مات تحت الضرب، وقيل إنه ضرب بعد موته، ثلاثة عشر مقرعة، ولم يعلم أنه مات. وكانت وفاته فى يوم السبت عاشر صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة، ودفن بالقرافة «3» .
ذكر الخلف الواقع بين الأميرين علم الدين سنجر الشجاعى وزين الدين كتبغا، ومقتل الشجاعى
.
كان الأمير علم الدين الشجاعى قد استمر فى الوزارة وتدبير الدولة، وأحكم
أمرها، وهابه الناس. فلما كان فى يوم الخميس، ثانى عشرين صفر، من هذه السنة، اجتمع الأمراء بمساطب باب القلعة على العادة، ينتظرون فتح باب القلعة، ليزكبوا فى خدمة الأمير زين الدين كتبغا، نائب السلطنة. فلم يشعروا إلا وقد خرجت رسالة على لسان الأمير جاندار، يطلب جماعة من الأمراء، وهم سيف الدين قبجاق، وبدر الدين عبد الله السلاح دار، وسيف الدين قبلاى «1» ، وركن الدين عمر [السلاح دار]«2» أخوتمر، وسيف الدين كرجى، وسيف الدين طرقجى، فدخلوا إلى الخدمة السلطانية. وقام الأمراء للركوب، فبينما هم يسيرون تحت القلعة، بالميدان الأسود، جاء اثنان من ألزام الأمير علم الدين الشجاعى، وهما الأمير سيف الدين قنغر «3» ، وولده حاروشى «4» . فأخبرا الأمير زين الدين كتبغا أن الأمراء الذين استدعوا اعتقلوا، وأن الشجاعى قد دبّر الحيلة عليك وعلى الأمراء، إذا طلعتم إلى القلعة، ودخلتم إلى الخوان أن يقبض عليكم. فعرّف كتبغا الأمراء الذين معه فى المواكب الصورة. فتوقفوا عن الطلوع إلى القلعة، وتوهموا أن الشجاعى اتفق مع الأمراء المنصورية والأمراء البرجية، والمماليك السلطانية. وكان بالموكب الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، والأمير سيف الدين برلغى، أمير مجلس، فأمسكوهما فى الموكب، وأرسلوهما إلى ثغر الإسكندرية.
وأخبرنى الأمير ركن الدين «1» بيبرس، فى ليلة الثامن من شوال سنة سبع وسبعمائة، أنه ضرب على رأسه بدبوس، وأرانى «2» أثر الضربة.
وكان قد ذكر لى ذلك، فى أثناء ذكره لسالف خدمة السلطان، وما لقيه وقاساه.
ولما مسكا، حصلت مفاوضة بين الأمير علم الدين سنجر البندقدارى، وبين الأمير زين الدين كتبغا. فقال البندقدارى له: أين لاجين، أحضره.
فقال: ما هو عندى. فقال: بل هو عندك. فجرد البندقدارى سيفه ليضرب به كتبغا، فضربه بدر الدين بكتوت الأزرق، مملوك كتبغا بسيفه، حل كتفه ثم ألقوه عن فرسه، وذبح يسوق الخيل.
وتوجه الأمير زين الدين كتبغا ومن معه من الأمراء، إلى الباب المحروق وخرجوا منه ونزلوا بظاهر السور، وأمروا مماليكهم وألزامهم وأجنادهم أن يلبسوا عددهم. وأرسل الأمير زين الدين كتبغا نقباء «3» الحلقة، وطلب المقدمين فحضروا إليه، وراسل السلطان [الملك «4» الناصر] ، فى طلب الأمير علم الدين الشجاعى. وقال إن هذا قد انفرد برأيه فى القبض على الأمراء. وبلغنا عنه ما أنكرناه، ونختار حضوره ليحاقق عما نقل عنه. فامتنع عن الحضور. ثم
طلع السلطان على البرج الأحمر، وتراءى للأمراء، فنزلوا وقيلوا الأرض من مواقفهم «1» . وقالوا نحن مماليك السلطان، ولم نخلع يدا عن طاعة، وليس قصدنا إلا حفظ نظام الدولة، واتفاق الكلمة، وإزالة أسباب المضار والفساد عن المملكة. واستمر الحصار سبعة أيام، وكان الشجاعى ينزل إليهم، ويناوشهم القتال، ومعه طائفة من الأمراء وهم: الأمير سيف الدين بكتمر، السلاح دار، وسيف الدين طفجى «2» ، وجماعة من المماليك السلطانية. ثم فارقة الأمراء والمماليك، فكانوا يتسللون عشرة عشرة. فلما رأى حاله انتهت إلى هذه الغاية، قال إن كنت أنا الغريم، فأنا أتوجه إلى الحبس طوعا منى، وأبرأ إلى الأمراء مما نقل إليهم عنى. وحضر إلى باب الستارة السلطانية، وحلّ سيفه بيده، وذهب نحو البرج. وتوجه معه الأمير سيف الدين الأقوش، والأمير سيف الدين صمغار، ليحبساه بالبرج الجوانى، فوثب عليه مملوك الأقوش، فقتله وحز رأسه. وأنزلوه إلى الأمير زين الدين كتبغا، وقد لفّ فى بقجة. فأمر بأن يطاف برأسه القاهرة ومصر، وظواهر هما. فطاف به المشاعلية على رمح، واشهروا «3» قتله. ثم طلع الأمير زين الدين كتبغا والأمراء إلى القلعة، فى يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر، وأفرج عن الأمراء الذين اعتقلوا. وجددت الأيمان، وأنزل من كان بالأبراج والطباق، من المماليك السلطانية، الذين اتهموا بهذه الفتنة. فأسكنت طائفة