الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى يوم الخميس حادى عشر جمادى الآخرة، خلع على الأمراء والأعيان بدمشق، ولبسوا تشاريف السلطان. ووصل طلب نائب السلطنة، الأمير جمال الدين فى هذا اليوم، فتلقاه والأمراء فى خدمته، وعليه التشاريف، ودخل دخولا حسنا.
وفيها، فى شهر رجب، توجه الأمير سيف الدين كرد «1» الحاجب، لنيابة السلطنة الشريفة بالمملكة الطرابلسية.
وفيها، رسم السلطان بالقبض على الأمير سيف الدين كجكن، أحد الأمراء الأكابر المقدمين بدمشق. فقبض عليه فى يوم الجمعة، ثانى عشرين شهر رجب، واعتقل بقلعة دمشق. ثم جهّز إلى الأبواب السلطانية مقيدا، ثانى شهر رمضان، هو وحمدان وأخوه، ولدا صلغاى. وجرد معهم مائة فارس من عسكر الشام.
فوصلوا بهم إلى الأبواب السلطانية «2» .
ذكر الإفراج عن الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وتفويض الوزارة إليه
وفى هذه السنة، فى شهر رمضان، أفرج عن الأمير شمس الدين سنقر الأعسر العزّى المنصورى، وفوض إليه وزارة المملكة الشريفة، وتدبير الدولة بالديار المصرية، وعزل الصاحب فخر الدين الخليلى «3»
ذكر وفود سلامش بن أفال بن بيجو «1» وأخيه قطقطوا ومن معهما، وعود سلامش وقتله
كان سلامش هذا، قد جهزه قازان «2» ملك التتار إلى بلاد الروم، مقدما على تمان «3» ، وقيل بل كان معه خمسة وعشرون «4» ألف فارس. وأمره قازان أن يأخذ عساكر الروم، ويتوجه إلى الشام من جهة سيس، وأن قازان يحضر بنفسه، ببقية جيوشه من جهة الفرات، وأن يكون اجتماعهم على حلب، ثم يعبرون «5» بجملتهم إلى الشام. فلما وصل سلامش إلى بلاد الروم، خلع طاعة قازان، وحدثته نفسه بالملك، وكاتب ابن قرمان أمير التركمان، فأطاعه وانضم إليه فى عشرة آلاف فارس. وكتب إلى السلطان [المنصور لاجين «6» ] ، يستنجده على قازان. ووصل برسالته وكتبه إلى الأبواب السلطانية، مخلص الدين الرومى.
فكتب السلطان إلى دمشق بتجهيز العساكر لنصرته وإنجاده.
ولما اتصل بقازان خبر خروجه عن الطاعة، انثنى عزمه عن قصد الشام، فى هذه السنة. وجرد العساكر إلى سلامش فى أوائل جمادى الآخرة، وكانوا خمسة وثلاثين ألفا، مع ثلاثة «1» مقدمين، ومرجعهم إلى بولاى «2» . فتوجهوا إلى سلامش، وكان قد جمع نحو ستين ألف فارس. وهو يحاصر سيواس، فإنها كانت قد عصت عليه. فأتته العساكر فى شهر رجب، والتقوا، ففارقه من كان معه من عسكر التتار، والتحقوا ببولاى، وكذلك عسكر الروم، ولحق التركمان بالجبال.
وبقى سلامش فى دون خمسمائة فارس، ففر من سيواس إلى بلاد سيس، ووصل إلى بهسنا «3» فى أواخر شهر رجب «4» ، ثم وصل إلى دمشق فى يوم الخميس، ثانى عشر شعبان، وصحبته الأمير بدر «5» الدين الذردكاش نائب بهسنا «6» ، فتلقته عساكر دمشق بأحسن زى صحبة نائب السلطنة بدمشق.
ثم توجه سلامش إلى الأبواب السلطانية، فى يوم الأحد خامس عشر شعبان، على خيل البريد، فوصل إلى الأبواب السلطانية، وهو وأخوه قطقطوا،
فأكرمهما السلطان والأمراء، وأحسنوا إليهما. وخيّر [سلامش «1» ] بين المقام بالديار المصرية أو العود. فسأل أن يجرد السلطان معه جيشا، ليتوجه إلى بلاد التتار، ويأخذ عياله «2» ؛ ويرجع إلى خدمة السلطان. فجهزه السلطان إلى حلب.
ورسم أن يجرد معه الأمير سيف الدين بكتمر الجلمى «3» ، وأعانه «4» . فوصل إلى دمشق فى الحادى والعشرين من شهر رمضان. وتوجه فى الثالث والعشرين من الشهر، صحبة الأمير بدر الدين الذردكاش. ولما وصل إلى حلب، جرد معه الأمير سيف الدين بكتمر الجلمى حسب المرسوم. فساروا إلى بلاد سيس، فشعر بهم صاحبها والتتار الذين بتلك الأعمال. فأخذوا عليهم الطرق والمضايق، والتقوا واقتتلوا، فقتل الجلمى، ولجأ «5» سلامش إلى بعض القلاع. فأرسل قازان فى طلبه، واستنزله فحمل إليه فقتله.
واستقر قطقطو «6» ومخلص الدين الرومى فى الخدمة الشريفة السلطانية بالديار المصرية. فأنعم السلطان على قطقطو بإقطاع، وعلى مخلص الدين براتب.
وفى هذه السنة، فى شهر رمضان، وصل رسول صاحب سيس ورسول صاحب القسطنطينية بتحف وهدايا، وتقادم للسلطان. فوصلوا إلى دمشق فى رابع الشهر، وتوجهوا منها إلى الأبواب السلطانية، فى سادسه «1» . ويقال إن مضمون رسالة صاحب القسطنطينية، الشفاعة فى صاحب سيس، والله أعلم.
ذكر وصول مراكب الفرنج إلى ساحل الشام وتكسير بعضها «2» ، ورجوع ما «3» سلم منها «4»
وفى هذه السنة، فى العشر الأخر من شعبان، وصل إلى بيروت مراكب كثيرة. وبطش «5» للفرنج فيها جماعة كثيرة من المقاتلة، يقال إن البطش كانت ثلاثين بطشة، فى كل بطشة منها، نحو سبعمائة. وقصدوا أن يطلعوا من مراكبهم إلى البر، وتحصل إغارتهم على بلاد الساحل. فلما قربوا من البر، أرسل الله عز وجل عليهم ريحا مختلفة. فغرقت بعض هذه المراكب، وتكسر بعضها. ورجع من سلم منهم على أسوأ حال، وكفى الله تعالى شرهم. وحكى عن
الرئيس ببيروت، أنه قال: والله لى خمسون «1» سنة، ألازم هذا البحر، فما رأيت مثل هذه الريح، التى خرجت على هذه المراكب، وليست من الرياح المعروفة عندنا «2» .
وفى هذه السنة، عزل قاضى القضاة حسام الدين الرومى الحنفى عن القضاء بالديار المصرية، وأعيد إلى القضاء بدمشق عوضا عن ولده القاضى جلال الدين.
وكان وصوله إلى دمشق فى يوم الخميس، سادس ذى الحجة. ولما عزل فوض القضاء بالديار المصرية، على مذهب الإمام أبى حنيفة، للقاضى شمس الدين أحمد السروجى الحنفى، على عادته.
وفيها، كانت وفاة الأمير الزاهد بدر الدين الصوابى فجأة فى ليلة الخميس، تاسع جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون بكرة النهار. وكان أميرا دينا صالحا، خيرا كثير البر والصدقة. وروى الحديث النبوى، وكان له فى الإمرة نحو أربعين سنة. وكان من مقدمى الألوف وأمراء المائة بالشام، رحمه الله تعالى.
وفيها، كانت وفاة بدر الدين بيسرى الشمسى الصالحى النجمى، الأمير الكبير المشهور فى معتقله، بالفاعة الصالحية، بقلعة الجبل المحروسة، وأخرج ودفن بتربته. وكان الملك الناصر، لما عاد الى الملك، رسم بالإفراج عنه. فوقف الأمراء فى ذلك، وحسّنوا للسلطان «3» إبقاءه على ما هو عليه. فرجع إلى رأيهم وأبقاه «4» ، فمات بعد ذلك بمدة يسيرة. وكان رحمه الله تعالى، كريم النفس، عالى الهمة، يعطى الكثير ويستقّله، وكان عليه فى أيام إمرته لجماعة كثيرة من
مماليكه وأولادهم، وخدامه، الرواتب الوافرة من اللحم والتوابل والجرايات والعليق. فرتب لبعضهم فى كل يوم سبعين رطلا من اللحم بالمصرى، وما يحتاج إليه من التوابل والخضراوات والحطب، وسبعين عليقة، ولأقلهم خمسة أرطال، وخمس علائق، ولبعضهم عشرين رطلا وعشرين عليقة، هذا زيادة من جهته على ما لهم من الإقطاعات السلطانية. وبلغ ما يحتاج إليه فى كل يوم بسماطه ودوره المرتب عليه فيما بلغنى، ثلاثة آلاف رطل لحم، وثلاث «1» آلاف عليقة. وكان ينعم بألف دينار عينا، وبألف أردب غلة، وبألف قنطار من العسل. ويتصدق على الفقراء بألف درهم وخمسمائة درهم. ولا يعطى أقل من ذلك إلا فى النادر عند التعذر. ولا يفعل ذلك عن امتلاء «2» ولا سعة. ما زال عليه لأرباب الديوان أربعمائة ألف درهم، وأكثر من ذلك. وإذا وفى دينا، اقترض خلافه، يتكرم بذلك. ولا يتجاسر أحد من مماليكه وألزامه أن يعدله عن ذلك، ولا يشافهه فى الإمساك عنه، والاختصار منه. وإن كلمه أحد منهم، أنكر عليه، وربما ضربه وأهانه، وعزله عن وظيفته، وإن كان أستاذ دار أو مباشرا عنده. وكانت مكارمه كثيرة مشهورة وعطاياه وصلاته وافره مذكورة، ما رأى أهل عصره من أمثاله فى المكارم والعطايا والإنفاق والهبات والصلات مثله، رحمه الله تعالى، ومات وعليه من الديوان، ما يزيد على أربعمائة ألف درهم، ورتب بعده من موجوده وأملاكه، رحمه الله تعالى «3»