الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قتلوه. وركب بتخاص «1» العادلى، وتوجه إلى باب الدهليز فقتلوه أيضا. ولما شاهد الملك العادل ذلك، خرج من ظهر الدهليز، وركب فرس النوبة، وعبر على القنطرة التى على ماء العوجا، وساق ركضا، وأدركه خمسة أو ستة من مماليكه.
واستقر به السير إلى دمشق. ودخل قلعتها، فكان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى «2» .
ذكر سلطنة السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى وهو السلطان الحادى عشر من ملوك الترك، بالديار المصرية
.
وهو من مماليك السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون. اشتراه فى زمن إمرته «3» مرتين. وكان من مماليك الملك المنصور نور الدين على ابن الملك المعز [أيبك «4» ] ، فلما سفّر إلى بلاد الأشكرى، تأخر بالقاهرة، فاشتراه السلطان الملك المنصور، فى أيام إمرته بسبعمائة وخمسين درهما. ثم تبيّن له بعد ذلك أنه من مماليك الملك المنصور ابن الملك المعز، وقيل له إنه غائب ولا يصح بيعه إلا من حاكم [شرعى]«5» ، فاشتراه ثانيا من قاضى القضاة، تاج الدين بن بنت الأعز،
بما يزيد عن ألف درهم. وباعه على الغائب، بالغبطة له. وقد شاهدت أنا عهديته «1» فى جملة عهد المماليك المنصورية السيفية، وشدّ عنى تحقيق الثمن الثانى، إلا أنه يزيد على ألف درهم. ولعل ذلك ألف وخمسون درهما. وكان يوم ذاك يدعى شقير. كذا رأيت عهديته (لاجين المدعو شفير) ، وكان فى البيت المنصورى يعرف بلاجين الصغير. وتأمر وناب عن السلطنة بدمشق، وهو لا يعرف بين الناس إلا بلاجين الصغير «2» . وسألت بعض أكابر الأمراء من المماليك المنصورية، الذين كانوا فى خدمة السلطان، فى زمن إمرته، عن لاجين الكبير، الذى ميّز هذا بالصغير بسببه، فما عرفوه. ولعل هذه الشهرة وقعت عليه وقوع اللقب، والله أعلم.
وتنقل لاجين هذا فى خدمة السلطان الملك المنصور، من وظيفة الأوشاقية إلى السلاح دارية. ولما قبض عليه السلطان الملك الأشرف، بعد عزله من نيابة الشام، ثم أفرج عنه وجعله سلاح دارا كما كان، فى خدمة أبيه السلطان الملك المنصور، قبل أن يستنيبه بدمشق. وقد تقدم من أخباره وتنقلاته، ما نستغنى الآن عن إعادته «3» .
ملك بمنزلة العوجاء من بلاد الساحل. وذلك أنه لما هرب الملك العادل كتبغا من الدهليز، وتوجه إلى نحو دمشق، فى الثامن والعشرين من المحرم، سنة ست وتسعين وستمائة، اجتمع الأمراء وتشاوروا فمن ينصب فى السلطنة.
فاتفقوا على إقامته فى السلطنة، وتلقب بالملك المنصور. وشرط الأمراء عليه شروطا فقبلها والتزمها. منها أن يكون معهم كأحدهم، وأن لا ينفرد برأى دونهم، وأن لا يبسط أيدى مماليكه فيهم، ولا يقدمهم عليهم، وحلّفوه على ذلك، فحلف عليه. فقال له الأمير سيف الدين قبجاق المنصورى:- وكان من جملة الأمراء المشار إليهم- نخشى أنك إذا جلست فى المنصب، تنسى هذا الذى تقرر بيننا وبينك، وتقدم مماليك، وتخوّل «1» منكوتمر. فكرر الحلف أنه لا يفعل [ذلك]«2» ، ولا يخرج عمّا التزمه. فعند ذلك، حلفوا له وركب بشعار السلطنة، وتوجه بالعساكر نحو الديار المصرية.
ولما وصل إلى غزة، حمل الأمير بدر الدين بيسرى الجتر على رأسه.
ثم رحل منها، وكان وصوله إلى قلعة الجبل، وجلوسه على تخت السلطنة، فى يوم الجمعة عاشر صفر، سنة ست وتسعين وستمائة. ثم ركب بشعار السلطنة، وشقّ المدينة فى يوم الخميس سادس عشر صفر «3» .
ورتب فى نيابة السلطنة [بالديار المصرية «4» ] مقر ملكه، الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى، وجعل الأمير سيف الدين سلار أستاذ الدار، والأمير سيف الدين بكتمر السلاح دار أمير جاندار، والأمير سيف الدين الحاج بهادر الحلبى حاجبا. واستمر الصاحب فخر الدين بن الخليلى فى الوزارة برهة،
ثم عزله على ما نذكره إن شاء الله. وفوض نيابة السلطنة بالشام إلى الأمير سيف الدين قبجاق المنصورى.
هذا ما كان بالديار المصرية، فلنذكر أخبار الملك العادل [كتبغا «1» ]
ذكر أخبار الملك العادل وما اعتمده بدمشق «2» وما كان من أمره إلى أن انتقل إلى صرخد
لما فارق الملك العادل الدهليز والأمراء، توجه إلى دمشق. وقدم قبله أحد مماليكه ليعلم مملوكه الأمير سيف الدين أغرلوا نائب السلطنة بدمشق ما تجدد، ويخبره بوصول السلطان. فوصل [أمير شكار «3» ] فى بكرة نهار الأربعاء، سلخ المحرم. فجمع [نائب السلطنة بدمشق «4» ] الأمراء، وركب جماعة من العسكر، وأمرهم بالوقوف خارج باب النصر.
ثم وصل الملك العادل إلى دمشق، فى وقت العصر من اليوم المذكور، ومعه أربعة أو خمسة من مماليكه. ودخل إلى القلعة، واستقر بها، وحضر إلى خدمته الأمراء، وخلع على جماعة. وأمر بإيقاع الحوطة على حواصل الأمير حسام الدين لاجين ونوابه «5» . ثم وصل الأمير زين الدين غلبك العادلى «6» فى
يوم الخميس، مستهل صفر، بجماعة يسيرة من المماليك العادلية. وجلس شهاب الدين الحنفى وزير الملك العادل فى الوزارة بالقلعة. ورتب أحوال السلطنة.
وأمرّ العادل جماعة من دمشق، ووضع بعض «1» المكوس، وقرىء بذلك توقيع فى يوم الجمعة سادس عشر صفر.
وفى يوم السبت رابع عشرين الشهر، وصل الأمير سيف الدين كجكن وجماعة من الأمراء، كانوا معه بالرحبة مجردين، فلم يدخلوا دمشق، وتوجهوا إلى جهة ميدان الحصا. وأعلن باسم السلطان الملك المنصور [حسام الدين لاجين «2» ] ، وخرج إليه الأمراء بدمشق، طائفة بعد طائفة. فلما علم الملك العادل بذلك، وتحقق انحلال أمره، وتخاذل الناس عنه، وثبات قدم الملك المنصور فى السلطنة، وانضمام الناس إليه، أذعن إلى الطاعة، والدخول فيما دخل الناس فيه. وقال للأمراء: السلطان الملك المنصور، هو خوشداشى، وأنا فى خدمته وطاعته، وأنا أكون فى بعض القاعات بالقلعة إلى أن يكاتب السلطان، ويرد جوابه بما يقتضيه رأيه فى أمرى. فعند ذلك اجتمع الأمراء بباب الميدان، وحلفوا بأجمعهم للسلطان الملك المنصور، وكتبوا إليه بذلك.
وتوجه البريد إليه بالخبر، ودخل الأمير سيف الدين جاغان إلى القلعة ورتب من يحفظ الملك العادل بها، إلى أن يرد جواب السلطان [المنصور «3» ] فى أمره، وغلقت أبواب دمشق، فى يوم السبت خلا باب النصر. وركب عسكر دمشق بالسلاح، وأحاطوا بالقلعة حفظا لها، وخوفا أن يخرج الملك العادل منها،
ويقصد جهة أخرى قبل ورود جواب السلطان فى أمره «1» . ثم دقت البشائر فى وقت العصر من يوم السبت المذكور، وأعلن باسم السلطان الملك المنصور.
وقرأ المؤذنون فى ليلة الأحد الخامس والعشرين من الشهر بالمأذن (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ)
«2» إلى آخر الآية. ودعوا للملك المنصور، ودعا له قارىء المصحف، بعد صلاة الصبح وضربت البشائر على أبواب الأمراء، وأظهروا الفرح والسرور بسلطنته، وفتحت أبواب البلد وزينت، وفتح «3» الناس حوانيتهم.
وفى يوم الأحد المذكور، اجتمع القضاة بدار السعادة، وحضر الأمراء والعساكر، وحلفوا للملك المنصور. وتولى النحليف القاضى شمس الدين بن غانم، بحضور الأمير سيف الدين أغرلوا، نائب السلطنة، وحلف هو أيضا، وأظهر السرور بسلطنة الملك المنصور. وقال: السلطان، أعز الله تعالى نصره، هو الذى عيننى لنيابة السلطنة، وأستاذى كان قد استصغرنى، فأشاد هو بى، فأنا نائب السلطان الملك المنصور. ثم توجه هو والأمير سيف الدين جاعان إلى الأبواب السلطانية «4» .
وخطب للملك المنصور حسام الدين لاجين، بجوامع دمشق، فى يوم الجمعة، مستهل شهر ربيع الأول، سنة ست وتسعين وستمائة. وكان الأمير شمس الذى سنقر الأعسر، قد حضر من جهة السلطان الملك المنصور إلى ظاهر
دمشق، فى ليلة الأحد رابع صفر. وأرسل إلى الأمراء كتبا كانت معه، وحلف جماعة منهم. وتوجه إلى قارا «1» فى ليلته، وكان بها جماعة من الأمراء المجردين، فاجتمع بهم، وقرّر الأمر معهم، وكتب إلى السلطان بذلك. ثم رجع وأقام بلد بجماعته، حفظا للبلاد بتلك الجهة «2» . فلما بلغه «3» استقرار الأمور بدمشق، توجه إليها، ودخلها فى يوم الخميس، سابع عشرين صفر. فتلقاه الناس، واشتعلت الشموع لمقدمه نهارا، وحضر الأكابر والأعيان إلى خدمته. ونودى بدمشق، من له مظلمة، فليحضر إلى دار الأمير شمس الدين [سنقر الأعسر «4» ] .
ثم وصل الأمير حسام الدين أستاذ الدار إلى دمشق، بجماعة من العسكر.
وجمع الأمراء بدار السعادة، بحضور القضاة. وقرئ عليهم كتاب السلطان، يتضمن استقراره فى الملك، وجلوسه على تخت السلطنة، بقلعة الجبل، واجتماع الكلمة عليه، وركوبه بالخلع الخليفية، والتقليد من أمير المؤمنين، الحاكم بأمر الله، أبى العباس أحمد «5» .
ثم وصل الأمير سيف الدين جاغان الحسامى، من الأبواب السلطانية، فى عشية يوم الاثنين، حادى عشر شهر ربيع الأول. ودخل فى بكرة نهار الثلاثاء،
إلى قلعة دمشق، هو والأمير حسام الدين أستاذ الدار، والأمير سيف الدين كجكن، وقاضى القضاة بدر الدين بن جماعة، واجتمعوا بالملك العادل. فحلف للسلطان الملك المنصور يمينا مستوفاة مغلظة، أنه فى طاعة السلطان الملك المنصور وموافقته، وإخلاص النية له، وأنه رضى بالمكان الذى عينه له، وهو قلعة صرخد، وأنه لا يكاتب ولا يستفسد أحدا، إلى غير ذلك، مما اشترط عليه. ثم وصل الأمير سيف الدين قبجاق المنصورى، نائب السلطنة بالشام، إلى دمشق فى يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الأول، ونزل بدار السعادة، على عادة النواب «1» .
وخرج الملك العادل، من قلعة دمشق، وتوجه إلى صرخد، فى ليلة الثلاثاء تاسع عشر، شهر ربيع الأول. وتوجه معه مماليكه، وجرد معه جماعة من العسكر الشامى، إلى أن وصل إلى قلعة صرخد.
فكانت مدة سلطنة الملك العادل، منذ جلس على تخت السلطنة، بقلعة الجبل، فى يوم الأربعاء حادى عشر المحرم سنة أربع وتسعين وستمائة، وإلى أن فارق الدهليز بمنزلة العوجا، وتوجه إلى دمشق، فى يوم الاثنين الثامن والعشرين من المحرم، سنة ست وتسعين وستمائة، سنتين وسبعة عشر يوما، وإلى أن خلع نفسه من السلطنة بدمشق، فى يوم السبت رابع عشرين صفر، شهرا واحدا، وأحد عشر يوما «2» .
ولما وصل الأمير سيف الدين جاغان إلى دمشق، أحضر على يديه توقيعا