الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا ما كان من أخبار هؤلاء المناوئين فى الملك، فلنذكر الفتوحات والغزوات، ونوردها فى الترتيب، على حكم السنين، إن شاء الله تعالى.
ذكر الفتوحات والغزوات التى شهدها السلطان بنفسه، والتى ندب إليها عساكره المؤيدة
ذكر «1» عبور التتار إلى الشام، والمصاف الذى وقع بينهم وبين العساكر المنصورة، بحمص وانهزام التتار.
قال المؤرخ «2» : وفى سنة ثمانين وستمائة، وردت الأخبار بدخول منكوتمر «3» ، إلى بلاد الروم، بعساكر المغل، وأنه نزل بين قيسارية وابلستين، فتوجه كشافة من عين تاب، فوقعوا بفرقة من التتار بالقرب من صحراء هوتى «4» ، الذى كسر الملك الظاهر التتار عليها. فظفروا منهم بإنسان يسمى حلتار بهادر «5» [أمير «6» ] آخور أبغا ابن هولاكو، كان قد توجه لكشف المروج، فأمسكوه وأحضروه إلى السلطان
إلى دمشق. فوانسه السلطان، وسأله عن الأخبار، فذكر أنهم فى عدد كثير يزيدون على ثمانين ألف فارس من المغل، وعزمهم أنهم يقصدون البلاد، قولا جزما، ويركبون من منزلتهم أول شهر رجب.
ثم ورد الخبر فى جمادى الآخرة، أنهم ركبوا من منزلتهم، وأنهم يسيرون برفق، وأن فرقة منهم توجهت صحبة أبغا إلى الرحبة، ومعه صاحب ماردين، فسير السلطان كشافة إلى الرحبة، صحبة بجكا «1» العلائى. وركب السلطان من دمشق، ووصل العدو المخذول إلى صوب حارم. وراسل السلطان الأمير شمس الدين سنقر الأشقر عدة مراسلات، إلى أن تقرر أنه ينزل من صهيون بمن معه للغزاة، بشرط أن يعود إليها، إذا انقضى المصاف. فنزل ووافى السلطان على حمص، هو ومن كان عنده من الأمراء، وهم ايتمش السعدى، وازدمر الحاج، وسنجر الداوادارى، وبجق البغدادى، وكراى، وشمس الدين الطنطاش وابنه، ومن معهم من الظاهرية. ففرح المسلمون بحضورهم، وكان ذلك قبل المصاف بيومين.
ثم ورد الخبر أن منكوتمر على حماه بعساكر التتار، فى ثمانين ألف، منهم خمسون ألف من المغل، وبقيتهم مرتدة «2» وكرج وروم وأرمن «3» وفرنج، وأنه نفر
إليهم مملوك من مماليك الأمير ركن الدين بيبرس العجمى الصالحى الجالق، ودلّهم على عورات المسلمين وأخبرهم بعددهم.
ورحلوا ليلة الحميس عن حماه، ورتبوا جيشهم. فكان طرف ميمنتهم حماه، وطرف ميسرتهم [ «1» ] ، وساقوا طالبين اللقاء، والمقدم عليهم من قبل أبغا، منكوتمر [بن «2» ] هولاكو، أخو أبغا.
ورتب السلطان الملك المنصور عساكره، وبات المسلمون على ظهور خيولهم.
واتفق أن شخصا من عسكر التتار، دخل حماه، وقال للنائب بها:«اكتب الساعة إلى السلطان، على جناح طائر، وعرفه أن القوم ثمانون ألف مقاتل فى القلب، منهم أربعة وأربعون ألف من المغل وهم طالبون القلب، وميمنتهم قوية جدا، فتقوى ميسرة المسلمين، وتحترز على الصناجق» . فكتب النائب بذلك إلى السلطان. فلما قرأ الكتاب ركب عند إسفار الصباح، فى يوم الخميس رابع عشر شهر رجب، سنة ثمانين وستمائة، وهو يوم اللقاء. ورتب العساكر المنصورة الإسلامية، على ما نذكره، بمقتضى ما أورده الأمير ركن الدين بيبرس الداوادار المنصورى فى تاريخه «3» وهو:
الميمنة المنصورة «1» ، فيها الملك المنصور صاحب حماه، والأمير بدر الدين بيسرى الشمسى، والأمير علاء الدين طيبرس الوزيرى والأمير عز الدين أيبك الأفرم، والأمير علاء الدين كشتغدى «2» الشمسى ومضافوهم «3» ، والأمير حسام الدين لاجين نائب الشام والعسكر الشامى. وفى رأس الميمنة الأمير شرف الدين عيسى ابن مهنا وآل فضل وآل مرى، وعربان الشام، ومن انضم إليهم.
الميسرة المباركة، فيها الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ومن معه من الأمراء، والأمير بدر الدين بيليك الأيدمرى، والأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح، والأمير علم الدين سنجر الحلبى، والأمير بجكا العلائى، والأمير بدر الدين بكتوت العلائى، والأمير سيف الدين خبرك «4» التترى، ومن معهم من المضافين. وفى رأس الميسرة التركمان بجموعهم وعسكر حصن الأكراد.
ذكر الجاليش وهو مقدمة القلب «5» ، فيه الأمير حسام الدين طرنطاى، نائب السلطنة، ومن معه من مضافيه، والأمير ركن الدين اياجى «6» الحاجب، والأمير
بدر الدين بكتاش بن كرمون، ومن معهم من المماليك السلطانية. ووقف السلطان تحت الصناجق، وحوله مماليكه وألزامه وأرباب الوظائف.
وأشرفت كراديس النتار. وكان الملتقى بوطأة حمص، بالقرب من مشهد خالد بن الوليد. فالتقى الجمعان، فى الساعة الرابعة، من نهار الخميس، وجاءت ميسرة العدو، تجاه الميمنة الإسلامية، وصدموا «1» الصدمة الأولى، فثبت المسلمون، وانكسرت ميسرة التتار كسرة تامة، وانتهت إلى القلب الذى للتتار، وبه منكوتمر.
وأما الميسرة الإسلامية، فصدمتها ميمنة التتار، فلم تثبت لترادف كراديسهم.
وساق التتار وراء المسلمين، حتى انتهوا إلى تحت حمص. ووقعوا فى السوقة والعوام، فقتلوا منهم خلقا كثيرا. ولم تعلم المسلمون ما تهيأ للميمنة من النصر، ولا علم التتار ما أصاب ميسرتهم. فاستقل بعض من انهزم إلى دمشق، وبعضهم إلى قرب صفد. ومنهم من وصل غزة.
ولما رأى التتار، أنهم قد استظهروا، نزلوا «2» عن خيولهم فى المرج الذى عند حمص، وأكلوا الطعام، ونهبوا الأثقال «3» والوطاقات «4» ، والخزانة. وانتظروا
قدوم بقيتهم، فلما ابطأوا عنهم، أرسلوا من يكشف خبرهم، فعاد الكشافة وأخبروهم [أن «1» ] منكوتمر هرب، فركبوا خيولهم، وكروا راجعين.
هذا والسلطان ثابت فى موقفه، فى نفر يسير من المماليك، والعساكر قد تفرقت، منهم من تبع التتار الذين انهزموا، ومنهم من استمر به الهرب. فلما رجعت ميمنة التتار، أمر السلطان أن تلف الصناجق، وتبطل الكوسات «2» ، فمروا ولم يقدموا عليه. وأخذوا على طريق الرستن، ليلحقوا بأصحابهم. [وعند ما تقدموه قليلا، ساق عليهم، فانهزموا لا يلوون على شىء. وكان ذلك تمام النصر، وهو عند غروب الشمس من يوم الخميس. ومرّ هؤلاء المنهزمون من التتار نحو الجبل، يريدون منكوتمر. وكان ذلك من تمام نعمة الله على المسلمين وإلا لو قدر الله أنهم رجعوا على المسلمين، لما وجدوا فيهم قوة. ولكن الله نصر دينه، وهزم عدوه مع قوتهم وكثرتهم. وانجلت هذه الواقعة عن قتلى كثيرة من التتر لا يحصى عددهم]«3» . وكتبت البطائق بالنصر.
وعاد السلطان من يومه إلى المنزلة، [بعد انفصال الحرب «4» ] . وكان قد فرق ما بالخزانة من الذهب، فى أوساط مماليكه، فسلم بجملته. وباب السلطان بالمنزلة ليلة الجمعة. فلما كان عند السحر، ثار صياح بالوطاقات، فظن الناس عود العدو، فركب السلطان ومعه من وكان بالوطاقات، فانكشف الخبر بعد
ساعة، أن جماعة من العسكر، الذين تبعوا التتار عند الهزيمة رجعوا. وقتل من التتار فى الهزيمة، أكثر من الذين قتلوا فى المصاف، واختفت منهم طائفة بجانب «1» الفرات. فأمر السلطان أن تضرم النيران بالأزوار «2» التى على الفرات، فأحرق أكثر من اختفى فيها. وهلكت فرقة منهم، كانوا سلكوادرب سلمية.
ولما وصلت البطائق إلى الرحبة، بخبر النصر وهزيمة التتار، كان أبغا ملك التتار يحاصرها، فدقت البشائر، وأعلن الناس بالنصر، ففارقها أبغا وتوجه إلى بغداد.
وعاد الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى صهيون. ورجع إلى الخدمة السلطانية ممن كان معه، ايتمش السعدى، وسنجر الداوادارى وكراى التتارى وولده، وتماجى «3» ، وجماعة من الأمراء الذين كانوا عنده. وعاد السلطان إلى دمشق، فكان وصوله إليها، فى يوم الجمعة ثانى عشر شهر رجب الفرد. وامتدحه الشعراء، وأكثروا المدائح والهناء بهذا النصر.
وخرج السلطان من دمشق، عائدا إلى الديار المصرية، فى يوم الأحد ثانى شعبان. وكان وصوله إلى قلعة الجبل، فى يوم السبت الثانى والعشرين من الشهر، فزينت له المدينة. ودخل، وبين يديه الأسرى، وبعضهم يحمل صناجقهم المكسورة وطبولهم. وخلع السلطان على الأمراء والأكابر.