الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن قرمان، والأمير علاء الدين ايدغدى شقير الحسامى. فوصلوا إلى دمشق، فى ذى القعدة، وتوجهوا إلى حلب، وأقاموا بها مع العسكر. وجهز صاحب سيس رسلا إلى الأبواب السلطانية يسأل عواطف السلطان ومراحمه «1» . واستمر العسكر بحلب ينتظرون ما يرد عليهم، من أبواب السلطان. فأقاموا عليها شهورا، إلا الأمير حسام الدين أستاذ الدار، فإنه توجه إلى الأبواب السلطانية، على خيل البريد. وكان عود هذا العسكر إلى الديار المصرية، ووصوله إلى القاهرة، فى منتصف شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وتسعين وستمائة، بعد مقتل السلطان بثلاثة أيام على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر حادثة غريبة ظهر فيها آية من آيات الله عز وجل
وفى سنة سبع وتسعين وستمائة، فى العشر الأول، من جمادى الأولى «2» ، ورد على السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين، مطالعة مضمونها: أن شخصا بقرية جينين «3» ، من الساحل الشامى، كانت له زوجة، فتوفيت إلى رحمة الله تعالى. فحملت بعد تغسيلها وتكفينها ودفنت. فلما عاد زوجها من المقبرة، تذكر أن منديله وقع فى القبر، وفيه جملة من الدراهم. فأتى إلى فقيه فى القرية، فاستفناء ف نبش القبر. فقال له فى ذلك يجوز نبشه وأخذ المال منه. ثم تداخل الفقيه المفتى فى ذلك شىء فى نفسه. فقام وحضر معه إلى القبر، فنبش الزوج القبر ليأخذ المال، والفقيه على جانب القبر. فوجد الزوج زوجته مقعدة «4»
مكتوفة بشعرها، ورجليها مكتوفتين بشعرها، [فحاول حل كتافها «1» ] ، فلم ينحل له ذلك، فأمعن فى ذلك، فخف به وبزوجته. ولم يوجد أو لم يعلم للخسف منتهى. وأما الفقيه فإنه أقام مغشيا عليه يوما وليلة أو ليلتين.- نسأل الله أن يسترنا ولا يفضحنا، وأن لا يؤاخذنا بسوء أفعالنا-. ولما وردت المطالعة على السلطان بهذه الحادثة، عرضها على شيخنا قاضى القضاة تقى الدين ابن دقيق العبد وغيره. وكتب يستعلم عن سيرة هذه المرأة والزوج المخسوف بهما، فما علمت ما ورد عليه من الجواب فى ذلك «2» .
ذكر روك «3» الإقطاعات بالديار المصرية وتحويل السنة
وفى سنة سبع وتسعين وستمائة أيضا، رسم السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين، بروك الإقطاعات والمعاملات والنواحى والجهات بالديار
المصرية. وندب لذلك من الأمراء، الأمير بدر الدين بيليك «1» الفارسى الحاجب، والأمير بهاء الدين قراقوش الظاهرى، المعروف بالبريدى.
وتوجه الكشاف إلى الأقاليم البرانية، بالوجهين القبلى والبحرى، ومسحوا البلاد مساحة روك، وحرروا الجهات وعادوا. وانتصب لهذا جماعة من الكتاب، كان المشار إليه فيهم، تاج الدين عبد الرحمن المعروف بالطويل، وهو أحد مستوفيى «2» الدولة، من مسالمة «3» القبط، وممن يشار إليه فى معرفة صناعة الكتابة، ويعتمد على قوله، ويرجع إليه فيها، فرتب ذلك على حسب ما اقتضاه رأى السلطان فى تقريره.
واستقرّ فى الخاص السلطانى الأعمال الجيزية والأطفيحية وثغر الإسكندرية وثغر دمياط ومنفلوط وكفورها، وهو، والكوم الأحمر من الأعمال القوصية، وفى كل إقليم بلاد.
وتقرر إقطاع نيابة السلطنة من أعظم الإقطاعات وأكثرها متحصلا. فكان من جملته بالأعمال القوصية، مرج بنى هميم وكفورها، وسمهود وكفورها، ودواليبها ومعاصرها، وحرجة «4» مدينة قوص وأدفو. وهذه النواحى يزيد متحصلها
من الغلال خاصة، على مائة ألف وعشرة آلاف أردب، خارجا عن الأموال والقنود «1» والأعسال والتمر والأحطاب وغير ذلك. وفى كل إقليم من الديار المصرية نواحى ومعاصر، فكان فى خاصه سبع «2» وعشرون «3» معصرة، لاعتصار قصب السكر.
وكان نجاز الروك فى ذى الحجة سنة سبع وتسعين وستمائة. واستقبل به سنة ثمان وتسعين الهلالية «4» . وحوّلت السنة الخراجية من سنة ست وتسعين إلى سنة سبع وتسعين. وهذا التحويل جرت به العادة، بعد انقضاء ثلاث وثلاثين سنة، تحوّل سنة، وهو التفاوت فيما بين السنة الشمسية والقمرية. فيجمع من ذلك فى طول السنة، ما ينغمس به سنة. وهو حجة ديوان الجيش فى اقتطاع التفاوت الجيشى. وقيل إن قوله تعالى:(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)
«5» ، إن التسعة هى هذا التفاوت «6» ، ما بين السنتين، والله تعالى أعلم.
وهذا التحويل لا ينقص بسببه شىء من الأموال البتة، وإنما هو تحويل بالأقلام خاصة «7» .
ولما نجز هذا الروك، أقطعت البلاد للأمراء والأجناد دربسته «1» ، لم يستثن منها غير الجوالى «2» والمواريت الحشرية «3» ، فإن ذلك جعل فى جملة الخاص السلطانى.
واستثنيت الرزق الأحباسية «4» المرصدة لمصالح الجوامع والمساجد، والربط والزوايا، والخطباء والفقراء. واستقرت فى سائر البلاد على ما يشهد به ديوان الأحباس.
وما عدا ذلك من سائر الأموال وغيرها، دخل فى الإقطاع.
وفى هذه السنة، كانت وفاة الأمير عز الدين الجناجى، نائب السلطنة ومقدم العسكر بغزة. وكان قبل وفاته قد أودع عند فخر الدين الاعزازى التاجر بقيسارية الشرب بدمشق صندوقا، ولم يطلع على ذلك إلا خزنداره. وكان الصندوق المودع عنده قبل ذلك وديعه، عند بعض أصحاب الأمير المذكور، فأخذ منه، ثم أودعه عند فخر الدين. واتفقت وفاة خزندار الأمير، وهو الذى اطلع على الوديعة قبل وفاة مخدومه بأيام. ثم مات الأمير، فلما اتصلت وفاته بفخر الدين الاعزازى، اجتمع بقاضى القضاة إمام الدين الشافعى بدمشق، وعرفه خبر الوديعة. فأمره بالتأنى فى أمرها؛ حتى تثبت وفاة المذكور، ويتحقق أمر ورثته، ففعل ذلك. وفى أثناء ذلك، طلب الأمير سيف الدين جاغان؛
شاد الدواوين بالشام، الوديع الأول وطالبه بما عنده من الوديعة. فادعى أن الجناجى استعاد ذلك منه، فلم يصدقه، وقصد ضربه وعقوبته، بسبب ذلك.
فأتاه فخر الدين المذكور واعترف أن الوديعة عنده، وأحضر الصندوق إلى الديوان السلطانى. وفتح واعتبر ما فيه، فكان فيه من الذهب اثنان وثلاثون «1» ألف دينار، ومائتا «2» دينار، وأربعة «3» وثلاثون دينارا، وحوائص ذهب، وطرز زركش بتتمة خمسين ألف دينار، هكذا نقل إلىّ ثقة.
وفيها، توفى الأمير سيف الدين بلبان الفاخرى، أمير نقباء العساكر المنصورة بالأبواب السلطانية، وكانت وفاته فى رابع عشر ربيع الآخر. وأعطى إقطاعه سيف الدين بكتمر الحسامى الطرنطاى أمير آخور. وكان السلطان، قبل ذلك أمرّه بعشرة طواشية، فنقله الآن إلى إمرة الطبلخاناة. ثم تنقّل بعد ذلك فى المناصب والنيابات عن السلطنة والوزارة وغير ذلك، على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى فى مواضعه.
وفيها، فى يوم الاثنين حادى عشر جمادى الأولى، كانت وفاة الأمير سعد الدين كوجا الناصرى. وكان يتولى نيابة دار العدل، وتولى تغر الإسكندرية وكان بيده إمرة عشرة طواشية.
وفيها، توفيت الخاتون الجليلة الكبرى، نسب خاتون، ابنة الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مودود ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر أيوب، فى العشر الأوسط فى، شهر ربيع الأول. ودفنت عند والدها بقاسيون، رحمهما الله تعالى.