المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر فتوح قلعة الروم وتسميتها قلعة المسلمين - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣١

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الحادي والثلاثون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني عشر من القسم الخامس من الفن الخامس أخبار الديار المصرية]

- ‌[تتمة ذكر اخبار دولة الترك]

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى النجمى وهو السابع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر عزل الصاحب برهان الدين السنجارى عن الوزارة، وتفويضها للصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان وغير ذلك

- ‌ذكر أخبار الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وخروجه عن طاعة السلطان، وسلطنته بدمشق، وما كان من أمره إلى أن عاد للطاعة، ورجع إلى الخدمة السلطانية

- ‌ذكر التقاء العسكر المصرى والعسكر الشامى، وانهزام عسكر الشام، وأسر من يذكر من أمرائه فى المرة الأولى

- ‌ذكر توجه الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى صهيون وتحصنه بقلعتها

- ‌ذكر انتظام الصلح بين السلطان الملك المنصور، وبين سنقر الاشقر، وما استقر بينهما، وانتقاض ذلك، وأخذ صهيون منه

- ‌ذكر خبر الملك السعيد وما كان من أمره بالكرك واستيلائه على الشوبك واستعادتها منه

- ‌ذكر وفاة الملك السعيد، وقيام أخيه الملك المسعود خضر مقامه بالكرك

- ‌ذكر الصلح بين السلطان والملك المسعود وانتقاض ذلك وإخراجه من الكرك

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات التى شهدها السلطان بنفسه، والتى ندب إليها عساكره المؤيدة

- ‌ذكر فتوح قلعة قطيبا

- ‌ذكر فتوح ثعز الكختا

- ‌وذكر الإغارة على بلاد سيس

- ‌ذكر فتوح حصن المرقب

- ‌ذكر غزوتى النوبة الأولى والثانية

- ‌ذكر تجريد الجيش فى المرة الثانية إلى النوبة

- ‌ذكر فتوح طرابلس الشام

- ‌ذكر أخبار طرابلس الشام، منذ فتحها المسلمون فى خلاقة عثمان إلى وقتنا هذا

- ‌ذكر ما اتفق فى الدولة المنصورية على حكم السنين خلاف ما ذكرناه من إقامة النواب، ومهادنة الفرنج، والحوادث الغريبة، التى يتعين ايرادها والوفيات

- ‌سنة ثمان وسبعين وستمائة [678- 1279]

- ‌واستهلت سنة تسع وسبعين وستمائة [679- 1280]

- ‌ذكر ما تجدد بدمشق، بعد أن فارقها الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان عن القضاة بدمشق واعادته، وما اتفق فى هذه السنة الحادثه

- ‌ذكر إعادة الصاحب برهان الدين السنجارى إلى الوزارة وعزله

- ‌ذكر توجه السلطان إلى غزة، وعوده إلى الديار المصرية

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌واستهلت سنة ثمانين وستمائة [680- 1281]

- ‌ذكر ما تقرر من المهادنات مع الفرنج وبيت الاسبتار

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين رزين، وولاية القاضى وجيه الدين، واستعفائه من قضاء القاهرة، وولاية القاضى شهاب الدين الخويى

- ‌واستهلت سنة إحدى وثمانين وستمائة [681- 1282]

- ‌ذكر تفويض نياية السلطنة بحلب للأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى

- ‌ذكر وصول رسل أحمد سلطان، وهو توكدار ابن هولاكو، ملك التتار

- ‌ذكر الظفر بملك من ملوك الكرج وإمساكه

- ‌واستهلت سنة اثنتين وثمانين وستمائة [682- 1283/1284]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعوده

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة عز الدين ابن الصائغ الشافعى عن القضاء، وتولية قاضى القضاة بهاء الدين يوسف بن الزكى

- ‌ذكر وصول الشيخ عبد الرحمن ومن معه من جهة احمد سلطان، ووفاة مرسلهم، وما كان من خبرهم

- ‌ذكر عمارة التربة المنصورية والمدرسة والبيمارستان ومكتب السبيل

- ‌ولنرجع إلى بقية حوادث سنين اثنتين وثمانين وستمائة

- ‌واستهلت سنة ثلاث وثمانين وستمائة [683- 1284]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعوده

- ‌ذكر حادثة السيل بدمشق

- ‌ذكر وفاة الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا وشىء من أخباره، وأمر ولده الأمير حسام الدين مهنا

- ‌ذكر وفاة الملك المنصور صاحب حماه وولاية ولده الملك المظفر

- ‌واستهلت سنة أربع وثمانين وستمائة [684- 1285]

- ‌ذكر مولد السلطان الملك الناصر

- ‌واستهلت سنة خمس وثمانين وستمائة [685- 1286]

- ‌ذكر حادثة غريبة اتفقت بحمص

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك وما رتبه من أمر النيابة وعوده

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة وجيه الدين، وتفويض القضاء بمصر والوجه القبلى، لقاضى القضاة، تقى الدين ابن بنت الأعز

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين بن شاس المالكى وتفويض القضاء لقاضى القضاة زين الدين على بن مخلوف المالكى

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة بهاء الدين بن الزكى وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة ست وثمانين وستمائة [686- 1287]

- ‌ذكر تفويض قضاء القاهرة والوجه البحرى للقاضى برهان الدين السنجارى، ونقلة القاضى شهاب الدين الخويى إلى الشام ووفاة السنجارى، وإضافة قضاء القاهرة للقاضى تقى الدين ابن بنت الأعز

- ‌ذكر خبر واقعة ناصر الدين بن المقدسى واعيان دمشق، ومصادرة أكابر دمشق، وتوكيل ناصر الدين بن المقدسى عن السلطان

- ‌واستهلت سنة سبع وثمانين وستمائة [687- 1288]

- ‌ذكر عزل الأمير علم الدين سنجر الشجاعى عن الوزارة ومصادرته، وتفويض الوزارة لقاضى القضاة، تقى الدين ثم إلى الأمير بدر الدين بيدرا

- ‌ذكر وفاة الملك الصالح وتفويض ولاية العهد إلى الملك الأشرف

- ‌واستهلت سنة ثمان وثمانين وستمائة [688- 1289]

- ‌ذكر ما اتفق بدمشق من المصادرات

- ‌واستهلت سنة تسع وثمانين وستمائة [689- 1290]

- ‌ذكر ايقاع الحوطة على ناصر الدين المقدسى وشنقه

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة نجم الدين المقدسى الحنبلى وتفويض القضاء بدمشق بعده للشيخ شرف الدين المقدسى

- ‌ذكر وفاة السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون، رحمه الله

- ‌ذكر تسمية نواب السلطان الملك المنصور ووزرائه

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون الصالحى وهو الثامن من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر القبص على الأمير حسام الدين طرنطاى وقتله وعلى الأمير زين الدين كتبغا واعتقاله

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة الشريفة للأمير بدر الدين بيدرا المنصورى

- ‌ذكر تفويض الوزارة للصاحب شمس الدين ابن السلعوس وشىء من أخباره

- ‌ذكر القبض والإفراج على من نذكر من الأمراء، وعنه

- ‌ذكر فتوح عكا وصور وصيدا وحيفا

- ‌ذكر القبض على الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة بالشام

- ‌ذكر رحيل السلطان عن عكا ودخوله إلى دمشق وما قرره من أمر النيابة بها، وبالكرك وغير ذلك

- ‌ذكر فتوح برج صيدا

- ‌ذكر فتح بيروت

- ‌ذكر إنفاذ ولدى السلطان الملك الظاهر ووالدتهما إلى بلاد الأشكرى

- ‌ذكر الإفراج عن الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى وغيره من الأمراء

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة تقى الدين ابن بنت الأعز عن القضاء ومصادرته

- ‌ذكر تفويض القضاء بالديار المصرية لقاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى

- ‌ذكر متجددات كانت بدمشق

- ‌واستهلت سنة إحدى وتسعين وستمائة [691- 1291/1292]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌ذكر فتوح قلعة الروم وتسميتها قلعة المسلمين

- ‌ذكر توجه الأمير بدر الدين بيدرا وبعض العساكر إلى جبال الكسروان واضطراب العسكر

- ‌ذكر هرب الأمير حسام الدين لاجين والقبض عليه واعتقاله، والقبض على طقصوا

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة بالشام والفتوحات وعود السلطان إلى الديار المصرية

- ‌ذكر عدة حوادث كانت فى خلال فتح قلعة الروم وقبله وبعده

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وجرمك الناصرى ووفاتهما، ووفاة طقصوا والإفراح عن الأمير حسام الدين لاجين

- ‌واستهلت سنة اثنتين وتسعين وستمائة [692- 1292/1293]

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الصعيد

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وأخذ بهسنا من الأرمن، وإضافتها الى الممالك الإسلامية

- ‌ذكر القبض على الأمير حسام الدين مهنا ابن عيسى وأخوته

- ‌ذكر هدم قلعة الشوبك

- ‌ذكر حادثة السيل ببعلبك

- ‌ذكر ختان الملك الناصر، وما حصل من الأهتمام بذلك

- ‌واستهلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة [693- 1293/1294]

- ‌ذكر مقتل السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمهما الله تعالى

- ‌ذكر خبر الأمير بدر الدين بيدرا ومن معه من الأمراء الذين وافقوه، وما كان منهم، ومقتل بيدرا

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الناصر، ناصر الدين محمد، ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى الصالحى. وهو التاسع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر خبر الأمراء الذين وافقوا بيدرا على قتل السلطان الملك الأشرف

- ‌ذكر أخبار الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس الوزير وما كان من امره، منذ فارق السلطان الملك الأشرف إلى أن مات

- ‌ذكر الخلف الواقع بين الأميرين علم الدين سنجر الشجاعى وزين الدين كتبغا، ومقتل الشجاعى

- ‌ذكر عدة حوادث كانت فى سنة ثلاث وتسعين وستمائة خلاف ما قدمناه، من ولاية وعزل وغير ذلك، والوفيات

- ‌واستهلت سنة أربع وتسعين وستمائة [694- 1294/1295]

- ‌ذكر الفتنة التى قصد المماليك السلطانية إثارتها

- ‌ذكر سلطنة السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورى، وهو العاشر من ملوك دولة الترك بالديار المصرية

- ‌ذكر تفويض الوزارة للصاحب فخر الدين عمر بن الخليلى

- ‌ذكر القبض على الأمير عز الدين ايبك الخزندار نائب السلطنة بالفتوحات، وولاية الأمير عز الدين أيبك الموصلى المنصورى

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر يوسف بن عمر صاحب اليمن

- ‌واستهلت سنة خمس وتسعين وستمائة [695- 1295/1296]

- ‌ذكر حادثة عجيبة بالشام

- ‌ذكر وفود الأويرانية من بلاد التتار

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة تقى الدين عبد الرحمن بن بنت الأعز وتفويض القضاء للشيخ ابن دقيق العيد

- ‌واستهلت سنة ست وتسعين وستمائة [696- 1296/1297]

- ‌ذكر عود السلطان الملك العادل إلى الديار المصرية وخلعه من السلطنة ورجوعه إلى دمشق

- ‌ذكر سلطنة السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى وهو السلطان الحادى عشر من ملوك الترك، بالديار المصرية

- ‌ذكر الإفراج عن جماعة من الأمراء

- ‌ذكر تجديد عمارة الجامع الطولونى وترتيب الدروس به، والوقف على ذلك

- ‌ذكر تفويض القضاء بالديار المصرية والشام لمن يذكر

- ‌ذكر تفويض الوزارة بالديار المصرية للأمير شمس الدين سنقر الأعسر

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب السلطنة، وتفويض نيابة السلطنة للأمير سيف الدين منكوتمر

- ‌واستهلت سنة سبع وتسعين وستمائة [697- 1297/1298]

- ‌ذكر وصول الملك المسعود نجم الدين خضر ومن معه من القسطنطينية إلى الديار المصرية

- ‌ذكر توجه الملك السلطان الناصر إلى الكرك وإقامته بها

- ‌ذكر القبض على الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى وغيره

- ‌ذكر إعادة الصاحب فخر الدين عمر بن الخليلى إلى الوزارة

- ‌ذكر تجريد العساكر إلى سيس وما فتح من قلاعها

- ‌ذكر حادثة غريبة ظهر فيها آية من آيات الله عز وجل

- ‌واستهلت ثمان وتسعين وستمائة [698- 1298/1299]

- ‌ذكر مفارقة من نذكر من نواب السلطنة والأمراء الخدمة السلطانية، ولحاقهم بقازان ملك التتار

- ‌ذكر مقتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى ونائبه منكوتمر

- ‌ذكر ما اتفق بعد مقتل الملك المنصور ونائبه منكوتمر، من الحوادث والوقائع المتعلقة بأحوال السلطنة بمصر والشام، إلى أن عاد السلطان الملك الناصر

- ‌ذكر عود السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون إلى السلطنة ثانيا

- ‌ذكر الإفراج عن الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وتفويض الوزارة إليه

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر صاحب حماه

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌واستهلت سنة تسع وتسعين وستمائة [699- 1299/1300]

- ‌ذكر الفتنة التى أثارها الأويرانية بهذه المدينة

- ‌ذكر تسمية من استشهد وفقد، فى هذه الوقعة من المشهورين

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان الملك الناصر عند عوده إلى الديار المصرية من الاهتمام بأمر الجيوش والعساكر

- ‌ذكر توجه السلطان بالعساكر إلى جهة الشام، ووصوله إلى منزلة الصالحية وإرسال الجيوش إلى دمشق والممالك الشامية، وعود الأمراء إلى الخدمة السلطانية ورجوع السلطان إلى قلعة الجبل، وما تقرر من أمر النواب

- ‌واستهلت سنة سبعمائة يوم الجمعة [700- 1300/1301]

- ‌ذكر جباية المقرر على أرباب الأملاك والأموال بالديار المصرية والشام

- ‌ذكر توجه السلطان الملك الناصر بالعساكر إلى الشام وعوده

- ‌ذكر وصول غازان إلى الشام وعوده وما فعلته جيوشه

- ‌ذكر خبر أهل الذمة وتغيير لباسهم وما تقرر فى ذلك، والسبب الذى أوجبه

- ‌ذكر وصول رسل غازان ملك التتار وما وصل على أيديهم من المكاتبة وما أجيبوا به

- ‌واستهلت ثمان وتسعين وستمائة [698- 1298/1299]

- ‌فهرس موضوعات الجزء الحادي والثلاثون

الفصل: ‌ذكر فتوح قلعة الروم وتسميتها قلعة المسلمين

الشهر، ووصل صاحب حماه لتلقى السلطان «1» . ثم عرض السلطان الجيوش، وقدمهم «2» أمام ركابه إلى جهة حلب، وتوجه هو من دمشق فى الساعة الخامسة من يوم الاثنين، سادس عشر جمادى الأولى، ووصل إلى حلب فى ثامن عشرين الشهر «3» .

‌ذكر فتوح قلعة الروم وتسميتها قلعة المسلمين

«4»

كان فتوح هذه القلعة، فى يوم السبت، حادى عشر رجب، سنة إحدى وتسعين وستمائة. وذلك أن السلطان رحل من حلب بسائر العساكر المصرية والشامية، فى رابع جمادى الآخرة، ونزل على قلعة الروم، يوم الثلاثاء ثامن الشهر وحاصرها وضايقها، ونصب عليها عشرين منجنيقا، خمسة منها إفرنجية، وخمسة عشر قرابغا وشيطانية «5» . ورمى بالمجانيق، وعملت النقوب، فيسّر الله فتحها. وكانت مدة المقام عليها، إلى أن فتحت، ثلاثة وثلاثين يوما. وكان للأمير علم الدين الشجاعى فى فتحها النصيب الأوفى، فإنه تحيلّ فى عمل سلسلة بالقرب من شراريف القلعة، [وأوثق طرفها بالأرض، فتمسك الجند بها، وطلعوا إلى القلعة]«6» . وكان ممن طلع إلى القلعة، سيف الدين أقجبا، أحد مماليك

ص: 226

الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى، أمير سلاح، ولم يكن من أعيان مماليكه، بل كان فى خدمة ولده صلاح الدين خليل. فتحيل وطلع إلى سور القلعة، وقاتل قتالا شديدا، وجرح ثم رجع، والسلطان ينظر إليه. فسأل عنه، فعرف به، فأرسل إليه خلعة، وأنعم عليه بمال، ووعده بإقطاع، وأمر أستاذه الأمير بدر الدين، أن يذكر السلطان به، إذا عاد إلى حلب، فلم يفعل. ثم صار بعد ذلك، من جملة مقدمى الحلقة. وتأمّر بعد ذلك، فى سنة تسع عشرة وسبعمائة بطبلخاناة، وتولى عمل الفيوم من الديار المصرية. وفتحت القلعة عنوة «1» ، وقتل من كان بها من المقاتلة، وسبيت النساء والذرية، ووجد فيها بطرك الأرمن، فأخذ أسيرا. ومحا السلطان عن هذه القلعة، تسميتها بالروم، وسماها قلعة المسلمين.

ووصل إلى الزرد خاناة السلطانية، من الأسرى ألف أسير ومائتا أسير. واستشهد عليها من الأمراء: الأمير شرف الدين بن الخطير، وشهاب الدين بن ركن الدين أمير جاندار. ورتب السلطان الأمير علم الدين الشجاعى لعمارة القلعة، وأمره بإخراب ربضها وابعاده عنها. فتأخر لذلك، وصحبته عسكر الشام «2» .

ولماتم هذا الفتح، أنشئت كتب البشائر إلى الممالك. وكان مما كتب إلى دمشق، كتاب عن السلطان إلى قاضى القضاة شهاب الدين الخويى «3» ونسخته:

ص: 227

بسم الله الرحمن الرحيم، أخوه خليل بن قلاوون.

صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامى، القاضى الأجل،- وذكر القابه ونعوته- خصه الله بأنواع التهانى، وأتحفه بالمسرات التى تعوّذ بالسبع المثانى.

وأورد على سمعه، من بشائر نصرنا وظفرنا، ما يستوعب فى وصفه ومدحه الألفاظ والمعانى.

نبشره «1» بفتح ما سطرت الأقلام إلى الأقاليم أعظم من بشائره، ولا نشرت برد المسرات، بأحسن من إشارته وأشائره. ولا تفوهت ألسنة خطباء هذا العصر على المنابر، بأفصح من معانيه، فى سالف الدهر وغابره، وهو البشرى بفتح قلعة الروم، والهنا لكل من رام بالإسلام نصرا ببلوغ مارام وما يروم. [ونقصّ «2» ] أحسن قصص هذا الفتح المبين، والمنح الذى تباشر به سائر المؤمنين، ونساوى فى الإعلان والإعلام به كل من قرّ عينا من الأبعدين والأفربين. ونخضّ بمصرى مبشراته الحكام ليعمّوا بنشرها عامة الناس. ونفرض لكل ذى مرتبة عليه منه نصيبا يجمع من الابتهاج والأنواع والأجناس. وذلك أنا ركبنا لغزوها، من مصر، وقد كان من قبلنا من الملوك، يستبعد مداها، ويناديها فلا يجيب إلا بالصد والإعراض صداها، ويسائل عن جبالها «3» ؛ فتحيل فى الجواب على النسور المهومة، ويستشير «4» أولى الرأى فى حصرها، فلا يسمع إلا الأقوال المثلوبة والأراء

ص: 228

المتلومة، ومازلنا نصل السرى «1» ، ونرسل الأعنة إلى نحوها، فتمدّ الجياد أعناقها إليها مدا، ينقطع بين قوتها وقوته السير. واستقبلنا من جبالها «2» كل صعب المرتقى، وعر «3» المنتقى، شاهق لا يلقى «4» به مسلك ولا يلتقى. فما زالت العزائم الشريفة تسهل «5» حزونه، والشكائم تفجر «6» بوقع السنابك على حجارته «7» عيونه «8» ، والجياد المطهمة ترتقى، مع امتطاء متونها بدروع الحديد متونه. فلما أشرف عليها منا أشرف سلطان، جعل جبلها دكا، وحاصرناها حصارا ألحقها بعكا وأخواتها، وإن كانت أحصن من عكا. ونصبنا عليها عدة مجانيق تنقض حجارتها انقضاض النسور، وتقبض «9» الأرواح من الأجسام وإن ضرب بينها وبينهم بسور، وتفترس أبراجها بصقور صخور افتراس الأسد الهصور. هذا والبقوب تسرى فى بدناتها سريان الخيال، وإن كانت جفونها المسهدة، وعمدها الممددة وحفظنها المجندة، ورواسيها على جبل الفرات موطدة. وقد خندقوا عليها خندقا

ص: 229

جرت فيه الفرات من جانت ونهر مرزبان من جانب، ووضعها واضعها على رأس جبل يزاحم الجوزاء بالمناكب، وسفح صرحها الممدد فكأنه عرش لها على الماء وإذا رمقها طرف رائيها اشتبهت عليه بأنجم السماء. وما زالت المضايقة تقص «1» من حبلها «2» أطرافه، وتستدر «3» بحلبها «4» أخلافه، وتقطع بمسائل جلاد معاولها وجدالها خلافه. وتورد عليها من سهامها كل إيراد لا يجاوب إلا بالتسليم، وتقضى عليها بكل حكم لا تقابل توبته إلا بالتحكيم.

ولما أذن الله بالفتح الذى أغلق على الأرمن والتتار أبواب الصواب، والمنح الذى أضفى «5» على أهل الإيمان من المجاهدين أثواب. الثواب. فتحت هذه القلعة بقوة الله ونصره، فى يوم السبت حادى عشر شهر رجب الفرد. فسبحان من صهل صعبها، وعجل كسبها، وأمكن منها ومن أهلها، وجمع شمل الممالك الإسلامية بشملها. فالمجلس السامى يأخذ خطه من هذه البشرى، التى بشرت بها ملائكة السماء، ملك البسيطة وسلطان الأرض. وتكاثر على شكرها كل من أرضى الله طاعة وأغضب من لم يرض، من ذوى الإلحاد «6» ، وممن حاد الله [و] حاد،

ص: 230

وممن ينتظر من هذا الإيعاز «1» إنجاز الإيعاد، فلا ينجيه الإمضاء «2» هربا ولا الإبعاد.

فإنه بفتح «3» هذه القلعة وتوقلها «4» ، وحيازة ثغرها ومعقلها، تحقق من بسيحون وجيحون، أنهم بعد فتح باب الفرات، بكسر أقفال هذه القلعة لا يرجونّ أنهم ينجون «5» .

وما يكون بعد هذا الفتح، إن شاء الله إلا فتح المشرق والروم والعراق، وملك البلاد من مغرب الشمس إلى مطلع الإشراق. والله تعالى يمدنا من دعواته الصالحه، بما تعدو به عقود الآمال حسنة الانساق، إن شاء الله.

كتب يوم الفتح المبارك سنة إحدى وتسعين وستمائة، حسب المرسوم الشريف «6» .

وكتب عن الأمير علم الدين الشجاعى، نائب السلطنة بدمشق، إلى قاضى القضاة، شهاب الدين الخويى «7» أيضا. وهو من إنشاء الفاضل شرف الدين القدسى، ما مثاله بعد البسملة:

ص: 231

ضاعف الله مسار الجناب العالى المولوى الفضائى الشهابى- وذكر القابه ونعوته- ولا زالت وفود البشائر إليه تنرى، وعقود النهانى تنص «1» إليه نظما ونثرا. وفواتح الفتح تتلى عليه لكل آية نصر يسجد لها القلم فى الطرس شكرا، وتشتمل على أسرار الظفر فيأنى الإسماع من غرابتها بما لم يحط به خبرا «2» .

وتتحفه «3» بظهور أثر المساهمة فتهدى إليه سرورا وأجرا.

المملوك يستفتح من حمد الله على ما منح من آلائه، وفتح على أوليائه، ووهب «4» من الإعداء على أعدائه، ويسرّ من الظفر الذى أيد فيه بنصره وأمدّ بملائكة سمائه، ما يستديم الإنجاد بحوله، ويستزيد به الأمداد من فضله وطوله. ويوالى «5» من الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما يستدر «6» به أخلاف الفتوح، ويسترهف بيمنه الصوارم التى هى على من كفر بالله ورسوله دعوة نوح. ويهدى من البشائر ما تختال به أعطاف المنابر سرورا، ويتعطر بذكره أفواه المحابر حبورا، وترشف «7» الأسماع موارد وارده، فيستحيل فى قلوب الأعداء

ص: 232

نارا وفى قلوب الأولياء نورا. ويبادر مساهمة الحاضر فى استماعه كل باد «1» فينقلب إلى أهله مسرورا.

وينهى أنه أصدرها والنصر قد خفقت بنوده، وصدقت وعوده، وسار بمختلفات البشائر فى كل قطر بريده. والأعلام الشريفة السلطانية، قد امتطت من قلعة الروم صهوة لم تذلّ لراكب. وحلت من قنتها «2» وفلتها بين الذروة والغارب.

وأراقت أسنتها من دمائهم ما ترك الفرات «3» لا يحل «4» لشارب. ومدّ الأيمان بها أطنابه، وأعجلت السيوف المنصورة الشرك أن يضم للرحلة أثوابه. واستقرت بها قدم الإسلام ثابتة إلى الأبد، وقتّلت بأرجائها، سيوف أهل الجمعة، حتى رق أهل السبت لأهل «5» الأحد. وأذهب الله عنها التثليث حتى كاد حكم الثلاثة أن يسقط من العدد، وتبرأ منهم من كان يغرهم بامداده، حتى الفرات لمجاورتهم، ودّت النقص خوفا أن يطلق على زيادتها اسم المدد. ونطق بها الأذان فخرس «6» الجرس.

وعلت بها كلمة الإيمان، فأضحت لها بعد الإبتذال آية الحرس. وأسمعت دعوة الحق ما حولها من الجبال فسمعت وهى الصم، ولبت الداعى بلسان الصدى الناطق عن شوامخها الشم.

ص: 233

وكانت هذه القلعة المذكورة للثغور الإسلامية بمنزلة الشجى فى الحلق «1» ، والغلة فى الصدر، والخسوف الطارئ على طلعة البدر. لا تخلو من غل تضمره، فى لين تظهره، وغدر تستره، فى عذر تورده وتصدره. وقد سكن أهلها إلى مخادعة الجار، وموادعة التتار، وممالاتهم على الإسلام بالنفس والمال، ومساواتهم لهم حتى فى الزى والحال. يمدونهم بالهدايا والألطاف، ويدلونهم على عورات الأطراف. وهم يتقون بمسالمة الأيام، ويدعون أن قلعتهم لم تزل من الحوادث فى زمام، ويغترون بها. ولولا السطوات الشريفة، لحق بمثلها أن يغتر.

ويسكنون إلى حصانتها كلما أو مض فى حلك «2» السحب برق ثغرها المفتر.

وهو حصن صاعد منحدر، بارزه مستدير، لا يطأ إليه السالك إلا على المحاجر، ولا تنظره العيون حتى تبلغ «3» القلوب الحناجر، كأنه فى ضمائر الجبال حب يقتل وهو كامن، ويجرف الظاهر وهو باطن. قد أرخت عليه الجبال الشواهق ذوائبها، ومدت عليه الغمائم أطنابها ومضاربها. وقد تنافست فيه الرواسى الرواسخ فأخفاه بعضها عن بعض وتقاسمته العناصر فهو للنكاية والرفعة والثبات ومجاورة الفرات مشترك بين النار والهواء والماء والأرض. وقد امتدت الفرات من شرقيها كالسيف فى كف طالب ثأر، واكتنفها من جهة الغرب نهر آخر استدار نحوها كالسور وانعطف معها كالسوار. وفى قنة «4» قلتها جبل يرد الطرف وهو كليل،

ص: 234

ويصل «1» النظر إلى تخيل «2» هضابه فلا يهتدى إلى تصورها بغير دليل، وكذلك من شرقها وغربها، فلا تنظرها الشمس وقت الشروق «3» ، ولا يشاهدها [القمر] وقت الأصيل. وحولها من الأودية خنادق لا يعرف فيها الهلال إلا بوصفه، ولا الشهر إلا بنصفه.

وأما الطريق إليها فيزل «4» الذرّ عن متنها. ويكل طرف الطرف عن سلوك سهلها فضلا عن حزنها. «5» وبها من الأرمن عصب جمعهم التكفور «6» ، ومن التتار فرق زيادتهم للتغوير «7» ، قد بذلوا دونها النفوس، وتدرعوا للذب عنها لبوس.

ص: 235

وأقدموا على شرب كأس الحمام، خوفا أن يكفرهم التكفور؛ ويحرمهم خليفتهم الحاكم بها، كتبغا نميكوس «1» . وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم، وفسح فى ميدان الضلالة آمالهم، فلما تراءت الفئنان، نكص على عقبية، وترك «2» كلا منهما «3» يعض من الندم يديه. وحين أمر مولانا السلطان، خلّد الله سلطانه، الجيوش المنصورة بالنزول عليها، والهجوم من خلفها ومن بين يديها، ذللت مواطىء جيادها صهوات تلك الجبال. وأحاطت بها من كل جانب إحاطة الهلال بالهلال. وسلكوا إليها تلك المخارم «4» ، وقد تقدمهم «5» الرعب هاديا وأقدموا على [قطع]«6» تلك المسالك والمهالك، بالأموال والأنفس، ثقة بأنهم لا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة، ولا يقطعون واديا. فلم يكن بأسرع من أن طار إليهم الحمام، فى أجنحة السهام. وخضّبت «7» الأحجار تلك الغاده العذراء «8» للضرورة،

ص: 236

وللضرورات أحكام. وأزالت «1» النقابة عنها نقاب احتشامها. ودبّت فى مفاصلها دبييب السقم فى عظامها، مع أنها مستقرة على الصخر الذى لا مجال فيه للحديد، ولكن الله أعز بالنصر سلطاننا فجاءت أسباب الفتح على ما يريد. وأقيمت المجانيق المنصورة أمامها فأيقنوا بالعذاب الأليم، وشاموا بروق الموت من عواصف أحجارها التى ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم. وساهموها صلاة الخوف، فلسهامهم الركوع، ولبروجهم السجود، ولقلعتهم التسليم. ولم تزل تشن عليهم غارة بعد غارة، وتسقيهم على الظمأ صوب «2» أحجارها، وإن من الحجارة، وهى مع ذلك تظهر الجلد والجد، وتغضب غضب الأسير، على القد.

وتخفى ما تكابد من الألم، وتشكو بلسان الحال شكوى الجريح إلى العقبان والرخم، إلى أن جاءت «3» من الأنجاد «4» ما كانوا يأملون. وسطت مجانيقنا «5» على مجانيقهم فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون. وكلما سقطت أسوارها، وتهتكت بيد النقوب «6» أستارها، وتوهم الناظر أنها هانت، رآها المباشر فى تلك الحالة

ص: 237

أشد ما كانت، وثبتت على الرمى والارتماء، وعزّت «1» على من اتخذ نفقا فى الأرض أو سلّما فى السماء، واستغنت بمكان السور، وانفضت أحجارها على أسوار الحرب انقضاض النسور.

وكان الفتح المبارك فى صباح يوم السبت، حادى عشر رجب الفرد، سنة إحدى وتسعين وستمائة بالسيف عنوة. فشفت «2» الصوارم من أرجاس الكفر العلل «3» بقمع «4» العدى وكبتها. وسطا خميس الأمة يوم السبت، على [أهل]«5» يوم الأحد، فبارك الله لخميس الأمة فى سبتها.

فليأخذ [القاضى]«6» من هذه البشرى، التى أصبح الدين بها عالى المنار، بادى الأنوار. ضارب مضارب دعوته على الأقطار، ذاكرا بموالاة «7» القتوح أيام الصدر الأول من المهاجرين والأنصار. وليشعها على رءوس الإشهاد

ص: 238

ويجعلها فى صحف الفتوح السالفة بمنزلة المعنى فى القرينة والمثل فى الاستشهاد.

ويمدّ الجيش بهمته التى ترهف الهمم، وأدعيته التى تساعد الساعد وتؤيد اليد وتقدم القدم. ويشارك بذلك فى الجهاد حتى يكون فى نكاية الأعداء على البعد كسهم أصاب ورامية بذى سلم. ويستقبل من البشائر بعدها ما تكون له هذه بمنزلة العنوان فى الكتاب، والأحاد فى الحساب، وركعة النافلة بالنسبة إلى الخمس، والفجر الأول قبل طلوع طلعة الشمس.

والله تعالى يجعل شهاب فضله لامعا، ونور علمه فى الأفاق ساطعا، ويتحفه من مفرقات «1» التهانى بكل ما يغدو «2» لشمل المسرات جامعا، إن شاء الله تعالى.

كتب فى يوم الفتح المذكور «3» .

وكتب غير ذلك من كتب البشائر، اقتصرنا منها على ما أوردناه «4» .

ثم رحل السلطان من قلعة الروم إلى حلب، فأقام بها بقية شهر رجب، ونصف شعبان. وعزل الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى عن نيابتها.

ورتب بها الأمير سيف الدين بلبان الطباخى المنصورى. وجعل الأمير عز الدين أيبك الموصل شاد الدواوين.

ص: 239