المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر فتوح عكا وصور وصيدا وحيفا - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣١

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الحادي والثلاثون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني عشر من القسم الخامس من الفن الخامس أخبار الديار المصرية]

- ‌[تتمة ذكر اخبار دولة الترك]

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النجمى وهو السابع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر عزل الصاحب برهان الدين السنجارى عن الوزارة، وتفويضها للصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان وغير ذلك

- ‌ذكر أخبار الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وخروجه عن طاعة السلطان، وسلطنته بدمشق، وما كان من أمره إلى أن عاد للطاعة، ورجع إلى الخدمة السلطانية

- ‌ذكر التقاء العسكر المصرى والعسكر الشامى، وانهزام عسكر الشام، وأسر من يذكر من أمرائه فى المرة الأولى

- ‌ذكر توجه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى صهيون وتحصنه بقلعتها

- ‌ذكر انتظام الصلح بين السلطان الملك المنصور، وبين سنقر الاشقر، وما استقر بينهما، وانتقاض ذلك، وأخذ صهيون منه

- ‌ذكر خبر الملك السعيد وما كان من أمره بالكرك واستيلائه على الشوبك واستعادتها منه

- ‌ذكر وفاة الملك السعيد، وقيام أخيه الملك المسعود خضر مقامه بالكرك

- ‌ذكر الصلح بين السلطان والملك المسعود وانتقاض ذلك وإخراجه من الكرك

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات التى شهدها السلطان بنفسه، والتى ندب إليها عساكره المؤيدة

- ‌ذكر فتوح قلعة قطيبا

- ‌ذكر فتوح ثعز الكختا

- ‌وذكر الإغارة على بلاد سيس

- ‌ذكر فتوح حصن المرقب

- ‌ذكر غزوتى النوبة الأولى والثانية

- ‌ذكر تجريد الجيش فى المرة الثانية إلى النوبة

- ‌ذكر فتوح طرابلس الشام

- ‌ذكر أخبار طرابلس الشام، منذ فتحها المسلمون فى خلاقة عثمان إلى وقتنا هذا

- ‌ذكر ما اتفق فى الدولة المنصورية على حكم السنين خلاف ما ذكرناه من إقامة النواب، ومهادنة الفرنج، والحوادث الغريبة، التى يتعين ايرادها والوفيات

- ‌سنة ثمان وسبعين وستمائة [678- 1279]

- ‌واستهلت سنة تسع وسبعين وستمائة [679- 1280]

- ‌ذكر ما تجدد بدمشق، بعد أن فارقها الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان عن القضاة بدمشق واعادته، وما اتفق فى هذه السنة الحادثه

- ‌ذكر إعادة الصاحب برهان الدين السنجارى إلى الوزارة وعزله

- ‌ذكر توجه السلطان إلى غزة، وعوده إلى الديار المصرية

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌واستهلت سنة ثمانين وستمائة [680- 1281]

- ‌ذكر ما تقرر من المهادنات مع الفرنج وبيت الاسبتار

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين رزين، وولاية القاضى وجيه الدين، واستعفائه من قضاء القاهرة، وولاية القاضى شهاب الدين الخويى

- ‌واستهلت سنة إحدى وثمانين وستمائة [681- 1282]

- ‌ذكر تفويض نياية السلطنة بحلب للأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى

- ‌ذكر وصول رسل أحمد سلطان، وهو توكدار ابن هولاكو، ملك التتار

- ‌ذكر الظفر بملك من ملوك الكرج وإمساكه

- ‌واستهلت سنة اثنتين وثمانين وستمائة [682- 1283/1284]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعوده

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة عز الدين ابن الصائغ الشافعى عن القضاء، وتولية قاضى القضاة بهاء الدين يوسف بن الزكى

- ‌ذكر وصول الشيخ عبد الرحمن ومن معه من جهة احمد سلطان، ووفاة مرسلهم، وما كان من خبرهم

- ‌ذكر عمارة التربة المنصورية والمدرسة والبيمارستان ومكتب السبيل

- ‌ولنرجع إلى بقية حوادث سنين اثنتين وثمانين وستمائة

- ‌واستهلت سنة ثلاث وثمانين وستمائة [683- 1284]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعوده

- ‌ذكر حادثة السيل بدمشق

- ‌ذكر وفاة الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا وشىء من أخباره، وأمر ولده الأمير حسام الدين مهنا

- ‌ذكر وفاة الملك المنصور صاحب حماه وولاية ولده الملك المظفر

- ‌واستهلت سنة أربع وثمانين وستمائة [684- 1285]

- ‌ذكر مولد السلطان الملك الناصر

- ‌واستهلت سنة خمس وثمانين وستمائة [685- 1286]

- ‌ذكر حادثة غريبة اتفقت بحمص

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك وما رتبه من أمر النيابة وعوده

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة وجيه الدين، وتفويض القضاء بمصر والوجه القبلى، لقاضى القضاة، تقى الدين ابن بنت الأعز

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين بن شاس المالكى وتفويض القضاء لقاضى القضاة زين الدين على بن مخلوف المالكى

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة بهاء الدين بن الزكى وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة ست وثمانين وستمائة [686- 1287]

- ‌ذكر تفويض قضاء القاهرة والوجه البحرى للقاضى برهان الدين السنجارى، ونقلة القاضى شهاب الدين الخويى إلى الشام ووفاة السنجارى، وإضافة قضاء القاهرة للقاضى تقى الدين ابن بنت الأعز

- ‌ذكر خبر واقعة ناصر الدين بن المقدسى واعيان دمشق، ومصادرة أكابر دمشق، وتوكيل ناصر الدين بن المقدسى عن السلطان

- ‌واستهلت سنة سبع وثمانين وستمائة [687- 1288]

- ‌ذكر عزل الأمير علم الدين سنجر الشجاعى عن الوزارة ومصادرته، وتفويض الوزارة لقاضى القضاة، تقى الدين ثم إلى الأمير بدر الدين بيدرا

- ‌ذكر وفاة الملك الصالح وتفويض ولاية العهد إلى الملك الأشرف

- ‌واستهلت سنة ثمان وثمانين وستمائة [688- 1289]

- ‌ذكر ما اتفق بدمشق من المصادرات

- ‌واستهلت سنة تسع وثمانين وستمائة [689- 1290]

- ‌ذكر ايقاع الحوطة على ناصر الدين المقدسى وشنقه

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة نجم الدين المقدسى الحنبلى وتفويض القضاء بدمشق بعده للشيخ شرف الدين المقدسى

- ‌ذكر وفاة السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون، رحمه الله

- ‌ذكر تسمية نواب السلطان الملك المنصور ووزرائه

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون الصالحى وهو الثامن من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر القبص على الأمير حسام الدين طرنطاى وقتله وعلى الأمير زين الدين كتبغا واعتقاله

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة الشريفة للأمير بدر الدين بيدرا المنصورى

- ‌ذكر تفويض الوزارة للصاحب شمس الدين ابن السلعوس وشىء من أخباره

- ‌ذكر القبض والإفراج على من نذكر من الأمراء، وعنه

- ‌ذكر فتوح عكا وصور وصيدا وحيفا

- ‌ذكر القبض على الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة بالشام

- ‌ذكر رحيل السلطان عن عكا ودخوله إلى دمشق وما قرره من أمر النيابة بها، وبالكرك وغير ذلك

- ‌ذكر فتوح برج صيدا

- ‌ذكر فتح بيروت

- ‌ذكر إنفاذ ولدى السلطان الملك الظاهر ووالدتهما إلى بلاد الأشكرى

- ‌ذكر الإفراج عن الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى وغيره من الأمراء

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة تقى الدين ابن بنت الأعز عن القضاء ومصادرته

- ‌ذكر تفويض القضاء بالديار المصرية لقاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى

- ‌ذكر متجددات كانت بدمشق

- ‌واستهلت سنة إحدى وتسعين وستمائة [691- 1291/1292]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌ذكر فتوح قلعة الروم وتسميتها قلعة المسلمين

- ‌ذكر توجه الأمير بدر الدين بيدرا وبعض العساكر إلى جبال الكسروان واضطراب العسكر

- ‌ذكر هرب الأمير حسام الدين لاجين والقبض عليه واعتقاله، والقبض على طقصوا

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة بالشام والفتوحات وعود السلطان إلى الديار المصرية

- ‌ذكر عدة حوادث كانت فى خلال فتح قلعة الروم وقبله وبعده

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وجرمك الناصرى ووفاتهما، ووفاة طقصوا والإفراح عن الأمير حسام الدين لاجين

- ‌واستهلت سنة اثنتين وتسعين وستمائة [692- 1292/1293]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الصعيد

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وأخذ بهسنا من الأرمن، وإضافتها الى الممالك الإسلامية

- ‌ذكر القبض على الأمير حسام الدين مهنا ابن عيسى وأخوته

- ‌ذكر هدم قلعة الشوبك

- ‌ذكر حادثة السيل ببعلبك

- ‌ذكر ختان الملك الناصر، وما حصل من الأهتمام بذلك

- ‌واستهلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة [693- 1293/1294]

- ‌ذكر مقتل السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمهما الله تعالى

- ‌ذكر خبر الأمير بدر الدين بيدرا ومن معه من الأمراء الذين وافقوه، وما كان منهم، ومقتل بيدرا

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الناصر، ناصر الدين محمد، ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى. وهو التاسع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر خبر الأمراء الذين وافقوا بيدرا على قتل السلطان الملك الأشرف

- ‌ذكر أخبار الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس الوزير وما كان من امره، منذ فارق السلطان الملك الأشرف إلى أن مات

- ‌ذكر الخلف الواقع بين الأميرين علم الدين سنجر الشجاعى وزين الدين كتبغا، ومقتل الشجاعى

- ‌ذكر عدة حوادث كانت فى سنة ثلاث وتسعين وستمائة خلاف ما قدمناه، من ولاية وعزل وغير ذلك، والوفيات

- ‌واستهلت سنة أربع وتسعين وستمائة [694- 1294/1295]

- ‌ذكر الفتنة التى قصد المماليك السلطانية إثارتها

- ‌ذكر سلطنة السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورى، وهو العاشر من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر تفويض الوزارة للصاحب فخر الدين عمر بن الخليلى

- ‌ذكر القبض على الأمير عز الدين ايبك الخزندار نائب السلطنة بالفتوحات، وولاية الأمير عز الدين أيبك الموصلى المنصورى

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر يوسف بن عمر صاحب اليمن

- ‌واستهلت سنة خمس وتسعين وستمائة [695- 1295/1296]

- ‌ذكر حادثة عجيبة بالشام

- ‌ذكر وفود الأويرانية من بلاد التتار

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين عبد الرحمن بن بنت الأعز وتفويض القضاء للشيخ ابن دقيق العيد

- ‌واستهلت سنة ست وتسعين وستمائة [696- 1296/1297]

- ‌ذكر عود السلطان الملك العادل إلى الديار المصرية وخلعه من السلطنة ورجوعه إلى دمشق

- ‌ذكر سلطنة السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى وهو السلطان الحادى عشر من ملوك الترك، بالديار المصرية

- ‌ذكر الإفراج عن جماعة من الأمراء

- ‌ذكر تجديد عمارة الجامع الطولونى وترتيب الدروس به، والوقف على ذلك

- ‌ذكر تفويض القضاء بالديار المصرية والشام لمن يذكر

- ‌ذكر تفويض الوزارة بالديار المصرية للأمير شمس الدين سنقر الأعسر

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب السلطنة، وتفويض نيابة السلطنة للأمير سيف الدين منكوتمر

- ‌واستهلت سنة سبع وتسعين وستمائة [697- 1297/1298]

- ‌ذكر وصول الملك المسعود نجم الدين خضر ومن معه من القسطنطينية إلى الديار المصرية

- ‌ذكر توجه الملك السلطان الناصر إلى الكرك وإقامته بها

- ‌ذكر القبض على الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى وغيره

- ‌ذكر إعادة الصاحب فخر الدين عمر بن الخليلى إلى الوزارة

- ‌ذكر تجريد العساكر إلى سيس وما فتح من قلاعها

- ‌ذكر حادثة غريبة ظهر فيها آية من آيات الله عز وجل

- ‌واستهلت ثمان وتسعين وستمائة [698- 1298/1299]

- ‌ذكر مفارقة من نذكر من نواب السلطنة والأمراء الخدمة السلطانية، ولحاقهم بقازان ملك التتار

- ‌ذكر مقتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى ونائبه منكوتمر

- ‌ذكر ما اتفق بعد مقتل الملك المنصور ونائبه منكوتمر، من الحوادث والوقائع المتعلقة بأحوال السلطنة بمصر والشام، إلى أن عاد السلطان الملك الناصر

- ‌ذكر عود السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون إلى السلطنة ثانيا

- ‌ذكر الإفراج عن الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وتفويض الوزارة إليه

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر صاحب حماه

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌واستهلت سنة تسع وتسعين وستمائة [699- 1299/1300]

- ‌ذكر الفتنة التى أثارها الأويرانية بهذه المدينة

- ‌ذكر تسمية من استشهد وفقد، فى هذه الوقعة من المشهورين

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان الملك الناصر عند عوده إلى الديار المصرية من الاهتمام بأمر الجيوش والعساكر

- ‌ذكر توجه السلطان بالعساكر إلى جهة الشام، ووصوله إلى منزلة الصالحية وإرسال الجيوش إلى دمشق والممالك الشامية، وعود الأمراء إلى الخدمة السلطانية ورجوع السلطان إلى قلعة الجبل، وما تقرر من أمر النواب

- ‌واستهلت سنة سبعمائة يوم الجمعة [700- 1300/1301]

- ‌ذكر جباية المقرر على أرباب الأملاك والأموال بالديار المصرية والشام

- ‌ذكر توجه السلطان الملك الناصر بالعساكر إلى الشام وعوده

- ‌ذكر وصول غازان إلى الشام وعوده وما فعلته جيوشه

- ‌ذكر خبر أهل الذمة وتغيير لباسهم وما تقرر فى ذلك، والسبب الذى أوجبه

- ‌ذكر وصول رسل غازان ملك التتار وما وصل على أيديهم من المكاتبة وما أجيبوا به

- ‌واستهلت ثمان وتسعين وستمائة [698- 1298/1299]

- ‌فهرس موضوعات الجزء الحادي والثلاثون

الفصل: ‌ذكر فتوح عكا وصور وصيدا وحيفا

وأفرج السلطان فى هذا اليوم، عن الأمير زين الدين كتبغا المنصورى، وأعاد عليه إمرته، وأنعم عليه إنعاما كثيرا. وكان قد قبض عليه، كما تقدم لما همّ بالمدافعة عن طرنطاى.

‌ذكر فتوح عكا وصور وصيدا وحيفا

قد ذكرنا أن السلطان الملك المنصور، والد السلطان، كان قد أهمه أمر عكا وتجهز لغزوها. وخرج لذلك، وعاجلته المنية، دون الأمنية. فلما استقر أمر السلطان الملك الأشرف، وخلا وجهه، ممن كان يقصد مناوأته، صرف اهتمامه إلى عكا وغزوها. وندب العساكر من الديار المصرية، وسائر الممالك والحصون. وأمر نواب السلطنة بالممالك الشامية والساحلية، ونواب القلاع والحصون، بتجهيز الزردخانات وأعواد المجانيق والحجارين وغيرهم. وندب الأمير عز الدين أيبك الأفرم، أمير جاندار لذلك. فتوجه من الباب السلطانى، ووصل إلى دمشق، فى سلخ صفر. فجهزت أعواد المجانيق من دمشق، وبرزت إلى ظاهرها فى مستهل شهر ربيع الأول، وتكامل ذلك، فى يوم الخميس ثانى عشر الشهر. وتوجه بها الأمير علم الدين سنجر الدوادارى، أحد الأمراء بالشام، ثم فرقت على الأمراء مقدمى «1» الألوف، فتوجه كل أمير ومضافوه «2» منها، بما أمر بنقله. ثم توجه الأمير حسام الدين لاجين، نائب السلطنة بالشام، فى آخر الجيش «3» ، ببقية العسكر، فى يوم الجمعة، العشرين من شهر ربيع الأول. وندب

ص: 195

السلطان أيضا، الأمير سيف الدين طغريل الايقانى «1» إلى الحصون والممالك يستنجدهم «2» على سرعة تجهيز المجانيق والآلات، فبادر النواب إلى ذلك.

ووصل الملك المظفر صاحب حماه إلى دمشق، فى ثالث عشرين شهر ربيع الأول، بعسكر حماه، وصحبته مجانيق وزردخانات «3» ، ووصل الأمير سيف الدين

ص: 196

بلبان الطباخى، نائب السلطنة بالفتوحات، بعساكر الحصون وطرابلس وما معها، بالمجانيق والزردخانات، فى رابع عشرين الشهر. ووصل سائر النواب، وتوجهوا إلى عكا. هذا ما كان من أمر نواب الممالك الشامية وعساكرها «1» .

وأما السلطان الملك الأشرف، فإنه لما عزم على التوجه إلى عكا، أمر بجمع «2» القراء والعلماء والقضاة والأعيان، بتربة والده السلطان الملك المنصور. فاجتمعوا فى ليلة الجمعة، الثامن والعشرين من صفر، وبانوا بالقبة المنصورية، يقرأون القرآن. وحضر السلطان إلى التربة فى بكرة النهار، وتصدق بجملة من المال والكساوى، ثم عاد إلى قلعة الجبل. واستقل ركابه منها، فى ثالث شهر ربيع الأول. وجهز السلطان آدره العالية «3» إلى دمشق، فوصلوا إلى قلعتها، فى يوم الاثنين، سابع شهر ربيع الآخر. ووصل السلطان إلى المنزلة بعكا، فى يوم الخميس، ثالث شهر ربيع الآخر. ووصلت المجانيق إلى عكا فى اليوم الثانى،

ص: 197

من وصلوه، وهى اثنان وتسعون منجنيقا، [ما بين افرنجى وقرابغا وشيطانى «1» ] ، فنصبت وتكامل نصبها فى أربعة أيام، وأقيمت الستائر.

وكان الفرنج، لما بلغهم اهتمام السلطان وعزمه، كاتبوا ملوك البحر، وسألوهم إنجادهم، فأتوهم من كل مكان. واجتمع بعكا منهم جموع كثيرة، فقويت نفوسهم، ولم يغلقوا أبواب البلد. واستمر الحصار وعملت النقوب، إلى السادس عشر من جمادى الأولى «2» .

فلما كان فى يوم الجمعة السابع عشر من الشهر، أمر السلطان أن تضرب الكوسات جملة واحدة، وكانت [على «3» ] ثلاثمائة جمل. فلما ضربت، هال أهل عكا ما سمعوه منها. وزحف السلطان بالعساكر، قبل طلوع الشمس من هذا اليوم. فما ارتفعت الشمس: إلا والصناجق السلطانية على أسوارها.

ولما أشرف المسلمون على فتح عكا، وتحقق من بها ذلك، خرجت طائفة منهم، نحو عشرة آلاف رجل مستأمنين، فرّقهم السلطان على الأمراء، فقتلوا عن آخرهم. وأرسل السلطان جماعة من الأسرى، إلى الحصون الإسلامية.

ص: 198

وكانت مدة الحصار على عكاء منذحل ركاب السلطان، إلى أن فتحت، أربعة وأربعين يوما. واستشهد من الأمراه على حصارها، الأمير علاء الدين كشتغدى «1» الشمسى، ونقل إلى جلجولية «2» ودفن بها، والأمير عز الدين أيبك المعزى «3» ، نقيب «4» العساكر، والأمير جمال الدين آقش الغتمى «5» ، والأمير بدر الدين بيليك المسعودى، والأمير شرف الدين قيران السكرى، وأربعة من مقدمى «6» الحلقة، وجماعة يسيرة من العسكر.

وكانت عكا بيد الفرنج، منذ استرجعوها من السلطان، الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، فى سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وإلى هذا التاريخ، مائة سنة وثلاث سنين، وأمر السلطان الآن بإخرابها، فخربت «7» .

وفتح الله تعالى على يد السلطان، فى بقية الشهر، من المدن المشهورة الساحلية، صور، وصيدا، وحيفا، وعثليث، بغير قتال. وذلك أن الله تعالى،

ص: 199

أوقع فى قلوب أهلها الرعب، لما فتحت عكا، وعلموا أنهم لا يقدرون على حفظها، ففارقوها ونجوا بأنفسهم. فملكها السلطان، فأمر بهدمها جميعها فهدمت. ثم فتجت صيدا وبيروت، على يد الأمير علم الدين الشجاعى، على ما نذكره «1» إن شاء الله تعالى.

وأكثر الشعراء ذكر هذا الفتح. فكان ممن «2» امتدح السلطان، وذكر هذا الفتح من الشعراء، الشيخ الفاضل بدر الدين محمد بن أحمد بن عمر المنيجى «3» التاجر المقيم بالقاهرة، فقال:

بلغت فى الملك أقصى غاية الأمل

وفتّ شأو ملوك الأعصر الأول

وحزت رق العلى بالجد مجتهدا

وجزت غاياتها سيقا على مهل

ونلت بالحول دون الناس منفردا

ما لم ينله ملوك الأرض بالحيل

فطل بدولتك الميمون طائرها

فإنها غرة فى أوجه الدول

واسعد بهمتك العليا التى وصلت

لك السعود بحبل غير منفصل

فأنت للدين والدنيا صلاحهما

وفيهما حمل ضيم غير محتمل

فكم بلغت مرادا بت «4» تأمله

بعزمك الباتر العارى من الفلل

ص: 200

وكم فتحت حصونا طالما رجعت

لليأس «1» عنها الملوك الصيد فى خجل «2»

حررت «3» من عكة الغراء ما عجزت

عنه الملوك بعزم غير منتثل

عقيلة المدن أمست من حصانتها

وصونها من ليالى الدهر فى عقل

وقد دعتها ملوك الأرض راغبة

وعطفها عنهم بالتيه فى شغل

صدت عن الصيد لا تلوى فلم تطل

الأوهام منها إلى وصل ولم تصل

أم لهم «4» برّة كم رام خطبتها

بعل «5» سواك، فلم تذعن ولم تنل

حتى أمرك فأمست وهى طائعة

بعد الإباء لأمر منك ممتثل

مازال غيرك فيها طامعا وعلى

يديك، قد كان هذا الفتح فى الأزل

فتحا «6» تطاول عن نثر «7» يحوط به

وصفا، وعن نظم شعر محمد الطّول

قصدتها فأصيبت بعد ما فجعت

فى أهلها من أسود الغيل بالغيل

فى جحفل لجب «8» كالليل انجمه

تبدو لرائيه من قضب ومن أسل

تمم المهامه من وعر «9» ومن أكم

وطبّق الأرض من سهل ومن جبل

ص: 201

تخالهم وجياد الخيل تحتهم

لليأس «1» فى الروع آسادا على قلل «2»

لا تنظر العين منهم إن هم لبسوا

لا مات حربهم يوما، سوى المقل

صدمتها بجيوش لو صدمت بها

صم الجبال، أزالتها ولم تزل

فأصبحت بعد عز الملك خاضعة

من ذلة الملك طول الدهر فى سمل

أمست خرابا وأضحى أهلها ومما

وسطرتها يد الأيام فى المثل

فسلب «3» بزتها «4» عنها وقد عطلت

ألذ للطرف من حلى ومن حلل

ومحو أثارها منها وقد خربت

أشبى إلى التفس من زوض الربى «5» الخضل

بالأشرف السيد السلطان «6» زال عنا

التثليث وابتهج التوحيد بالجدل

تدبير «7» ذى حكم «8» فى عز منتقم

وعمر مقتبل فى رأى مكتهل

راحت وقد سلبت أرواحهم بشبا

الهندى أموالهم من «9» جملة النفل

هدمت ما شيدوا، فرقت ما جمعوا

نقضت ما ابرموه غير محتفل

وعند ما أصبحت قفرا بلادهم

من السواحل بعد الأهل فى العطل «10»

ص: 202

رحلت عنها، ولكن كم أقمت بها

من خوف بأسك جيشا غير مرتحل

لازلت ذا رتب فى المجد سامية

وسؤدد بنواصى الشهب متصل

وقال المولى شهاب الدين أبو الثنا محمود الحلبى كاتب الانشاء، لما عاين النيران فى جوانب عكا. وقد تساقطت أركانها، وتهدمت جدرانها.

مررت بعكا بعد تخريب سورها

وزند أوار النار فى وسطها وار «1»

وعاينتها بعد التنصر قد غدت

مجوسية الأبراج تسجد للنار

وقال أيضا:

الحمد لله زالت دولة الصّلب

وعزبا لترك دين المصطفى العربى

هذا الذى كانت الأمال لو طلبت

رؤياه فى النوم لا ستحيت من الطلب

ما بعد عكا وقد هدت قواعدها

فى البحر للشرك عتد البر من أرب

عقيلة ذهبت أيدى الخطوب بها

دهرا وشدت عليها كف مغتصب

لم يبق من بعدها للكفر إذ خربت

فى البر والبحر ما ينجى سوى الهرب

كانت تخيلها آمالنا فترى

إن التفكر فيها أعجب العجب

أم الحروب فكم [قد «2» ] أنشأت فتنا

شاب الوليد بها هولا ولم تشب

سوران بر وبحر حول ساحتها

دارا، وأدناهما أتأى «3» من القطب

خرقاء «4» أمنع سوريها وأحصنه

غلب الكماة، وأقواه على النوب

ص: 203

مصفح مصفاح، حولها شرف

من الرماح وأبراج من اليلب «1»

مثل الغمامة «2» تهدى من صواعقها

بالنبل أضعاف ما تهدى «3» من السحب

كأنما كل برج حوله فلك

من المجانيق يرمى الأرض بالشهب

ففاجأتها جنود الله يقدمها

غضبان «4» لله لا للملك والنشب

ليث أبى أن يرد الوجه عن أمم

يدعون رب الورى سبحانه بأب

كم رامها ورماها قبله ملك

جم الجيوش فلم يظفر ولم يصب

لم يلهه ملكه، بل فى أوائله

قال الذى لم ينله الناس فى الحقب

لم ترض همته إلا التى قعدت

للعجز عنها ملوك العجم والعرب

فأصبحت وهى فى بحرين مائلة

ما بين مضطرم نارا «5» ومضطرب

جيش من الترك ترك الحرب عندهم

عار، وراحتهم ضرب من الوصب

خاضوا إليها الردى والبحر فاشتبه ال

أمران واختلفا فى الحال والسبب

تسنموها فلم يترك «6» ثباتهم «7»

فى ذلك الأفق برجا غير منقلب

تسلموها فلم تخل الرقاب بها

من فتك منتقم أو كف منتهب

ص: 204

أتوا حماها فلم تدقع وقد وثبوا

عنها مجانيقهم شيئا «1» ولم يثب

يا يوم عكا لقد انسيت ما سبقت

من «2» الفتوح وما قد خطّ فى الكتب

لم يبلغ النطق حد الشكر فيك فما

عسى يقوم به ذو الشّعر والخطب

كانت تمنى بك الأيام عن أمم

والحمد لله شاهدناك عن كتب

أغضبت عباد عيسى إذ أبدتهم «3»

لله أى رضى فى ذلك الغضب

وأطلع الله جيش النصر فابتدرت

طلائع الفتح بين السمر والقضب

وأشرف المصطفى الهادى البشير على

ما أسلف «4» الأشرف السلطان من قرب

فقرّ عينا بهذا الفتح وابتهجت

ببشره «5» الكعبة الغراء فى الحجب

وسار فى الأرض مسرى الريح سمعته

فالبر فى طرب والبحر فى حرب

وخاضت البيض فى بحر الدماء فما

أبدت من البيض إلا ساق مختضب

وغاص «6» زرق الفنا «7» فى زرق أعينهم

كأنها شطن يهوى «8» إلى قلب

توقدت وهى تروى فى نحو رهم

فزادها الرى فى الإشراق واللهب «9»

ص: 205

أجرت إلى البحر بحرا من دمائهم

فراح كالراح «1» إذ غرقاه كالحبب «2»

وذاب من حرّها عنهم حديدهم

فقيدتهم «3» به ذعرا يد الرهب «4»

تحكمت فسطت فيهم قواضيها

قتلا وعفت لحاويها عن السلب

كم أبرزت بطلا كالطود قد بطلت

حواسه فغدا كالمنزل الخرب

كأنه وسنان الرمح يطلبه

برج هوى ووراه كوكب الذنب

بشراك يا ملك الدنيا لقد شرفت

بك الممالك واستعلت على الوثب

ما بعد عكا، وقد لانت عربكتها

لديك شىء تلاقيه «5» على تعب

فانهض إلى الأرض فالدنيا بأجمعها

مدت إليك نواصيها بلا نصب

كم قد دعت، وهى فى أسر العدا زمنا

صيد الملوك فلم تسمع «6» ولم تجب «7»

لبيتها «8» يا صلاح الدين معتقدا

بأن ظنّ صلاح الدين لم يخب

أسلت فيها كما سالت دماؤهم

من قبل إحرازها بحرا من الذهب

أدركت ثأر صلاح الدين إذ غضبت

منه لعمر «9» طواه الله فى الكتب

ص: 206

وجئتها بجيوش كالسيول على

أمثالها «1» بين أجام من القضب «2»

وحطتها «3» بالمجانيق «4» التى وقفت

أمام أسوارها فى جحفل لجب

مرفوعة نصبوا أضعافها قبلت «5»

للجزم والكسر منها كل منتصب

ورضتها بنقوب ذللت شمما

منها وأبدت محياها بلا نقب

وبعد صبحتها بالزحف فاضطربت

رعبا وأهوت بخديها «6» إلى الترب

وغنت «7» البيض فى الأعناق فار تقصت «8»

أجسادها لعبا منها مع اللعب

وخلّقت بالدم الأسوار فابتهت

طيبا ولولا دماء القوم لم تطب «9»

وأبرزت كل خود «10» كاعب نثرت «11»

لها الرؤوس وقد زفت بلا طرب

باتت «12» وقد جاورتنا ناشزا وغدت

طوع الهوى فى يدى جيرانها الجنب

ظنوا بروج البيوت الشم تعقلهم «13»

فاستعقلتهم ولم تطلق ولم تهب

ص: 207

فأحرزتهم ولكن للسيوف لكى

لا يلتجى أحد منهم إلى هرب

وجالت «1» النار فى أرجائها وعلت

فاطفأت ما بصدر الدين من كرب

أضحت أبا لهب تلك البروج وقد

كانت بتعليقها حمالة الحطب

وأفلت «2» البحر منهم من يخبر من

يلقاه من قومه بالويل والحرب

وتمت النعمة العظمى وقد ملكت

بفتح صور بلا حصر ولا نصب

أختان فى أن كلا منهما جمعت

صليبة الكفر لا أختان فى النسب

لما رأت أختها بالأمس قد خربت

كان الخراب لها أعدى من الجرب

إن لم يكن ثمّ كون البحر منصبغا

بها إليها والألسن اللهب «3»

فالله أعطاك ملك البر وأبتدأت

لك السعادة ملك البحر فارتقب

من كان مبدأه «4» عكا وصور معا

فالصين أدنى إلى كفيه من حلب «5»

علا بك الملك حتى إن قبته

على الثريا غدت ممدودة الطنب

فلا برحت عزيز النصر مبتهجا

بكل فتح قريب المنح مقترب

وعمل الشعراء فى هذا الفتح قصائد كثيرة، اقتصرنا «6» منها، على ما أوردناه، فلنذكر خلاف ذلك.

ص: 208