الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأقام بها إلى حيث وصل الأمير عز الدين ومن معه، فالتقوا واقتتلوا، فانهزم سمامون، وقتل من أصحابه خلق كثير. واستشهد من المسلمين أناس قلائل.
ولما انهزم [سمامون «1» ] ، تبعه الجيش إلى مسيرة «2» خمسة عشر يوما من دنقلة، فادركوا جريس، فأخذوه، وأخذوا ابن خاله متملك النوبة، وهو من أعيان أصحابه، وممن «3» يرجع إليه الملك. فرتب الأمير عز الدين، ابن أخت الملك ملكا، ورتب جريس فى النياية عنه، وجرد معهما جماعة من العسكر، وقدر «4» عليهما قطيعة، يحملونها إلى الأبواب السلطانية فى كل سنة. وعاد الجيش [بعد أن «5» ] غنموا غنائم كثيرة من الرقيق، والخيل، والجمال، والأبقار، والأكسية.
ولما فارق الجيش النوبة وعاد، وتحقق سمامون عودهم، رجع إلى دنقلة، وقاتل من بها، وهزمهم واستعاد البلاد. فحضر الملك المستجد وجريس، ومن كان معهما من العسكر المجرد، إلى الأبواب السلطانية، وأنهوا ما اتفق من سمامون. فغضب السلطان لذلك، وجرد جيشا كثيفا.
ذكر تجريد الجيش فى المرة الثانية إلى النوبة
قال «6» : وجرد السلطان الأمير عز الدين أيبك الأفرم، أمير جاندار إلى
النوبة، وصحبته من الأمراء، الأمير سيف الدين قبجق المنصورى، والأمير سيف الدين بكتمر الجو كندار، والأمير عز الدين أيدمر، متولى الأعمال القوصية. وجرد أيضا من أطلاب «1» الأمراء، من نذكر: طلب الأمير زين الدين كتبغا المنصورى، وطلب الأمير بدر الدين بيدرا، وطلب الأمير سيف الدين بهادر، رأس نوبة الجمدارية، وطلب الأمير علاء الدين الطيبرس، وطلب الأمير شمس الدين سنقر الطويل. وسار أجناد المراكز بالوجه القبلى، ونواب الولاة من العربان بالديار المصرية، من الوجهين القبلى والبحرى، وعدتهم أربعون ألف راجل. وجهز معهم متملك النوبة، ونائبه جريس.
وكان توجه الجيش من الأبواب السلطانية، فى يوم الثلاثاء، [ثا «2» ] من شوال، سنة ثمان وثمانين. وصحب هذا الجيش من الحراريق والمراكب الكبار والصغار، لحمل الأذواد، والزردخاناة والأثقال، ما يزيد على خمسمائة مركب.
ولما وصل العسكر إلى ثغر أسوان، مات متملك النوبة، فدفن بأسوان.
وطالع الأمير عز الدين الأفرم [السلطان «3» ] بذلك. فأرسل إليه، من أولاد أخت الملك داود رجلا، كان بالأبواب السلطانية. ورسم له أن يملّكه
بالنوبة، فأدركهم على خيل البريد، قبل رحيل العسكر من أسوان. ولما وصل إليهم أنفسهم العسكر نصفين على العادة. فكان الأمير عز الدين الأفرم، والأمير سيف الدين قبجاق «1» ، ونصف العسكر ونصف العربان بالبر الغربى، والأمير عز الدين أيدمر، متولى الأعمال القوصية، والأمير سيف الدين بكتمر الجو كندار، ونصف العسكر ونصف العربان بالبر الشرقى.
وتوجهوا ورسموا الجريس نائب النوبة أن يتقدمهم، منزلة بمنزلة، ومعه أولاد الكنز، أمراء أسوان، ليطمئنوا أهل البلاد ويؤمنوهم «2» ، ويجهزوا الإقامات للعسكر. فكان الجيش إذا وافى بلدا، خرج من بها من المشايخ وأعيانها، وقبلوا الأرض بين يدى الأمراء، وأخذوا أمانا واستقروا ببلدهم، وذلك من الدّو إلى جزائر ميكائيل، وهى البلاد التى كانت تحت يد جريس، صاحب الجبل «3» .
وأما ما عدا ذلك من البلاد، التى لم يكن لجريس عليها ولاية، فإنها أخليت «4» ، طاعة لمتملك النوبة. فكان العسكر ينهب ما يجده بها، ويقتل من تخلف من أهلها بها، ويرعون «5» زروعهم، ويحرقون «6» سواقيهم ومساكنهم، إلى أن انتهوا إلى مدينة دنقلة. فوجدوا الملك قد أخلاها، وأجلى أهلها، ولم يجد الأمراء بها إلا شيخا كبيرا وعجوزا. فسألوهما عن أخبار الملك، فذكرا أنه توجه إلى جزيرة وسطى، فى بحر النيل، مسافتها من دنقلة خمسة عشر يوما. واتساع هذه الجزيرة
مسافة ثلاثة أيام طولا. فتبعهم الأمير عز الدين ومن معه إلى الجزيرة المذكورة ولم يصحبهم حراق ولا مركب، لتوعر البحر بالأحجار. فلما انتهوا إلى قبالة الجزيرة، شاهدوا بها عدة من مراكب النوبة، وجمعا كثيرا. فسألوهم عن الملك، فأخبروهم أنه بالجزيرة المذكورة، فعرضوا عليه الدخول فى الطاعة والحضور، وبذلوا له الأمان، فأبى ذلك. فأقام العسكر ثلاثة أيام، وأو هموه «1» أنهم أرسلوا يطلبون المراكب والحراريق، ويعدون إليه ويقاتلونه. فانهزم من الجزيرة إلى جهة الأبواب، وهى مسافة ثلاثة أيام من الجزيرة، وليست داخلة فى مملكته. ففارقه من كان معه من السواكرة «2» ، وهم الأمراء، وفارقه أيضا الأسقف والقسوس، ومعه الصليب الفضة، الذى يحمل على رأس الملك، وتاج المملكة، وطلبوا الأمان، ودخلوا تحت الطاعة. فأمنهم عز الدين المتولى، وخلع على أكابرهم، ورجعوا معه إلى دنقلة، وهم فى جمع كثير. ولما وصلوا إليها، عدّى الأمير عز الدين الأفرم، والأمير سيف الدين قبجاق، إلى البر الشرقى، دون من معهما من العساكر.
واجتمع الأمراء بدنقلة، ولبست العساكر آلة الحرب، وطلّبوا من الجانبين وزينت الحراريق فى البحر. ولعب الزارقون بالنفط، ومدّ [الأمراء «3» ] الأخوان [السماط «4» ] فى كنيسة أسوس «5» ، وهى أكبر كنيسة بدنقلة. فلما أكلوا الطعام، ملّكوا الملك الواصل من الأبواب السلطانية. والبسوه التاج،
وحّلفوه للسلطان. وحّلفوا له أهل البلاد. وتقرر عليه البقط «1» المستقر أولا، والبقط هو المقرر. وجرّد عنده طائفة من العسكر «2» . وقدّم عليهم ركن الدين بيبرس العزى، أحد مماليك الأمير عز الدين متولى قوص.
وعاد العسكر، وكان وصوله إلى القاهرة فى جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وستمائة، وكانت مدة غيبته منذ خرج من ثغر أسوان، إلى أن عاد إليه ستة أشهر، وعنموا غنائم كثيرة.
فلما عاد العسكر عن دنقلة، حضر سمامون إليها ليلا، وصار يقف على باب كل سوكرى «3» بنفسه ويستدعيه. فإذا خرج ورآه، قبّل الأرض بين يديه وحلف له. فما طلع الفجر حتى ركب معه جميع العسكر النوبى. فزحف بهم على دار الملك، وقبض على الملك. وأرسل إلى ركن الدين بيبرس [العزى «4» ] .
أن يتوجه إلى مخدومه، بحيث لا يلتقيان. «5» فتوجه ركن الدين، ومن معه إلى قوص. [واستقر «6» الملك] سمامون بد نقلة. وأخذ الملك