المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مقتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى ونائبه منكوتمر - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣١

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الحادي والثلاثون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني عشر من القسم الخامس من الفن الخامس أخبار الديار المصرية]

- ‌[تتمة ذكر اخبار دولة الترك]

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النجمى وهو السابع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر عزل الصاحب برهان الدين السنجارى عن الوزارة، وتفويضها للصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان وغير ذلك

- ‌ذكر أخبار الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وخروجه عن طاعة السلطان، وسلطنته بدمشق، وما كان من أمره إلى أن عاد للطاعة، ورجع إلى الخدمة السلطانية

- ‌ذكر التقاء العسكر المصرى والعسكر الشامى، وانهزام عسكر الشام، وأسر من يذكر من أمرائه فى المرة الأولى

- ‌ذكر توجه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى صهيون وتحصنه بقلعتها

- ‌ذكر انتظام الصلح بين السلطان الملك المنصور، وبين سنقر الاشقر، وما استقر بينهما، وانتقاض ذلك، وأخذ صهيون منه

- ‌ذكر خبر الملك السعيد وما كان من أمره بالكرك واستيلائه على الشوبك واستعادتها منه

- ‌ذكر وفاة الملك السعيد، وقيام أخيه الملك المسعود خضر مقامه بالكرك

- ‌ذكر الصلح بين السلطان والملك المسعود وانتقاض ذلك وإخراجه من الكرك

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات التى شهدها السلطان بنفسه، والتى ندب إليها عساكره المؤيدة

- ‌ذكر فتوح قلعة قطيبا

- ‌ذكر فتوح ثعز الكختا

- ‌وذكر الإغارة على بلاد سيس

- ‌ذكر فتوح حصن المرقب

- ‌ذكر غزوتى النوبة الأولى والثانية

- ‌ذكر تجريد الجيش فى المرة الثانية إلى النوبة

- ‌ذكر فتوح طرابلس الشام

- ‌ذكر أخبار طرابلس الشام، منذ فتحها المسلمون فى خلاقة عثمان إلى وقتنا هذا

- ‌ذكر ما اتفق فى الدولة المنصورية على حكم السنين خلاف ما ذكرناه من إقامة النواب، ومهادنة الفرنج، والحوادث الغريبة، التى يتعين ايرادها والوفيات

- ‌سنة ثمان وسبعين وستمائة [678- 1279]

- ‌واستهلت سنة تسع وسبعين وستمائة [679- 1280]

- ‌ذكر ما تجدد بدمشق، بعد أن فارقها الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان عن القضاة بدمشق واعادته، وما اتفق فى هذه السنة الحادثه

- ‌ذكر إعادة الصاحب برهان الدين السنجارى إلى الوزارة وعزله

- ‌ذكر توجه السلطان إلى غزة، وعوده إلى الديار المصرية

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌واستهلت سنة ثمانين وستمائة [680- 1281]

- ‌ذكر ما تقرر من المهادنات مع الفرنج وبيت الاسبتار

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين رزين، وولاية القاضى وجيه الدين، واستعفائه من قضاء القاهرة، وولاية القاضى شهاب الدين الخويى

- ‌واستهلت سنة إحدى وثمانين وستمائة [681- 1282]

- ‌ذكر تفويض نياية السلطنة بحلب للأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى

- ‌ذكر وصول رسل أحمد سلطان، وهو توكدار ابن هولاكو، ملك التتار

- ‌ذكر الظفر بملك من ملوك الكرج وإمساكه

- ‌واستهلت سنة اثنتين وثمانين وستمائة [682- 1283/1284]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعوده

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة عز الدين ابن الصائغ الشافعى عن القضاء، وتولية قاضى القضاة بهاء الدين يوسف بن الزكى

- ‌ذكر وصول الشيخ عبد الرحمن ومن معه من جهة احمد سلطان، ووفاة مرسلهم، وما كان من خبرهم

- ‌ذكر عمارة التربة المنصورية والمدرسة والبيمارستان ومكتب السبيل

- ‌ولنرجع إلى بقية حوادث سنين اثنتين وثمانين وستمائة

- ‌واستهلت سنة ثلاث وثمانين وستمائة [683- 1284]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعوده

- ‌ذكر حادثة السيل بدمشق

- ‌ذكر وفاة الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا وشىء من أخباره، وأمر ولده الأمير حسام الدين مهنا

- ‌ذكر وفاة الملك المنصور صاحب حماه وولاية ولده الملك المظفر

- ‌واستهلت سنة أربع وثمانين وستمائة [684- 1285]

- ‌ذكر مولد السلطان الملك الناصر

- ‌واستهلت سنة خمس وثمانين وستمائة [685- 1286]

- ‌ذكر حادثة غريبة اتفقت بحمص

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك وما رتبه من أمر النيابة وعوده

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة وجيه الدين، وتفويض القضاء بمصر والوجه القبلى، لقاضى القضاة، تقى الدين ابن بنت الأعز

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين بن شاس المالكى وتفويض القضاء لقاضى القضاة زين الدين على بن مخلوف المالكى

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة بهاء الدين بن الزكى وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة ست وثمانين وستمائة [686- 1287]

- ‌ذكر تفويض قضاء القاهرة والوجه البحرى للقاضى برهان الدين السنجارى، ونقلة القاضى شهاب الدين الخويى إلى الشام ووفاة السنجارى، وإضافة قضاء القاهرة للقاضى تقى الدين ابن بنت الأعز

- ‌ذكر خبر واقعة ناصر الدين بن المقدسى واعيان دمشق، ومصادرة أكابر دمشق، وتوكيل ناصر الدين بن المقدسى عن السلطان

- ‌واستهلت سنة سبع وثمانين وستمائة [687- 1288]

- ‌ذكر عزل الأمير علم الدين سنجر الشجاعى عن الوزارة ومصادرته، وتفويض الوزارة لقاضى القضاة، تقى الدين ثم إلى الأمير بدر الدين بيدرا

- ‌ذكر وفاة الملك الصالح وتفويض ولاية العهد إلى الملك الأشرف

- ‌واستهلت سنة ثمان وثمانين وستمائة [688- 1289]

- ‌ذكر ما اتفق بدمشق من المصادرات

- ‌واستهلت سنة تسع وثمانين وستمائة [689- 1290]

- ‌ذكر ايقاع الحوطة على ناصر الدين المقدسى وشنقه

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة نجم الدين المقدسى الحنبلى وتفويض القضاء بدمشق بعده للشيخ شرف الدين المقدسى

- ‌ذكر وفاة السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون، رحمه الله

- ‌ذكر تسمية نواب السلطان الملك المنصور ووزرائه

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون الصالحى وهو الثامن من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر القبص على الأمير حسام الدين طرنطاى وقتله وعلى الأمير زين الدين كتبغا واعتقاله

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة الشريفة للأمير بدر الدين بيدرا المنصورى

- ‌ذكر تفويض الوزارة للصاحب شمس الدين ابن السلعوس وشىء من أخباره

- ‌ذكر القبض والإفراج على من نذكر من الأمراء، وعنه

- ‌ذكر فتوح عكا وصور وصيدا وحيفا

- ‌ذكر القبض على الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة بالشام

- ‌ذكر رحيل السلطان عن عكا ودخوله إلى دمشق وما قرره من أمر النيابة بها، وبالكرك وغير ذلك

- ‌ذكر فتوح برج صيدا

- ‌ذكر فتح بيروت

- ‌ذكر إنفاذ ولدى السلطان الملك الظاهر ووالدتهما إلى بلاد الأشكرى

- ‌ذكر الإفراج عن الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى وغيره من الأمراء

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة تقى الدين ابن بنت الأعز عن القضاء ومصادرته

- ‌ذكر تفويض القضاء بالديار المصرية لقاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى

- ‌ذكر متجددات كانت بدمشق

- ‌واستهلت سنة إحدى وتسعين وستمائة [691- 1291/1292]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌ذكر فتوح قلعة الروم وتسميتها قلعة المسلمين

- ‌ذكر توجه الأمير بدر الدين بيدرا وبعض العساكر إلى جبال الكسروان واضطراب العسكر

- ‌ذكر هرب الأمير حسام الدين لاجين والقبض عليه واعتقاله، والقبض على طقصوا

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة بالشام والفتوحات وعود السلطان إلى الديار المصرية

- ‌ذكر عدة حوادث كانت فى خلال فتح قلعة الروم وقبله وبعده

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وجرمك الناصرى ووفاتهما، ووفاة طقصوا والإفراح عن الأمير حسام الدين لاجين

- ‌واستهلت سنة اثنتين وتسعين وستمائة [692- 1292/1293]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الصعيد

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وأخذ بهسنا من الأرمن، وإضافتها الى الممالك الإسلامية

- ‌ذكر القبض على الأمير حسام الدين مهنا ابن عيسى وأخوته

- ‌ذكر هدم قلعة الشوبك

- ‌ذكر حادثة السيل ببعلبك

- ‌ذكر ختان الملك الناصر، وما حصل من الأهتمام بذلك

- ‌واستهلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة [693- 1293/1294]

- ‌ذكر مقتل السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمهما الله تعالى

- ‌ذكر خبر الأمير بدر الدين بيدرا ومن معه من الأمراء الذين وافقوه، وما كان منهم، ومقتل بيدرا

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الناصر، ناصر الدين محمد، ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى. وهو التاسع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر خبر الأمراء الذين وافقوا بيدرا على قتل السلطان الملك الأشرف

- ‌ذكر أخبار الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس الوزير وما كان من امره، منذ فارق السلطان الملك الأشرف إلى أن مات

- ‌ذكر الخلف الواقع بين الأميرين علم الدين سنجر الشجاعى وزين الدين كتبغا، ومقتل الشجاعى

- ‌ذكر عدة حوادث كانت فى سنة ثلاث وتسعين وستمائة خلاف ما قدمناه، من ولاية وعزل وغير ذلك، والوفيات

- ‌واستهلت سنة أربع وتسعين وستمائة [694- 1294/1295]

- ‌ذكر الفتنة التى قصد المماليك السلطانية إثارتها

- ‌ذكر سلطنة السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورى، وهو العاشر من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر تفويض الوزارة للصاحب فخر الدين عمر بن الخليلى

- ‌ذكر القبض على الأمير عز الدين ايبك الخزندار نائب السلطنة بالفتوحات، وولاية الأمير عز الدين أيبك الموصلى المنصورى

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر يوسف بن عمر صاحب اليمن

- ‌واستهلت سنة خمس وتسعين وستمائة [695- 1295/1296]

- ‌ذكر حادثة عجيبة بالشام

- ‌ذكر وفود الأويرانية من بلاد التتار

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين عبد الرحمن بن بنت الأعز وتفويض القضاء للشيخ ابن دقيق العيد

- ‌واستهلت سنة ست وتسعين وستمائة [696- 1296/1297]

- ‌ذكر عود السلطان الملك العادل إلى الديار المصرية وخلعه من السلطنة ورجوعه إلى دمشق

- ‌ذكر سلطنة السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى وهو السلطان الحادى عشر من ملوك الترك، بالديار المصرية

- ‌ذكر الإفراج عن جماعة من الأمراء

- ‌ذكر تجديد عمارة الجامع الطولونى وترتيب الدروس به، والوقف على ذلك

- ‌ذكر تفويض القضاء بالديار المصرية والشام لمن يذكر

- ‌ذكر تفويض الوزارة بالديار المصرية للأمير شمس الدين سنقر الأعسر

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب السلطنة، وتفويض نيابة السلطنة للأمير سيف الدين منكوتمر

- ‌واستهلت سنة سبع وتسعين وستمائة [697- 1297/1298]

- ‌ذكر وصول الملك المسعود نجم الدين خضر ومن معه من القسطنطينية إلى الديار المصرية

- ‌ذكر توجه الملك السلطان الناصر إلى الكرك وإقامته بها

- ‌ذكر القبض على الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى وغيره

- ‌ذكر إعادة الصاحب فخر الدين عمر بن الخليلى إلى الوزارة

- ‌ذكر تجريد العساكر إلى سيس وما فتح من قلاعها

- ‌ذكر حادثة غريبة ظهر فيها آية من آيات الله عز وجل

- ‌واستهلت ثمان وتسعين وستمائة [698- 1298/1299]

- ‌ذكر مفارقة من نذكر من نواب السلطنة والأمراء الخدمة السلطانية، ولحاقهم بقازان ملك التتار

- ‌ذكر مقتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى ونائبه منكوتمر

- ‌ذكر ما اتفق بعد مقتل الملك المنصور ونائبه منكوتمر، من الحوادث والوقائع المتعلقة بأحوال السلطنة بمصر والشام، إلى أن عاد السلطان الملك الناصر

- ‌ذكر عود السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون إلى السلطنة ثانيا

- ‌ذكر الإفراج عن الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وتفويض الوزارة إليه

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر صاحب حماه

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌واستهلت سنة تسع وتسعين وستمائة [699- 1299/1300]

- ‌ذكر الفتنة التى أثارها الأويرانية بهذه المدينة

- ‌ذكر تسمية من استشهد وفقد، فى هذه الوقعة من المشهورين

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان الملك الناصر عند عوده إلى الديار المصرية من الاهتمام بأمر الجيوش والعساكر

- ‌ذكر توجه السلطان بالعساكر إلى جهة الشام، ووصوله إلى منزلة الصالحية وإرسال الجيوش إلى دمشق والممالك الشامية، وعود الأمراء إلى الخدمة السلطانية ورجوع السلطان إلى قلعة الجبل، وما تقرر من أمر النواب

- ‌واستهلت سنة سبعمائة يوم الجمعة [700- 1300/1301]

- ‌ذكر جباية المقرر على أرباب الأملاك والأموال بالديار المصرية والشام

- ‌ذكر توجه السلطان الملك الناصر بالعساكر إلى الشام وعوده

- ‌ذكر وصول غازان إلى الشام وعوده وما فعلته جيوشه

- ‌ذكر خبر أهل الذمة وتغيير لباسهم وما تقرر فى ذلك، والسبب الذى أوجبه

- ‌ذكر وصول رسل غازان ملك التتار وما وصل على أيديهم من المكاتبة وما أجيبوا به

- ‌واستهلت ثمان وتسعين وستمائة [698- 1298/1299]

- ‌فهرس موضوعات الجزء الحادي والثلاثون

الفصل: ‌ذكر مقتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى ونائبه منكوتمر

‌ذكر مقتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى ونائبه منكوتمر

كان مقتلهما فى ليلة يسفر «1» صباحها عن يوم الجمعة، الحادى عشر من شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وتسعين وستمائة. وسبب ذلك، أن السلطان كان قد فوض الأمور إلى مملوكه نائبه الأمير سيف الدين منكوتمر، وقصد التخلى والراحة والدعة، وعزم على أنه إذا خلى وجهه من الأمراء، وقبض على من يخشى غائلته منهم، فوّض إليه أمر السلطنة، واحتجب هو، على قاعدة الخلفاء.

وإنما كان يمنعه من ذلك، وجود أكابر الأمراء، الذين لا يوافقونه «2» على الرأى هذا. فلما قبض على من ذكرنا من أكابر الأمراء، وأبعد من بقى منهم بالتجريد إلى جهة الشام، استخف حينئذ منكوتمر، بمن بقى منهم، واستبد بالأمر. وآخر ذلك، أن السلطان رسم له أنه إذا كتب مرسوم سلطانى بإنعام أو غيره، بغير إشارته، يقطعه بعد العلامة السلطانية. فثقلت وطأته على الناس، وأنفت نفوس الأمراء من ذلك، وكرهوا بقاء الدولة، وأحبوا زوالها بسببه، مع إحسان السلطان إلى كثير منهم «3» . وكان الأمير سيف الدين كرجى، أحد الأمراء المماليك السلطانية، قد اختص بخدمة السلطان، وتقدم عنده، وجعله مقدما على المماليك السلطانية، على ما كان عليه الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى، فى الدولة الأشرفية. فبقى كرجى هو الساعى فى مصالح المماليك

ص: 357

السلطانية والمتلقى لمصالحهم، فانضموا إليه ودخلوا تحت طاعته، وقويت شوكته بهم، وشوكتهم به. فثقل ذلك على منكوتمر، وعمل على إبعاده.

وحسّن إلى السلطان أن يبعثه إلى نيابة السلطنة بالفتوحات ببلاد سيس «1» .

وكان قد تقدم من الأمراء، قبل كرجى، الأمير سيف الدين تمربغا، فعمل عليه منكوتمر وأبعده وأخرجه إلى الكرك. ثم نقله من الكرك إلى طرابلس، فى جملة الأمراء، فمات بها. فلما اتصل الخبر بكرجى، حضر إلى بين يدى السلطان، وتضرر واستعفى من هذه الولاية فأعفاه السلطان، وشرع فى العمل على منكوتمر. وأتفق أن الأمير سيف الدين طقطاى، أحد الأمراء الخاصكية، وهو نسيب الأمير سيف الدين طقجى، خاطب منكوتمر فى أمر فأغلظه فى القول، وسبّه، فشكا ذلك إلى الأمير سيف الدين طقجى «2» ، فأسّرها فى نفسه.

واجتمع هؤلاء الأمراء، وتشاكوا فيما بينهم، وذكروا سوء سيرة منكوتمر فيهم، وقبح فعله واستخفافه بهم، وعلموا أنهم لا يتمكنون «3» منه، مع بقاء السلطان مخدومه، فاجتمع رأيهم على اغتيال السلطان.

فلما كان فى هذه الليلة المذكورة، جلس السلطان يلعب الشطرنج مع إمامه [نجم الدين] بن «4» بن العسال، وكان قد تقدم عنده، وعنده قاضى القضاة

ص: 358

حسام الدين الحنفى «1» ، وكانت له عادة بالمبيت عند السلطان فى بعض الليالى.

فدخل عليه كرجى على عادته، فسأله السلطان عما فعل. فقال: قد أغلقت على الصبيان فى أماكن مبيتهم، وكان قد رتب بعضهم فى أماكن من الدهاليز. فشكره السلطان، وأثنى عليه. وذكر للقاضى حسام الدين خدمته للسلطان، وملازمته الخدمة. فقبّل كرجى الأرض، ثم تقدم لإصلاح الشمعة التى بين يدى السلطان، فأصلحها وألقى فوطة خدمة كانت بيده على نمجاة «2» السلطان. وكان سلاح دار النوبة قد وافقه وباطنه على قتل السلطان. ثم قال كرجى للسلطان: ما يصلى مولانا السلطان العشاء، فقال نعم، وقام للصلاة. فأخذ السلاح دار النمجاه من تحت الفوطة. فعند ذلك، جرد كرجى سيفه، وضرب السلطان به على كتفه، فأراد السلطان أخذ النمجاه فلم يجدها. فقبض على كرجى، ورماه تحته، فضربه السلاح دار بالنمجاه على رجله، فقطعها. فانقلب [السلطان]«3» على ظهره، وأخذته السيوف، حتى قتل. وهرب ابن العسال الإمام إلى خزانة، وصرخ قاضى القضاة حسام الدين عند ضرب السلطان، لا يحل [هذا لكم «4» ] ، فهم كرجى بقتله. ثم تركه، وأغلق كرجى الباب عليه، وعلى السلطان.

ص: 359

ثم خرج [كرجى]«1» . إلى الأمير سيف الدين طقجى، وقد استعد هو أيضا، وهو ينتظر ما يفعله كرجى، فأعلمه بقتل السلطان. ثم توجهوا إلى دار النيابة، وقد أغلقت. فطرق كرجى الباب، واستدعى الأمير سيف الدين منكوتمر برسالة السلطان، فأنكر حاله، واستشعر السوء، وامتنع من الإجابة. ثم قال له:

كأنكم فتلتم السلطان، فقال: نعم قتلناه، وسبّه. فعند ذلك ذلّ منكوتمر، وضعفت نفسه، واستجار بالأمير سيف الدين طقجى، فأجاره وحلف له أنه لا يؤذيه، ولا يمكن من أذاه، فاطمأن ليمينه وخرج إليهم. فأرسلوه إلى الجب، وأنزلوه إليه، فلما رآه الأمراء، قاموا إليه، وظنوا أن السلطان نقم عليه، وسألوه عن الخبر. فأخبرهم بقتل السلطان، فسبوه، وذكّروه بسوء فعله، وقصدوا قتله، ثم تركوه.

ثم رجع كرجى بعد اعتقال منكوتمر إلى مجلسه. وقال لطقجى: نحن ما قتلنا السلطان لإساءة صدرت منه إلينا، وإنما قتلناه بسبب منكوتمر، ولا يمكن ابقاءه. ثم قام، وتوجه إلى الجب، وأخرجه وذبحه من قفاه على باب الجب «2» .

فكانت مدة سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين، منذ فارق الملك العادل الدهليز، وحلف الأمراء له بمنزلة العوجا، فى يوم الاثنين الثامن والعشرين من المحرم سنة ست وتسعين وستمائة، وإلى أن قتل فى هذه الليلة، سنتين وشهرين وثلاثة عشر يوما، ومنذ خلع الملك العادل نفسه بدمشق، وحلف له، واجتمعت الكلمة عليه بمصر والشام، فى يوم السبت رابع عشرين صفر من السنة

ص: 360

المذكورة إلى هذا التاريخ الذى قتل فيه، سنتين وشهرين إلا ثلاثة عشر يوما.

ودفن بتربته بالقرافة، ودفن نائبه منكوتمر بالتربة أيضا.

وكان رحمه الله تعالى ملكا عادلا، يحب العدل ويعتمده، ويرجع إلى الخير ويميل إليه، ويقرب أهله. وكان حسن العشرة، يجتمع بجماعة من المتعممين والعوام، ويأكل طعامهم. وكان أكولا، ولم يكن فى دولته وأيامه ما يعاب وينكر، إلا انقياده إلى مملوكه نائبه منكوتمر، والرجوع إلى رأيه، وموافقته على مقاصده حتى كان عاقبة ذلك قتلهما. واثرت موافقته له، من الفساد على العباد والبلاد وسفك دماء المسلمين، ما لم يستدرك. وذلك أن الأمراء الذين فارقوا الشام، وتوجهوا إلى التتار خوفا منه، أوجب توجههم إلى قازان، وصوله إلى الشام وخراب البلاد، وسفك الدماء، على ما نذكره بعد فى موضعه إن شاء الله تعالى.

وبلغنى أن الملك المنصور هذا مازال يستشعر القتل، منذ قتل السلطان الملك الأشرف، وأنه فى يوم الخميس بعد العصر، العاشر من شهر ربيع الآخر، وهو اليوم الذى قتل فيه عشيته، أحضر إليه ندب نشاب «1» ميدانى، من السلاح خاناة السلطانية. فجعل يقلبه فردة فردة، ويقتل كل فردة منها، ويقول عند قتلها، من قتل قتل، وكرر هذا القول مرارا. فقتل بعد أربع ساعات من كلامه أو نحوها. وأجرى الله هذا الكلام على لسانه، والنفوس حساسة فى بعض الأحيان.

ص: 361

وحكى لى بعض من أثق به، عن الأمير بدر الدين بكتوت العلائى حكاية عجيبة تتعلق به، وبالسلطان الملك الأشرف، أحبيت ذكرها فى هذا الموضع، فالشىء بالشىء يذكر.

قال بكتوت العلائى: كنت فى خدمة السلطان الملك الأشرف فى الصيد، وأنا يومئذ والأمير حسام الدين لاجين سلاح دارية، نحمل السلاح خلف السلطان. فاجتمعنا بحلقة صيد، وكانت النوبة فى حمل السلاح «1» خلف السلطان للأمير حسام الدين. وقد تقدمت إليه أنا، فى مكان من الحلقة، وإذ أنا بلاجين قد أدركنى، وأعطانى سلاح السلطان. وقال: خذ السلاح، وتوجه إلى السلطان، فإنه قد رسم بذلك. فأخذت السلاح، وتوجهت إلى خدمة السلطان. وساق لاجين فى مكانى الذى كنت به من الحلقة. فلما انتهيت إلى السلطان، وجدته وهو على فرسه، وقد جعل طرف عصا المقرعة على رأس النمازين «2» ، والطرف بجهته، وكأنه فى «3» غيبة من حسه. فلما جئت قال لى: يا بكتوت والله، التفت إلى ورائى، فرأيت لاجين خلفى، وهو حامل سلاحى، والسيف فى يدّه. فخّيل إلىّ أنه يريد أن يضر بنى به، فنظرت إليه، وقلت له يا أشقر «4» ، أعط السلاح لبكتوت يحمله، وتوجه أنت مكانه. قال بكتوت العلائى: فقلت للسلطان، أعيذ مولانا السلطان بالله، أن يخطر هذا بباله، ولاجين أقل من هذا، وأضعف نفسا أن يخطر هذا بباله، فضلا [عن]«5» أن يقدم عليه، وهو

ص: 362