الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القلائل على العسكر، حتى كملت عدتهم وخيولهم، وجميع ما يحتاجون إليه من الأسلحة والأقمشة «1» .
وجهّز السلطان إلى نواب الحصون بالشام أجمع القصاد بالملطفات يعلمهم ما هو عليه، من الاهتمام وصرعة حركة ركابه، ويحثهم على حفظ الحصون.
فوصلت القصّاد إليهم، فامتثلوا ذلك، وحفظوا الحصون، فحفظت وسلمت، ولله الحمد والمنة. وأحسن السلطان إلى نواب الحصون، وكافأهم على اهتمامهم بها وحفظها. ولما تكامل ما تحتاجه العساكر، توجه السلطان بهم، لقصد الشام.
ذكر توجه السلطان بالعساكر إلى جهة الشام، ووصوله إلى منزلة الصالحية وإرسال الجيوش إلى دمشق والممالك الشامية، وعود الأمراء إلى الخدمة السلطانية ورجوع السلطان إلى قلعة الجبل، وما تقرر من أمر النواب
وفى تاسع شهر رجب، من هذه السنة، توجه السلطان بجميع العساكر
والنواب إلى الشام، لدفع التتار. فاتصل به عود التتار ومفارقتهم الشام، فأقام بالصالحية. وتوجه نائبه الأمير سيف الدين سلار، وأستاذ داره الأمير ركن الدين بيبرس إلى الشام، وصحبتهما سائر النواب والأمراء. ورحلوا من الصالحية فى الثانى العشرين من هذا الشهر. وكانت الملطفات «1» قد سيرت إلى الأمراء: سيف الدين قبجاق، وسيف الدين بكتمر، وفارس الدين البكى، بالحضور إلى الخدمة السلطانية، ومراجعة الطاعة، واستدراك ما فرط، فأجابوا بالسمع والطاعة.
وبادروا بالحضور إلى الخدمة الشريفة السلطانية، واجتمعوا بالأمراء بمنزلة سكرير «2» . وتوجهوا إلى خدمة السلطان، وهو مقيم بمنزلة الصالحية، وذلك فى العاشر من شعبان. فركب السلطان وتلقاهم وأكرمهم وأحسن إليهم، وعاد وهم فى خدمته إلى قلعة الجبل. وكان وصوله إليها فى رابع عشر شعبان، وأسكن الأمراء المذكورين بالقلعة، وأجرى عليهم الإقامات، وشملهم بالإنعام «3» .
وأما الأمير سيف الدين سلار والعساكر، فإنهم توجهوا إلى دمشق. وكان وصول الأمير جمال الدين أقش الأفرم نائب السلطنة بدمشق إليها بالعسكر «4» الشامى، فى يوم السبت عاشر شعبان.
وفى يوم الأحد وصل الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب السلطنة بحلب بعساكرها، وكان قد فوض إليه نيابتها، والأمير سيف الدين قطلبك نائب الفتوحات الطرابلسية جميعا «1» .
وفى يوم الاثنين، ثانى عشر الشهر، وصلت ميسرة الجيوش المصرية، ومقدمها الأمير حسام الدين لاجين أستاذ الدار. وفى يوم الأربعاء، رابع عشر الشهر، وصل قلب الجيش، وفيه الأمير سيف الدين سلار، نائب السلطنة الشريفة.
والمماليك السلطانية، والعادل زين الدين كتبغا المنصورى فى خدمته. ونزلت العساكر بالمرج «2» .
وقرر الأمير سيف الدين سلار النواب بالممالك على ما رسم به السلطان له عند سفره. فأقر الأمير جمال الدين أقش الأفرم على عادته بدمشق. وفوض إلى الأمير زين الدين كتبغا الملقب- كان- بالملك العادل، نيابة السلطنة بالمملكة الحموية «3» ، عوضا عن الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى المذكور، وذلك بحكم أن الأمير سيف الدين بلبان الطباخى استعفى من النيابة بحلب واستقر فى جملة الأمراء المقدمين بالديار المصرية، على اقطاع الأمير شمس الدين آقسنقر كرتيه «4» ، بحكم وفاته. وفوض نيابة السلطنة بالمملكة الطرابلسية والفتوحات إلى الأمير سيف الدين قطلوبك «5» المنصورى. وأعاد الأمير سيف الدين كراى المنصورى إلى نيابة السلطنة بالمملكة الصفدية على عادته.
وفّوض قضاء القضاة الشافعية بدمشق لقاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الحموى، فى خامس شهر شعبان، بحكم وفاة القاضى إمام الدين عمر ابن القاضى سعد الدين بن الكرجى القزوينى القونوى. وكانت وفاته بالقاهرة، فى يوم الثلاثاء خامس عشرين، شهر ربيع الآخر، ودفن بالقرافة. وفوّض قضاء القضاة الحنفية، لقاضى القضاة شمس الدين محمد ابن الشيخ صفى الدين الحريرى، فى يوم الأربعاء الحادى والعشرين من الشهر.
وفوّض شاد الدواوين بالشام، إلى الأمير سيف الدين أقجبا المنصورى. وولى بر دمشق للأمير عز الدين أيبك التجيبى. وفوّض حسبة دمشق لأمين الدين الرومى، إمام المنصور لاجين «1» .
وأقام الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة، والأمير ركن الدين بيبرس بدمشق، إلى أن استقرت أحوالها، وترتبت وظائفها. ثم رجعا إلى الديار المصرية. وكان رحيلهما من دمشق بالجيوش المصرية المنصورة، فى يوم السبت ثامن شهر رمضان. ووصلا إلى خدمة السلطان بقلعة الجبل، فى يوم الثلاثاء، ثالث شوال. ولما وصلا، فوّض إلى الأمير سيف الدين قبجاق نيابة السلطنة بالشوبك. وأعطى الأمير سيف الدين بكتمر السلاح دار إمرة مائة فارس وتقدمة ألف، بالديار المصرية، والأمير فارس الدين البكى الساقى، إمرة بدمشق.
واستقرت الحال على ذلك.
ذكر ما اعتمده الأمير جمال الدين [أقش «1» ] نائب السلطنة بدمشق، بعد عود العساكر المصرية
. لما عاد الأمير سيف الدين سلار والعساكر المصرية من دمشق، وخلاوجه الأمير جمال الدين أقش الأقرم، نائب السلطنة بالشام، تتبع من أذى المسلمين عند التتار، وتجاهر بذلك. فعامل كلا «2» منهم بما نذكره، مما أدى إليه اجتهاده، واقتضاه رأيه وتدبيره. فكحّل الحاج مندوبه «3» ، وسمر الشريف «4» القمى، وابن العونى «5» البرددار، وابن خطلبشا «6» المزى، وحملهم على الجمال، ثم أطلق ابن العونى، بعد ثلاثة أيام. وشنق كانب مسطبة الولاية بدمشق، وإبراهيم مؤذن بيت لهيا «7» ، ورجلا من اليهود. وقطع لسان ابن طاعن، وقطع يد ورجل أحد من أمّرهم «8» قبجاق، فمات بعد ثلاثة أيام. وكحّل الشجاع همام، فمات بعد ليلة.
ثم توجه فى العشرين من شوال إلى جبال الكسر وان والدرزية «9» ، وقصد
استئصال شأفتهم، لما عاملوا به العساكر الإسلامية، عند هزيمتها، من السلب والأذى. فالتزموا برد ما أخذوه من أقمشة العسكر، وحمل ما ترد عليهم، وعاد إلى دمشق، فى يوم الأحد ثالث ذى القعدة من السنة.
وألزم أهل دمشق أرباب الحوانيت بتعليق الأسلحة فى حوانيتهم، وأمروا برماية النشاب، ونودى بذلك. وحضرت رسالة قاضى القضاة بذلك إلى فقهاء المدارس. وعرض عوام البلد فى الحادى والعشرين من القعدة، فحضروا بالسلاح. وقدم على أهل كل سوق رجلا منهم. ثم عرض السادة الأشراف، فى يوم الخميس رابع عشرين الشهر، بالعدّة الكاملة، مع نقيبهم نظام الملك.
وفى هذه السنة، كانت وفاة الأمير الطواشى حسام الدين جلال المغيثى الجلالى، نسبة إلى الملك المغيث ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب. وكانت وفاته فى تاسع شهر ربيع الآخر، بمنزلة السوادة «1» ، وحمل إلى قطيا «2» ، ودفن بها. وكان قد مرض بدمشق، فأعيد، ولم يشهد الوقعة. وكان رحمه الله تعالى دينا خيرا.
وفيها، توفى القاضى علاء الدين أحمد ابن قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن خلف بن بدر العلائى. وكانت وفاته...............
…
«1»
وصليت عليه فيمن صلى، وكانت جنازته مشهودة، ودفن بتربتهم بالقرافة رحمه الله تعالى.
وفيها، توفى الأمير سيف الدين جاغان الحسامى بأرض البلقاء من الشام.
وفيها، توفى الأمير علم الدين سنجر الدوادارى بحصن الأكراد، فى ثالث شهر رجب وكان قد انصرف من الوقعة، والتحق بحصن الأكراد، فمات به، رحمه الله تعالى.
وفيها، توفى والدى، رحمه الله تعالى، تاج الدين أبو محمد عبد الوهاب ابن أبى عبد الله، محمد بن عبد الدائم بن منجا بن على البكرى، النيمى القرشى المعروف بالنويرى. وقد تقدم ذكر باقى نسبه، عند ذكر مولدى فى سنة سبع وسبعين وستمائة «2» . وكانت وفاته رحمه الله، قبل أذان المغرب، من يوم الخميس الثانى والعشرين من ذى الحجة سنة تسع وتسعين وستمائة، بالمدرسة الصالحية النجمية، بقاعة التدريس المالكية. وكان ابتداء مرضه، فى يوم الأربعاء، الرابع عشر من الشهر. ومولده بمصر بالمدرسة المعروفة بمنازل العز سنة ثمان عشرة وستمائة. ومات رحمه الله تعالى، ولم تفته صلاة. ولقد توضأ لصلاة
العصر، من يوم وفاته أربع مرات، وكان به ذرب، ثم صلى صلاة العصر جالسا. ومات قبل أذان المغرب من يومه. وكان آخر كلامه، بعد أن دعا الله تعالى لى بخير، التلفظ بالشهادتين. ثم قبض رحمه الله تعالى، ودفن من الغد، فى يوم الجمعة الثالثة من النهار، بتربة قاضى القضاة زين الدين المالكى، بالقرافة، رحمه الله تعالى وإيانا.