الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصادر ألزام الأمير شمس الدين [سنقر]«1» الأعسر «2» .
ذكر تجريد العساكر إلى سيس وما فتح من قلاعها
وفى هذه السنة، جرّد السلطان الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى الصالحى أمير سلاح، والأمير حسام الدين لاجين الرومى، أستاذ الدار، والأمير شمس الدين آقسنقر كرتاى «3» ، ومن معهم من مضافيهم. وأمرهم أن يتوجهوا إلى بلاد سيس. فتوجهوا من القاهرة، فى جمادى الأولى، والمقدم على الجيش أجمع الأمير بدر الدين [بكتاش]«4» أمير سلاح.
وكان وصولهم إلى دمشق فى يوم الخميس، خامس جمادى الآخرة، وتوجهوا منها فى ثامن الشهر. وجرّد، معهم من عسكر دمشق، الأمير ركن الدين بيبرس العجمى الجالق، والأمير سيف الدين كجكن، والأمير بهاء الدين قرا أرسلان المنصورى ومضافيهم «5» . وجرد العسكر الصفدى، ومقدمه الأمير علم الدين [ايدغدى «6» ] الإلدكزىّ «7» . وجرّد جماعة من العسكر الطرابلسى، والملك المظفر صاحب حماه بعسكرها.
ولما اتصل خبر تجريد العسكر بصاحب سيس، جهز رسله إلى الأبواب السلطانية، يستعطف السلطان، ويسأل مراحمه، فلم تجد «1» رسالته نفعا.
ووصلت هذه العساكر إلى حلب. وأردف السلطان هذه العساكر بالأمير علم الدين سنجر الدرادارى، أحد مقدمى العساكر بالديار المصرية، ومضى فيه، فخرج مسرعا، وأدرك الجيش بحلب. وجرد من العسكر الحلبى الأمير علم الدين المعروف بالزغلى و [الأمير علم الدين سنجر الحلبى «2» ] ، ومضافيهما. وتوجهت هذه الجيوش بجملتها إلى بلاد سيس. فلما نزلوا بالعمق، افترقت العساكر فرقتين. فتوجه الأمير بدر الدين بكتاش، أمير سلاح، والأمير حسام الدين أستاذ الدار، والأمير ركن الدين الجالق، والأمير بهاء الدين قرا أرسلان، والعسكر الصفدى من عقبة بفراس إلى باب اسكندرونة، ونازلوا تل حمدون. وتوجه الملك المظفر صاحب حماه، والأمير علم الدين سنجر الدوادارى، والأمير شمس الدين آفسنقر كرتاى «3» ، وبقية الجيش من عقبة المريت «4» . وصار نهر «5» جهان بين الفريقين وكان دخولهم إلى در بند سيس، فى يوم الخميس، رابع شهر رجب.
ولما صاروا ببلاد سيس، اختلف الأمير بدر الدين أمير سلاح، والأمير علم الدين الدوادارى، فأشار أمير سلاح بالحصار ومنازلة القلاع. وأشار الدوادارى بالإغارة والإفتصار عليها. وقال أنا المقدم على هذه الجيوش كلها، وأنا آخركم عهدا بالسلطان، وإنما رسم السلطان بالإغارة. فاضطر أمير سلاح ومن معه، لموافقة الدوادارى، وقطعوا جهات من مخاضة العمودين، وتوجهوا للإغارة. فتوجه صاحب حماه والدوادارى، ومن معهما إلى سيس نفسها. وتوجه أمير سلاح ومن معه إلى تاورزه «1» ، وأقاموا عليها يوما وليلة. ورحلوا إلى أذنة، واجتمعت الطائفتان «2» بها، بعد أن قتلوا من ظفروا به من الأرمن، واستاقوا ما مرّوا به من الأبقار والجواميس. وعادوا من أذنة إلى المصيصة بعد الإغارة، وأقاموا بها ثلاثة أيام، حتى نصبوا جسرا مرت العساكر عليه، ورجعوا إلى بغراس، ثم إلى مرج أنطاكية. وأقاموا ثلاثة أيام، ورحلوا إلى جسر الحديد بأرض الروج «3» ، عازمين على العود إلى الديار المصرية، بالعساكر «4» المصرية إلى مستقرها.
وكان الأمير بدر الدين أمير سلاح، لما نازعه الدوادارى فى التقدمة، ومنعه من الحصار، وصمم على الأقتصار على الإغارة، قد كتب إلى الأمير سيف الدين بلبان الطباخى، نائب السلطنة بالمملكة الحلبية، يعلمه بما وقع والتمس منه مطالعة السلطان بذلك. فطالع بصورة الحال، فورد الجواب من السلطان، والعساكر
بالروج، يتضمن الإنكار على الأمير علم الدين الدوادارى، كونه ادّعى التقدمة على الأمير بدر الدين أمير سلاح، واقتصر على الإغارة، وأن الدوادارى إنما خرج مقدما على مضافيه خاصة، وإن التقدمة على سائر الجيوش للأمير بدر الدين أمير سلاح. ورسم السلطان أن العساكر لا تعود، إلا بعد فتح تل حمدون. وإن عادت قبل فتحها، فلا إقطاع لهم بالديار المصرية؛ إلى غير ذلك من الحث على فتحها. فعند ذلك، عطفت العساكر من الروج إلى جهة حلب، ووصلوا إليها، وأقاموا بها ثمانية أيام، وتجهّزوا منها بما يحتاجون إليه. ودخلوا إلى بلاد سيس بأثقالهم، وعبروا بجملتهم من عقبة بغراس. وجرّد الأمير بدر الدين [بكتاش]«1» أمير سلاح، الأميرين سيف الدين كجكن، وبهاء الدين قرا أرسلان، إلى إياس، فأكمن لهم الأرمن فى البساتين، فلم تتمكن العسكر من قتالهم، ورحلوا شبه المنهزمين، فأنكر أمير سلاح عليهم وسبّهم، فاعتذروا بضيق المسلك والتفاف الأشجار، وعدم التمكن من العدو. ثم رحل بجميع الجيش، ونزل على تل حمدون، فوجدها خالية، وقد أنتقل من بها من الأرمن إلى قلعة نجيمة، فتسلمها، فى سابع شهر رمضان، وسلمها للأمير علم الدين الشيبانى، النائب ببغراس.
ولما دخل الجيش إلى بلاد سيس، جرّد الأمير سيف الدين الطباخى، نائب السلطنة بحلب، طائفة من عسكرها، ومن انضم إليهم من التركمان وغيرهم، ففتحوا قلعة مرعش، فى عاشر شهر رمضان أيضا. ثم جاء الخبر إلى العسكر أن واديا تحت قلعة نجيمة وحموّص «2» قد امتلأ بالأرمن، وأن المقاتلة من قلعة
نجمية يحمونهم. فندب إليه طائفة من العسكر، فرجعوا ولم يبلغوا غرضا.
ثم [سيّر]«1» طائفة ثانية، فرجعوا كذلك «2» . فرحل الأمراء بجملتهم فى نفر من أعيان الجيش وأقويائه، وقاتلوا أهل نجيمة، حتى ردوهم إلى القلعة.
ثم تقدم الجيش إلى الوادى، وقتلوا من به من الأرمن، وأسروا ونهبوا، ونازلوا قلعة نجيمة، ليلة واحدة. ثم خرج العسكر إلى الوطاة «3» ، وبقى صاحب حماه وأمير سلاح، فى مقابلة من بالقلعة، حتى خرج العسكر، خشية أن يخرج أهل نجيمة، فينالوا من أطراف العسكر. ثم خرجوا بجملتهم واجتمعوا بالوطاة. فوصل البريد بكتب السلطان، يتضمن أنه بلغه أن تل حمدون أخليت، وأنها أخذت بغير قتال ولا حصار، وانتقل من بها إلى قلعة نجيمة. وأمر بمنازلة قلعة نجيمة وحصارها، إلى أن تفتح، فعادت العساكر إليها وحاصروها. واختلف أمير سلاح والدوادارى أيضا، فقال الدوادارى: إن هذا الجيش بجملته إذا نازل هذه القلعة، لا يظهر من اجتهد وقاتل، ممن تخاذل وعجز. والقتال عليها إنما هو من وجه واحد. والرأى أن يتقدم فى كل يوم مقدم ألف، ويزحف بجماعته ليظهر فعله، واستقل القلعة واستصغرها وحقّر أمرها. وكان فى جملة كلامه أن قال:
أنا آخذ هذه القلعة فى حجرى. فاتفق الأمر على أن يتقدم الدوادارى بألفه، للزحف فى أول يوم. فزحف بمن معه حتى لا حف «4» السور. فأصابه حجر منجنيق فى مشط رجله، فقطعه وسقط إلى الأرض. فتبادر الأرمن بالنزول إليه،
وكادوا يأسرونه. فحمل أمير سلاح بجماعته، حتى حجزهم عنه. وأخرج الدوادارى على جنوية «1» ، وحمل إلى وطاقه «2» . وعادوا إلى حلب، ثم توجه منها إلى الديار المصرية. وقد سكنت نفسه، ونقصت حرمته عما كانت عليه، وكان قبل ذلك له حرمة وافرة وقتل الأمير علم الدين سنجر طقصبا الناصرى، على هذه القلعة. وزحف الأمير شمس الدين آقسنقر كرتاى «3» فى اليوم الثانى، وانتهى إلى سور القلعة ونقيه، وخلّص منه ثلاثة أحجار. واستشهد من مماليكه وأجناده أحد عشر رجلا، ونفران من الحجارين.
ثم زحف أمير سلاح، وصاحب حماه، وبقية الجيش. ورتّبهم أمير سلاح طوائف، طائفة تتلو أخرى. وقرر معهم، أن يردف بعضهم بعضا. وتقدموا بالجنويات، حتى وصلوا إلى السور، وأخذوا مواضع النقوب «4» ، وأقاموا الستائر «5» .
ولازموا الحصار عليها واحدا وأربعين يوما. وقد اجتمع بها جمع كثير من الفلاحين والنساء والصبيان من أهل القرى المجاورة لها، فقلّت المياه بالقلعة.
فاضطر الأرمن إلى إخراجهم منها، فأخرجوهم فى ثلاث دفعات. فأخرجوا فى المرة الأولى مائتى رجل، وثلاثمائة امرأة ومائة وخمسين صبيا. فقتل العسكر الرجال، وتفرّقوا النساء والصبيان. ثم أخرجوا فى المرة الثانية مائة وخمسين
رجلا، ومائتى امرأة، وخمسة وسبعين صبيا، ففعلوا بهم كذلك. ثم أخرجوا جماعة أحرى فى المرة الثالثة. ولم يتأخر بالقلعة الا المقاتلة، وقلّت عندهم المياه، حتى اقتتلوا بالسيف على الماء، فسألوا الأمان فأعطوه، وسلموا القلعة فى ذى القعدة من السنة. وخرجوا منها، وتوجهوا إلى مأمنهم «1» .
وفى أثناء هذا الحصار، وصلت إلى العسكر مفاتيح النقير «2» وحجر شغلان وسرقند كار وزنجفره وحموّص «3» ، وتتمة أحد عشر حصنا من حصون الأرمن.
وسلم الأمير بدر الدين أمير سلاح هذه «4» الفتوح إلى الأمير سيف الدين استدمر كرجى «5» أحد الأمراء بدمشق، وجعله نائبا بها. فلم يزل [استدمر «6» ] بهذه الحصون، إلى أن بلغه حركة التتار وقربهم، فأباع ما بها من الحواصل وتركها خالية، فاستولى الأرمن عليها.
ولما تكامل هذا الفتح، عادت العساكر إلى حلب، ونزلوا بها، ليريحوا خيولهم. وترادف عليهم الأمطار وتزايدت، حتى سكنوا الخانات والدور. ثم أردفهم السلطان بتجريدة أخرى، من الديار المصرية، صحبة الأمير سيف الدين بكتمر السلاح دار، والأمير سيف الدين طقطاى، والأمير مبارز الدين أوليا